عبدالناصر قطب.. يكتب: الحرب الروسية الأوكرانية.. نظام جديد «متعدد الأقطاب» علي أعتاب «إدارة العالم»
محور روسي صيني في مواجهة تحالف غربي .. وموسكو بادرت بمواجهة تمدد وتوسع حلف الأطلسي باتجاه حدودها الغربية
مواجهة تداعيات " حرب أوكرانيا " تثبت مجددا أن مصر علي الطريق الصحيح .. القيادة السياسية تبنت إجراءات لتأمين الاحتياطي الاستراتيجي لمصر من السلع الأساسية .. ومشروع " الصوامع " حائط صد في مواجهة " أزمة القمح "
سفارة مصر بكييف وفرت "ممرات خروج آمنة " للمصريين بالأراضي الأوكرانية .. والحكومة تستعد لمواجهة التداعيات الاقتصادية للأزمة على مصر.. وتؤكد على استمرار إقامة السياح الروس والأوكرانيين بالفنادق التي يقيمون بها بمصر حتى عودتهم بصورة آمنة إلى بلادهم .. و"خارجية مصر" تدعو لتغليب "الحلول الدبلوماسية "
احتياطي مصر من القمح يكفي لمدة تصل إلي 5 شهور والبحث عن بدائل للقمح الأوكراني في 14 سوق بديل
لم تعد آثار الحروب قاصرة علي ميادين القتال بين أي طرفين متصارعين أو أكثر ، وإنما صارت آثارها وتداعياتها تمتد وتتسع لتشمل مساحات واسعة من الكرة الأرضية ، وتطال شعوبا ودولا ربما كان لا ناقة لها بها ولا جمل .. الأمر يتضح جليا في تداعيات الحرب التي شنتها روسيا علي أوكرانيا ، ربما من قبل أن يتحرك الجيش الروسي صوب الأراضي الأوكرانية ، ويبدأ الحرب بالفعل ، ومنذ تبادل التهديدات بين الدولتين ، حيث ثارت المخاوف في العديد من مناطق العالم بشأن امدادات الطاقة والغاز ، وبشأن صادرات أخري تخرج سواء من أوكرانيا أو علي روسيا ومنها علي سبيل المثال صادرات القمح لدول عديدة من بينها مصر .
نظام عالمي جديد
الحرب الروسية في أوكرانيا هي في رأي كثير من المحللين إعلان لبداية تشكل نظام عالمي جديد، ومحور صيني روسي في مواجهة تحالف غربي بقيادة الولايات المتحدة وحلف الناتو ، حيث أن روسيا وأوروبا تريدان ضمانات أمنية متبادلة، فموسكو تخشى أن يتوسع حلف الأطلنطي باتجاهها، وأوروبا تخشى من ويلات الحرب على القارة.
بل إن البعض يعود إلي مشهد الاحتفال بتدشين أوليمبياد بكين للألعاب الشتوية، ويرى فيه بداية تشكل نظام دولي جديد ، وأنه بتطور الأحداث جاءت الأزمة الأوكرانية لتكشف عن محور صيني- روسي في مواجهة تحالف غربي.
المناوشات بين طرفي النظام الجديد تأتي واضحة في تصريحات لأمين العام لحلف شمال الأطلسي، ينس ستولتنبرج، والذي أكد قبيل اندلاع المواجهات العسكرية أن الحلف لا يخطط لنشر قوات قتالية في أوكرانيا إذا تعرصت لغزو روسي ، في حين يلفت الخبراء إلي أنه قد
مضى الآن نحو ثلاثة عقود على النظام العالمي الذي تلا انتهاء الحرب الباردة، وقام على "الأحادية القطبية" بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، وهناك بالتأكيد من تضرر من هذا التفرد الأمريكي ، ويري أنه آن الأوان لإعادة النظر بهذا النظام وإقامة نظام متعدد الأقطاب ، لتأتي الأزمة الأوكرانية وتطلق نقطة فصل في تحديد ملامح النظام الجديد ، حيث تبلورت التحالفات على جانبي جبهة النزاع بوضوح: الولايات المتحدة وحلفاؤها من جهة، وروسيا والصين وحلفاؤهما من جهة أخرى ، فروسيا عززت قواتها على حدود أوكرانيا ثم اقتحمتها وطرحت شروطها على الولايات المتحدة لعدم غزو أوكرانيا، في حين رفضت واشنطن تلك الشروط وأرسلت قوات إلى أوكرانيا في نوع من التحدي
إذن تبدو العلاقات الدولية الآن في مرحلة انتقالية، تعاد فيها صياغة أوزان القوى الدولية والعلاقات فيما بينها وتوزيع الحصص في المصالح والثروات ، كما تسعي فيها روسيا إلي استعادة امبراطوريتها القديمة ، وتطالب روسيا اليوم بضمانات أمنية موثقة، بعد أن بدأت تشعر بأن أمنها بات مهددا جراء توسع حلف الأطلسي باتجاه حدودها الغربية، ومحاولات ضم أوكرانيا إلى حلف الأطلسي ونشر قوات أطلسية في دول أوروبا الشرقية التي كانت جزءاً من الاتحاد السوفييتي السابق، وتعتبر موسكو أنها تمارس حقها الطبيعي في حماية أمنها، لشعورها بأن الدول الغربية وخصوصا الولايات المتحدة تسعى لمحاصرتها، تمهيدا للانقضاض عليها من الداخل في الوقت المناسب .
