دراسة تحذر من تفاقم الأزمة الإنسانية في القرن الإفريقي بسبب التغيرات المناخية

كشفت دراسة لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، الذي يتخذ من واشنطن مقرا له، أن منطقة القرن الإفريقي الكبير الممتد من جنوب إثيوبيا إلى شمال كينيا والصومال تعاني من أسوأ موجة جفاف تحدث منذ أربعة عقود؛ حيث أدت ندرة الأمطار في موسمها الرابع على التوالي بسبب ظاهرة النينيا المناخية وحدوث موجة جفاف شديدة أدت إلى تقليص الإنتاج الزراعي وتدمير مساحات كبيرة من المحاصيل ونفوق أكثر من 3 ملايين رأس من الماشية، مما يهدد حياة الملايين من المزارعين والرعاة في جميع أنحاء المنطقة.

 

وأشارت الدراسة إلى توقعات أحدث البيانات المناخية التي أكدت استمرار موجة الجفاف غير المسبوقة لخمسة مواسم قادمة بسبب انخفاض معدلات هطول الأمطار الموسمية إلى ما دون مستوياتها الطبيعية في الفترة من شهر أكتوبر وحتى ديسمبر، ما يستلزم تنفيذ استراتيجيات طويلة الأمد للتكيف مع المناخ والقدرة على الصمود للتخفيف من آثار الجفاف والأزمات المناخية والسياسية الراهنة.

 

وأوضحت أن أكثر من 20 مليون شخص يواجهون شبح المجاعة، بينهم ما يقرب من 6 ملايين طفل دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، متوقعة أن يرتفع عدد الأشخاص المتأثرين بانعدام الأمن الغذائي الحاد إلى أكثر من 25 مليون بحلول منتصف عام 2022، مما سيضر بإثيوبيا والصومال المتأثرتين بنزاعات داخلية، وقد يؤدي إلى تفشي سوء التغذية والمجاعة على نطاق واسع.

 

ووفقا لشبكة أنظمة الإنذار المبكر بالمجاعة، يعيش أكثر من 81 ألف شخص في الصومال في ظروف مجاعة، فيما سيواجه 20 مليون شخص آخرين في جميع أنحاء إثيوبيا ظروف أزمة غذائية أو ما هو أسوأ بحلول نهاية عام 2022، ليس فقط بسبب الجفاف ولكن أيضا بسبب الصراع في شمال البلاد.

 

ونبه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في دراسته إلى أن تضخم أسعار السلع والمواد الغذائية العالمية بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا يزيد من تفاقم الوضع في جميع أنحاء القرن الأفريقي، لاسيما وأن مخزونات القمح الروسي والأوكراني قبل الغزو كانت تمثل نسبة هائلة من المساعدات الغذائية الإنسانية للمنطقة وأكثر من 90 في المائة من واردات القمح الصومالية.

 

وحذر برنامج الغذاء العالمي (WFP) من حدوث "خطر مجاعة حقيقية" في الأشهر المقبلة وخسائر في الأرواح على نطاق واسع، وحث المجتمع الدولي على تبني خطة إنسانية طارئة لاحتواء هذه الأزمة، مشيرا إلى العلاقة المتبادلة بين المناخ والأمن الغذائي والصراعات في تفاقم الأزمات الغذائية في الدول الهشة أو النامية في المنطقة.

 

وأشارت الدراسة إلى توقعات تقرير برنامج الأغذية العالمي لعام 2021 عن أزمات الغذاء في العالم والذي أكد أن القرن الإفريقي سيسجل أعلى مستويات الجوع العالمي في تاريخ تقارير البرنامج، وذلك بسبب الأزمة الغذائية الحادة واشتداد ظروف الجفاف، مضيفا "لقد أصبح التمويل الإنساني الفوري والمستدام أمرًا ضروريًا لمنع مزيد من الخسائر في الأرواح في جميع أنحاء القرن الإفريقي".

