?????? ????????? ??????
إذ تتجه الأنظار للولايات المتحدة التي تستعد لاستقبال الرئيس عبدالفتاح السيسي، فإن هذه الزيارة المهمة على كل المستويات تشكل فرصة لإطلالة على التفاعل الثقافي والحضور الأدبي العربي بين الأمريكيين فيما يحظى الأدب المصري بمكانة خاصة لدى القارئ الأمريكي.
ومن المثقفين العرب الذين تناولوا في دراسات منشورة قضايا التلقي الأمريكي للأدب العربي الأكاديمي العراقي صالح جواد الطعمة وهو يرى بعدا إيجابيا يتمثل في "الاتساع النسبي لحضور الدب العربي وتلقيه في الولايات المتحدة منذ أواسط القرن العشرين".
والدكتور صالح جواد الطعمة كاتب وشاعر وأكاديمي عراقي ولد عام 1929 في كربلاء وعمل أستاذا للغة العربية والأدب المقارن في جامعة انديانا الأمريكية وهو صاحب اهتمامات واضحة بالحضور الثقافي والأدبي العربي في الغرب والولايات المتحدة على وجه الخصوص كما يتجلى في أبحاث ودراسات مثل:"التلقي الأمريكي للأدب العربي 1950-2008" و"الأدب العربي الحديث مترجما" و"الشعر العربي الحديث مترجما-ملاحظات حول محاولة غازي القصيبي".
وهو أيضا صاحب دراسة "صلاح الدين في الشعر العربي الحديث مترجما، كما أصدر دراسة ثقافية بعنوان:"في العلاقات الأدبية بين العرب والغرب" فيما يولي اهتماما كبيرا لقضايا الترجمة ضمن دراساته وابحاثه المتعددة حول التفاعلات الثقافية بين العرب والغرب.
وحول التلقي الأمريكي للأدب العربي، ينوه الطعمة بالإقبال على إبداعات أدبية عربية في الولايات المتحدة من جانب قراء خارج دائرة المتخصصين، لافتا إلى أن بعض دور النشر الصغيرة أسهمت بدور إيجابي منذ سبعينيات القرن العشرين في نشر الأدب العربي الحديث بين الأمريكيين بالرغم من عقبات واجهتها في تسويق ما تنشره.
ويشكل تتويج الأديب المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب عام 1988 علامة فارقة في حضور الأدب العربي بين القراء الأمريكيين فيما يلاحظ أستاذ الأدب المقارن بجامعة انديانا صالح جواد الطعمة أن مواقف الناشرين الأمريكيين حيال نشر روايات عربية مترجمة للإنجليزية "تغيرت جذريا بعد حصول محفوظ على جائزة نوبل".
وكان عام 1966 قد شهد ظهور أول رواية لنجيب محفوظ مترجمة للانجليزية وهي رواية "زقاق المدق"،ويلاحظ صالح جواد الطعمة أن هذه الرواية المترجمة صدرت في بيروت لا في الولايات المتحدة حيث لم تبدأ دور النشر الأمريكية الكبرى في اصدار اعمال مترجمة لمحفوظ الا بعد منحه جائزة نوبل.
فقبل تتويج أديب مصر الأكبر الراحل العظيم نجيب محفوظ الذي قضى عام 2006 بجائزة نوبل في الآداب عام 1988 كانت الشكوك تراود اغلب الناشرين الأمريكيين الكبار حول جدوى نشر روايات مترجمة لأدباء عرب لن يقبل عليها سوى المتخصصين.
غير أن هؤلاء الناشرين الكبار اقدموا على نشر "أعمال محفوظ وغير محفوظ من الأقطار العربية" ومن هنا يؤكد الأديب والأكاديمي صالح جواد الطعمة أن تتويج نجيب محفوظ بنوبل كان له الفضل الأكبر في ترويج الأدب العربي الحديث المترجم في أمريكا وحتى على الصعيد العالمي.
