خطأ ماكرون الجديد .. قناة تليفزيونية تدعم الإرهاب لن تصلح ما أفسده تجار الدين

*منبر الأزهر الشريف طريق ماكرون لوأد الفتنة مع العالم الإسلامي

*لنتفق جميعا علي  " إنّ حريّة الإنسان تنتهي عندما تبدأ حريّة الآخرين"

 

تصريحات الرئيس الفرنسي ماكرون -المدافعة عن إعادة نشر رسوم كاريكاتيرية ساخرة من النبي محمد عليه الصلاة والسلام- أثارت موجات غضب في بلدان إسلامية عديدة حتي أصبحت حديث الساعة علي مدي الأيام الفائتة خاصة وأنها جاءت في ذكري المولد النبوي ..وجاءت تلك التصريحات  بعد ذبح مدرس اللغة الفرنسية صمويل باتي خارج مدرسته لعرضه داخل صفه رسوم كاريكاتورية عن النبي محمد. وأدى قتل باتي، على يد شاب مسلم من أصل شيشاني، إلى مداهمات للعديد من المشتبه بهم والإسلاميين.

وإثر ذلك عرضت مدينتان فرنسيتان، هما تولوز ومونبلييه، رسوم شارلي إبدو الكاريكاتورية بما في ذلك رسم النبي محمد على جدران مباني مجلسهم المحلي كبادرة تحدٍ ودفاع عن العلمانية. وقال ماكرون في وقفة احتجاجية في باريس إن بلاده "لن تتخلى عن الرسوم الكاريكاتورية".

وقالت أسماء بارلاس، أستاذة العلوم السياسية في جامعة إيثاكا في نيويورك، للصحيفة إن "إيمانويل ماكرون يتابع تقليدًا قديمًا يعود لقرون سابقة عن الأوروبيين الذين يرون أنهم أكثر علما وحضارة ويحاولون إخبار المسلمين كيف يجب أن يعيشوا حياتهم أو يفسروا دينهم".

 

وأضافت بارلاس أن الاستعمار الفرنسي للعديد من الدول ذات الأغلبية المسلمة في إفريقيا كان بارزًا في أذهان العديد من المسلمين، الذين رأوا أصداءه في الطريقة التي وُصِم بها الدين بأكمله بسبب تصرفات عدد قليل من المتطرفين العنيفين.

رد الفعل الإسلامي

ولكن أخطر ما هذا الأمر هو أن ردود الأفعال جاءت متفاوتة ، فمنها من جاء دفاعا بحق عن الرسول الكريم والدين الإسلامي ومنها من سعي لتصفية الحسابات مع ماكرون وفرنسا وراح يصب الزيت علي النار مرتديا عباءة  الدفاع عن الإسلام ..وإن كانت للحقيقة وجوه أخري ..

في تقرير مجمع - لبعض الصحف الأوروبية  لرصد رد الفعل في بعض الدول الإسلامية- ذكر إنه على الصفحة الأولى لإحدى الصحف الإيرانية المتشددة وصف ماكرون بأنه "شيطان باريس".

وفي شوارع دكا وجهت إليه انتقادات، ووصف بأنه زعيم "لعبدة الشيطان". وأمام السفارة الفرنسية في بغداد، حرق متظاهرون صورة ماكرون مع العلم الفرنسي.

ويقول التقرير إن الغضب يتزايد في جميع أنحاء العالم الإسلامي من الرئيس الفرنسي و"هجماته المفترضة على الإسلام والنبي محمد"، مما أدى إلى دعوات لمقاطعة المنتجات الفرنسية وتحذيرات أمنية لمواطني فرنسا في دول ذات أغلبية مسلمة.

ويضيف أن رد الفعل الغاضب امتد وانتشر في شتى أرجاء العالم الإسلامي. وأثار المظالم التاريخية والحالية من أسواق هرات في أفغانستان إلى الأحياء الراقية في عمان وجامعات إسلام أباد.

