في رسالة قوية وواضحة على أن مصر لم ولن تتسامح مع تزوير الكتب وانتهاكات حقوق الملكية الفكرية، ضبطت الشرطة المصرية مؤخرا أكثر من مليون كتاب مزور فيما باتت "ظاهرة الكتب المزورة " تفرض نفسها على مستوى العالم بعد أن تصاعدت في دول شتى لتهدد بتدمير صناعة النشر بأكملها كصناعة ثقافية حيوية".
وكانت الإدارة العامة لمباحث المصنفات وحقوق الملكية الفكرية قد تمكنت مؤخرا من ضبط أكثر من مليون نسخة لكتب مزورة، فيما حظيت هذه الضربة الكبيرة والناجحة لمكافحة تزوير الكتب باهتمام كبير في الأوساط الثقافية، ومن جانب معلقين في الصحف ووسائل الإعلام مع ترحيب واضح في عالم الناشرين.
وإذ أكد رئيس اتحاد الناشرين المصريين سعيد عبده أن ضبط أكثر من مليون كتاب مزور مؤخرا بجهود رجال مباحث المصنفات وحماية الملكية الفكرية في مصر يشكل واحدة من أكبر قضايا تزوير الكتب التي تم ضبطها، فقد أشار إلى انه جرى ضبط 1500 قضية تزوير للملكية الفكرية خلال عام ونصف العام فقط.
ويقول رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد إن "القرصنة والتزوير والاعتداء على حقوق الملكية الفكرية من أخطر المشكلات التي تهدد صناعة النشر". لافتا إلى أنها ظاهرة عالمية تعاني منها كل الدول.
ولأنها "مشكلة عالمية"، وتدخل ككل في سياق "إشكالية المنتجات المقلدة والمزورة حول العالم"، فهي حاضرة في بلد كبريطانيا، حيث أفادت بيانات لمكتب حماية حقوق الملكية الفكرية أن نسبة تصل إلى 17 في المائة من مجموع الكتب الرقمية أو ما يصل عدده لأربعة ملايين كتاب هي كتب مقرصنة.
ومن الطبيعي أن يشعر الكتاب ناهيك عن الناشرين حول العالم بالقلق البالغ حيال هذه الظاهرة التي تضع عالم الكتاب ككل في مهب الريح، وعلى شفير الهاوية، غير أن " مافيا تزوير الكتب وقرصنتها" لم تعد هما للناشرين والمبدعين وحدهم بعد أن اقترنت في السنوات الأخيرة بظاهرة غسل الأموال القذرة.
وهي ظاهرة فرضت نفسها على مواقع إلكترونية ومنصات عالمية شهيرة لبيع الكتب، فيما تتحدث الصحافة الثقافية الغربية عن خطورة هذه الظاهرة وتنقل أقوال وشهادات مؤلفين عن استخدام أسمائهم على كتب مزورة لغسل أموال قذرة.
وإذ تدخل صناعة الكتاب بهذه الظاهرة المعبرة عن خلل أخلاقي وقيمي جسيم في دهاليز الاحتيال وأقبية غسل الأموال القذرة، تلقي الصحافة الثقافية الغربية أضواء كاشفة على تلك الدهاليز والأقبية المظلمة التي تتضمن مثلا تحديد أسعار بأرقام فلكية أحيانا لكتب لاقيمة حقيقية لها ونقل الأموال عبر الفضاء الرقمي لباعة كتب هم في الواقع من المحتالين وأصحاب الباع الطويل في الجريمة بصورها واشكالها المتعددة.
وبعض المزورين يضعون أسماء مؤلفين وناشرين وهميين على كتبهم المزورة، ومن هنا تنقل اليسون فلود وهي صاحبة اسم معروف في الصحافة الثقافية البريطانية عن أحد المؤلفين قوله انه فوجيء باسمه على كتاب مزور معروض للبيع عبر موقع على شبكة الإنترنت وشعر بالدهشة لأن السعر المحدد لبيع هذا الكتاب المزور يتجاوز الـ 17 الف جنيه إسترليني الأمر الذي عزز شعوره بأن تجارة الكتب المزورة امست تشكل مدخلا جديدا لعالم غسل الأموال القذرة.
وتساعد ظاهرة انتشار وتكاثر المواقع الإنترنتية لبيع الكتب وما يعرف بمنصات النشر الذاتي والتي يصعب مراقبتها جميعا بصورة جادة على استفحال هذا النوع الجديد من الجريمة الذي يجمع ما بين الكتاب المزور وغسل الأموال القذرة وما بين باعة مجهولين ومشترين مجهولين حتى أن البائع قد يكون هو المشتري ذاته وان تخفى هذا أو ذاك وراء اسم وهمي ووثائق مزورة.