وإذا كانت بعض الدور النشر الأمريكية الصغيرة سباقة في نشر الأدب العربي بالولايات المتحدة، فانها كانت تواجه عقبات كبيرة على هذا الصعيد قبل تتويج نجيب محفوظ بجائزة نوبل، بل إنها لم تكن تستطيع-كما يقول الطعمة-ان تبيع أكثر من بضع مئات من كتب نجيب محفوظ قبل حصوله على أم الجوائز الأدبية العالمية.
وحتى في حقبة ما قبل خمسينيات القرن العشرين التي اتسمت بقلة الأعمال الأدبية العربية المترجمة للانجليزية كان الاستثناء يتمثل في ابداعات مصرية عرفها القراء الأمريكيون لأمير الشعراء أحمد شوقي وعميد الأدب العربي طه حسين وصاحب "يوميات نائب في الأرياف" توفيق الحكيم فضلا عن محمود تيمور ومحمود كامل.
وفي دراسته "التلقي الأمريكي للأدب العربي"، يعيد الدكتور صالح جواد الطعمة للأذهان أسماء مثقفين أمريكيين انحدروا في أغلبهم من أصول عربية وقدموا اسهامات ثقافية مهمة حول التفاعل الثقافي بين العرب والأمريكيين وفي مقدمتهم المفكر والناقد الراحل ادوارد سعيد وفيليب حتي وجاك شاهين وميشيل سليمانوادمون غريب وستيفن سلايطة.
ويلاحظ الدكتور صالح جواد الطعمة أن الأدب العربي قبل خمسينيات القرن العشرين كان يعاني من تهميش حاد في الجامعات الأمريكية، ناهيك عن المجتمع الأمريكي ككل حتى أن "الاستشراق الأمريكي حينئذ لم يقم بدور ملحوظ في التعريف بانجازات الأدب العربي سواء عن طريق الدراسة أو الترجمة".
أما "رواد المهجر" الذين عرفوا بتجديدهم وتأثيرهم في الأدب العربي الحديث في وطنهم الأم فلم يكن لهم دور ملموس في التعريف به في عالمهم او مغتربهم الجديد- كما يقول صالح جواد الطعمة-باستثناء بعض محاولات امين الريحاني للتعريف بأبي العلاء المعري.
وفي ملاحظة دالة، يقول الدكتور صالح جواد الطعمة ان عدد رسائل الدكتوراه التي نوقشت بجامعات أمريكية خلال النصف الأول من القرن العشرين لم يزد عن 18 رسالة، بينما زاد هذا العدد عن 320 رسالة في النصف الثاني من القرن العشرين.
وتتويج نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الآداب أحدث طفرة في الرسائل والأطروحات المتعلقة بالأدب العربي في الجامعات الأمريكية حيث يقول الدكتور صالح جواد الطعمة ان عدد هذه الرسائل والأطروحات بلغ مابين عامي 1989 و2008 نحو 450 دراسة.
وفي حقبة ماقبل خمسينيات القرن العشرين يشير الطعمة أيضا الى ان حضور الأدب العربي الحديث عن طريق الترجمة إلى الإنجليزية كان هامشيا بينما بدأ الاهتمام الأمريكي الجاد بالأدب العربي بعد حلول الخمسينيات وانعكس هذا الاهتمام تدريجيا في مجالات عدة تشمل المجال الجامعي والترجمة الى الإنجليزية ودور النشر فضلا عن تكاثر الدوريات التي تعني بشئون المنطقة العربية.
ولا يجوز أيضا في هذا السياق تناسي الاسهام الملحوظ للمكتبات الجامعية والعامة في الولايات المتحدة لنشر الأدب العربي واقتناء عدد كبير من مؤلفات الأدباء العرب فيما يشير الدكتور صالح جواد الطعمة الى ان دور النشر الأمريكية الصغيرة التي أقدمت بشجاعة منذ سبعينيات القرن العشرين على نشر ابداعات عربية أصدرت أعمالا مترجمة لمبدعين عرب مثل محمود درويش ومحمد الماغوط وخليل حاوي.
