"الأيادي البيضاء".. محاولة لضبط إيقاع منظومة الحوكمة
??????? ???????
في محاولة منه للتصدي لظاهرة عشوائية الأعمال الخيرية التي تتصدر المشهد الاجتماعي، بما قد يؤثر على فعالية التبرعات وأعمال الخير، صدر مؤخرا للكاتب الصحفي محمد الشرشابي، كتابه الجديد "الأيادي البيضاء" عن دار دلتا للنشر والتوزيع، تناول الكتاب العديد من القضايا، المتعلقة "بالحوكمة"، وما يمكن أن تسهم به في بناء المجتمعات، وذلك مت خلال أبواب تعرضت أصبحت من أهم القضايا التي تلح بشكل مباشر على الرأي العام، حيث تحدث باستفاضة عن قضية استفراغ الوسع التي تمثل جانبا حصريا في ثقافة العطاء بالمجتمعات الإسلامية، كما تناول قضية المسؤولية الاجتماعية، مفرقا بين المسؤولية الاجتماعية التي تتخذها بعض الشركات كمجرد نوع من أنواع الوجاهة الاجتماعية، أو الإعلان المقنع، ولكن كواجب ديني ووطني.
وإذا كانت المسؤولية الاجتماعية في التفكير المعاصر عبارة عن ، نظرية أخلاقية بأن أي كيان، سواء كان منظمة أو فرد، يقع على عاتقه العمل لمصلحة المجتمع ككل، وهي أمر يجب على كل منظمة أو فرد القيام به للحفاظ على التوازن ما بين الاقتصاد، وهي أمر لا يختص فقط بمنظمات الأعمال بل هي شأن كل فرد تؤثر أفعاله على البيئة، وهذه المسؤولية يمكن أن تكون سلبية، عبر الامتناع عن الانخراط في افعلا ضارة، أو إيجابية، من خلال القيام بأفعال تحقق من أهداف المجتمع بشكل مباشر، -إذا كانت في التفكير المعاصر بهذا المعنى- ، فإن جذور الفكرة في الثقافة الإسلامية تحمل مدلولات أوسع وأعمق بكثير من هذا المفهوم، مشيرا إلى أن الفكر الاقتصادي الإسلامي قد قرر، على مستوى أصوله النصية الثابتة، وفروعه الاجتهادية المتغيرة ، العديد من آليات المسئولية الاجتماعية بعضها إجباري، وبعضها اختياري، منها الزكاة.
والمسؤولية الاجتماعية من منظورها الإسلامي، لم تعالج كما عولجت في المنظور الإسلامي الذي وضع الضوابط الناظمة للمسؤولية بعمومها.
ويقول: جدير بالذكر ونحن نعرض للمسؤولية الاجتماعية أن نؤكد على أنها ليست دخيلة على النظام الإسلامي كما في النظام الرأسمالي، وليست بديلا وحيدا كما في النظام الشيوعي وإهمالا للمصلحة الذاتية لمالك المال، وتستند هذه الأصالة إلى أن ملكية المال في المنظور الإسلامي لله عز وجل، استخلف الإنسان فيه، وبالتالي فإن لله سبحانه حقاً في المال، وحق الله في التصور الإسلامي هو حق المجتمع.
ومن القضايا التي تناولها الشرشابي في كتاب "الأيادي البيضاء": الانضباط الأخلاقي، وتبيض الأموال، والنطاق الديني، مشيرا إلى أن البعض يعتقد جهلا أو تجاهلا، أن مجرد المشاركة في أعمال خيرية كفيلة بأن تقيل عنه عثرات تردت فيها قدماه، أو تغفر له أخطاء ارتكبها أثناء تحصيل وتجميع ثروته. ورغم أن الفكر الاقتصادي الإسلامي يرفض تماما إقرار هذا النمط، إنطلاقا من قول الله تعالى "ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بآخذيه"، إلا أن البعض يصر على خداع نفسه وخداع الآخرين، لافتا إلى أن الأمر الأشد غرابة في هذه المسألة هو ظهور بعض الآراء التي يمكن أن نطلق عليها آراء شاذة، تقول: ما المانع أن نمنحهم فرصة الإنفاق، مؤكدا أن هناك أكثر من مانع يحول دون الموافقة على إنفاقهم المشبوه، بدءا من تضييق الحصار على الأنشطة المشبوهة التي يمارسونها، حتى يتحقق مبدأ النبذ الاجتماعي لهم، وحتى تنكشف حقيقتهم أمام أنفسهم، هذا بالإضافة إلى تضيق دائرة الأموال القذرة والمعاملات المشبوهة، بما يمكن أن تخلفه من آثار كارثية.
