محافظ البنك المركزي
ينشر "حصاد مصر"، نص كلمة محافظ البنك المركزي المصري، حسن عبد الله، خلال افتتاح اجتماعات مجموعة بنك التنمية الإفريقي، المنعقدة بمدينة شرم الشيخ.
بسم الله الرحمن الرحيم
فخامة السيد رئيس جمهورية مصر العربية
السادة أصحاب الفخامة والسعادة رؤساء الدول والحكومات،،
السيد الدكتور رئيس مجموعة بنك التنمية الإفريقي،،
السادة الحضور ضيوف مصر الكرام،،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
يطيب لي بداية أن أرحب بحضراتكم جميعًا في هذا المحفل المتميز. وإنه لَمِن دواعي سروري واعتزازي أن تستضيف جمهورية مصر العربية، وبتشريف فخامة السيد رئيس الجمهورية، هذا الحدث الهام على أرض السلام، مدينة شرم الشيخ، وبمشاركة نخبة من الخبراء والمختصين، وممثلي الجهات الحكومية ومؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والمهتمين بالقضايا التنموية، لتكون بذلك تلك الاجتماعات بمثابة منصة دولية لمناقشة القضايا المحورية المثارة في المحافل المالية والاقتصادية، وطرح الرُؤى حول آليات التعامل مع تلك القضايا والتحديات.
وإنني إذ أتمنى لحضراتكم طيب الإقامة في هذه المدينة الساحرة، فإنني أتطلع إلى أن تُثمر اجتماعاتنا هذه، والفعاليات المصاحبة لها، عن بلورة رؤية واقعية واضحة لخارطة طريق مُستقبلية، لآليات التعامل مع كافة القضايا والموضوعات المعروضة للنقاش، وهو الأمر الذي تفرضه معطيات المرحلة الحالية، ليس على مستوى قارتنا الإفريقية فحسب، بل جميع دول العالم.
السيدات والسادة، الحضور الكرام
أود أن أعرب عن خالص تقديري لإدارة مجموعة بنك التنمية الإفريقي بمستوياتها المختلفة على الاختيار الموفق لعنوان الاجتماعات السنوية لهذا العام، والتي تأتي تحت شعار "حشد" موارد القطاع الخاص لتمويل دعم المناخ، والنمو الأخضر في إفريقيا"، ليتضمن عِدة محاور أساسية تحظى باهتمام إقليمي وعالمي مشترك، ولعل من أبرزها ما يرتبط بإتاحة الموارد المالية اللازمة لمواجهة تداعيات التغيرات المناخية، وذلك من خلال إشراك القطاع الخاص وتفعيل دوره الحيوي في هذا المجال.
الأخوة والأخوات،،
يتزامن انعقاد الاجتماعات السنوية لبنك التنمية الإفريقي هذا العام مع ظهور العديد من المستجدات والتحديات على جميع الأصعدة، ومن أبرزها اضطراب أداء القطاعات المالية، واستمرار ارتفاع الضغوط التضخمية، وتزايد حدة الاضطرابات الجيوسياسية، فضلا عن تداعيات أزمة وباء "كوفيد - 19".
حجم ولم تَكُن القارة الإفريقية بمنأى عن تلك التحديات، التي أدت إلى تزايد الضغوط على اقتصادات دول القارة، لتزداد فجوات التمويل اتساعا مع تراجع المساعدات الدولية واضطراد أعباء الديون، وتزايد تكاليف برامج وإجراءات الحماية الاجتماعية. وهو الأمر الذي نَتَج عنه بلا شك انحسار قدرة حكومات تلك الدول على تنفيذ خططها التنموية التي تأخذ بعين الاعتبار البعد البيئي، وصولا إلى بلوغ هدف استدامة التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولعلكم تُشاركُونَني الرأي في أن تحقيق الطموحات التنموية، إنما يُؤكد على أهمية الدور المنوط بمؤسسات التمويل الإقليمية والدولية المعنية بقضايا التنمية داخل القارة، وعلى رأسها مجموعة بنك التنمية الإفريقي الذي يلعب دورًا محوريًا لتعزيز ثقة مستثمري القطاع الخاص.
وهو الأمر الذي يفرض ضرورة النظر في إيجاد آليات وأدوات تمويلية جديدة ومبتكرة، تستهدف تعزيز قدرات الدول الإفريقية في مواجهة تلك التحديات، سعيًا إلى تحقيق الاستقرار والنمو الاقتصادي الشامل والمستدام.
وفيما يتعلق بالبعد البيئي تحديدًا في القارة الإفريقية، فعلى الرغم من مساهمة أفريقيا بأقل نسب من الانبعاثات عالميًا، إلا أن القارة تتحمل أعباء كبيرةً من تأثيرات التغيرات المناخية.
ويُقدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أنه ما بين 75 مليون إلى 250 مليون نسمة من سكان إفريقيا قد عانوا من مشاكل نقص المياه نتيجة التغيرات المناخية، والتي تهدد بانخفاض حجم ومعدل الناتج الزراعي المعتمد على مياه الأمطار بمقدار النصف.
