
كسر الدولار حاجز الـ50 جنيها هبوطاً لأول مرة منذ شهور، بينما يشهد الجنيه المصري تحسنًا ملحوظًا أمام الدولار الأمريكي خلال الأيام الماضية، في ظل العديد من العوامل الاقتصادية القوية والتي يأتي في مقدمتها، تدفق قوي للتحويلات من المصريين العاملين في الخارج، وارتفاع ملحوظ في إيرادات قطاع السياحة.
وشهد سعر صرف الدولار الأمريكي مقابل الجنيه المصري تراجعا نسبيًا خلال تعاملات الأسبوع الماضي في معظم البنوك العاملة بالسوق المحلية. وبلغ سعر الدولار بالبنك المركزي المصري 49.73 جنيه للشراء و49.85 جنيه للبيع.
تغيرت توقعات المحللين وبنوك الاستثمار لمستقبل أداء الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي بعد حزمة معطيات جديدة عززت نمو التدفقات الأجنبية الحالية والمرتقبة لمصر التوقعات الإيجابية بارتفاع قيمة الجنيه المصري مقابل الدولار الفترة المقبلة.
هبوط الدولار مقابل الجنيه لأول مرة منذ شهور
وارتفع سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار بنحو 1.3% منذ بداية مايو الحالي، وفقا لأسعار البنك المركزي الرسمية. وتراجع سعر صرف الدولار إلى 50.05 جنيه للشراء و50.15 جنيه للبيع لدى بعض البنوك في نهاية تعاملات أمس مقابل 50.74 جنيه للشراء و50.87 جنيه للبيع في نهاية أبريل.
أبرز التوقعات بشأن تعافي الجنيه
وقال محللو اقتصاد كلي لدى بنوك استثمار مصرية إن الجنيه المصري سيكون أكثر قوة وتماسكا مقابل الدولار الفترة المقبلة، بسبب التدفقات الدولارية المتوقعة من عدة قنوات وأبرزها تحويلات المصريين بالخارج وتحسن إيرادات السياحة بجانب ثقة المستثمرين الأجانب في أدوات الدين الحكومي على الرغم من خفض الفائدة.
وشهدت السوق عودة قوية لمشتريات المستثمرين في أدوات الدين المحلية، حيث بلغت قيمة الاستثمارات نحو 1.1 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، كان أغلبها من مستثمرين عرب، ما يعكس تنامي الثقة في الاقتصاد المصري وقدرته على تحقيق الاستقرار النقدي والمالي.
وفي أحدث عطاء لوزارة المالية المصرية لطرح أدوات الدين المحلية، والذي بلغت قيمته 80 مليار جنيه، أبدت المؤسسات الأجنبية اهتمامًا واضحًا، إذ وصل إجمالي العروض المقدمة إلى نحو 204 مليارات جنيه، قبلت منها الوزارة 111.5 مليار جنيه، في إشارة إلى تحسّن شهية المستثمرين الأجانب للدين المحلي المصري.
إيرادات السياحة
ويأتي هذا التحسّن في وقت تعمل فيه الحكومة المصرية على تنفيذ عدد من الإصلاحات الاقتصادية، بدعم من برنامج تعاون مع صندوق النقد الدولي، يهدف إلى تعزيز استقرار العملة وزيادة موارد النقد الأجنبي.
وبالرغم من التوترات التي تشهدها المنطقة، تمكنت مصر من تحقيق إيرادات سياحية بلغت نحو 15.3 مليار دولار خلال العام الماضي. وتسعى مصر للوصول إلى 17 أو 18 مليون سائح في 2025.
ارتفاع تحويلات المصريين في الخارج
وكشفت بيانات رسمية حديثة عن قفزة تاريخية في تحويلات المصريين العاملين بالخارج بعد عام من الإجراءات الإصلاحية المتخذة في مارس 2024.
