النيابة الإدارية.. تاريخ مشرف.. ومعارك ضارية للقضاء على الفساد
مواجهة الفساد، واقتلاعه من جذوره والقضاء عليه، داخل مصر، أمر ليس بالهين، بل تحيطه الكثير من التعقيدات، ولكن إذا توافرت الإرادة والكفاءة فإن كل شيء يصبح ممكنا.
توفرت الإرادة لدى واحد من أهم أجهزة الدولة على الإطلاق، هو جهاز النيابة الإدارية، الذى أراد وصمم، وتمكن باقتدار تحقيق جزء مهم من الهدف الأكبر، وهو تطهير مصر من "دنس" الفساد والفاسدين الذين تغلغلوا فى أجهزتها ونسيجها على مدى عقود، دون إرادة حقيقية لمحاربة سرطان الفساد المتفشي.
الفساد لم يزد، هو على حاله منذ سنوات، وإنما كانت هناك زيادة إيجابية فى عدد القضايا المضبوطة على يد النيابة الإدارية، وأعداد الفاسدين الواقعين تحت قبضتها.
مئات القضايا، تم ضبطها، بفضل المجهود النشط لجهاز إداري يعي دوره ويقوم به على الوجه الأمثل.
ومن أبرز القضايا، على سبيل المثال لا الحصر:
النيابة حققت في وقائع فساد كبيرة وصلت إلى مليارات الجنيهات، جاء على رأسها استيلاء عدد من الأجانب والعرب على أراضي تقدر بالمليارات منذ عشرات السنين وبناء قرى سياحية عليها والاستفادة منها ماليا دون دفع ثمنها، ونجحت النيابة في استعادة جزء كبير من تلك الأموال.
محافظة بني سويف قد شهدت واقعة تداول محلول منتهى الصلاحية بإحدى الوحدات الصحية، وعلى الرغم من التأكد من أنه غير صالح للاستخدام، استمرت الإدارة الصحية في صرفه مما أسفر عن مصرع 3 أطفال، وتم إحالة المسئولين للمحاكمة، كما حققت النيابة في واقعة تشويه قناع توت عنخ آمون عند فصله، حيث تم التعامل معه بإهمال شديد، وتم إحالة 8 متهمين للمحاكمة.
أهم الوقائع التي حققت فيها النيابة هي واقعة غرق مركب الوراق قبل ثلاثة أعوام، والتي أسفرت عن غرق أكثر من 60 شخصًا، نتيجة اصطدام صندل بمركب نزهة، وتبين أن قائد الصندل قام بالمرور على 8 نقط تفتيش من الإسكندرية حتى الوراق، دون إنارة كاملة للصندل، وبدون باقي الطاقم المرافق له، وقاده بسرعة زائدة، مما أسفر عن اصطدام بمركب نزهة خلال أول أيام العيد، وتم إحالتهم للمحاكمة.