واللافت هنا أن الرئيس الروسي بوتين وقبل إقدامه علي تلك الخطوة ، استطاع خلال فترة حكمه أن يبني جيشاً عصرياً، كما دخلت بلاده في سباق تسلح ضخم إلى جانب عسكرة الفضاء، وتطوير أنظمة دفاع جوي فائقة القوة بشكل أغرى دولا أخرى لشرائها على غرار “إس 300” “إس 400” ، وبلغت ميزانية الدفاع الروسية للعام 2021، نحو 42 مليار دولار بحسب موقع “جلوبال فاير باور” العسكري .
العالم إذن وفي هذه اللحظة لم يعد أسيراً لقوة عظمى وحيدة، لأن التحدي للولايات المتحدة بات كبيراً، كما أن العالم لم يعد متعدد الأقطاب، على عكس ما كان شائعاً أن اليابان والهند وأوروبا الموحدة سوف تدخل في منظومة التنافس على قيادة العالم وتوجيهه، ولكن العالم وبحسب إجماع الخبراء والمحللين يدخل إلى منظومة ثلاثية القوى العظمى: الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا الاتحادية، وجمهورية الصين الشعبية.
مصر والحرب علي أوكرانيا
الحرب الروسية الأوكرانية جاءت لتثبت بما لا يدع مجالا للشك أن مصر تسير علي الطريق الصحيح ، بقيادة سياسية واعية ، تدرك أنها تعمل في إطار محيط إقليمي مضطرب ، وفي عالم يموج بالصراعات ، بما يوجب علي مصر الاستعداد لأي طارئ أو أزمة سواء في محيطها الإقليمي أو في أي منطقة بالعالم ، وذلك عبر تقوية اقتصادها ودعمه بكل السبل للصمود في مواجهة أية أزمة ، فضلا عن تأمين الاحتياجات من السلع الأساسية والاستراتيجية لعدة شهور قادمة ، ليثبت يوما بعد الآخر بعد نظر القيادة السياسية في إطلاق مشروعات كصوامع القمح ، أو إنشاء المستودعات الكبيرة بالمحافظات .
تعاملت مصر مع أزمة الحرب الروسية الأوكرانية عبر أكثر من منطلق ، فعلي أرض الواقع ، تابعت سلامة أبناءها المقيمين علي الأراضي الأوكرانية ، وحددت السفارة المصرية بأوكرانيا ممرات خروج آمنة للمصريين المتواجدين على الأراضي الأوكرانية، عبر الحدود الرومانية والبولندية ، وأكدت السفارة في بيانات متتالية نشرتها عبر صفحتها علي موقع "فيس بوك" أنه بالتنسيق مع السفارة المصرية في رومانيا يمكن حاليا للمواطنين المصريين المتواجدين في أوديسا التوجه الى نقطة الحدود الرومانية فى مدينة إيزاسيا isaccea والدخول إلى رومانيا ومنها الى مصر.
وأشارت السفارة المصرية إلى أن المواطنين المتواجدين على الحدود البولندية - الأوكرانية، ولديهم مشاكل فى دخول بولندا يمكنهم التواصل مع السفارة المصرية في بولندا ، ونشرت أرقام الهواتف التي سيتم التواصل من خلالها لتسهيل عملية الدخول، وقالت إنه في ظل التكدس على الحدود البولندية يمكن تحرك المواطنين فى المدن الغربية الأوكرانية كذلك للحدود مع رومانيا.