ويري التقرير أن التوتر يتصاعد منذ سبتمبر عندما أعادت المجلة الساخرة شارلي إبدو نشر الرسوم الكاريكاتورية للنبي محمد عليه الصلاة والسلام عشية محاكمة 14 شخصًا متهمين بالتورط في هجوم إرهابي ضد مكاتب الصحيفة في عام 2015 لنشرهم نفس الرسوم.

ويقول التقرير إن الغضب المتزايد إزاء ماكرون أصبح أكثر حدة إثر خطاب ألقاه ماكرون في وقت سابق من شهر أكتوبر الماضي ،  أعلن فيه عن نيته محاربة "النزعة الانفصالية الإسلامية"، حيث وصف الدين بأنه "في أزمة في جميع أنحاء العالم اليوم" ، مما أثار اعتراضات العديد من القادة والمعلقين المسلمين.

حيث دعا مفتي سلطنة عمان، أحمد بن حمد الخليلي، إلى مُقاطعةِ جميع صادرات "الذين تعدَّوا على شخصية النبي محمد". وفي الكويت أعلنت 50 جمعية تعاونية أنها أزالت جميع المنتجات الفرنسية من فروعها في الدولة الخليجية.

واتَّهم رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان الرئيس إيمانويل ماكرون بتشجيع الإسلاموفوبيا. وكتب على موقع تويتر أنَّ "رئيس فرنسا لا يفهم الإسلام، لكنه هاجم وجرح مشاعر ملايين المسلمين في جميع أنحاء أوروبا والعالم". ودعا موقع فيسبوك إلى حظر المحتويات المروِّجة للإسلاموفوبيا.

 كما وصف مجلسُ التعاون الخليجي -في بيان- تصريحاتِ ماكرون بأنَّها "غير مسؤولة" وأنَّها تهدف إلى "نشر ثقافة الكراهية بين الشعوب".

وكذلك أدانت منظمة التعاون الإسلامي "الاعتداءات الفرنسية على المسلمين" و"الرسوم الكاريكاتورية المسيئة" للمسلمين.

