الأزهر ينشر تقريرا حول «القواعد الاجتماعية للتطرف وأثرها على تنشئة الأطفال»

نشرت وحدة اللغة العربية بمرصد الأزهر لمكافحة التطرف، تقريرا جديدا بعنوان "القواعد الاجتماعية للتطرف وأثرها على تنشئة الأطفال"، حيث تُعد التنشئة الاجتماعية عمليةً متعدّدة الأركان، قائمة على التعليم والتعلم والتربية للأطفال منذ الصغر، وتهدف إلى اكتساب الطفل سلوكًا وقيمًا، واتجاهاتٍ تمكّنه من التوافق الاجتماعي السليم في المجتمع الذي يعيش فيه، وقد حثَّنا الدين الإسلامي الحنيف على تنشئة الأطفال على منهاجٍ قويم، وطريقٍ مستقيم، من خلال تلقينه التعاليم الإسلامية الصحيحة التي تتّسم بالوسطية والاعتدال، بعيدًا عن التشدّد والتطرف، فينشأ الطفل متشبَّعًا بالإسلام عقيدة وشريعة، متصلًا به منهاجًا وسلوكًا.

وتابعت:" يولي الإسلام التنشئة الاجتماعية للطفل اهتمًامًا كبيرًا لبناء جيل سويٍّ يحمى دينه ومجتمعه من الأفكار الشاذّة والمتطرفة، ولكننا نجد أن هناك أخطارًا تكمن في المنهج العام عند تربية الأطفال، وخاصة إذا كانت تلك التربية قائمة على قواعد التطرف والغلو في الدين كما في التنظيمات الإرهابية".

ولفتت إلى أنه مع انتشار وباء فيروس كورونا نجد تناول التنظيمات الإرهابية ونظرتهم لهذا الوباء نظرة مختلفة عن غيرهم، وهنا تبرّز التنشئة الاجتماعية التي يتعمدّ أصحاب هذه الأفكار الهدامة بثَّها في عقول أطفالهم، وأقرب مثال لهذا ذلك اللقاء الذي نشرته إحدى المنصات الإعلامية، لعدد من النساء اللاتي يتّبعن تنظيم داعش الإرهابي، ويظهر فيه التعصب الأعمى والجهل المطبق الذي بات واضحًا عند حديث إحدى السيدات عن الجائحة العالمية "فيروس كورونا" المستجد، ومدى إصرار تلك الداعشية على تأكيدها أن المرض لا يقترب منهم، ولا يمكن أن يصيبهم لكونهم مؤمنين، أما ما عدا أبناء التنظيم فهم عرضة لهذا المرض لأنهم غير مؤمنين.

ويظهر أثر التنشئة الاجتماعية الخاطئة التي تبذلها نساء داعش لأطفالهن وفق المرصد في فيديو لثلاثة من الأطفال في صحبة أمهاتهن، وهم يستمعون إلى ما يُلقى إليهم من أفكار هدامة، ومغالطات شرعية، تؤهلهم ــ في القريب العاجل ــ لتقديم دمهم فداءً لهذا الفكر الأسود!

كما يتجلّى للناظر فيما بين السطور كثيرٌ من القواعد الاجتماعية التي تعطينا رؤية حقيقة لما يدور خلف الأكمة، وما يجري وراء كواليس تنظيم داعش الإرهابي، وكيف يُربون أولادهم على الفكر المنحرف منذ الصغر، ومن هذه القواعد:

قاعدة المكانة الاجتماعية للتنظيم:

تلك القاعدة التي تجلّت واضحة عند الحوار الإعلامي مع الداعشيات، والتي تشير إلى الوضع أو المرتبة التي يحتلّها الشخص في المجتمع، وفي هذا الحوار تظهر تلك المكانة باعتبارها موقع الفرد كما يدركه الفرد ذاته، وليس كما يدركه الآخرون عنه، ففي الثواني الأُوَل لهذا الفيديو نجد التظاهر بتلك المكانة المزيّفة حتى يصل الأمر إلى التباهي والاستعلاء بأنهن غير البشر، ومن على شاكلتهن من أعضاء ذلك التنظيم، وهذا بدوره يتم غرسه في عقول الأطفال فيشتدّ عودهم على التمرّد المجتمعي؛ اعتقادًا منهم أنهم يختلفون عن بقية البشر، حيث قالت السيدة الداعشية متحدثة عن أنها وكل منسوبي التنظيم بمنأى عن أن يدركهم مرضٌ أو يصيبهم سوء: «المرض ما يجي علينا احنا»، وهذه الجملة وحدها تكررت ما يقرب من خمس مرات، في مقطع فيديو مدته خمسين ثانية!