أضافت السفارة أنها تواصل على مدار الساعة متابعة أحوال الجالية المصرية المُقيمة في أوكرانيا، وذلك في إطار التطورات المُتسارعة حاليًا على المشهد الأوكراني، وطالبت كافة المواطنين المتواجدين في كييف عدم المغامرة بالخروج الأن من المدينة لخطورة الوضع والتزام المنازل لحين استقرار الأوضاع.
وفى تدوينه أخرى، قالت السفارة المصرية : "بالنسبة للمواطنين المتواجدين فى خاركوف والمدن الشرقية يستمر الالتزام بالتواجد فى المنزل او المخابئ حيث يتم التفاوض على مسار أمن لخروجهم، أما بالنسبة للمواطنين فى المدن الغربية واللذين لديهم القدرة على التوجه إلى الحدود البولندية، فإن السلطات البولندية تسمح بدخول كافة الجنسيات وتمنحهم فيزا 15 يوما للعودة الى أرض الوطن"، وأشارت إلى أنه "بالنسبة للمواطنين المتواجدين فى وسط وجنوب اوكرانيا الاستمرار فى التواجد بالمنازل لحين هدوء الأوضاع".
وشددت السفارة المصرية في كييف على المواطنين المصريين المتواجدين فى أوكرانيا، عدم استقاء المعلومات من أى مصادر أو صفحات أو مجموعات، إلا من خلال الصفحة الرسمية للسفارة على موقع فيس بوك، حيث يتم تداول بعض المعلومات على خلاف الحقيقة على عدد من الصفحات الأخرى غير المعلومة للسفارة.
مجهود السفارة المصرية بكييف يستوجب الثناء ، ويرد بشكل عملي علي الشائعات التي استهدفت النيل منها ، والزعم بأنه تم تجاهل أبناء الجالية المصرية بأوكرانيا وبينهم ثلاثة آلاف طالب .
دبلوماسيا ، تدخلت الخارجية المصرية ببيان هادئ ، قالت فيه إن جمهورية مصر العربية تتابع بقلق بالغ التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي.
وخلال جلسة طارئة لمجلس الأمن فجر الخميس الماضي ، وقبيل ساعات من اندلاع الحرب ، قال السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك إن مصر تتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة ، والتي باتت تنذر بالمزيد من التصعيد وخروج الأمور عن السيطرة والقدرة على الاحتواء.
وشدد وفد مصر خلال جلسة مجلس الأمن على ضرورة العمل على التهدئة، وعدم التصعيد وتغليب الحلول الدبلوماسية وتكثيف المساعي السياسية وإبداء المرونة الواجبة من جانب كافة أطراف الأزمة، بهدف سرعة تسوية الأزمة سياسياً بما يخاطب شواغل كل الأطراف ، فيما حذر السفير أسامة عبد الخالق من مغبة الآثار الإنسانية والاقتصادية والسياسية للأزمة ، وناشدت مصر عبر ممثلها كل الأطراف المعنية إعلاء صوت الحكمة والرشد والتحلي بالمسئولية الواجبة لخلق المناخ المواتي لإيجاد تسوية للأزمة الراهنة.
وفي خطوة سبقت بها مصر دول العالم ، وأثبتت ريادتها في التفاعل مع الأزمات الدولية ، عقد الدكتور خالد العنانى وزير السياحة والآثار اجتماعا ضم قيادات الوزارة، لمناقشة تداعيات الأزمة الروسية الأوكرانية على القطاع السياحي بمصر، وذلك بحضور مسئولي الوزارة، وممثلو وزارة الخارجية، ووزارة الطيران المدني، والأجهزة المعنية، وممثلو القطاع السياحي من الغرف السياحية.
وخلال الاجتماع تمت مناقشة موقف السائحين الموجودين بمصر من الجنسيات التي تأثرت دولهم بالمستجدات في حركة الطيران الدولي، وتم التأكيد على استمرار إقامتهم بالفنادق التي يقيمون بها بمصر حتى عودتهم بصورة آمنة إلى بلادهم، كما تم التوجيه باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة لتوفير كل سبل الراحة لضيوفنا من السائحين من مختلف دول العالم.