 

وناشد تقرير البرنامج كل من الجهات المانحة والمجتمع الدولي مثل قمة مجموعة السبعة إلى التعاون لحل أزمة التمويل وتفعيل الاستراتيجيات اللازمة للتغلب على التحديات التي تواجه الاستثمارات الإنسانية وإعطاء المساحة للقادة من جميع أنحاء القرن الإفريقي لشرح متطلباتهم لتوفير الاستجابة الإنسانية الفاعلة وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمناطق التي يسيطر عليها المتمردون وإجراء إصلاحات تشريعية وقانونية لحماية موارد المساعدة وإضعاف شرعية الجماعات المتمردة.

 

وتناولت الدراسة الجهود الدولية لتقديم المزيد من المساعدات الإنسانية للقرن الإفريقي ومنها، إعلان الاتحاد الأوروبي عن تخصيص 134 مليون دولار لمشاريع إنسانية في إثيوبيا وكينيا والصومال، وإطلاق منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) خطة استجابة للجفاف بقيمة 130 مليون دولار في يناير 2022. كما تعهدت الوكالات المانحة بتقديم ما يقرب من 1.4 مليار دولار، بالإضافة إلى 200 مليون دولار من الولايات المتحدة كمساعدات إنسانية للمنطقة، وذلك خلال انعقاد المائدة المستديرة رفيعة المستوى الخاصة بالقرن الإفريقي في أبريل الماضي، والتي استضافها مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) ومكتب الاتحاد الأوروبي للحماية المدنية والمساعدات الإنسانية (ECHO)، وبذلك يصل إجمالي تعهدات الجهات المانحة إلى 361 مليون دولار للسنة المالية 2021-2022.

 

ودعت منظمة الأمم المتحدة المؤسسات والدول المانحة إلى زيادة التمويل الإنساني العاجل وبشكل مستمر للتخفيف من الكارثة الإنسانية المتفاقمة في منطقة القرن الإفريقي، مشيرة إلى أن آليات وبرامج التمويل الجديدة لا تمثل سوى جزء بسيط من تقديرات الشركاء في المجال الإنساني والتي تصل إلى 4.4 مليار دولار، كما يجب أن يتضمن التخطيط الإنساني أيضا نظرة طويلة الأجل نحو التكيف مع المناخ وبناء القدرة على الصمود في ضوء التدهور السريع للظروف المناخية في المنطقة، وفقا لدراسة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية.

 

وسلطت الدراسة الضوء على دول مثل إثيوبيا وكينيا والتي أحرزت تقدما في مقاييس التنمية الرئيسية على مدار العقد الماضي، إلا أن أزمة المناخ المتصاعدة عززت نقاط ضعف جديدة وفاقمت حالات انعدام الأمن وبالتالي أثرت سلبيا على استقرار القرن الإفريقي.

 

وكشفت دراسة أجرتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID) أن حوالي 9 ملايين شخص إثيوبي يعانون من المجاعة في مناطق عفار وأمهرة وتيجراى، حيث أدت الحرب الأهلية في تيجراى في نوفمبر 2020 إلى تقويض مكاسب التنمية وخلق احتياجات إنسانية غير عادية.

 

وفي شمال غرب كينيا، على طول حدود البلاد مع أوغندا وجنوب السودان، أدت ظاهرة الجفاف الشديد وانعدام الأمن الغذائي إلى نشوب صراعات عديدة على الموارد الطبيعية الشحيحة، بينما أدت التأثيرات المجتمعة للمناخ والصراع في الصومال إلى حاجة أكثر من 7.7 مليون صومالي إلى المساعدات الإنسانية والحماية في 2022.

 

وأصدرت الأمم المتحدة تحذيرا في أبريل الماضي من وفاة 350 ألف صومالي من الجوع إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة لإنقاذهم وتوفير مساعدات عاجلة لأكثر من 2.2 مليون شخص، حيث أدت الحرب الأهلية في الصومال إلى نزوح 2.9 مليون فرد من ديارهم على مدى العقود الثلاثة الماضية، لتصبح واحدة من أسوأ خمس أزمات إنسانية في العالم.