وأوضحت البيانات الصادرة عن البنك المركزي المصري، أنه خلال الفترة من مارس 2024 وحتى نهاية فبراير 2025، قفزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج بنسبة 72.4% وبمقدار 13.7 مليار دولار لتصل إلى نحو 32.6 مليار دولار.
كما ارتفعت التحويلات خلال شهر فبراير 2025 للشهر الثاني عشـر على التوالي بأكثر من الضعف، لتصل إلى نحو 3 مليارات دولار، مقابل نحو 1.3 مليار دولار خلال شهر فبراير 2024، وهي تدفقات لم تحدث من قبل خلال شهر فبراير تاريخياً من كل عام.
وأضاف المحللون أن مصر تترقب تحويل ودائع من بعض الدول العربية لاستثمارات مباشرة قريبا، بجانب الهدوء النسبي للتوترات الجيوسياسية في المنطقة، وهو ما ينعكس على ثقة المستثمرين في الاقتصاد المحلي.
وقال رئيس قسم البحوث بشركة عربية أون لاين لتداول الأوراق المالية، مصطفى شفيع، إن قوة سعر الصرف وحالته مرتبطة بشكل أساسي بحجم التدفقات الأجنبية للداخل وخاصة من الدولار مقابل التدفقات للخارج أو الالتزامات المستحقة على الدولة، متوقعا استمرار تراجع الدولار حتى مستوى 50 جنيها خلال العام المالي الحالي.
وعزى توقعاته إلى النمو القوي لتحويلات المصريين بالخارج بجانب ارتفاع إيرادات النشاط السياحي في مصر خاصة مع بدء موسم الصيف.
وقفزت تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى 32.6 مليار دولار بمعدل نمو 72.4% وبمقدار 13.7 مليار دولار خلال (الفترة مارس/فبراير 2024/2025).
وتستهدف الحكومة زيادة تحويلات المصريين العاملين بالخارج إلى نحو 35 مليار دولار في عام 2025/2026، وصولاً إلى حوالي 45 مليار دولار في عام 2028/ 2029، وفقا لوثيقة خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية للعام المالي المقبل.
"من المتوقع تحسن إيرادات قناة السويس تدريجيا لتكون أكثر نموا بداية العام المقبل في ظل هدوء التوترات بالبحر الأحمر"، وفقا لشفيع.
ومن جانبها توقعت العضو المنتدب لشركة عكاظ لتكوين وإدارة محافظ الأوراق المالية، وعضو مجلس إدارة البورصة المصرية، رندا حامد، استمرار تراجع سعر الدولار إلى 50 جنيها والاستمرار عند هذا المستوى حتى نهاية النصف الأول من العام المالي المقبل.
وأشارت حامد إلى النمو الملحوظ في التدفقات الدولارية لمصر سواء من تحويلات المصريين بالخارج أو تحسن إيرادات السياحة حاليا ، والنمو المتوقع لها الفترة المقبلة، خاصة مع افتتاح المتحف الكبير سيعزز السيولة بالعملات الأجنبية والحفاظ على استقرار سعر الصرف.
وأشارت إلى أن تزايد تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة من خلال المناطق الصناعية، سينعكس إيجابيا وتدريجيا على معدلات تدفق العملة الأجنبية للداخل وبالتالي على سعر الصرف.
الأموال الساخنة تعزز السيولة الأجنبية
وتوقعت محللة الاقتصاد الكلي بشركة الأهلي فاروس، إسراء أحمد، استمرار انخفاض الدولار مقابل الجنيه في الفترة المقبلة، مدعوما بتدفقات أجنبية لسوق الدين من ناحية، وتدفقات هيكلية للحساب الجاري من ناحية أخرى.
"وارد جدا تراجع سعر صرف الدولار دون مستوى 50 جنيها الأيام المقبلة، في ظل تعافي أغلب مصادر العملة الأجنبية لمصر"، وفقا لأحمد.