تداعيات
والحقيقة أن ما شغل المصريين مع اندلاع الأزمة ، هو مدي تأثيرها على إمدادات القمح للسوق المصري، حيث حذر مراقبون من أن الأزمة الأوكرانية ستؤدي إلى ارتفاع أسعار القمح العالمية .. ووقت الانشغال بإطلاق تلك التحذيرات كانت مصر التي تعد بحسب تقارير متعددة "أكبر مستورد للقمح في العالم"، كانت تتحرك عبر عدد من الطرق والإجراءات الوقائية لتأمين إمدادات القمح، في حال تأثرت الواردات من روسيا وأوكرانيا ، التي تعد أكبر مصدري القمح لمصر ، حال نشوب الحرب ، حيث يعد القمح الأوكراني هو المصدر الرئيسي لإمدادات القمح لها، و كان يمثل نحو 14% عام 2020؛ كونه الأفضل سعرا وجودة .
وبدا واضحا من أحاديث الخبراء والمسئولين أن الاحتياطي الاستراتيجي من القمح في الحدود الآمنة ، حيث أطلق وزير التموين والتجارة الداخلية الدكتور علي المصيلحي تصريحات أكد فيها أن " وجود المناوشات بين أكبر مُصدري القمح والغلال في العالم يثير حالة من عدم اليقين في السوق"، مطمئنا المواطنين في الوقت نفسه أن " الاحتياطي الاستراتيجي من القمح آمن ويكفي لمدة من 4 إلي 5 شهر"، منوها إلي أن وزارته اتخذت "إجراءات تحوطية " لتأمين مخزونها من الأقماح، حيث عملت على تنويع مناشئ استيرادها كالولايات المتحدة وفرنسا وروسيا ورومانيا وأوكرانيا.
وقال المصيلحي إن الدراسات فيما يتعلق بالتحوط من تقلبات أسواق القمح لا تزال جارية ، لافتا إلى "تشكيل لجنة في وزارة المالية لدراسة سياسات التحوط، وسيتم استكمال المناقشات مع بداية الشهر المقبل بحيث يتم بحث جدوى هذا الإجراء من عدمه .
الحقيقة أن الإجراءات الوقائية المصرية تعددت بشكل يستحق الإشادة ، فلدي مصر ، وبحسب التصريحات الرسمية ، احتياطي استراتيجي للاستهلاك يكفي لنحو 5 أشهر ، وهو احتياطي هام جدا بالنسية لإمدادات القمح في دولة يزيد تعداد سكانها عن 104 مليون نسمة ، كما أن الحكومة المصرية ، تقوم بتعزيز تنويع مصادر الواردات سواء من فرنسا أو الولايات المتحدة أو غيرها، دون الاعتماد على مصدر واحد فقط، إلي جانب العمل على التوسع في استخدام العقود المستقبلية لشراء القمح أو غيرها من سلع تموينية، على غرار ما يجري للمواد البترولية .
وما يجب أن نلفت إليه في هذا الشأن هو أن الهيئة العامة للسلع التموينية تعاقدت بنهاية ديسمبر الماضي ، من خلال مناقصة عالمية على شراء 300 ألف طن قمح فرنسي وأوكراني وروماني في إطار استراتيجية مصر لتعزيز أرصدتها من السلع الأساسية .
وذكرت الهيئة، أنه تم شراء 60 ألف طن قمح فرنسي و180 ألف طن قمح أوكراني و60 ألف طن قمح روماني للشحن في الفترة من 15 فبراير إلى 3 مارس المقبلين.
الأمر لا يتوقف عند تلك الإجراءات الوقائية ، فهناك توجيهات مستمرة من الرئيس عبد الفتاح السيسي بالتوسع في الرقعة الزراعية ، وضمن ذلك يتم العمل علي
زيادة المساحة المزروعة للقمح، وبحسب تصريحات رسمية فإن مصر قامت مؤخرا بزراعة 3.62 مليون فدان قمحا، وهي الأكبر على الإطلاق، في الموسم الحالي 2022.
الدولة المصرية إذن قادرة علي اجتياز تلك الأزمة بفضل مشروع الصوامع وقدرات مصر علي تخزين المزيد من الاحتياطات الاستراتيجية من تلك السلعة الهامة، فضلاً عن اقتراب موسم الحصاد خلال شهر إبريل.