التعريف بالنيابة الادارية ودورها
قُرابة الستون عاماً مضت والنيابة الإدارية تعمل جاهدة في خدمة الوطن، حاملةً أمانة القضاء التأديبي في مصر، مبتغية من رسالتها إصلاح الجهاز الإداري للدولة، والذي يبقى دائماً وأبداً هو معيار تقييم المواطن البسيط ورجل الشارع العادي لأداء أي حكومة فالمواطن البسيط قد لا يُبالى بالأداء السياسي للدولة خارج حدودها، ولكنه يُظهر اهتماماً بالغاً بأداء الدولة داخل المصالح الحكومية، وكيفية تصديها للفساد المستشري في جسد الجهاز الإداري، وقدرتها على استئصال ذلك الورم الخبيث
ومن هنا تظهر أهمية الدور الذي تلعبه النيابة الإدارية في معركة الوطن ضد الفساد
النيابة الإدارية هي الهيئة القضائية المنوطة بالتحقيق في المخالفات والجرائم التأديبية، كما أنها تضطلع بدور سلطة الاتهام، وسلطة الادعاء الوحيدة أمام المحاكم التأديبية، ليس ذلك فحسب بل تقوم أيضًا بدور سلطة الطعن على أحكام تلك المحاكم السالفة الذكر أمام المحكمة الإدارية العليا؛ حيث تقوم بإخضاع الأحكام الصادرة من المحاكم التأديبية للمراجعة والفحص بهدف التحقق من صحة قيامها بإنزال حكم القانون على النحو الأمثل على الجرائم المنظورة أمامها
والنيابة الإدارية تباشر أعمالها القضائية نيابةً عن المجتمع بأسره، إسوة بدور النيابة العامة في تمثيل المجتمع في الجرائم الجنائية، لذا كفل لها القانون الاستقلال التام عن كافة كيانات الدولة التنفيذية؛ بُغية أن تتحقق حيدة أعضاءها بعيداً عن دائرة تأثير و سطوة كبار الموظفين بأجهزة الدولة
تتفرد النيابة الإدارية - من بين أجهزة الدولة المتعددة المختصة بمكافحة الفساد - باعتبارها هيئة قضائية وفى تقديمها ضمانات جوهرية للموظف العام تضمن حيدة التحقيق ونزاهته، هذا إلى جانب أليات مكافحة الفساد المختلفة التي تتبعها بكل دقة وصرامة ومنها ما يلي:
1ما يتمتع به عضو النيابة الإدارية من حيادية واستقلال عن الجهة الإدارية؛ مما يوفر للموظف ضمانة جوهرية هي تمتعه بالحق في مساءلة عادلة، ونزيهة، منذ اللحظة الأولى في التحقيق؛ لإدراكه التام انه أمام جهاز قضائي يباشر عمل قضائي بمنأى عن الجهة الإدارية
2ما يتَبعُه عضو النيابة الإدارية من إجراءات قضائية وقانونية خلال الاستجواب، وسماع الشهود، وفحص الأدلة، وجمعها، وإجراء معاينات، وتشكيل لجان، ومواجهة المتهم بما يُسند اليه، لاسيما مع افتقادنا لقانون إجرائي في المجال التأديبي، مما يجعل من ضمير القاضي التأديبي وسعيه للعدل هو الضمانة الأهم للموظف المتهم
3تمتلك النيابة الإدارية نظرة أكثر شمولاً وأكثر عمقاً من تلك التي تمتلكها النيابة العامة فيما يخص المخالفات والجرائم التأديبية، فهي لا تكتفي بتحديد المسئولية وتوقيع العقاب على الجناة، بل تتقصى وتقتفى جذور الخلل والعوار الذي أفضى إلى وقوع مثل هذه المخالفات والجرائم، ولا تقف عند هذا الحد بل تبدأ في صياغة الحلول العملية والتشريعية للحد من الفساد
الفرق بين النيابة الإدارية والرقابة الإدارية
يخلط بعض العامة أحيانا، بين دور النيابة الإدارية والرقابة الإدارية، ولكن لكل منهما مجالاته واختصاصاته ووظائفه، إذ أن النيابة الإدارية هى السلطة الأعلى وهى الجهة المنوط بها التحقيق فى قضايا الفساد وأى مسئول حكومى يتورط فى قضايا فساد يتم محاكمته أمام النيابة الإدارية، وهى الجهة الوحيدة المختصة بذلك.
أما الرقابة الإدارية فهى جهة كشف فساد وضبطه، وعند هذا الحد يتوقف دورها، حيث تحيل الرقابة الإدارية أية قضايا أو أشخاص متورطين فى قضايا فساد أو مشتبه فى تورطهم، إلى النيابة الإدارية للبت فى الأمر، وإصدار الحكم النهائي فى هذا الشأن، مع العلم أن هذه لا يمنع أن تقوم النيابة الإدارية بكشف الفساد بنفسها أو القبض على مسئول يشتبه فى تورطه بقضايا فساد، مباشرة دون الرجوع للرقابة الإدارية.