صقلية
أكد الشاعر والناقد الأدبي الإيطالي أنطونيو كاتالفامو، أن الحضور العربي الذي شهدته "جزيرة صقلية" الإيطالية كان مؤثرا على عدة مستويات منها الثقافي والاقتصادي والعلمي؛ واصفا الحالة العامة للثقافة المصرية بأنها تتسم بالحيوية.
وذكر كاتالفامو – في تصريحات صحفية اليوم الأحد - : "علاقتي بالثقافة العربية عميقة لأنني ولدت وعشت في صقلية، وهي جزء من إيطاليا شهد أنواعا عدة من السيطرة الأجنبية، ومن بينها الوجود العربي الذي كان مؤثرا على مستويات وقطاعات مختلفة".
وأضاف أن : "الحضور العربي أثر على الجانب الاقتصادي. بفعل إدخال العرب أنواع جديدة من المزروعات وآليات مختلفة لزراعة الأرض، كما امتد تأثير العرب الى الجانب العلمي والحسابي، وعلى صعيد التطور التجاري أيضا".
وتابع قائلا: "ازدهرت الجزيرة (صقلية) اقتصاديا نتيجة كل هذا، حتى أن باليرمو صارت عاصمة عربية جديدة. ولا ننسى تأثير العرب الثقافي الذي لم يقتصر على إدخال مصطلحات لغوية جديدة بل امتد إلى أعماق طريقة تفكير قاطني الجزيرة".
وقال: "جاءت الثقافة العربية بالأمل الذي يحمل البشر على تبني أهداف محددة والسعي لبلوغها على عكس الثقافة اليونانية التي حملت مفهوم الخضوع والتسليم السلبي للقدر".
وحول تقييمه للثقافة المصرية ؛ قال الشاعر الإيطالي أنطونيو كاتالفامو :"يبدو لي أنها تتسم بالحيوية. لدي علاقات كثيرة ووطيدة بأساتذة جامعيين مصريين يتعاونون مع مرصد بافيزى. أرى أيضا من خلال علاقاتي المتنوعة أن تدريس الأدب الإيطالي في بلدكم يتسم بجدية كبيرة، وبانتشار واسع، كما أعلم أن حجم الترجمة من الإيطالية إلى العربية كبير".
وبشأن مدى عمق التأثير الثقافي العربي على صقلية تفصيلا؛ ذكر الشاعر كاتالفامو: "بالتأكيد. كان التأثير الثقافي العربي عظيم الأثر حتى أن شعراء صقليين-عرب قد تشكلوا في ظله. أذكر هنا ابن حمديس الذي ولد في نوتو في صقلية عام 1056 ومات في مايوركا عام 1133، وقد ألف 360 قصيدة، يبلغ اجمالي عدد أبياتها 6000 بيت".
وأضاف: "بعد أن استولى النورمان على نوتو، اضطر ابن حمديس لتركها ولجأ إلى أشبيليه في اسبانيا، ثم ذهب إلى تونس، والجزائر، ثم تلى مايوركا، حيث مات. كتب شعرا باللغة العربية يظهر فيه حنينا قويا لأرض صقلية ولمدينته التي ولد فيها. وتمثل أشعار الحب التي كتبها نقطة التقاء بين الفكر العربي وشعر المدرسة الصقلية التي نشأت في بلاط الإمبراطور فريدريك الثاني".
وأوضح أن الكاتب ليوناردو شاشا يعتقد أن ابن حمديس أثر فيما يخص موضوع الحنين إلى الأرض التي ولد فيها، على الكاتب الصقلي سالفاتورى كواسيمودو، الحائز على جائزة نوبل، رغم انه يفصلهما ما يزيد على ثمانية قرون".
وحول مدى تأثير ابن رشد على الثقافة الإيطالية بشكل عام، والصقلية بشكل خاص ؛ أكد الشاعر كاتالفامو أن فريدريك الثاني، ملك صقلية وهو رجل ثقافة من الطراز الأول، يجيد لغات عدة، ويهتم بالأدب، والفلسفة، والعلوم كان بالغ الاهتمام بابن رشد.
وأشار إلى أن فريدريك أمر بترجمة أعمال ابن رشد إلى اللاتينية، وتأثرت أشعار الامبراطور نفسه بفكر ابن رشد حول الحب وما يثيره مرأى المرأة داخل الشاعر من خيال غير محدود. ولم يتأثر بهذا الفكر الامبراطور الشاعر وحده، بل تأثر به شعراء المدرسة الصقلية جميعا.
وعن بداية شروعه في كتابة الشعر ؛ قال الشاعر الإيطالي:" مبكرا للغاية. كنت أتردد على المدرسة الابتدائية، عندما دعاني صديق يكبرني سنا إلى قراءة أشعار كتبها. وهنا فهمت أن الشعر يمكننا كتابته وليس قراءته ودراسته في المدرسة فقط".
وأضاف: "بدأت أنا أيضا في كتابة شعر، كان يتصف بالبساطة في البداية، ويصف العالم الذي يحيط بي. ومع مرور الوقت اكتسب شعري عمقا، يعكس مدى تأثري بدراستي كناقد أدبي وأستاذ جامعي".