ففي عام 2020، بلغ حجم التدفقات المالية المحلية والدولية المخصصة لمواجهة تغير المناخ في القارة الإفريقية ما قيمته حوالي 30 مليار دولار أمريكي فقط، وهو ما لا تتجاوز نسبته 12% من حجم التمويل المطلوب، الأمر الذي يعكس حجم الفجوة التمويلية التي تواجهها دول القارة في هذا المجال.
وفي ظل الضغوط التي تُعاني منها معظم موازنات دول القارة، فإن الأمر يتطلب تشجيع القطاع الخاص على توجيه المزيد من استثماراته إلى المشروعات صديقة البيئة، والتحول من الاستثمارات القائمة على أدوات الدين إلى الاستثمارات الفعلية في رأس المال، وتعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
وفيما يتعلق بمؤسسات التمويل الإقليمية والدولية، فإنه قد يكون من المُناسب أن تنظر تلك المؤسسات في اتِّباع نهج جديدٍ لِمُساندة دول القارة الإفريقية، بحيث لا ينحصر دورها في تقديم القروض وما تفرضه من أعباء متزايدة على اقتصادات دول القارة، وإنما العمل على زيادة تدفق قنواتها التمويلية تجاه تشجيع الاستثمارات في المشروعات البيئية والتنموية التي تُعزّز التنمية المستدامة.
وفي هذا السياق، ومن منطلق الاحتياجات الحالية لدول القارة، وإيمانا بالدور الهام الذي تلعبه مؤسسات التمويل الإقليمية، أرى إمكانية أن تتبنى هذه المؤسسات رسالة واضحة، تقضي بتجنب التوسع في الإقراض مُرتفع التكلفة، وتوجيه الجانب الأكبر من برامجها التمويلية نحو تشجيع الاستثمارات المباشرة في دول القارة.
السيدات والسادة، الحضور الكرام
إِنَّ مِصر جزء لا يتجزأ من تلك التفاعلات الإقليمية والعالمية، وبالتالي، فإن تلك التطورات والمتغيرات المعاصرة، كان لها بالغ الأثر على العديد من المعطيات المالية والاقتصادية المحلية.
وهنا، أود أن أؤكد على أن جميع المسئولين في مصر تتكاتف جهودهم الرامية إلى اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الكفيلة بالحد من الآثار السلبية لتلك المتغيرات. وهو الأمر الذي يتوافق ويتسق مع توجيهات فخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي، حيث أشار سيادته - في الجلسة الختامية للمؤتمر الاقتصادي لمصر لعام 2022 - إلى أنه على كُلِ مَسئول أن ينظر إلى المستقبل حتى يتخطى التحديات.
وأكد سيادته أيضا على أن الدولة المصرية مستعدة لتقديم كل الدعم الممكن للمستثمرين.
من جانب آخر، وفي إطار رئاسة مصر لمؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة حول تغير المناخ (27) (COP)، تم إطلاق عددٍ من المبادرات، تمحورت حول موضوعات تمويل المناخ والتنمية.
وانطلاقا من حرص واهتمام الرئاسة المصرية للمؤتمر بتلك الموضوعات، فَلَقَد تَمَّ تَخصيص يومٍ ضمن برنامج أعماله لمناقشة آليات التمويل المبتكر والمختلط، والأدوات والسياسات المالية لتعزيز القدرة على النفاذ للتمويل، بما في ذلك مُبادرة مبادلة الديون من أجل العمل المناخي، فضلا عن إطلاق مبادرة أسواق الكربون، التي تحظى بدعم من الحكومات الإفريقية ومشاركة من القطاع الخاص بالقارة الإفريقية.
السيدات والسادة،
الحضور الكرام
لا يسعني في ختام كلمتي إلَّا أن أتوجه بكل الشكر والتقدير لفخامة السيد الرئيس عبد الفتاح السيسي على رعايته الكريمة للاجتماعات السنوية لمجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2023، وتشريف سيادته للجلسة الافتتاحية لهذه الاجتماعات، والشكر موصول لحضراتكم جميعًا، مؤكدًا على ثقتي من أن هذا الجمع الكريم، الذي يضم نخبة من الخبراء والمتخصصين، من شأنه أن يُهيئ فرصةً طيبة لمناقشة أبعاد الواقع المالي والاقتصادي الإقليمي والعالمي، وطرح الرُؤى في سُبل مواجهة التحديات، خاصة تلك التي تثقل كاهل اقتصادات دول القارة الإفريقية، مُؤكّدًا على أن هذه الدول ليست بحاجة إلى مزيد من القروض مرتفعة الأعباء، بقدر حاجتها لتدفق المزيد من الاستثمارات المباشرة.
أتمنى كل التوفيق والسداد الأعمال الاجتماعات السنوية وجميع الفعاليات المصاحبة لها.
أشكركم جميعًا على حسن استماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،