
اجتمع كبار التنفيذيين من قطاع الشحن العالمي هذا الأسبوع في لونغ بيتش بولاية كاليفورنيا لحضور مؤتمر سنوي رئيسي، وكانوا يتوقعون مناقشة اتجاهات السوق وتحديات سلاسل التوريد. لكنهم وجدوا أنفسهم في وضع أزمة.
تحول جذري للتجارة الحرة
ففي يوم الثلاثاء، أحدث الرئيس دونالد ترامب تحولاً جذرياً للتجارة الحرة إلى حد كبير امتدت لعقود زمنية مع أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، حيث فرض رسوماً جمركية بنسبة 25% على السلع القادمة من المكسيك وكندا. كما أضاف البيت الأبيض رسوماً إضافية بنسبة 10% على الصين، بعد زيادة مماثلة قبل شهر، بحسب "بلومبرج".
أحدثت هذه الخطوة صدمةً في التجارة العالمية، وأثارت مخاوف من الركود وارتفاع الأسعار الاستهلاكية والفوضى اللوجستية. ورغم أن تصعيد الرسوم الجمركية كان دائماً أحد القضايا المحورية في سياسات ترمب، إلا أن خبراء الشحن المشاركين في مؤتمر "TPM25" الذي تنظمه "إس آند بي غلوبال" في لونغ بيتش قالوا إنهم لم يتوقعوا أن ينفذ سياسته بهذه الحدة.
قالت سيندي ألين، الرئيسة التنفيذية لشركة الاستشارات "تريد فورس مالتبلاير" (Trade Force Multiplier)، التي تحدثت في جلسة حول التعامل مع فترة ترمب الرئاسية الثانية: "إنه أشبه بزلزال"، مضيفةً: "تبذل قصارى جهدك للاستعداد، لكن عندما يحدث يكون بقوة 8.0 على مقياس ريختر. إنه صدمة".
تغييرات في الرسوم
فيما زاد من حالة عدم اليقين، قال وزير التجارة هوارد لوتنيك يوم الأربعاء إن ترمب يستعد للإعلان عن تغييرات في الرسوم المفروضة على شركاء أمريكا التجاريين في أمريكا الشمالية في وقت لاحق من اليوم.
قال لوتنيك في مقابلة مع "بي تي في": "إنه يفكر في أي قطاعات من السوق قد أو ربما، ينظر في منحها إعفاءً". أوضح أن بعض الفئات ستظل خاضعة للرسوم بنسبة 25%، بينما قد يتم إعفاء أخرى. لكنه أشار إلى أن مراجعة تجارية أوسع في أبريل قد تؤدي إلى جولة جديدة من الرسوم الجمركية.
لطالما هدد ترامب بفرض رسوم أعلى لسنوات، وكان احتمال زيادات كبيرة مفهوماً على نطاق واسع. في ميناءي لوس أنجلوس ولونغ بيتش، وهو أكبر بوابة أمريكية للواردات الصينية، قفزت أحجام الشحن بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، في إشارة إلى أن المستوردين كانوا يسرّعون عمليات الشحن تحسباً للقيود التجارية المحتملة.
فترة ترامب الرئاسية
يتكرر هذا النمط مرة أخرى: خلال فترة ترمب الرئاسية الأولى، شهدت حركة الموانئ ارتفاعاً حاداً مع تسابق الشركات لتخزين البضائع، لكنها انخفضت بعد بدء سريان الرسوم الجمركية على الواردات الصينية. على بُعد نصف قارة، قفزت أسعار الشحن بين الولايات المتحدة وكندا منذ فوز ترمب في الانتخابات في نوفمبر، وفقاً لدين كروك، المحلل في شركة "دي إيه تي فريت آند أناليتكس" (DAT Freight and Analytics).
قال كروك: "من الواضح أن شركات الشحن تعمل على تخزين أكبر قدر ممكن من البضائع"، مُضيفاً: "شهدنا ارتفاعاً حقيقياً في معدلات الشحن عبر الحدود، سواء من حيث الحجم أو التقلب في الأسعار بين البلدين، وهي من أعلى المعدلات التي رأيناها منذ سنوات".
حاول خوسيه "جي دي" غونزاليس، وهو وسيط جمارك في مدينة لاريدو بولاية تكساس، على مدى أسابيع تحذير عملائه من تداعيات الرسوم الجديدة. لكن معظمهم تجاهلوا مخاوفه، واثقين من أن الرسوم لن تدخل حيز التنفيذ، خاصة بعد التأجيل السابق لتعريفات مماثلة على كندا والمكسيك قبل شهر فقط.
ثم جاءت الصدمة عندما بدأ تطبيق التعريفات، ولم يتوقف هاتفه عن الرنين. مكالمة تلو الأخرى، كان غونزاليس يشرح لعملائه أكبر تغيير في قواعد التجارة على الحدود الأميركية-المكسيكية خلال أكثر من 30 عاماً من عمله في المجال.