وأشارت إلى أن المحادثات الأمريكية الصينية حول الرسوم الجمركية ومحاولة الوصول لحلول مرضية أنهت حالة عدم اليقين التي كانت سائدة في الأسابيع الماضية، والتي أثرت على التدفقات الأجنبية للأسواق الناشئة ومنها مصر.
وأكدت عودة استثمارات الأجانب في أدوات الدين لمصر بعد انتهاء مرحلة العزوف النسبي من المستثمرين بسبب الحرب التجارية بين الصين وأميركا وتأثيراتها السلبية على الثقة فى الاقتصادات المختلفة.
وتلقت السوق الثانوية للدين الحكومي المصري صافي مشتريات من العرب والأجانب بلغت نحو 1.1 مليار دولار خلال الأسبوع الماضي، وفقا لبيانات البورصة المصرية.
وأشار شفيع إلى أنه على الرغم من خفض الفائدة على الجنيه، إلا أن معدلاتها مازالت جاذبة للمستثمرين الأجانب، خاصة مع انحسار مخاطر عدم اليقين الناتجة عن الجمارك الأمريكية.
"آلية العرض والطلب حاليا هى المتحكم الرئيسي في تسعير العملة بمصر، ولا يوجد حاليا مسببات طلب مرتفعة أو غير محسوبة وهو ما يحافظ على استقرار سعر الصرف الفترة المقبلة"، بحسب شفيع.
هدوء التوترات الجيوسياسية يعيد ثقة المستثمرين
وقالت إسراء أحمد إن التوترات الجيوسياسية حاليا أكثر هدوءًا، وخاصة على جانب الحوثيين وتوترات البحر الأحمر، وهو ما يحمل أثرا إيجابيا لإيرادات قناة السويس، وحال تم التوصل لوقف إطلاق النار في غزة سيتحسن الأمر بشكل أكبر.
"تبحث شركات شحن عالمية حاليا العودة لمسار قناة السويس، بالإضافة لتحسن إيرادات السياحة وتحويلات العاملين بالخارج، ما من شأنه تخفيف الأعباء عن الحساب الجاري لمصر" وفق إسراء أحمد.
وأضافت: نمو التدفقات الدولارية يقلل من المخاطر الائتمانية لمصر وبالتالي يمنحها قدرة على سداد وهيكلة التزاماتها عبر تيسير شروط الاقتراض الدولي، وبالتالي يكون هناك مرونة في سد فجوة التمويل مقارنة بالظروف السابقة.
ورفع صندوق النقد الدولي من توقعاته بشأن سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار، مدفوعًا بتحسن نظرته لأداء الاقتصاد المصري ومعدلات نموه المتوقعة خلال الفترة المقبلة.
ويتوقع الصندوق أن يسجل سعر صرف الجنيه خلال العام الجاري نحو 49.60 جنيه مقارنة بتوقعاته السابقة عند 50.60 جنيه، كما خفّض توقعاته لسعر الصرف خلال العام المالي المقبل من 54.89 جنيه إلى 52.26 جنيه للدولار.
صندوق النقد يفاجئ الأسواق بتوقعات سعر صرف الجنيه
رفع صندوق النقد الدولي توقعاته لسعر صرف الجنيه مقابل الدولار ليسجل 49.6 جنيه في المتوسط خلال العام المالي الحالي مقابل 50.6 جنيه في تقديراته السابقة.
وقدر الصندوق، سعر الدولار بنحو 52.26 جنيه في العام المالي المقبل بدلاً من 54.89 جنيه، وفي العام المالي التالي يصل إلى 54.1 جنيه مقابل 57.2 جنيه تقديراته السابقة.
ولا يعلن صندوق النقد عن توقعاته بشكل مباشر لكنه يعلن توقعاته للناتج المحلي بالجنيه والقيمة المعادلة بالدولار.
وكانت ديناميكيات سعر العملة هي السبب الرئيسي لتخفيض تقديرات النمو في مصر خلال يناير الماضي، لكن يبدو أن الأمور باتت الأفضل.