أمهات تواجه مخاطر الشارع من أجل العمل.. "أم حسام بائعة الشاي" 15عامًا علي رصيف "المنيب"
?? ????
أم حسام واحدة من الأمهات الكادحات، اللاتي يجتهدن ويشقين من أجل توفير احتياجات أسرهن، دون أن تسلط عليهن الأضواء أو تُهدى إليهن الدروع، فهن أمهات مثاليات بدرجة جندي مجهول.
أم حسام تسرد لـ "الحصاد" خلال السطور التالية قصة كفاحها.. على مدار 15 عامًا وهى تبيع الشاى على رصيف المنيب.
عاشت "أم حسام" الثلاثينية تجربة شقاء خاصة بدأتها في سن مبكرة منذ أن قرر أهلها عدم استكمال تعليمها، فكان عليها الذهاب مع والدتها للبحث عن مصدر رزق.. حيث كانت تجلس مع أمها على أحد أرصفة المنيب لتبيع الذرة المشوي.
مرت الأعوام ووصلت "أم حسام" إلي سن الـ 20 وقرر الأهل تزويجها من رجل خمسيني، وبعد مرور عام كان زوجها خلف القضبان بسبب 1000جنيه دينًا متراكمًا عليه نتيجة الظروف الصعبة التي كانوا يعيشانها داخل منزلهما.
غاب الزوج عن المنزل 9 أشهر، فقررت فيهم "أم حسام" مواجهة الشارع مرة أخرى ولكن في هذه المرة، كانت قد صارت زوجة وعلي كتفها طفل له متطلبات مادية يجب أن تتوافر فأخذت مترًا من أحد أرصفة المنيب لتبدأ تجارتها الصغيرة كما فعلت والدتها في الماضي.
كانت تبيع "الترمس" و"العسلية" للمارة في الطرقات وتتذكر طفولتها مع كل يد طفل تمتد إليها لشراء قطعة عسلية أو "قرطاس" ترمس لكن متطلبات الحياة واحتياجات منزلها وطفلها كانت سرعان ما تأخذها من غفلتها هذه وتعيدها إلي الواقع الذي تعيشه وكأنها تهمس لها قائلة :"ركزي في رزقك لازم ترجعي بيتك بقوت يومك".
مرت الشهور وتحرر الزوج من القضبان واستكملت "أم حسام" حياتها برفقته، إلا أن الوضع الاقتصادي لم يكن كافيًا لتلبية متطلبات الأبناء الذين زاد عددهم، قامت بوضع طاولة علي الرصيف وضعت عليها "برّاد" و "كوبايات" و "صينية" وكنكة قهوة وبدأت فى بيع المشروبات الساخنة بجانب "الترمس" و"العسلية" واشتهرت في المنيب بـ "أم حسام بتاعة الشاي".
الفقر يجعل الابناءيتركون التعليم والتوجه للعمل
كما تقول إن "حسام" أكبر أبنائها 18 عامًا، كان يشاركها العمل علي طاولة الشاي إلا أنها لاحظت تأثره بالشارع وسلوك السيئين فيه فوجهته للعمل في أحد المصانع.
وحسام واحد من خمسة أبناء، قامت بمنع اثنين منهم الذهاب إلي المدرسة بسبب سوء الحالة المادية حيث أخرجت "هاجر" من الصف السادس الابتدائي و "كريم" من الصف الثاني الإعدادي قائلة :"كل واحد عايزله بتاع 30 جنيه في اليوم أكل وشرب ومصروف وأنا إيدي مش طايلة فقعدتهم من التعليم غصب عنى".
وتتابع أم حسام، حديثها عن قلة حيلتها في توفير متطلبات أبنائها ومستلزماتهم الدراسية، خاصة أن الزوج تخطي الستين من عمره مما جعل أمر عمله صعبًا، فتقول إن لديها "حبيبة" في الصف الثاني الابتدائي، دائمًا ما تكرر عليها جملة :" ياماما ماتطلعنيش من المدرسة زي إخواتي" فتشق الجملة صدر الأم حزنًا لقلة ذات اليد، إلا أنها لم تكن قاسية لهذا الحد الذي يُحمّل هذه الصغيرة ذنب الفقر ويقضي علي آمانيها فتقول: لن أحرمها من استكمال التعليم، قائلة : "بتاخد 5 جنيه مع السندوتشات فقولت كفاية عليا دي تتعلم وربنا يقدرني علي مصاريفها."
