خيارات التصعيد المتبادل بين الولايات المتحدة وإيران والمسارات المحتملة للمواجهة

???????? ??????? ??????

???????? ??????? ??????

 

تصاعدت حدة التوتر الإقليمي والتهديدات المتبادلة بين الولايات المتحدة وإيران، حيث تبادل الطرفان التهديدات بضرب عشرات الأهداف الحيوية والعسكرية لكل منهما، على خلفية اغتيال قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني، ونائب رئيس مليشيا الحشد الشعبي أبو مهدى المهندس و8 مسئولين إيرانيين وعراقيين آخرين، فى غارة أمريكية قرب مطار بغداد الدولي، يوم 3 يناير الجاري، وسط جهود دبلوماسية تقوم بها عدة أطراف دولية وإقليمية لمنع انزلاق المنطقة إلى حرب جديدة.

وفرض مقتل سليماني قواعد ومعطيات جديدة في المشهد المتأزم بين أمريكا وطهران منذ فترة، ما قد يفرض تداعيات جديدة على المسارات المحتملة للمواجهة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية خلال المرحلة القادمة، خاصة أن هذه التصعيد جاء متواكباً مع معطيات جديدة في الداخل الأمريكي والإيراني على حد سواء.

تطورات متصاعدة ومتشابكة

وشهدت العلاقات بين أمريكا وإيران تطورات متسارعة، حيث حملت تصريحات الطرفين وعدا ووعيدا وتهديدات تنطوي على ما يمكن تسميته بـ "الردع بالشك" ودفع كل طرف للآخر إلى التراجع، وعدم الانزلاق نحو المواجهة العسكرية المباشرة التي تنذر بعواقب وخيمة للطرفين وللمجتمع الدولي بأكمله.

وردا على تهديدات إيران بأنها ستعاقب الأمريكيين أينما كانوا وأنها حددت 35 هدفا أمريكيا حيويا في المنطقة لضربها، بالإضافة إلى تل أبيب، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - في تغريدة على موقع التدوينات المصغرة (تويتر) "إن إيران تتحدث - بجرأة شديدة - عن استهداف أصول أمريكية محددة، لقد هاجمونا في السابق فرددنا، وإن هاجمونا مجددا، وهو ما لا أنصحهم القيام به، فسنرد بقوة أكبر وأعنف مما سبق لهم أن رأوه"، وحذر من أن الولايات المتحدة حددت 52 موقعاً في إيران ستضربها "بسرعة كبيرة وبقوة كبيرة" إذا هاجمت طهران أهدافاً أو أفراداً أمريكيين.

 وقال ترامب إن الرقم 52 يُمثّل عدد الأمريكيين الذين احتُجزوا رهائن في السفارة الأمريكية في طهران لمدة أكثر من سنة أواخر عام 1979. وهذا يحمل رسائل موجهة للداخل الأمريكي.

ثم توعد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - مجدداً - بضرب مواقع ثقافية في إيران، رغم التنديد الذي أثارته تهديداته السابقة، سواء في إيران أو في الولايات المتحدة نفسها؛ حيث ارتفعت أصوات تتهمه بالتحضير لارتكاب "جريمة حرب".

وفي سياق متصل، أعلنت إيران "المرحلة الخامسة والأخيرة" من برنامجها القاضي بخفض التزاماتها الدولية التي نص عليها الاتفاق النووي، وأوقفت أي قيود تشغيلية، بما في ذلك قدرة التخصيب، ونسبة التخصيب، وكمية المواد المخصّبة، والبحث والتطوير، وأي قيود بالنسبة إلى عدد أجهزة الطرد المركزي.

وهذه هي الخطوة الخامسة والأخيرة في تقليص التزامات إيران تجاه الاتفاق النووي. ومن المرجح أن تُفعّل الأطراف الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي الإيراني آلية لحل النزاعات في يناير لإجبار طهران على التراجع عن مخالفتها للاتفاق، إذ تنص بنود الاتفاق الموقع في 2015 على أن أي طرف يرى أن طرفاً آخر لا يحترم التزاماته يمكنه إحالة الأمر للجنة مشتركة تضم إيران وروسيا والصين والدول الأوروبية الثلاث والاتحاد الأوروبي. ويكون لدى اللجنة 15 يوماً لحل الخلافات، لكن يمكنها تمديد تلك الفترة بإجماع كل الأطراف.