ولفت إلى أن الأزمات الاقتصادية التي يعرفها العالم منذ العام 2008، يجب أن توضع في سياق العولمة الرأسمالية التي أفرزها سلوك محدد بالسوق، يفتقر إلى منطق الثقة وإلى آليات، ما يطلق عليه "الحكامة الأخلاقية" التي لا يستطيع اقتصاد السوق أن يستقيم بدونها، هذا بالإضافة إلى الوقوف على الدور الذي يمكن أن يلعبه الاقتصاد في تحديد النشاط الإنساني، بل تذهب إلى حد الدفع بضرورة أن تكون هذه الأبعاد محكومة بالنشاط ذاته في شكله وفي مضمونه، كما في طبيعته وخلفيته.
ولعل هذا الوعي الجديد هو الذي أدى بالسياسات العمومية، في الشمال كما في الجنوب، إلى ابتكار مفاهيم جديدة للتعبير عن ذلك، من قبيل التنمية المستدامة والاستثمار المسؤول اجتماعيًّا والتجارة العادلة، وما سواها.
وعلى الرغم من الصعوبة النظرية الثاوية خلف إمكانية الجمع بين الإكراهات الاقتصادية والاعتبارات الأخلاقية في ظل العولمة الليبيرالية الجديدة، فإنّ هناك ثمة تيارًا متزايد المد، لا توجد ممانعة كبيرة تذكر بين الاقتصاد والأخلاق: تيار "المالية الإسلامية". لا بل إنّ ثمة من المسؤولين بالغرب من يرى بأنّ هذه المالية قد تكون مخرجًا محتملاً للأزمة، أو على الأقل للتخفيف من حدتها، وفتح السبل أمام ضخ منسوب معين من الأخلاق في مسلسل العولمة الجاري، وذلك نظرا لأن الشريعة الإسلامية، بمثابة قاعدة حياة عملية وأخلاق سامية، ولا يترتب على ذلك فحسب أنّ اقتصادًا علمانيًّا لا يمكن أن يقوم وفق هذه الرؤية، بل إنّ التشريعات المتأتية من القرآن الكريم لا يمكن أن تفرز اقتصادًا متخلفاً، وعليه، فإذا كانت الديانة المسيحية تنادي باستقلالية الاقتصادي عن الديني، فإنّ الإسلام يحد من أيّ محاولة لجعل الاقتصاد بعيدًا عن النموذج الأخلاقي.
وبعض أن عرض الشرشابي لمجموعة من نماذج العمل التطوعي، أشار إلى أن قيمة الإنسان تأتي من شخصيته التي تجعل منه عضوا فاعلا في المجتمع، لا يصدر عنه إلا الخير انطلاقا من رؤيته الإيجابية لكل ما يحيط به وهو ما ينأ به عن نظرية المشاركة لأجل المشاركة التي يرفضها الفكر الإسلامي شكلا وموضوعا ويتعيض عنها بنظرية المشاركة المسؤولة التي تحركها قناعته المكتسبة من التنشئة المعطاءة، القادرة على تحويل رجال المجتمع إلى رجال قادرين على تحمل المسؤولية وإدارة شئونهم الحياتية والعامة، بطريقة تضمن لهم الاستمرارية والتواصل، من خلال منهجية عملية تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، بما يضمن أداء أفضل يعود بالنفع على الجميع.