رد شيخ الأزهر

وتحدَّث الدكتور أحمد الطيّب - شيخ الجامع الأزهر و الذي يعتبر من أهم المراجع الفقهية في الإسلام السُّنِّي- حول "حملة ممنهجة للزج بالإسلام في المعارك السياسية" ..ومن أهم ما جاء في كلمته خلال الأحتفال بالمولد النبوي الكريم  هو إنَّ العالَم الإسلامي ومؤسساته الدينيَّة وفي مقدمتها: الأزهر الشريف قد سارع إلى إدانة حادث القتل البغيض للمدرس الفرنسي في باريس، وهو حادث مؤسف ومؤلم، لكن من المؤسفِ أشدَّ الأسفِ ومن المؤلم غاية الألم أيضًا أن نرى الإساءةَ للإسلام والمسلمين في عالمنا اليوم وقد أصبحت أداةً لحشدِ الأصوات والمضاربةِ بها في أسواقِ الانتخابات، وهذه الرسومُ المسيئةُ لنبيِّنا العظيم والتي تتبنَّاها بعضُ الصُّحف والمجلات، بل بعضُ السياسات هي عبثٌ وتهريجٌ وانفلاتٌ من كلِّ قيود المسؤوليَّة والالتزام الخُلُقي والعرف الدولي والقانون العام، وهو عداءٌ صريحٌ لهذا الدِّين الحنيف، ولنبيِّه الذي بعَثَه الله رحمةً للعالَمين.
وأضاف الطيب " إنَّنا ومن موقعِ الأزهر الشَّريف إذ نرفضُ وبقوة مع كلِّ دول العالَم الإسلامي وبقوَّةٍ هذه البذاءات التي لا تُسيء في الحقيقة إلى المسلمين ونبيِّ المسلمين، بقدر ما تسيء إلى هؤلاء الذين يجهلون عظمة هذا النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نحن إذ نفعل ذلك فإننا ندعو المجتمع الدولي لإقرار تشريع عالمي يجرم معاداة المسلمين والتفرقة بينهم وبين غيرهم في الحقوق والواجبات والاحترام الكامل المتبادل، كما أنَّنا ندعو المواطنين المسلمين في الدولِ الغربيةِ إلى الاندماجِ الإيجابيِّ الواعي في هذه المجتمعات، والذي يحفظ علىيهم هُويَّاتهم الدينيةِ والثقافيةِ، ويحول دون انجرارهم وراءَ استفزازاتِ اليمينِ المتطرف، والعنصرية الكريهة، واستقطابات جماعاتِ الإسلام السياسيِّ، وعلى المسلمين المواطنين أن يتقيدوا بالتزام الطرقِ السِّلميةِ والقانونيةِ والعقلانيةِ في مقاومةِ خطابِ الكراهيةِ، وفي الحصولِ على حقوقِهم المشروعة؛ اقتداءً بأخلاق نبيهم الكريم ?.
وأردف " هذا وإنِّي لأعجبُ العجبَ كلَّه أن تُوقَدَ نارُ الفتنةِ والكراهيةِ والإساءةِ في أقطارٍ طالما تغنَّت بأنها مهد الثقافةِ وحاضنة الحضارةِ والتنوير والعلم والحداثة وحقوق الإنسان، ثم تضطربَ في يديها المعاييرُ اضطرابًا واسعًا، حتى بِتنا نَراها وهي تُمسك بإحدى يدَيْها مِشكاةَ الحريةِ وحقوقِ الإنسانِ، بينما تُمسِكُ باليدِ الأخرى دعوة الكراهية ومشاعلَ النيران.
واستكمل في خطابه " أيُّهَا المسلمون! لا تبتَئِسوا مِمَّا حدث ومِمَّا سيحدثُ أيضًا، فقد تَعرَّضَ نبيُّكم في حياته وبعدَ رحيلِه لما هو أشد من ذلك مِمَّا كان يُقابِلُه بالصَّفحِ والإحسانِ والدُّعاءِ للجاهلين به بالهدايةِ.. وكان يقولُ: «اللهمَّ اهْدِ قَوْمي فإنَّهم لَا يَعْلَمُون» عملا بما أمره الله به تعالى:«فَ?صْفَحِ ?لصَّفْحَ ?لْجَمِيلَ» الحجر 85، «فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ? إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ» المائدة 133، «فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109.
وأضاف " وأنِّي لأستبشرُ كلَّ الاستبشارِ حين أتذكَّرُ الآيةَ الكريمةَ المعجزةَ التي تكفَّلُ الله فيها وحده للدِّفاعِ عن نبيِّه الكريم في قوله تعالى: ?إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ? [الحجر: 95] صدق الله العظيم.
واختتم شيخ الأزهر كلمته قأئلا أنه من وحيِ هذه الذكرى العطرةِ، يُشرِّفُني غايةَ الشرفِ أن أُعلن عن إطلاقِ الأزهرِ الشَّريف مِنَصَّةً عالميَّةً للتعريفِ بنبيِّ الرَّحمة ورسول الإنسانيَّة ? يقومُ على تشغيلِها مرصدُ الأزهر لمكافحة التطرف، وبالعديدِ من لغاتِ العالم.. وكذلك تخصيصِ مسابقةٍ علميةٍ عالميَّةٍ عن أخلاقِ محمَّد ? وإسهاماتِه التاريخيَّة الكبرى في مَسيرةِ الحُبِّ والخَيْر والسَّلام.

