رمضانيات "الحصاد" 4.. "صناعة السبحة" فن مصري أصيل مهدد بالاندثار.. تاريخ الحرفة من العصر الفاطمي إلى "السبحة الصينية"

في مثل تلك المناسبات الدينية المعروفة، كالحج والعمرة وشهر رمضان الكريم، تجد تلك الصناعة رونقها وعذوبتها حين تلامس أصابع المسلمين في مصر، حباتها، إنها السبحة التي تعد إحدى صناعات الفن المصري الأصيل للتراث اليدوي، رغم ما تواجهه من غزو صيني قد يعصف بها، تلك الصناعة التي تمتد لمئات الأعوام ويتوارثها الأجيال، تبقى متفردة بسبب "الشغل" اليدوي.
وعرف المصريون السبحة في أشكال أخرى في العصر الفاطمي، ولكنها أخذت عدة مراحل حتى وصلت لإبداع المصريين في تطعيمها بالمعادن النفيسة لرفع قيمتها فضلاً عن ابتكار أشكال وأحجام مختلفة منها.
وتمر تلك الصناعة الدقيقة العالية الحرفية، بـ7 مراحل، أولها تقطيع المادة الخام عبر ماكينة تقطيع كهربائية، ثم مرحلة التخريط، وهي عبارة عن إعادة تشكيل المادة المقطوعة، سواء إلى مكعبات أو قطع صغيرة، والمرحلة الثالثة هي التخريم بآلة كهربائية، وبعدها رابعا التطعيم، وهي مرحلة إلحاق بعض المواد للتزين، مثل اللون الذهبي أو الفضي أحيانا، تليها الصنفرة لجعل السبحة ملساء، يعقبها التلميع، إلى أن تأتي المرحلة السابعة والأخيرة، وهي اللضم وتقفيل السبحة.
وتتنوع حجم السبح فهناك مكونة من 33 خرزة، ويكون هناك فاصل بينها بعد 11 خرزة، وسبحا أخرى مكونة من 99 خرزة، وتسمى "الألفية"، ويكون كل 33 خرزة ، وأهم ما يميز الصناعة المصرية عن الصينية هي مرحلة التطعيم اليدوية، التي لم تستخدمها الصين حتى الآن، لأنها تعتمد على الماكينات فقط.
ويبدو أن غلاء أسعار المواد الخام وإغراق السوق المصري بالسبح الصينية، مستجدان يهددان صناعة السبح اليدوية في مصر بالاندثار، بعدما ظلت مصر الأولى عالميا في تصنيع وتوريد السبح إلى كل دول العالم بما فيها أرض الحرمين الشريفين.
كما يعد العاج من أفخم وأندر الخامات الطبيعية التي نصنع منها السبح اليدوية ولكن لأنه مستخلص من جسد الفيل ما يتطلب قتل الفيلة لاستخراج العاج منها، أصبح تداول العاج محظورا ومن الصعب جدا العثور عليه، لذلك قد يصل ثمن السبحة المصنوعة من العاج لآلاف الجنيهات حسب حجمها.
عندما تتجول في أشهر الاماكن الدينية في مصر، وتسأل عن أسعار السبح مثلا، وهي من الأساسيات التي تهم الزبون بجانب الجودة، ستجد أنها تبدأ من 10 جنيهات، وحتى 200 أو 300 جنيه، بحسب عم عادل، ومنها ما يصل إلى ألف جنيه، وهو نوع "سن الفيل" لكنه محرم دوليًا.
وتنافس السبحة اليدوية أخرى إلكترونية، تستورد من الصين، ويقوم المستخدم بالضغط على "زر" كما لو أنه يُسبح، كما دخلت السباق، مؤخرا، تطبيقات تسمح بالتسبيح على الهواتف المحمولة المزودة بنظام "أندرويد".

وأمام آراء متشددة ترى في السبحة بدعة وتدعو إلى التسبيح بالأنامل، فلدار الإفتاء المصرية فتوى، عام 2004، تفيد بأن السبحة أمر مشروع أقره نبي الإسلام محمد، صلى الله عليه آله وسلم، ولم ينكره أحد بعده.