وعن تعريفه للشعر وماذا يعني بالنسبة له ؛ قال الشاعر الإيطالي: "هو أقصى تعبير عن كل منا، وعن الحضارة التي ننتمي إليها. وفي الشعر تمتزج كل الخبرات الإنسانية، والخبرات التي يكتسبها كل منا في كل مجال، سواء تلك الخبرات التي يحتفظ بها وعينا أو تلك التي تتراجع إلى اللاوعي، اللاوعي الفردي أو الجماعي الذي يمتد لملايين الأعوام، وصولا إلى أقدم الأعراق البشرية".
وأضاف: "كل وجودنا الحيوي والاجتماعي، وارثنا، ومحيطنا الجغرافي الذي ولدنا وعشنا فيه يجتمع في الشعر، ويتكامل مع العقل الذي يعطي شكلا جماليا لكل هذه المادة، ويحملنا على فهم المعنى النهائي للحياة".
وعن العوامل الأخرى؛ بخلاف التأثير العربي، التي أثرت عليه ؛ قال الشاعر الإيطالي :" في عالمي يجتمع الأثر العربي مع ذلك اليوناني. لقد ولدت وعشت في صقلية، في منطقة جغرافية تنتمي إلى ما يُطلق عليه اليونان الكبرى، لأن عدد قاطنيها ذوي الأصول اليونانية كان يزيد على عدد اليونانيين الذين يقطنون اليونان".
وذكر: "هنا كل شيء يحمل العبق اليوناني: أسماء الأماكن والأشخاص على سبيل المثال. وبالطبع، كان أجدادي فلاحون ورعاة غنم جاءوا من اليونان واستوطنوا الجزء الشمالي الشرقي من صقلية. وربما أنتمي إلى عرق متمرد لم يقبل بالقوانين الجائرة التي يفرضها عليه أيا كان".
وذكر: "لقبي نفسه، كاتالفامو، له أصل يوناني، ويعني "يعارض". هنا تنتشر أطلال المدن اليونانية، وتقود الحفائر إلى اطلال يونانية جديدة، ومعابد تنتمي إلى المستوطنين اليونانيين. لم تفرض الحضارة اليونانية نفسها على الشعوب بل تناغمت واندمجت معها".
وردا على سؤال كيف يظهر تأثير الثقافة اليونانية في شعرك ؛ قال الشاعر الإيطالي :"يظهر بالأحرى في استعانتي بالأساطير، وبخاصة تلك اليونانية، التي تحكي عن الآلهة أو أنصاف الآلهة، لكنها تطرح في الحقيقة مشكلات خالدة تمس حياة البشر عبر القرون، بل عبر ملايين الأعوام. هنا تصبح القصة تأملا ذهنيا من أجل فهم جوهر المشكلات وبلوغ المعنى النهائي للحياة. يقدم شعري تحليلا مستمرا لتلك الأساطير من أجل فهم معني حياتي، وحياة أجدادي".
وأضاف :"يعتبر آخر دواويني نموذجا لذلك، فعنوانه "ثورة الشياطين الراقصة" يمثل أجدادي الذين يكتسبون ملامح أنصاف الآلهة. ويكتسب هؤلاء الشياطين وفق المعتقدات الدينية اليونانية القديمة قوة مضاعفة، هادمة ومؤسسة في الآن ذاته. وهكذا تخيلت أن أجدادي ورثوا هذه القوة، ليهدموا عالما بُنى على الظلم، وليبنوا مجتمعا يُقام على العدالة والمساواة".
أنت دارس للكاتب الإيطالي تشيزارى بافيزى، وتُدير مركزا للدراسات حوله. ما الذي يجمع بينك وبين بافيزى الذي ولد في بيمونتى ؛ قال الشاعر الإيطالي :"درس بافيزى هو أيضا الأسطورة كحكاية، كأداة للتحليل العقلي وصولا لفهم المغزى الحقيقي والعميق للوجود البشري".
وأشار في هذا السياق إلى أن أعمال بافيزي تسيطر عليها فكرة الطفولة، العهد الذي يرى فيه كل إنسان الأحداث لأول مرة، ثم تتكرر هذه الأحداث على امتداد حياة الإنسان.
وأوضح أن أسطورة الطفولة توجد أيضا في أعماله ففي السبعة أعوام الأولى تحدث لنا تلك الأحداث التي تشكل حياتنا كلها، ولقد توقفت أنا كثيرا أما طفولتي، في أشعاري، وفي قصصي، واستعدت ذلك العالم البسيط والثري بالقيم والمعاني.
وعن مرصد دراسات بافيزي الذي يديره ؛ قال الشاعر الإيطالي: "هو مرصد دائم للدراسات حول بافيزي في العالم أجمع، ومركزه في سانتو ستيفانو بيلبو، في منزل الكاتب نفسه تشيزارى بافيزى. نشأ المرصد في عام 2001 بمبادرة مني بهدف الإلمام بالبانوراما الأدبي الدولي المتعلق بالكاتب الايطالي، وتحفيز إجراء الدراسات حوله".
وفيما يتعلق بالكتاب الإيطاليين الذين يهتم بدراستهم إضافة إلى بافيزى؛ قال الشاعر أنطونيو كاتالفامو: "قمت بدراسات حول دانتى ألييجيرى وجيوفاني بوكاتشيو، وحول الأدب الإيطالي في عصوره المختلفة".