بعد نفي أنباء اغتيال أحمدي نجاد..ـ من هو الرئيس الذي تحدّى خامنئي؟

نفت وسائل إعلام إيرانية ما نشره تلفزيون أذربيجان من أنباء عن مقتل الرئيس الإيراني الأسبق محمود أحمدي نجاد، بالرصاص في أحد شوارع طهران، وذلك حسبما أفادت قناة القاهرة الإخبارية في نبأ عاجل.
محمود أحمدي نجاد، الرئيس السادس للجمهورية الإسلامية الإيرانية، يُعد من أبرز الشخصيات المثيرة للجدل في تاريخ إيران الحديث. تولى رئاسة البلاد لفترتين متتاليتين بين عامي 2005 و2013، وارتبط اسمه بالخطاب الشعبوي، والتصعيد مع الغرب، والملف النووي الإيراني. ورغم ابتعاده عن المنصب، لا يزال اسمه حاضرًا في المشهد السياسي الإيراني.

البدايات والنشأة العلمية

وُلد أحمدي نجاد في 28 أكتوبر 1956 بمدينة أرادان بمحافظة سمنان الإيرانية. ينتمي إلى أسرة متواضعة من الطبقة العاملة. حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية من جامعة "العلم والصناعة" في طهران، ثم عمل أستاذًا جامعيًا. التحق بالحرس الثوري خلال الحرب الإيرانية-العراقية، وكانت تلك الفترة نقطة تحوّل في مسيرته الفكرية والسياسية.

بداية الصعود السياسي

دخل أحمدي نجاد معترك السياسة من بوابة المحافظين، حيث تولى عدة مناصب حكومية، منها محافظ أردبيل (1993-1997)، ثم عُيِّن رئيسًا لبلدية طهران عام 2003. خلال فترة رئاسته للبلدية، برز بأسلوب إداري محافظ، وشدّد على تطبيق القيم الدينية، مما ساعد في تعزيزه كوجه سياسي موثوق لدى التيار المحافظ.

رئاسة الجمهورية: 2005 – 2013

فاز أحمدي نجاد في انتخابات الرئاسة عام 2005، في مفاجأة سياسية أطاحت بكبار رجال الإصلاح، أبرزهم الرئيس السابق هاشمي رفسنجاني. استند أحمدي نجاد إلى دعم شعبي واسع بين الفقراء وطبقات الريف، حيث قدم نفسه كابن الشعب المدافع عن العدالة الاجتماعية ومحاربة الفساد.

شهدت فترته الأولى سياسة خارجية تصادمية، خاصة مع الولايات المتحدة وإسرائيل. وواجه انتقادات دولية حادة بسبب تصريحاته المثيرة حول المحرقة اليهودية وحق إسرائيل في الوجود.

أعيد انتخابه في عام 2009، لكن فوزه أثار جدلاً واسعًا وتظاهرات احتجاجية ضخمة عُرفت بـ"الحركة الخضراء"، حيث اتهمه خصومه بتزوير الانتخابات، ما أدى إلى قمع أمني واسع للمعارضة.

مواقفه المثيرة للجدل

تميّز أحمدي نجاد بخطاب شعبوي يجمع بين الدين والقومية، وكان يُكثر من استخدام عبارات دينية وربط إنجازاته بـ"الظهور القريب للإمام المهدي"، ما أثار تحفظات حتى من رجال الدين داخل النظام.

كما دخل في صدامات علنية مع رجال الدين المتنفذين، وعلى رأسهم المرشد الأعلى علي خامنئي، خاصة في فترته الثانية، ما جعله يفقد الكثير من الدعم داخل التيار المحافظ.

محاولات العودة السياسية بعد 2013

بعد نهاية ولايته الرئاسية، لم يتقاعد أحمدي نجاد سياسيًا. حاول العودة إلى المشهد مجددًا، وتقدم بطلب الترشح للانتخابات الرئاسية في 2017، إلا أن مجلس صيانة الدستور رفض ترشحه، رغم كونه أحد رموز التيار المحافظ سابقًا.

وفي عام 2021، كرر المحاولة، لكن تم استبعاده مرة أخرى، مما اعتبره أنصاره استهدافًا سياسيًا بسبب مواقفه الناقدة لبعض سياسات النظام.

رؤية أحمدي نجاد السياسية

يُصنف أحمدي نجاد ضمن التيار المحافظ، لكنه يختلف عن التقليديين داخل النظام، إذ يملك نزعة استقلالية، وشعبوية مفرطة. يركز خطابه على الفقر، والعدالة الاجتماعية، ومناهضة "الطبقة السياسية الفاسدة"، سواء من الإصلاحيين أو المحافظين التقليديين.

الحضور الإعلامي والرمزي بعد الرئاسة

رغم ابتعاده عن المناصب الرسمية، لا يزال أحمدي نجاد يحتفظ بقاعدة جماهيرية، ويشارك أحيانًا في تصريحات إعلامية مثيرة، بعضها ينتقد النظام الإيراني بشكل غير مباشر، أو يتناول قضايا إقليمية ودولية.

وقد لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتواصل مع أنصاره، ونشر رسائل سياسية، في ظل تراجع حضوره في الإعلام الرسمي الإيراني.

خاتمة: إرث مثير للجدل

يبقى محمود أحمدي نجاد شخصية فريدة في المشهد الإيراني، إذ جمع بين الشعبية وخطاب المعارضة من داخل النظام. تنقّل بين دوائر الحكم والرفض، وخلّف إرثًا سياسيًا يصعب تجاهله في تاريخ الجمهورية الإسلامية، خاصة في ما يتعلق بالعداء للغرب، والموقف من إسرائيل، ومحاولات "إعادة تعريف" السياسة الإيرانية بمفاهيم أكثر ارتباطًا بالجماهير.

ورغم محاولات التهميش، فإن بريق اسمه لا يزال يلمع من حين لآخر، في انتظار لحظة قد تعيد إحياء طموحاته السياسية من جديد.

يمين الصفحة
شمال الصفحة