دور وسائل التواصل الأجتماعي

أمَّا بقية هذه المعركة الثقافية التي تجددت إثارتها فنجدها قبل كلِّ شيء في "فقاعة" وسائل التواصل الاجتماعي. إنَّها -إذا جاز لنا التعبير- عاصفة على موقع تويتر، وبعبارة دقيقة على حسابات موقع تويتر الإسلامية. إذ يتم في هذه الحسابات رسم علامة "إكس" على الأعلام الفرنسية بنشاط وتنتشر دعوة مقاطعة سلسلة محلات السوبر ماركت الفرنسية كارفور. وكذلك تُعرض مقاطع فيديو في مكان ما في قطر أو الكويت، يتم فيها تفريغ الرفوف من الجبنة الفرنسية ذات ماركة "البقرة الضاحكة" وتعليق علامات المقاطعة.

مثلما تحبُّ وسائل الإعلام الغربية استحضار المعركة الثقافية المتجدِّدة، تنتشر بلطف دعوات مقاطعة فرنسا من قِبَل "فقاعات" إسلامية في وسائل التواصل الاجتماعي. لا يزال من غير الواضح مَنْ الذي يتابع في الواقع دعوات المقاطعة هذه.

معركة تصفية الحسابات

أكثر الردود قسوة جاءت من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي صرَّح بأنَّ إيمانويل ماكرون "يعاني من مرض ويحتاج إلى فحص حالته العقلية".

كما دعا إردوغان في خطاب إلى عدم شراء البضائع ذات العلامات التجارية الفرنسية، قائلاً إنَّ هناك "حملة كراهية تستهدف المسلمين، مشابهة للحملة ضدَّ اليهود في أوروبا قبل الحرب العالمية الثانية"

وأعتقد الكثيرون أن الرد العنيف من أردوغان هو دفاعا عن الرسول الكريم ودفاعا عن ديننا الحنيف ، ولكن المتتبع لمسار العلاقات الفرنسية التركية خلال السنوات الأخيرة وخاصة الشهور الاخيرة منها ، سيقف حتما إلي كنه الحقيقة ..

عندما تولى إيمانويل ماكرون الحكم في 2017، كانت العلاقات الثنائية متوترة بالفعل. لم تكن باريس مطلقاً متحمسة لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي. وفي 2001، اعترفت فرنسا بإبادة الأرمن مثيرة ردود فعل غاضبة في أنقرة.

ومنذ ذلك الحين، تضاعفت مواضيع الخلاف ومعها الانتقادات، حتى وصف ما يدور بينهما بحوار الطرشان و"الأخطر، رفض محاولة فهم منطق المحاور"، كما يقول ديدييه بيون، المتخصص في شؤون تركيا ونائب مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية إيريس، مضيفاً "يبدو الآن أن الرؤى الأيديولوجية المتعارضة هي السائدة وتؤدي إلى طريق مسدود".

وتوترت العلاقات الثنائية حول ما تسميه باريس "الغطرسة التركية".

وفي سوريا، في أكتوبر  2019، أثارت أنقرة غضب باريس بالاستيلاءىعلى شريط حدودي يبلغ طوله 120 كيلومتراً داخل الأراضي السورية.

وفي ليبيا، تدخل إردوغان عسكرياً إلى جانب حكومة فايز السراج في طرابلس، ضد قوات الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر. وبعد اتهامها بدعم حفتر، تدين باريس اليوم جميع التدخلات الأجنبية وترفض السماح لتركيا بالحصول على موطئ قدم في ليبيا لتسيطر على نقطة عبور ثانية للمهاجرين إلى أوروبا.

وفي شرق البحر الأبيض المتوسط، تستند تركيا إلى اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع السراج للمطالبة بالسيادة على جرف قاري ممتد، تجري فيه أبحاثًا للعثور على الغاز مثيرة استياء اليونان وقبرص.

 

أما الجبهة الأخيرة ففي القوقاز، أينما تدعم تركيا أذربيجان في نزاعها مع أرمينيا على ناغورنو قره باخ وندد الرئيس ماكرون في هذا الصدد بإرسال تركيا مرتزقة سوريين إلى الجبهة.