والقائمة تشمل أيضا أسماء مهمة لمبدعين عرب كالمصرية الراحلة الدكتورة رضوى عاشور الحاضرة بابداعاتها "كغرناطة" التي نشرت مترجمة في الولايات المتحدة وكذلك صاحب "اللجنة" الروائي الكبير صنع الله ابراهيم والدكتورة نوال السعداوي والروائي السوداني الراحل الطيب صالح الى جانب الليبي إبراهيم الكوني والفلسطيني غسان كنفاني والياس خوري وجبرا إبراهيم جبرا وقاسم حداد كما عرف القاريء الأمريكي الشاعر السوري الأصل ادونيس في عمله "وقت بين الرماد والورد".
وفي العقد الأخير من القرن العشرين بدأت دور نشر أمريكية في إصدار أعمال مترجمة لأدباء عرب مثل اميل حبيبي وحنا مينه وليانة بدر وإبراهيم نصر الله ويحيى يخلف وعالية ممدوح فضلا عن الشاعرة الأمريكية الفلسطينية الأصل نتالي حنظل والتي ينوه الدكتور صالح جواد الطعمة بأنها مؤلفة مجموعة مهمة للغاية عن شعر المرأة العربية.
وتنهض مطابع الجامعات الأمريكية بدور مقدر في نشر الأدب العربي بالولايات المتحدة وهو ما يتجلى على سبيل المثال في مطبعة جامعة كولومبيا التي نشرت ثلاث مجموعات أساسية لكل من يدرس الأدب العربي وقامت الدكتورة سلمى الخضراء الجيوسي باعداد هذه المجموعات وهي:"مجموعة الشعر العربي الحديث" و"مجموعة القصة العربية الحديثة" و"مجموعة الأدب الفلسطيني الحديث".
ومن الكاتبات العربيات اللاتي يسهمن إبداعيا في تعزيز الحضور الأدبي العربي في الولايات المتحدة الكاتبة المصرية ميرال الطحاوي التي ولدت عام 1968 وتعمل أستاذا للأدب العربي بجامعة اريزونا الأمريكية تردد اسمها بقوة فى الصحافة الثقافية الغربية منذ ان صدرت الترجمة الانجليزية لروايتها "مرتفعات بروكلين".
ونهضت الأكاديمية والروائية والمترجمة المصرية الأصل سماح سليم بمهمة ترجمة رواية ميرال الطحاوى التى تعمل مثلها فى مجال التدريس الجامعى فيما قالت آنا سكوت فى صحيفة "ذى جارديان" البريطانية ان مخاوف "هند" بطلة رواية مرتفعات بروكلين التى صدرت فى لندن بالانجليزية تحمل صوت الحقيقة رغم أن هذا الصوت قد لايبعث على الارتياح.
ورواية "مرتفعات بروكلين" التى استعرضتها آنا سكوت فى هذه الصحيفة تتحدث عن أم وحيدة مع طفلها البالغ من العمر سبع سنوات فيما تترك وطنها بعد انهيار حياتها الزوجية وتخرج لاجئة لتعيش اجواء اللاجئين والمتعطلين والجيل الأول مما يسمى "بعرب حى بروكلين" فى نيويورك.
وتتعرض ميرال الطحاوى فى روايتها التى صدرت بالعربية عام 2010 لنماذج مختلفة من المغتربين من بقاع الأرض بينما تعرض بطلة الرواية "هند" التى تطمح لأن تكون كاتبة عالمها الثرى بالتفاصيل الشرقية وخباياه وفى القلب تتبدى قضية القهر الإنسانى وخاصة قهر النساء
وتلقى الرواية بأضواء كاشفة على حالة الانكشاف التى يعانى منها الابن الصغير فى بيئة ثقافية مغايرة لبيئته الأصلية وذعره من أن تتركه أمه وحيدا فى عالم لايرحم والانقسامات فيه عميقة بين الشرق والغرب حتى وإن جاء باراك اوباما للبيت الأبيض حاملا شعار التغيير.
