حرمة التعدي على المال العام.. نص خطبة الجمعة 15-11-2024 مكتوبة

حددت وزارة الأوقاف موضوع خطبة اليوم الجمعة 15-11-2024 في مختلف المساجد ضمن توحيد الخطبة، باستثناء الجامع الأزهر، والتي ستكون بعنوان "المال العام وحرمة التعدي عليه".

ونقدم لكم نص خطبة اليوم الجمعة 15-11-2024 مكتوبة... 

المال العام وحرمته

الحمد لله رب العالمين، بديع السماوات والأرض، ونور السموات والأرض، وهادي السموات والأرض، أقام الكون بعظمته وجلاله، وأنزل الهدى على أنبيائه ورسله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إلهًا أحدًا فردًا صمدًا، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين، وخاتمًا للأنبياء والمرسلين، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد،

فإن المتأمل في الحديث النبوي الشريف يجد تحذيرًا شديدًا من التعدي على المال العام بأي شكل من الأشكال. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن رجالًا يتخوضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة». أليست هذه دعوة للتفكر في قداسة المال العام وعظمته؟ أليس هذا المال هو مال الله تعالى؟

أيها المعتدي على المال العام، اعلم أن تعديك لا يقتصر على مال الوطن والمواطنين فقط، بل هو تعدٍ على مال الله جل جلاله! هل تعلم عواقب هذا الأمر ونتائجه؟ إن المال العام هو مال مقدس، وأي تعدٍ عليه هو جور وبغي على المال الذي نسب إلى الله لحمايته وصيانته. فتأمل في عاقبة من يعتدي على مال الله بتضييعِه أو أخذِه بغير حق، كما قال صلى الله عليه وسلم: «فلهم النار يوم القيامة». وقال صلى الله عليه وسلم أيضًا: «أيما لحم نبت من حرام فالنار أولى به».

ولعل سؤالًا يتبادر إلى أذهاننا جميعًا: ما هو المال العام؟ لنجيب بأن المال العام هو الذي لا يخص شخصًا واحدًا بل هو ملك المجتمع بأسره. وهو مال ينتفع به الجميع كالمرافق العامة من طرق وكهرباء ومياه ومدارس ومستشفيات وغيرها. ولا ينبغي أن يتساهل الناس في الاعتداء عليه، لأن المال العام ملك للجميع ويجب الحفاظ عليه. فكيف يمكن أن يكون لنا الحق في الاعتداء على مال الأمة والمجتمع؟

إن من أعظم الغفلة أن تخلط بين حقوقك الشخصية وحقوق المجتمع، فتعظم حرمات أموالك الخاصة وتستبيح المال العام الذي يعود نفعه إلى الجميع. إن المال العام أشد حرمة وأعظم حماية من المال الخاص في نظر الله ورسوله، مع أن حرمة المال الخاص قد عظمت في الإسلام. فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أتدرون ما المفلس؟» فذكر من يعتدي على مال الناس ويأخذ حقهم في الدنيا، ثم جاء الوعيد في الآخرة حيث يُسحب من حسناته ويعطى لمن ظلمهم حتى تنفد حسناته ويُرمى في النار.

وقد ورد في الحديث الصحيح: «من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة»، فكيف الحال إذا كان الاعتداء على المال العام الذي هو حق مشترك بين جميع الناس؟!

أيها المؤمنون، حافظوا على المال العام واعتنوا بحمايته، فالتعدي عليه ليس مجرد تجاوز قانوني أو إداري، بل هو عمل محرم وموبق. فالله تعالى قد حرّم على الناس الاعتداء على حقوق بعضهم البعض، وأشد هذه الحقوق ما يتعلق بالمصلحة العامة.

لذلك، يجب على الجميع أن يتحمل مسؤولياته تجاه وطنه ومجتمعه، وأن يحافظ على الموارد والمقدرات الاقتصادية للبلاد. فكل جريمة تتعلق بالمال العام، مثل الرشوة والاختلاس والتربح غير المشروع، هي خيانة وإثم عظيم، قال الله تعالى: {وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ القِيَامَةِ}.

وتذكروا هذا المثال الذي يبين لنا كيف يجب أن يكون التعامل مع المال العام: عندما طلب أبو بكر بن عمرو بن حزم (أمير المدينة) من أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز مزيدًا من الأوراق لاستخدامها في مصلحة المسلمين، وجهه عمر إلى مبادئ الشفافية والنزاهة، وقال له: «أدق قلمك، وقارب بين أسطرك، واجمع حوائجك، فإنني أكره أن أخرج من أموال المسلمين ما لا ينفعهم».

أيها المسلمون، إذا أردتم البركة في أموالكم وأهاليكم، فتجنبوا المال الحرام وابتعدوا عن كل ما يمس حقوق الآخرين. حافظوا على أموال الناس وممتلكاتهم، فذلك براء لذمتكم وراحة لقلبكم.

اللهم اجعل بلادنا مناراتٍ للخير والبركة، وارزقها الأمن والاستقرار، واجعلها في رعاية الله وحفظه.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

يمين الصفحة
شمال الصفحة