 

ومثل حلف شمال الأطلسي، والبلدان عضوان فيه، ساحةً للخلاف. ففي نوفمبر 2019، قال إيمانويل ماكرون إن الحلف في "موت سريري". في المقابل، دعا إردوغان الرئيس الفرنسي إلى "فحص موته السريري".

 

وتغير الوضع في بداية الصيف، عندما نددت باريس بالسلوك التركي "العدواني للغاية" ضد فرقاطة فرنسية تشارك في مهمة لحلف شمال الأطلسي في البحر المتوسط، عند محاولة السيطرة على سفينة شحن يشتبه في نقلها أسلحة إلى ليبيا.

ورفضت أنقرة الاتهامات التي قالت إن "لا أساس لها".

ولذلك أستغرب بشدة ألا يربط أحد بين ما يحدث لفرنسا وبين كونها البلد الوحيد الذي له قوات تحارب الإرهاب في غرب أفريقيا والساحل، بينما أردوغان والإخوان يعززون الإرهاب في القارة السمراء بالمرتزقة الإرهابيين في ليبيا؟ خاصة وأن أمريكا  تراجعت في مكافحة الإرهاب هناك، بادعاء التكاليف، وأوقفت قاعدة الدرون في النيجر التي كانت تستهدف الإرهابيين في جنوب غربي ليبيا!!

 

حتى من يوصفون بأنهم "عقلاء" و"معتدلون" يقعون في فخ "اللعب على أرضية الإخوان وأردوغان" ويساوون بين الخطاب الرسمي الفرنسي وبين خطاب المتطرفين الإسلاميين. إنها موجة من "الطهارة السياسية" الخطرة التي لا يريد أحد فيها "استفزاز مشاعر مئات ملايين المسلمين" فيقع في خيبة المزايدة باسم الدين "دفاعا عن الرسول الكريم"!!

 

وبغض النظر عن أن خطاب الرئيس الفرنسي يخصص دوما "الإسلام الراديكالي" ولا يسحب الأمر على الإسلام أو المسلمين، وحتى لو كان يستخدم لغة للاستهلاك المحلي لأسباب سياسية داخلية ففي النهاية هو من يذبح مواطنوه وتتعرض بلاده للإرهاب.

 

ما يحدث لفرنسا ليس بسبب رسم كاريكاتوري، نسيه العالم (بغض النظر عن حرية التعبير أو حتى معاداة المسلمين) لولا ذبح الإرهابي لمدرس التاريخ. ثم جاء تحريض أردوغان، وعناصر الإخوان وموجة مسايرة العوام من قبل الجميع في العالمين العربي والإسلامي لتشيطن الفرنسيين وتحرض من قاموا بذبح مصلين في كنيسة أو من يستهدف الشرطة بسكين.

 

وإذا كنا مقتنعين بأن أردوغان والإخوان أفاقين لا يهمهم من الدين سوى تغطية انتهازية لأهداف تخريبية نلمس نتائجها يوميا في احتلال وإرهاب وقتلى من بين المسلمين أكثر من غيرهم، فلماذا نلوم فرنسا ورئيسها ماكرون؟ ألا ننتبه إلى أن الأمر لا علاقة له بدين الإسلام، ولا بغالبية المسلمين، إنما هو صراع على نفوذ ومصالح يمتد من العراق وسوريا وشرق المتوسط مرورا بليبيا إلى مالي وساحل العاج وبوركينا فاسو. وفي هذا الصراع، وحتى دفاعا عن دين الإسلام الحنيف المتسامح ورسوله الكريم، يجب أن يكون موقفنا مع فرنسا في تصديها للإرهاب وليس مع رعاة الإرهاب ومموليه ومبرريه.