وتستكمل الداعشية حديثها عن المكانة الاجتماعية المتفرّدة لمنسوبي التنظيم فتقول: «احنا متقين الله، نصوم ونصلي، ونخاف الله، ومسلمين على ديننا الإسلامي»!.

قاعدة منهج الحياة الاجتماعية:

وهى من القواعد الاجتماعية المهمة لأعضاء التنظيم كافة؛ حيث تشير إلى الطريق الذي يسير عليه الإرهابي في حياته، وهي قاعدة يتم غرسها في عقول الأطفال منذ الصغر حتى يصلوا إلى مبدأ السمع والطاعة العمياء عند الكبر، وهنا تحكي الداعشية - بفخر واعتزاز- قائلة: «وعلى منهاجنا، منهاج أبي بكر البغدادي»، فمنهج الحياة عندهم، يتبلور في فكر زعيمهم المتطرف "أبي بكر البغدادي"، ذلك الإرهابي الذي عمد إلى ارتكاب الجرائم الوحشية، وقتل الأبرياء. وهنا يظهر أثر تربية الأطفال بالقدوة وتمثل هذا في رؤية الأطفال لأمهاتهم يفتخرن بالسير على خطى تكفيري، فلا يجد هذا الطفل بدًّا من الارتواء بهذا الفكر، والسير على منهج صاحبه باعتباره القدوة في حياته.

قاعدة الإيهام الاجتماعي:

وهي قاعدة مهمة في التنشئة الإرهابية عند الأطفال، والتي تشير إلى ترسيخ الوهم الزائف للفكر التكفيري في أذهان الأطفال منذ نعومة أظفارهم، وهو ما اتضح عند الردّ الصارم للداعشيات فور تناول الإعلامية قضية موتى المسلمين في العالم بسبب فيروس" كورونا"، بقولهن: «هؤلاء ما هم مسلمين» وقولهن: «يأتي المرض على الكفار»؛ في إشارة إلى عدم اقتراب المرض منهن ومن أعضاء ذلك التنظيم باعتبارهم مؤمنين ــ على حد زعمهن ــ فهم يرَوْن أن المسلم هو من يعتنق الفكر الأسود فقط، وأن الكفر يحيط بجميع الأفراد سواهم، ومن ثمَّ يتم غرس الوهم في عقول وقلوب الأطفال منذ الصغر بأن جرائم التنظيم الإرهابي من الثوابت لمحاربة الكفار ــ كما يدعون ــ وهو ما يفسر الجرائم التي يرتكبونها في حق الأبرياء، كما في حوادث الذئاب المنفردة التي يرتكبها الداعشي تجاه أهله وأقرانه؛ اعتقادًا منه بدخوله الجنان عند قتله لذويه باعتبارهم كفارًا!

واعتمادًا على قاعدة الإيهام الاجتماعي عند الأطفال تؤكد إحدى الداعشيات أن الفيروس انتقام المولى - عز وجل - من غيرهم من الكفار من أبناء المجتمع ـ على حد زعمها ـ، وذلك عند قولها: «هذا المرض يصيب الكافر، وقد أرسل الله هذا المرض وهو من جنود الله بل هو جند واحد من جنود الله».

قاعدة المظلومية الاجتماعية:

وهذه القاعدة تشير إلى الشعور الداخلي بالظلم الاجتماعي، وهو ما ظهر جليًّا في قول إحدى الداعشيات: «المرض يأتي على من لا يخاف الله، على من يظلمون الناس، ويظلمون الإخوة، ما يجي على المسلمين، ما يجي علينا»!.

فهم يعتقدون أن المرض يأتي لغيرهم باعتبارهم المظلومين في المجتمع، وفي نفس الوقت يغضون الطرف عن جرائمهم التي فعلوها، وأقدموا عليها من قتل وذبح وحرق، وغير ذلك من الجرائم التي تفوّق فيها تنظيم داعش الإرهابي على الحيوانات الضارية في الصحاري والفيافي.

جدير بالذكر أن اعتماد الحركات والجماعات المتطرفة والإرهابية على المظلومية الاجتماعية باعتباره سلاحًا نفسيًّا ومعنويًّا يبيح لهم سفّك مزيد من الدماء بأريحية دون شعور بالذنب.

وفي هذا السياق يؤكد مرصد الأزهر على ضرورة الاستمرار في التصدّي لتلك الأفكار التكفيرية، والتناول الدقيق لمراحل التّنشئة الإرهابية في محاضن التنظيمات الدامية، والتوعية الاجتماعية لعدم الانسياق خلف الشعارات البراقة لتلك الجماعات التكفيرية، ذلك الفكر الذي يحتوي على الكثير من المغالطات الدينية والاجتماعية، مع الحرص على تنشئة الأطفال النّشأة السوية، وغرس قيم التعايش المشترك وقبول الآخر.