ومن جهة أخرى، باتت الساحة العراقية هي المكان الذي يشهد التجاذبات السياسية والتهديدات المتبادلة بين واشنطن وطهران، وعلى خلفية تلك الأحداث وما سبقها من مشاهد سياسية تشير إلى سيطرة إيران على المشهد السياسي في العراق؛ الأمر الذي أزعج السياسة الأمريكية.

ولذا صوت البرلمان العراقي لصالح إلزام الحكومة العراقية بإنهاء العمل بالاتفاقية الأمنية مع التحالف الدولي ضد "داعش"، على الرغم من غياب الكتل السنية والكردية.

وشملت قرارات البرلمان - التى صوت عليها - إلزام الحكومة العراقية بإلغاء طلب المساعدة من التحالف الدولي لمحاربة داعش، لانتهاء العمليات العسكرية والحربية فى العراق، وطالب البرلمان الحكومة العراقية بالعمل على إنهاء تواجد أي قوات أجنبية فى الأراضي العراقية ومنعها من استخدام الأراضي والمياه والأجواء العراقية لأى سبب كان خلال مدة، وتقدم الدول التي تعود إليها تلك القوات تعهدا بعدم استعمال الإقليم العراقي كمنصة لاستهداف أي دول أخرى، وتقديم شكوى ضد واشنطن فى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بسبب ارتكابها انتهاكات وخروقات خطيرة لسيادة وأمن العراق، وإلزام الحكومة بإجراء التحقيقات على أعلى مستوى لمعرفة ملابسات القصف الأمريكي والتي أدت إلى مقتل قائد فيلق القدس بالحرس الثوري قاسم سليماني ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدى المهندس، وإعلام مجلس النواب بالنتائج خلال 7 أيام.

وقال رئيس حكومة تصريف الأعمال العراقية عادل عبد المهدى - في كلمته في مجلس النواب - إن شروط وجود القوات الأجنبية تنحصر بتدريب القوات العراقية، موضحا أن وضع جدول زمني لخروج القوات الأجنبية خيار مطروح، وحال إذا تحقق هذا الأمر سيكون لإيران اليد الطولي في العراق.

ومما لا شك فيه أن الجغرافيا في هذه الحالة تلعب في صالح إيران نتيجة للقرب ووجود ميليشيات لها في دائرة نفوذها حسب التعريف الإيراني والتي تشمل مسرح عمليات غرب آسيا برمته من أفغانستان حتى الخليج العربي، أو ما يعرفه الأمريكان في استراتيجيتهم العالمية بالمنطقة المركزية، ومع ذلك تبقى فكرة التمدد الزائد عن الحد هي التحدي الأكبر بالنسبة لكل من أمريكا وإيران، والميزان هنا يميل لمصلحة أمريكا كقوة عظمى.

وفي حال تمت الموافقة العراقية على طرد الأمريكيين عقاباً لهم على استهداف سليماني؛ فإن الأوضاع في العراق سوف تزداد تعقيداً، ومن الوارد أن ترد أمريكا بتطبيق عقوبات قاسية على العراق، ناهيك عن احتمالات تأزم الأوضاع السياسية بالداخل العراقي، ولعل هذه المعضلة ستحدد خيارات المواجهة بين واشنطن وطهران خلال المرحلة المقبلة.

رسائل محددة وخيارات محدودة

ويمثل إقدام ترامب على تصفية سليماني - مطلع العام الجاري - تحولاً نوعياً في السياسة الأمريكية ويحمل رسالة موجهة إلى الداخل الأمريكي، مفادها أن العام الحالي هو عام الانتخابات الرئاسية الأمريكية؛ التي كانت تتراجع فيها حظوظ الرئيس الأمريكي الحالي دونالد ترامب؛ نظراً للمشاكل القانونية التي يواجهها مع الكونجرس، والتهديد باتخاذ الإجراءات الدستورية لعزله، لذلك ـ وفقاً للخبراء والمحللين ـ اختار الرئيس ترامب أن يبدأ حملته الانتخابية في مطار بغداد، وأن يهرب من مشاكله مع الكونجرس بإثبات قوة وصرامة خارجية؛ لأن العقل الجمعي الأمريكي يشترط في رئيسه أن يكون محاربا.