 

لم يقل أحد أن فرنسا جنة، أولم تكن يوما إمبراطورية استعمارية تسلب خيرات مستعمراتها مثلها مثل بريطانيا والدولة العثمانية، لكنها الآن في خط الدفاع الأول عن الإسلام بمحاربتها الإرهابيين الخارجين كلهم من عباءة الإخوان وتمولهم قطر ويرعاهم أردوغان. ليس هذا الكلام بالطبع للمستغلقة عقولهم بخطاب التحريض والتطرف، إنما لمن يفترض أنهم عقلاء ويغارون على إسلامهم من التشويه ومن يرون الخطر الرئيسي على أمنهم القومي من الإرهاب ورعاته وليس ممن يكافحه ويتصدى له.

 

لطالما رأيت الثقافة الفرنسية تاريخيا أكثر ثقافة منافقة، لكني في هذا الصراع ودفاعا عن الإسلام وعن فرنسا في حربها ضد الإرهاب، أتغاضى عن ذلك مؤقتا لأن ما يجري لا علاقة له بالأديان والأفكار والثقافة.

 

وصحيح أن الشرطة الفرنسية أكثر شرطة في دول الاتحاد الأوروبي عنفا حسب تقارير الأداء السنوي للمفوضية الأوروبية، لكن ذلك لم يمنع أكثر من 6 ملايين من المسلمين من شمال افريقيا (أغلبهم من الجزائر والمغرب وتونس) من العيش والعمل والاستقرار في فرنسا وبناء المساجد، بل والسيطرة على بعض الأحياء وجعل ملامحها "إسلامية" تماما. ونعم، في فرنسا يمين متطرف (ليس في الحكم) مثلها مثل أغلب دول الغرب يرفع شعارات عنصرية أحيانا.

 

لكن ما يجري لا علاقة له بدين أو أفكار، إنما هو صراع يستخدم فيه الإرهاب – الذي نعرف جميعا من يدعمه – وإذا كنا لا نريد أن نصبح منافقين ونتصدى لهم فلنكن واضحين بألا نمنح الإخوان وأردوغان ميزة يستغفلون العالم بها: أنهم المدافعون عن الإسلام. وللمرة الألف، لا يكفي أن ندين حادث ذبح أو طعن، ونردف الإدانة ببيان استنكار لمن يقوم به بأنه ليس من الإسلام في شيء. بل من المهم أن نعلن بوضوح أننا مع من يحارب الإرهاب دفاعا عن إنسانيتنا بالأساس.

 

ربما يصعب على البعض أن يخالف الموجة، لكن أحدا لا يتقدم بمسايرة الغوغاء وزبد الماء، وكما قال الله تعالى في كتابه الحكيم: "فأما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض" صدق الله العظيم. وما في الأرض هو موقف فرنسا من نشر تركيا للإرهاب في ليبيا وبقية أفريقيا وتهديد أردوغان بإغراق أوروبا بالإرهابيين.

 

والأخطر هنا أن "تمسك العصا من المنتصف" على أمل أن "ترضي جميع الأطراف" فذلك يصب لمصلحة من يدعمون ويمولون ويرعون الإرهاب ويبررونه. وليس من الدفاع عن الإسلام أن نصطف مع من يشوهون الدين برفع شعاراته واستغلال أسم رسوله لأغراض سياسية تضر بمصالحنا، مثلنا مثل فرنسا.

الجدير بالذكر هنا ، هو أن الدين الإسلامي يعتبر  الدين الثاني في فرنسا، وتوفر الحكومة الفرنسية أراضي لبناء المساجد في جميع المدن الفرنسية، ولا تقوم بفرض أي ضغوطات على المسلمين في التمسك بالمعتقد الخاص بهم، وتم تشجيعهم على فتح المحال والمنشأت التجارية الكبرى، وتوفير اللحم الحلال على مدار السنة وتم التقيد بهذا الراي في جميع المحلات الكبيرة في فرنسا مثل كارفور وجيان وكورا، وتم توفير المأكولات المغاربية والشرقية العربية في شهر رمضان.