والروائية ميرال الطحاوى ولدت فى محافظة الشرقية لأسرة بدوية وحصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة عام 2006 عن اطروحة حول روايات الصحراء فى الأدب العربى فيما اختارت الرحيل الى الولايات المتحدة الأمريكية لتعمل أستاذا مساعدا للأدب العربى بجامعة "نورث كارولينا" ثم بجامعة اريزونا.
وبفضل والدها بعقليته المنفتحة والمتقدمة-استكملت ميرال الطحاوى مسيرتها كطالبة فى المدارس والجامعة فيما تتذكر أنها أحبت القراءة عبر والدها الذى كان يقرأ لطه حسين ونجيب محفوظ والعقاد وتقول:"كنت استفدت من حياة اسرتى..كتبت عن البدو وكنت محظوظة انى خلقت فى عالم مختلف".
وإذا كانت صحيفة ذى جارديان احتفت بالترجمة الإنجليزية لرواية مرتفعات بروكلين فان صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية ذكرت من قبل ان ميرال الطحاوى هى اول روائية تقدم الحياة البدوية المصرية وحاجة المرأة للتحرر خارج الانماط الروائية المألوفة فيما اعادت هذه الصحيفة للأذهان روايتها "الخباء" التى ترجمت للإنجليزية.
وتقول ميرال الطحاوى انها مقتنعة بشدة بأن الكتابة تمثل جسرا بين الثقافات المختلفة وعبور الكثير من المناطق الوعرة بين الثقافات فضلا عن تغيير النظرة النمطية السائدة فى الغرب للعرب والمسلمين.
والرواية تجربة متميزة عن العلاقة بين الشرق والغرب فيما أبدت تمردا على التقاليد الروائية المسبوقة حول هذا الموضوع وهى فى الوقت ذاته رواية ذات أبعاد إنسانية لأنها تستوحى التجربة الفردية وتلامس العالم الفسيح ومتاهته.
وتؤكد الطحاوى انها "ولدت ككاتبة تحت مظلة نجيب محفوظ" فيما تصف أديب نوبل المصرى العظيم بأنه "الأب الذى يجسد الدأب والتواضع والاحتواء والاحتجاج" مضيفة:" نتمرد على كتاباته لكننا فى كل مرة نعود إليه بمزيد من الاعجاب".
وفي عام 2016 كان فوز المبدع الليبي هشام مطر بجائزة بوليتزر الأمريكية في أدب السيرة الذاتية عن روايته "العودة" حدثا هاما للابداع العربي ككل في الولايات المتحدة ويرجع تاريخ هذه الجائزة إلى عام 1917 وتوصف بأنها من اعرق التكريمات في مجال الصحافة على مستوى العالم ومن ثم فان النقاد بدورهم ينتظرون كل عام إعلان اسم الرواية التي فازت بالجائزة.
فلجوائز بوليتزر التي تمنحها جامعة كولومبيا فى نيويورك اهميتها في الحياة الثقافية الأمريكية والرواية الفائزة تقفز بسرعة لصدارة قوائم المبيعات..وهى جائزة تترقبها دوما دوائر صناعة النشر" وتمهد الطريق امام الفائز ليصبح نجما عالميا من نجوم الأدب.
والآن فان ثمة حاجة لمزيد من التفاعل الثقافي بين العرب والأمريكيين فيما للأدباء المصريين ان يواصلوا دورهم الرائد والطليعي على هذا المضمار والدفاع عن منظومة القيم التي ارتضاها المصريون لأنفسهم كمجتمع مستقر منذ فجر التاريخ..انها حقا لحظات تنطوي على فرص عظيمة.