 

وأشارت الدراسة إلى التحديات البيروقراطية واللوجستية والأمنية التي تعوق وصول الجهات الفاعلة والمساعدات الإنسانية للمناطق الأشد احتياجا في القرن الأفريقي بسبب انهيار البنية التحتية العامة في مناطق النزاعات والتدمير واسع النطاق للمراكز الصحية وأنظمة المياه والمدارس.

 

وأضافت أن أكبر عقبة أمام وصول المساعدات الإنسانية هي العوائق التي تمارسها الدول والجهات الفاعلة غير الحكومية في جميع أنحاء المنطقة. فعلى سبيل المثال في إثيوبيا، فرضت الأطراف المتحاربة حصارا على منطقة تيجراى منذ يونيو 2021، مما يحد بشدة من وصول المساعدات الإنسانية، وأدى إعلان الحكومة الفيدرالية عن حالة الطوارئ الوطنية لمدة ستة أشهر في نوفمبر 2021 إلى مضاعفة العقبات التشغيلية للجهات الفاعلة الإنسانية، حيث اعتقلت السلطات بعض عمال الإغاثة وفرضت قيودا شديدة على حركة الإمدادات الإنسانية والعاملين فيها. ومؤخرا تم الإعلان عن الهدنة في 24 مارس 2022، مما سمح بدخول المساعدات الإنسانية والخدمات.

 

كما استعرضت الوضع في الصومال، حيث لا تزال حركة الشباب تشكل تهديدا كبيرا للأمن الإقليمي والعمليات الإنسانية والمتمثلة في مهاجمة العاملين في المجال الإنساني واستغلال المساعدات لصالحها وإعاقة وصول التمويل من المانحين. وقامت حركة الشباب بمهاجمة مكاتب الوكالات المحلية وحظرت العديد من منظمات الإغاثة الغربية ومنهم، برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) بحجة "التجسس" وممارسة "أنشطة غير مشروعة".

 

لذلك فرض المانحون قيودًا تشغيلية صارمة على الوكالات الإنسانية وتم تخفيض قيمة التمويل الإنساني جنوب وسط الصومال بمقدار النصف خلال فترة الجفاف في شرق إفريقيا بسبب القلق من سوء استخدام والتلاعب بالمساعدات منذ 2011.

 

واختتمت الدراسة بأن برامج المساعدات الإنسانية يجب أن تشمل النهج التصاعدي بمعنى حماية سبل العيش الزراعية ودعم التكيف وتعزيز تطوير أنظمة الدعم الاجتماعي الرسمية وغير الرسمية وليس فقط توفير الدعم الفوري لأزمة الغذاء مثل المساعدات العينية والنقدية والقسائم. كما أن عدم الاستقرار العالمي وزيادة حجم الاحتياجات الإنسانية العالمية قد يقوض الإرادة السياسية للدول المانحة للاستجابة لنداءات التمويل لعدم كفاية الموارد لإدارة الأزمات العالمية الآخذة في الازدياد في السنوات الأخيرة في أوكرانيا وأفغانستان وأماكن أخرى.

 

ويعتبر القرن الأفريقي أحد أكثر مناطق العالم تضررا من النزاعات، حيث شهدت كل دولة في القرن الإفريقي قدرا من الصراع السياسي لعقود، أدى إلى تفاقم آثار الصدمات المناخية على السكان وخلق احتياجات وحواجز إضافية للمنظمات الإنسانية الدولية والجهات الفاعلة المحلية. وتتحمل النساء والفتيات العبء الأكبر من هذه الأزمات المتزامنة؛ بسبب عدم المساواة السائدة بين الجنسين والتي تعيق مشاركتهن في آليات صنع القرار والاستجابة الإنسانية وجهود التعافي.

يمين الصفحة
شمال الصفحة