
شهدت منصات التواصل الاجتماعي في مصر تحولات دراماتيكية خلال السنوات الأخيرة، إذ تحولت شخصيات عادية وأخرى مهمشة إلى نجوم يتابعهم الملايين عبر تطبيق "تيك توك"، بفضل بث مباشر يومي ومقاطع قصيرة تجمع بين الرقص والترويج والإعلانات، جالبين أرباحًا بملايين الجنيهات. لكن هذه الشهرة السريعة وضعتهم في مواجهة مباشرة مع القانون، بعدما لاحقتهم اتهامات تتراوح بين "خدش الحياء العام" و"الإساءة للقيم الأسرية" وصولًا إلى "الاشتباه في مصادر الثروة".
شهرة صاخبة واتهامات مثيرة للجدل
رغم اختلاف قصص هؤلاء المؤثرين، إلا أن خيوطًا مشتركة تجمع بينهم: شهرة مفاجئة، ثراء لافت، ومحتوى أثار موجات من الجدل. ومع تصاعد البلاغات المقدمة ضدهم، تحركت الأجهزة الأمنية لتوقيف عدد من الأسماء البارزة التي ارتبطت بمحتوى مثير للجدل على "تيك توك".

أم سجدة.. من فيديو عفوي إلى تهم خدش الحياء
بدأت شهرة أم سجدة من صالون تجميل شعبي، حين ظهرت في مقطع عفوي تطلب من الكوافير "وحيد لاشين" صبغة شعر "فواتح"، وهو الفيديو الذي حصد ملايين المشاهدات وحوّلها إلى نجمة إعلانات ومقاطع تمثيلية. لكن بريق الشهرة سرعان ما خفت، بعد أن ألقت الأجهزة الأمنية القبض عليها إثر نشر مقاطع وصفت بأنها "خادشة للحياء"، إضافة إلى توجيه شبهات حول مصادر ثروتها المفاجئة.
أم مكة وزوجها.. من بيع الفسيخ إلى قفص الاتهام
لم تكن أم سجدة وحدها في دائرة الاتهام، إذ لحقتها صديقتها أم مكة، المعروفة بمحتواها حول الفسيخ والرنجة. بدأت أم مكة مشوارها كبائعة فسيخ بسيطة، لتصبح سريعًا نجمة ترند عبر تقييمات مشاهير "تيك توك" وفيديوهاتهم التفاعلية مع وصفاتها. لكن مظاهر الثراء المفاجئة، من منزل فاخر وسيارة حديثة ومجوهرات، أثارت التساؤلات، وانتهى الأمر بإلقاء القبض عليها بتهم "ألفاظ خادشة" و"إساءة استخدام مواقع التواصل" و"التشكيك في مصادر الدخل". كما تحفظت السلطات على زوجها بعد اكتشاف حكم قضائي سابق بحقه.
سوزي الأردنية.. من مشادة عائلية إلى اتهامات بازدراء الأديان
تبلغ سوزي الأردنية (18 عامًا) واسمها الحقيقي سوزي أيمن، وقد بدأت شهرتها من فيديو جدلي خلال مشادة مع والدها، تضمن ألفاظًا مسيئة. ومع تزايد متابعيها وتهافت الإعلانات عليها، واصلت سوزي إثارة الجدل حتى ألقي القبض عليها مجددًا بعد بلاغ من المحامي علي فايز يتهمها بـ"ازدراء الأديان" عقب تصريحات مسيئة للنبي محمد ﷺ في أحد مقاطعها.
مداهم.. بائع السمك الذي تورط في قضايا مخدرات
محمد خالد، الشهير بـ"مداهم"، كان يعمل بائعًا للسمك قبل أن يقفز إلى عالم "تيك توك" عبر بثوص ومقاطع جريئة. ومع تصاعد البلاغات ضده بتهم "الخروج عن الآداب العامة"، ألقت الشرطة القبض عليه، وعثرت بحوزته على عملات محلية وأجنبية، ومشغولات ذهبية، إضافة إلى مواد مخدرة كالأفيون والحشيش بغرض التعاطي. وقد تقدّم المحامي أشرف فرحات ببلاغ رسمي ضده وضد صانع محتوى آخر هو محمد شاكر، يتهمهما بـ"بث محتوى غير أخلاقي" و"التربح غير المشروع من المنصات الرقمية".
علياء قمرون.. من بائعة مناديل إلى رمز للمحتوى الجريء
عرفت علياء قمرون بدايةً كفتاة تبيع المناديل في الشوارع، واشتهرت أول مرة وهي ترتدي الحجاب وتردد أنشودة "قمرن"، ما منحها لقبها الشهير. غير أن تحولها كان لافتًا؛ إذ انتقلت لاحقًا إلى تقديم محتوى ساخر وجريء، مع مشاركتها في "لايفات" ترندية ورقصات أثارت الجدل. وقد وُجهت إليها اتهامات بـ"خدش الحياء العام" بعد تقارير عن أرباحها الكبيرة، والتي قُدرت بنحو 4 ملايين جنيه في أربعة أيام فقط، وفق مصادر أمنية.
حملات أمنية مستمرة وردود فعل منقسمة
تأتي هذه الحملات في إطار توجه أمني لملاحقة ما يُعرف بـ"محتوى التيك توك الخادش"، وسط انقسام مجتمعي حاد؛ فبينما يرى البعض أنها خطوة لحماية "القيم الأسرية" وضبط الفوضى الرقمية، يعتبرها آخرون تقييدًا لحرية التعبير، خاصة في ظل غموض بعض مواد قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية التي تُستخدم لتكييف هذه القضايا.
تداعيات على صناعة المحتوى الرقمي
تشير هذه الوقائع إلى تحولات جذرية في صناعة المحتوى الرقمي بمصر، إذ يواجه العديد من المؤثرين خطر المحاسبة القانونية في حال تجاوزهم الخطوط الحمراء المجتمعية أو القانونية. كما تفتح هذه القضايا باب النقاش حول ضرورة وضع ضوابط واضحة للمحتوى المنشور على المنصات، بما يوازن بين حرية الإبداع وحماية القيم المجتمعية.