وزير الخارجية
ينشر "الحصاد مصر"، نص كلمة سامح شكري وزير الخارجية، خلال اجتماع الدورة غير العادية لمجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري بشأن فلسطين.
وجاء نص الكلمة كالآتي:
دخلت القضية الفلسطينية، منحي جديداً خلال الأيام الماضية، ويشهد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي منعطفاً خطيراً سيكون له تأثيره على الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد سواء، بل قد يؤثر على شعوب المنطقة برمتها إذا لم يتم احتواء تدهور الأوضاع وحلقات العنف في التوقيت المناسب.
فنحن نجتمع اليوم على خلفية تصعيد غير مسبوق شهدته إسرائيل ويشهده قطاع غزة، نتج عنه سقوط المئات من الضحايا والمصابين، ومازالت الأعداد في تزايد، وإنني إذ أنتهز هذه المناسبة لأؤكد في بداية كلمتي رفضنا وإدانة تعرض المدنيين - أي مدنيين - إلى هذا المستوي من القتل والعنف والقصف.
كما أؤكد على أهمية إيلاء الأولوية الأولى إلى وقف هذا النزيف من الدماء البريئة، وضرورة توفير الحماية للمدنيين، وإدانة ورفض تعرضهم للاستهداف تحت أي ذريعة، وكذلك توفير النفاذ الآمن للمساعدات الإنسانية وفقاً للأعراف والقوانين الدولية، بل ووفقاً لأبسط مبادئ وقيم الإنسانية.
ستواصل مصر خلال الفترة المقبلة اتصالاتها بجميع الأطراف الإقليمية والدولية، وطرفي النزاع، من أجل العمل على احتواء هذا التصعيد غير المسبوق، وأدعو المجتمع الدولي بدوله ومنظماته للعمل من أجل تنفيذ هذا الهدف حقناً للدماء كأولوية أولى، وللحيلولة دون امتداد المواجهات الحالية بصورة تهدد بإشعال الأوضاع في المنطقة، وتعريض شعوبها لويلات حرب موسعة يصعب تصور مداها.
إن قسوة المشاهد التي رأيناها في الأيام الماضية لا تحتاج إلى تفسير، فهي نتيجة حتمية لإهمال التعاطي الجاد مع القضية الفلسطينية، واستمرار حالة الجمود السياسي وتراجع الاهتمام الدولي، والاكتفاء بإدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي دون العمل على تسوية شاملة وعادلة تضمن رفع الظلم الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني على مدار العقود الماضية.
إنه غير خاف عليكم أن استمرار الانتهاكات والإجراءات أحادية الجانب في الأرض الفلسطينية المحتلة، وإصرار الحكومة الإسرائيلية على تغييب أي أفق لاستئناف العملية السياسية مع الجانب الفلسطيني، رغم ما بذل من جهود في أكثر من مسار ومبادرة، قد أفقد قطاع واسع من الشعب الفلسطيني الأمل في استعادة حقوقه.
كما أتى هذا التصعيد الأخير على خلفية تصاعد وتيرة التحريض، والاقتحامات العسكرية لمدن الضفة، وهدم المنازل وتهجير الفلسطينيين، والتوسع الاستيطاني في الأراضي المحتلة، وارتفاع معدلات عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين، والانتهاكات غير المُبرّرة للوضع القائم بالمقدسات في مدينة القدس بما في ذلك المسجد الأقصى المبارك.
واهم من يعتقد أن الأمن والاستقرار والتعايش بين الشعوب في منطقة الشرق الأوسط، يمكن أن يتحقق دون إنهاء أطول احتلال في العصر الحديث، وهو الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، وبما يضمن استعادة الشعب الفلسطيني لحقوقه المشروعة غير القابلة للتصرف وعلى رأسها حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام ١٩٦٧ وعاصمتها القدس الشرقية، وإيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
الحضور الكريم
إنه خلال اجتماعنا اليوم يعيش أهل قطاع غزة مأساة حقيقية تحت القصف، وتحت الحصار والتجويع الذي يتناقض مع القانون الدولي الإنساني، بلا كهرباء أو غذاء أو مياه نظيفة، إن أهل القطاع يتم إجبارهم على هجر منازلهم، ومنهم من هجرها خوفاً على حياته وحياة أطفاله، فلاقي ربه تحت القصف في وجهته الجديدة.
وإننا إذ نطالب بعدم التعرض للمدنيين من أطفال ونساء وشيوخ ورجال بصرف النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، فإننا نحمل إسرائيل المسئولية الكاملة عن مصير قطاع غزة، وعن سياسة العقاب الجماعي العشوائي التي تتبعها في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني.
ونطالب إسرائيل في هذا السياق بالالتزام بمسئولياتها القانونية وفقاً لاتفاقيات جنيف باعتبارها الدولة القائمة بالاحتلال، كما نطالبها باتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن النفاذ الإنساني وحماية المدنيين الفلسطينيين العُزّل قبل أن تصل الأزمة إلى كارثة إنسانية.
كما نطالب جميع الأطراف بلا استثناء بتغليب صوت العقل في هذه المرحلة الحرجة وتجنيب انزلاق المنطقة إلي هاوية سيصعب الخروج منها.
كما أشدد كذلك على رفضنا الكامل لأي محاولات لتصفية القضية الفلسطينية بالوسائل العسكرية، أو التهجير على حساب دول المنطقة، وتؤكد مصر أنها ستظل على موقفها الداعم للحق الفلسطيني المشروع في أرضه، ونضال الشعب الفلسطيني.
ختاماً، أود التذكير أن مصر هي التي فتحت بوابة السلام في منطقة الشرق الأوسط، وتحملت تكاليف باهظة للحفاظ على أفقه وإمكانية تحقيقه.
وستظل مصر على عهدها في تحمل مسئولياتها تجاه أشقائها العرب، ولن تألو جهداً خلال الفترة المقبلة للعمل مع الجميع على التوصل إلى تهدئة، ثم معاودة العمل بلا كلل على التوصل لسلام شامل وعادل يرتقي لتطلعات شعوب المنطقة بأسرها، ومن ثم أدعو طرفي الصراع إلى التعاطي إيجابياً مع جهود إنهاء هذه المرحلة من الصراع، وأؤكد استعداد مصر لرعاية هذا المسار والإسهام مع جميع الشركاء لإنجاحه.