ولأن الثقافة الأمريكية تعلي قيمة القوة والصرامة والسرعة في اتخاذ القرار؛ لذلك سوف يستمر الرئيس ترامب في عام الانتخابات هذا في مسار إثبات الصلابة الخارجية، ولن يعود لعادته القديمة في استخدام ألاعيب التاجر أو المقامر أو عقلية "البازار" التي يجيدها السياسيون الإيرانيون. وسوف يستمر ترامب في السير في خط التصعيد، ومواجهة الأفعال بردود أفعال أقوى، وأشد شراسة؛ تحافظ على صورة المحارب الشجاع؛ لأنه يحتاج إلى الاستمرار في هذا الموقف القوي خارجياً بعد أن حقق النجاح الاقتصادي داخلياً؛ لأن ذلك سيضمن له ولاية ثانية.

أما الرسالة الأخرى فهي موجهة إلى إيران ومفادها أن واشنطن لن تتسامح، خلال المرحلة القادمة، مع المحاولات التي تقوم بها إيران لاستهداف مصالحها سواء في العراق أو في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام، حيث بدا لافتاً أن الهجوم جاء بعد فترة وجيزة من محاولة الميليشيات الحليفة لإيران في العراق اقتحام السفارة الأمريكية، في 31 ديسمبر 2019، رداً على الضربات التي وجهتها القوات الأمريكية لمواقع "كتائب حزب الله العراق"، في العراق وسوريا قبل ذلك بيومين.

وتبقى الأوضاع الداخلية في العراق وفي إيران ذاتها محدداً أساسياً في محدودية خيارات التصعيد أو المسارات المحتملة للمواجهة بين واشنطن وطهران، فمقتل سليماني يأتي في خضم أزمة داخلية تواجهها إيران، بسبب استمرار الاحتجاجات الرافضة سواء للقرارات الاقتصادية التي تتخذها الحكومة والخاصة برفع أسعار الوقود، أو للتوجهات التي يتبناها النظام في الخارج وتقوم على دعم الحلفاء على حساب معالجة الأوضاع المعيشية في الداخل.

وبالنسبة للعراق، تتصاعد مطالب الحشد الشعبي بإخراج القوات الأمريكية وتهديد الموجود منها على الأراضي العراقية، ويضغط الحشد الشعبي على النواب العراقيين لسرعة إصدار قرار ينهي الاتفاقية الموقعة مع الولايات المتحدة في نهاية عام 2011 وتنظم الوجود العسكري الأمريكي ومن ثم إنهاء شرعية هذا الوجود.

أمام هذا المشهد المعقد والمتشابك، فإن خيار الحرب هو الأكثر كلفة للطرفين، ومن المتوقع أن يكون تصعيد إيران غير متماثل، مما يعني استخدام وكلاء أو مجموعات هجوم صغيرة لاستهداف القوات الأمريكية أو الحلفاء أو المصالح الاقتصادية، وهذا يعني بداية بتعبئة المجموعات الموالية لإيران، ومروراً برد انتقامي على جنود أمريكيين أو على السفارة الأمريكية، ليس بالضرورة في العراق أو في الخليج، أو قطع حربية أمريكية في مياه الخليج، وربما بعض القوات الأمريكية في سوريا، وسيظل الرد الإيراني مسألة وقت.

يبقى القول أن تطويق أزمة مقتل سليماني، هو أمر محتمل وفق حسابات وموازنات القوة، مع إدارة الصراع بقدر من التعقل تحسباً للتورط في حرب مفتوحة، خاصة مع وجود توافق دولي من ألمانيا وفرنسا وبريطانيا على العمل من أجل احتواء التوتر في الشرق الأوسط، وكذلك رغبة إقليمية في تجنيب المنطقة ويلات الحرب والعمل على إحلال السلام والاستقرار.

يمين الصفحة
شمال الصفحة