تعيش أسرة أم حسام في شقة تتكون من غرفتين، تدفع إيجارها الشهري 450 جنيهًا، لا يملكون سوى سرير واحد متهالك ، ولا يوجد لديها دولاب، مما يضطرها لحفظ ملابسها في "كراتين".
تستيقظ أم حسام في السابعة من صباح كل يوم ترتب منزلها وتُعد الفطور لأسرتها وتذهب مع "حبيبة" إلي المدرسة ثم تتوجه من منطقة ترسا إلي مكان عملها في المنيب قاطعة المشوار في 10 دقائق داخل مواصلة تدفع فيها جنيهين، لتبدأ عملها وتستعد لاستقبال الرزق بابتسامة دافئة تعبر عن شعور الرضا رغم قسوة الحياة عليها وأمنياتها فتظل منذ التاسعة صباحًا وحتى التاسعة مساء بين الشاي والقهوة وطلبات الزبائن ثم تعود إلي منزلها لإعداد الطعام لزوجها الستيني وأبنائها، ذاهبة بعد ذلك إلي النوم وعقلها منتبه لغدّ أفضل يفاجئها.
أصعب المواقف التي تواجها
"البلدية والحملات" بهاتين الكلمتين وصفت "أم حسام" مواقفها الصعبة أثناء البحث عن رزق أبنائها، مستنكرة حدة التعامل التي تتعرض لها منهم، مضيفة أن وقوفها في الشارع يعرضها للكثير من المضايقات من الرجال الذين لا يرون فيهم الأم الكادحة من أجل أسرتها وإنما يرون فيها شهواتهم، فتقول بعيون لمع فيها الحزن :"لو لقيت واحد مش محترم بنادي علي حد من الشباب اللي حواليا يقف يبيعله مكاني".
تابعت "أم حسام" حديثها فقالت إن الشارع قاسٍ جدًا علي النساء، خاصة تلك التي تضطرها الظروف للبقاء وجلب الرزق فتضغط علي نفسها لتخطي المواقف الصعبة وتجاهل الكلمات البذيئة التي قد تسىء لها وللدور الذي تقوم به من أجل الحفاظ علي أسرتها قائلة :"كتير اتمنيت أقعد في البيت بس اللي عليه دين مابيقعدش".
أطعمة مُحرّمة على الأسرة
العدس والبصارة أشهر أكلات أسرة "أم حسام" فتقول إنها في المساء تعود إلي منزلها وتقوم بتحضير وجبة العدس أو البصارة والتي تكلفها نحو 15 أو 20 جنيهًا وأيضًا وجبة الأرز والسلطة فقط، حيث ترفع عنها عبأ تكلفة الدجاجة أو كيلو اللحمة تلك الأطعمة التي لا يشهدها مطبخها سوي في الأعياد، أما في حالة تحسن رزق اليوم فتقوم بشراء أجنحة الدجاج أو "الهياكل" وإعداد الأرز والسلاطة معها لتصبح وجبة الأسبوع المُنتظرة.
تبتلع أم حسام ريقها وكأنها تبتلع معه مرارة الظروف وقسوتها ثم تتابع الحديث فتقول إن أحد أبنائها يشتهي صينية "مكرونة بشاميل" منذ أكثر من شهر ونصف إلا أن الظروف المادية تحول بينها وبين إعداد هذه الوجبة، قائلة :"قولت لبنتي خلينا نجيب النهاردة المكرونة وبكره اللبن وبعده اللحمة لحد مانجمع حاجتها ونعملها" وتابعت: "بس كده مش هنعمل أكل كبير طول الأسبوع."
أمنيات "أم حسام"
15عامًا قضتها "أم حسام" بين بيع الترمس والعسلية وإعداد الشاي والقهوة لأهالي منطقة المنيب لم تشك التعب أو الضيق ولم تطلب سوى الستر لبيتها وأفراد أسرتها والتخلص من هموم الدّين قائلة :"عايزه بيتي وولادي يبقو مستورين واسد الدين اللي عليا".
لم تفقد ابتسامتها طيلة الحديث القاسي، مما دل علي صلابة هذه السيدة التي تابعت سرد شقاء 15 عامًا فقالت إنها توفر ملابس العيد لأبنائها بطريقة التقسيط لعدم قدرتها علي توفير الثمن مرة واحدة فتأتي إليها التاجرة كل يوم وتأخذ 10 جنيهات حسب الاتفاق قائلة "مكسبي مابيسعفنيش أجيب كاش" وتابعت "أنا لو عملت بـ 50 جنيه في يوم بيبقي عيد".