 وذكرت وكالة الصحافة الفرنسية عن مراكز أمريكية متخصصة بتعداد المسلمين الذين يتواجدون في فرنسا إنه زاد معدلهم بنسبة 12.7% حيث بلغ عدد المسلمين في فرنسا 8 ملايين ونصف المليون شخص، وجاء ذلك الإرتفاع الكبير بسبب الهجرة القانونية وغير الشرعية التي تم تسجيلها ما بين عامي 2014 و2016.

وقد قدرت أعداد المسلمين في الجمهورية الفرنسية نحو 5.7 مليون شخص، أي ما يعادل نسبة 8.8% من مجمل سكان فرنسا، وهذا العدد مع الهجرة الصفرية، وسوف يزيد بعد ثماني سنوات ليصل إلى 8.6 مليون نسمة، فيما توقع باحثون نسبة زيادة عالية تصل إلى 17.4% أي ما يعادل 12.6 مليون شخص، وفي الحالة الثالثة من المتوقع وصولهم لنسبة 18% وبتعداد 13.2 مليون مسلم

تراجع ماكرون ..وغبائه في اختيار الوسيلة

 وفهم هذا الجانب لم يغب عن ماكرون وإدارته ‘ وأعتقد أن صدي تصريحاته المؤيدة للرسوم المسيئة داخل العالم الإسلامي قد دفعته بالتعجل لمحاولة الأعتذار بطريقة تحفظ ماء الوجه ..ومن ثم وجدناه  يوم أمس السبت يخرج علينا  في واحدة من القنوات التليفزيونية التي اشتهر عنها الدفاع عن الإرهاب وهي قناة الجزيرة القطرية لكي يؤكد إنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء الرسوم المسيئة للنبى محمد "صلى الله عليه وسلم"، موضحًا أن حكومته لا تقف خلف هذه الرسوم، وعن الغضب الذى أثارته الرسوم المسيئة التى نشرتها مجلة شارلى إيبدو، قال "الرسوم الكاريكاتيرية ليست مشروعًا حكوميًا، بل هى منبثقة من صحف حرة ومستقلة غير تابعة للحكومة".

مضيفا " أنه يتفهم مشاعر المسلمين إزاء هذه القضية، ولفت إلى أنه "يعتقد أن ردود الفعل كان مردها أكاذيب وتحريف كلامى، لأن الناس فهموا أننى مؤيد لهذه الرسوم"، مؤكدًا أن "هناك أناس يحرّفون الإسلام وباسم هذا الدين يدّعون الدفاع عنه"، كما شدد على أن المسلمين هم الأكثر تضررًا من تصرف هؤلاء الذين يحرفون الإسلام.

تعجل ماكرون في الرد من خلال قناة الجزيرة لن يسمعه العالم العربي ولا الإسلامي ..ولن يكون صداه كما تتوقعه الإدارة الفرنسية ..فالغضب في المجتمعات الإسلامية قد بلغ مداه – بعد صب الزيت علي النار من جانب تجار الدين- ولن ينفع معه مجرد تصريحات لقناة تركها العرب والمسلمون علي حد سواء بسبب مواقفها المتطرفة ..

ولو كنت في موقف أحد مستشاري ماكرون ، لأشرت عليه بأن يكون منبر الأزهر هو الوسيلة الفاعلة لمخاطبة العالم الإسلامي ، لما للازهر الشريف من مكانة سامية في نفوس الجميع ..

إن وأد الفتن التي أشتعلت و عودة الثقة  بين العالم الإسلامي والدولة الفرنسية لن يتأتي إلا من خلال هذا المنبر اذا ما حسنت النوايا واستهدفت الحرص علي أحترام الأديان ورموزها دون ايذاء للآخر ..

ولنتذكر جميعا " إنّ حريّة الإنسان تنتهي عندما تبدأ حريّة الآخرين"