هل يشهد الاقتصاد العالمي دفعة قوية بعد توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين واشنطن وبكين؟
بحلول عام 2020 تنفس العالم الاقتصادي الصعداء، وتوقع العديد من المراقبين أن يشهد الاقتصاد العالمي دفعة قوية للأمام، خاصة بعد توقيع اتفاق المرحلة الأولى التجاري بين واشنطن وبكين، فقد كان عام 2019 صعبا على مستوى نمو الاقتصاد العالمي في ظل النزاعات التجارية وغموض ملف بريكست وتأرجح سياسات البنوك المركزية، لكن تم التخلص من حالة عدم اليقين التي كبلت الاقتصاد العالمي على مدار الأشهر الماضية، وهو ما يعني أن عام 2020 قد يكون مختلفا.
وقد شهد شهر ديسمبر الماضي حدثين على جانب كبير من الأهمية كان لهما الأثر الإيجابي في دعم التفاؤل الاقتصادي العالمي خلال عام 2020، أولهما: توصل الصين والولايات المتحدة أخيرا إلى اتفاق مرحلي للتجارة بينهما والذي تم توقيع المرحلة الأولي منه في 15 يناير الجاري، وبموجب هذا الاتفاق سيخفض البلدان الرسوم الجمركية المتبادلة، كما سيتجهان إلى مراحل تجارية جديدة من شأنها زيادة التبادل بينهما.
ثانيهما: تخلص البريطانيون من الغموض الذي غلف ملف الخروج من الاتحاد الأوروبي "بريكست" عندما منحوا حزب المحافظين أغلبية برلمانية تمكنه من المضي قدما في تنفيذ خطته الحاسمة لمغادرة التكتل الأوروبي.
وكان الملفان من أكثر الملفات الجاثمة على صدر الاقتصاد العالمي، وبسببهما توقع صندوق النقد الدولي أن تتراجع معدلات النمو العالمية إلى أدنى مستوياتها منذ الأزمة المالية العالمية في 2018.
وساد التفاؤل الأوساط الاقتصادية بعد توقيع الاتفاق، والذي من شأنه إعادة جزء من نسب النمو والأموال المقدر أن يفقدها الاقتصاد العالمي (0.8 % في معدل النمو بقيمة 700 مليار دولار). وفقا لتقديرات صندوق النقد الدولي.
ووفقا لمراقبين، تتضمن المرحلة الأولى من الاتفاق التجاري بين الصين والولايات المتحدة، قيام بكين باستيراد ما قيمته 77.7 مليار دولار من السلع المصنعة، يليها قطاع الطاقة بقيمة 52.4 مليار دولار، والسلع الزراعية بقيمة 32 مليار دولار.
ولأن الولايات المتحدة والصين، هما أكبر اقتصادين في العالم، ولديهما معاملات تجارية مع معظم الدول والمنظمات التجارية حول العالم، تراجع النمو الاقتصادي العالمي عام 2019، لنحو 3 %، متراجعا من 3.7 % في 2018، و3.8 % في 2017.
ومن شأن اتفاق المرحلة الأولى، أن يدعم اقتصادات العالم خلال العام الجاري (حال استمرار الدولتين في اتفاق للمرحلة الثانية)، بنسب وإن كانت طفيفة، إلا أنها ستغير من معادلة الاقتصاد العالمي على المدى القصير.
ووفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن يصل معدل نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.5 % في 2020، أي ما يزيد قليلا عن مستواه المتدني بعد الأزمة المالية البالغ 2.4 %، الذي سجِل العام الماضي وسط تراجع معدلات التجارة والاستثمار، بيد أن الآفاق الاقتصادية العالمية يشوبها احتمال حدوث تطورات سلبية، منها احتمال عودة التوترات التجارية العالمية، وموجات كساد حادة في الاقتصادات الكبرى، واضطرابات مالية.
وتتوقع منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي ألا يتخطى النمو العالمي خلال العام الجاري 2.9 %، أما صندوق النقد الدولي، فكان أكثر تفاؤلا إذ توقع في تقريره الأخير "آفاق الاقتصاد العالمي" نموا بنسبة 3.4 % في 2020.