ولا ريب أن ظاهرة الكتب المزورة أو المقرصنة جريمة في حد ذاتها حافلة بالكثير من ألوان الانتهاك الصارخ لحقوق المؤلفين ودور النشر لكنها عندما تقترن بجريمة مثل غسل الأموال القذرة تكون قد بلغت حدا يزيد من مهددات يهدد الأمن والاستقرار في العالم، وهذه الظاهرة لا تفرق بين عالم الجنوب وعالم الشمال أو ما بين الشرق والغرب.
ومع التزواج الشرير بين قرصنة الكتب وغسل الأموال القذرة، كان من الطبيعي أن تثير هذه الظاهرة اهتمام خبراء امنيين مثل البريطاني بريان كريبس الذي انتبه لخطورة الظاهرة وتداعياتها على صعيد غسل الأموال القذرة بقدر ما نثير التباسات في مجالات متعددة من بينها الضرائب.
وأطلقت القاصة الأمريكية ماجي شتيفتر تحذيرا للقراء "بأنهم اذا استمروا في تحميل الكتب المقرصنة رقميا، فان المؤلفين سيكفوا عن الكتابة لأنهم لن يجدوا في وضع كهذا مايكفل لهم البقاء على قيد الحياة كأناس تعد الكتابة مصدر رزقهم".
وجاء هذا التحذير من جانب هذه القاصة المتخصصة في "كتابات الفانتازيا" بعد ان أبلغها احد القراء عبر موقع تويتر للتدوينات القصيرة بأنه "لم يشتر أبدا أي كتاب من كتبها لأنه يقرأ كل ما تكتبه من قصص في نسخ رقمية مقرصنة".
وأضافت بأسى واضح ان ناشر قصصها ابلغها بأنه سيقلص عدد النسخ المطبوعة من قصتها الجديدة بأكثر من النصف حتى يقلل من خسائره جراء التزوير الورقي والقرصنة الرقمية فيما تقول ان هذه المعضلة تأتي في وقت تواجه فيه صناعة النشر مايكفي من المشكلات. معتبرة ان "سوق الكتاب امست سيئة".
ويؤكد رئيس رابطة الناشرين في بريطانيا ستيفن لوتينجا أن مسألة الكتب الرقمية المقرصنة تشكل على وجه الخصوص "مصدر قلق بالغ للناشرين" موضحا أن هذه الرابطة تتعقب مواقع الكتب المقرصنة على شبكة الإنترنت وتسعى لإغلاقها وتحطيم روابطها الإلكترونية، فيما تتضمن الظاهرة عرض الأفلام والمسرحيات والدراما التلفزيونية على مواقع إلكترونية بصورة غير مشروعة وتنتهك حقوق الملكية الفكرية.
وتتفق آراء الكتاب في مصر والعالم العربي مع أقرانهم في الغرب بشأن خطورة ظاهرة الكتب المزورة التي يمكن أن تدمر صناعة النشر، فيما جاء الملحق الثقافي الأخير لجريدة الشروق القاهرية حافلا بالآراء حول تلك الظاهرة وسبل القضاء عليها في مصر والعالم العربي ككل.
وقال رئيس اتحاد الناشرين العرب محمد رشاد ان شهر سبتمبر الحالي سيشهد حملة من جانب الاتحاد بالتعاون مع اتحادات النشر المحلية في الدول العربية للتعريف بأهمية الملكية الفكرية والقضاء على جميع اشكال انتهاك حقوق الملكية وجرائم التزوير.
أما الكاتب الروائي والنائب البرلماني يوسف القعيد فرأى أن "تزوير الكتب اخطر من تجارة المخدرات ويحرم مصر من دورها الثقافي" فيما يعيد المستشار القانوني لاتحاد الناشرين العرب الدكتور حسام لطفي للأذهان أن شاعر العامية المصرية الكبير بيرم التونسي كان في مقدمة الأدباء الذين ناضلوا من اجل حماية حقوق الملكية الفكرية.
ونوه الناشر المغربي هيثم الفاضل بأن مصر لها تاريخ يشهد بأنها من الدول السباقة في الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية. مشيرا إلى الحاجة "لابرام اتفاقيات دولية" لمحاربة مافيا تزوير الكتب.
وكانت دورة اليوبيل الذهبي لمعرض القاهرة الدولي للكتاب قد كتبت في بدايات هذا العام صفحة مضيئة في السجل العالمي لمكافحة ظاهرة تزوير الكتب بعد ان جاءت خلوا من أي كتب مزورة، وها هي مصر تقدم المثل والقدوة وتمضي قدما بكل العزم والحسم لاجتثاث ظاهرة استفحلت في دول شتى وباتت تؤرق المبدعين في العالم ككل.