بالنسبة للعديد من الشركات التي كان عالمها خالياً نسبياً من الرسوم الجمركية، تحولت الأمور فجأة إلى سباق محموم لتأمين الأموال اللازمة لدفع 25% من قيمة وارداتها. وكان ذلك يعني بالنسبة للكثيرين ضرورة القيام بالحد الأدنى من الإجراءات الأساسية، مثل فتح حساب لدى هيئة الجمارك وحماية الحدود الأميركية لدفع الضرائب الجديدة على الواردات.
قال غونزاليس، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الجمعية الوطنية لوكلاء الجمارك: "إنه أشبه بصدمة ثقافية بكل معنى الكلمة. الجميع كانوا ينتظرون فقط لمعرفة ما سيحدث".
في مختلف القطاعات، من النقل بالشاحنات إلى الأغذية وحتى سوق الطائرات الخاصة، تسابق الشركات في المنطقة للتكيف مع الوضع الجديد.
مطالبات بخصومات لتعويض الرسوم
في شركة النقل بالشاحنات "غروب فليتيس مكسيكو" في مدينة سيوداد خواريز الحدودية، بدأ العملاء يطلبون خصومات لتعويض ارتفاع التكاليف الناجم عن التعريفات، وفقاً للرئيس التنفيذي ميغيل غوميز. لكنه قال إنه لا يستطيع الموافقة على ذلك بسبب هامش الربح المحدود، مشيراً إلى أن الشركة قد تضطر إلى تسريح بعض موظفيها البالغ عددهم 2600 شخص إذا استمرت التعريفات لفترة طويلة.
أضاف: "ليس لدينا حقاً الكثير من الخيارات لخفض التكاليف. هناك الكثير من عدم اليقين وعدم الاستقرار".
في كندا، تخطط شركة "أوغو وورك" (UgoWork) ومقرها في كيبيك، وهي متخصصة في صناعة بطاريات الرافعات الشوكية، لتقاسم معدل التعريفة البالغ 25% مع عملائها في الولايات المتحدة.
لكن الرئيس التنفيذي فيليب بوشامب حذر قائلاً: "لكن في مرحلة ما، هذا الوضع غير مستدام". أشار إلى أنه يفكر في فتح مصنع في الولايات المتحدة حيث يوجد نصف عملاء الشركة.
أما في شركة "بوندي بروديوس" (Bondi Produce)، ومقرها في تورونتو وتوزع الفواكه والخضراوات الطازجة، فقال نائب الرئيس المالي بول ساندو إن الشركة لا يمكنها تحمل زيادة في التكاليف بنسبة 25% وستضطر إلى تمرير جزء منها على الأقل إلى العملاء. تشمل السلع المتأثرة الحمضيات والطماطم والخوخ والتوت.
أشار ساندو إلى أن شركته تتعامل أيضاً مع المنتجات الزراعية حيث تستورد الفواكه من الولايات المتحدة أو المكسيك ثم تبيعها إلى شمال شرق الولايات المتحدة.
قال: "أضحك لأن الأمر لا يصدق، لكنه بالفعل تأثير مزدوج على المستهلك النهائي".
قلق بقطاع الطائرات الخاصة
وفي قطاع الطائرات الخاصة للشركات، بدأ بعض المشترين الأميركيين المحتملين في التريث، وفقاً لغريغ رايف، الرئيس التنفيذي لمجموعة "إليفيت أفييشن غروب" (Elevate Aviation Group)، ومقرها في ميامي، والمتخصصة في تأجير الطائرات وتقديم الاستشارات لشراء الطائرات.
أشار رايف إلى أن قطع الغيار تمثل عامل قلق رئيسياً، مما دفع بعض المشترين المحتملين للطائرات المصنعة من قبل "بومباردييه" إلى التراجع ومحاولة تقييم التكلفة الإجمالية للملكية. فعلى سبيل المثال، إذا احتاج شخص ما إلى قطع الغيار من الشركة المصنعة في كيبيك بقيمة 500 ألف دولار، فإن الرسوم الجديدة ستضيف 125 ألف دولار إضافية.
قال رايف: "إذا اشتريت طائرة من مصنع كندي، فأنت عملياً تربط نفسك بأي تعريفات استيراد كندية". وبينما كان لا يزال يحاول استيعاب نطاق التعريفات صباح الثلاثاء، توقع أن "ذلك سيؤثر بشكل كبير على قطاع الطيران الخاص".
في مؤتمر "TPM25"، وردت أنباء عن تصريحات وزير التجارة هوارد لوتنيك حول احتمال التوصل إلى حل وسط مع المكسيك وكندا، خلال جلسة ضمت خبير التجارة والجمارك بيت منتو.
بعد تلقيه سيلاً من الأسئلة من تجار التجزئة والمستوردين، اختتم منتو الجلسة بكلمات نصح فيها الحاضرين قائلاً: "الذعر مكلف للغاية، أليس كذلك؟ إنه على الأرجح أكثر تكلفة من التحلي بالصبر"، مضيفاً: "أفضل ما يمكنك القيام به لنفسك، ولعملائك، ولإدارتك، هو نشر الهدوء، وعدم المبالغة في رد الفعل، وعدم اتخاذ قرارات متسرعة".