الاقتصاد العالمي رهن محددات متنوعة
ثمة محددات متنوعة تلعب دورا محوريا في تشكيل هيكل الاقتصاد العالمي في المستقبل القليل المنظور وهي: أولها: إعادة انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لفترة رئاسية جديدة الأمر الذي يلقي بظلاله على معدل نمو الاقتصاد العالمي، وما تحمله جعبته الاقتصادية للفترة الجديدة.
ثانيها: يشكل تقاسم المنافع الاقتصادية العالمية والرقمنة والمناخ، تحديات ستهيمن على الاقتصاد العالمي إلى ما بعد 2020. فصعود شركات الإنترنت العملاقة، التي تجمع كما هائلا من البيانات يقود إلى مراجعة توزيع العمل والثروات. وإزاء التغير المناخي، يعمد الصناعيون والمستثمرون إلى تصحيح استراتيجياتهم، وأن الموضوع الأكبر هو التحول والرقمنة والتنقل بالطاقة الكهربائية.
ومع تنامي ظاهرة التغير المناخي، المتوقع لها أن تزيد حركات الاحتجاج حول العالم، مما يؤثر بدوره على القطاعات الاقتصادية وبالتالي الاقتصاد الكلي، فإن التحديات تزيد أمام الاقتصادات الكبرى والصغرى أيضا المرتبطة بها تجاريا.
ثالثها: ما تشهده دول أمريكا اللاتينية والكاريبي، من توترات سياسية أثرت سلبا على الأوضاع الاقتصادية، وتشير تقارير إلى انخفاض معدل النمو في المنطقة خلال عام 2018 ووصل إلى 0,6% مقارنة بـ0,8% خلال عام 2017. وهذا التراجع يعكس أزمة العملة في الأرجنتين، وعدم اليقين بشأن سياسات الدولة في البرازيل. وتفاقم الأوضاع في فنزويلا، والتراجع في التجارة العالمية، والتي تلقي بظلالها على دول المنطقة.
رابعها: أن منطقة شرق آسيا والمحيط الهادي، بالرغم من أنها تعد واحدة من أسرع مناطق البلدان النامية نموا في العالم، فمن المتوقع وفقا لمراقبين تذبذب معدل النمو خلال العام الحالي، خاصة مع التوترات التجارية العالمية، وتعرض عدد من الدول لخروج رؤوس الأموال، وانخفاض قيمة العملة، وخسائر في الاحتياطي الأجنبي. كما أن العديد من دول المنطقة تعاني من نقاط ضعف جوهرية متضمنة مستويات مرتفعة من الديون العامة والخاصة والديون الخارجية والعجز المالي والعجز في الحساب الجاري، بالإضافة إلى الاعتماد على تدفقات رأس المال المتقلبة. ويبدو أن لهذه المعطيات تأثيرا على آفاق المنطقة خلال عام 2020.
خامسها: سيتأثر الاقتصاد العالمي بنتيجة المفاوضات بين الاتحاد الأوروبي وبريطانيا من أجل تنفيذ البريكست وما سينتج عن ذلك من تطبيقات، وتتوقع بعض البنوك الأمريكية أن يؤدي تخفيف التوترات التجارية والسياسات النقدية إلى تحفيز النمو العالمي مع بداية عام 2020، وأن الأسواق الناشئة ستؤدي دورا كبيرا في قيادة هذا الانتعاش.
يبقى القول إن مواجهة التحديات الاقتصادية العالمية تتطلب من كافة دول العالم المتقدم والنامي، صياغة سياسات تعمل على دفع معدل نمو الاقتصاد العالمي من خلال الاستفادة من الموارد المتاحة لديها بأقصى قدر ممكن، والشروع في سياسات اقتصادية للإصلاح الفعلي، وتفعيل اتفاقيات الاستثمارات المشتركة الثنائية والمتعددة، والعمل على نقل التكنولوجيا، وانتهاج محاور الاقتصاد الرقمي والتجارة من خلال الخدمات الإلكترونية.