اللافت أنه من بين الإجراءات الحكومية الاستباقية ، كان إقدام الحكومة علي رفع أسعار شراء القمح من المزارعين محليا بنسبة 15% لتشجيعهم على الزراعة، ، واعتبارا من منتصف أبريل المقبل سيتم ضم الإنتاج المحلي من القمح ليكون الإجمالي للاحتياطي من المحصول لمدة 9 أشهر.
مما يستوجب الإشارة إليه أيضا أن مصر نجحت في الحفاظ على مستويات من المخزون الاستراتيجي في كل السلع الأساسية، حيث أن أقل رصيد في الدولة من السلع لا يقل عن 3 أشهر وهي فترة تعد في عمر الدول كثيرة، خاصة إذا ما قارنا ذلك بفترة حكم جماعة الإخوان الإرهابية ، والتي لم يكن يزيد رصيد مصر من السلع فيها عن 12 يوما .
هناك تركيز علي القمح باعتباره سلعة استراتيجية ، لكن هناك سلع أخري ضرورية أيضا وبينها الزيوت ، حيث تتصدر أوكرانيا قائمة أكبر الدول في العالم المصدرة لزيت عباد الشمس، وتأتي مصر في المرتبة الرابعة من حيث الاستيراد ، وهو أمر لم تغفل عنه مصر والتي تتجه لزيادة الرصيد من المخزون الاستراتيجي من الزيت.
الغاز علي خط الأزمة
من القمح إلى الغاز، تتعدد آثار الحرب في أوكرانيا ، فروسيا هي المصدر الرئيسي للغاز في أوروبا الغربية، وبالتالي فإن العقوبات على قطاع الطاقة في روسيا ، نتيجة الحرب ، تعنى أن يحدث اختلال وارتفاع في الأسعار، وهو ما بدأت بوادره في الظهور مؤخرا في زيادة أسعار النفط والغاز، وما ينتج ارتفاعات أخرى في باقي المنتجات والسلع، في وقت لم يتعافى فيهع العالم من جائحة كورونا ، حيث سجلت أسعار النفط، يوم الجمعة الماضية ، 101.40 دولار للبرميل، وذلك للعقود الآجلة لخام القياس العالمي برنت تسليم شهر أبريل، كما سجلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكى تسليم شهر أبريل 94.66 دولار للبرميل.
وذكرت تقارير إعلامية عالمية، بأن أسعار النفط بالأسواق العالمية، شهدت ارتفاعًا بنحو 2%، وذلك نتيجة المخاوف من تعطل الإمدادات النفطية العالمية، وذلك بعد الغزو الروسي لأوكرانيا و تجاوزت أسعار النفط في وقت مبكر يوم الخميس سعر خام القياس العالمى برنت حاجز 105 دولارات للبرميل مع بدء الغزو الروسي لأوكرانيا.
وبحسب الخبراء فإنه في حال استمرار ارتفاع أسعار البترول والغاز، وفى ظل اقتراب سعر برميل البترول من 105 دولار، فإن أسعار الشحن والنقل سترتفع ، وهو ما يؤدي لموجة غلاء في نهاية المطاف علي الصعيد العالمي.
هناك ترقب أيضا للطريقة التي تدير بها واشنطن الأزمة، فإذا ما كانت إدارة الرئيس جو بايدن، سوف تتبع سياسة الإدارة السابقة عليها بإجبار العالم على فرض العقوبات على روسيا، وإلا تقع هي الأخرى تحت طائلة العقوبات، فإن التداعيات سوف تمتد إلى دولا أخرى بعيدة عن منطقة الأزمة، خاصة مع ارتباط مصالح الدول من مختلف مناطق العالم بطرفي الصراع.
وكانت العديد من الدول العربية بدأت دراسة بدائل للقمح الأوكراني، من بينها المغرب والجزائر وليبيا ولبنان وغيرها من الدول التي تعد من مستوردي القمح في العالم، والتي تعاني من الجفاف ، حيث سارعت إلي وضع خطة طوارئ عاجلة ، والبحث عن أسواق آخري من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وكندا، وذلك إثر توقعات بتأثر وارداتها من القمح، خلال المرحلة المقبلة، جراء التطورات الكبيرة والمتسارعة على الصعيد الأوكرانى.
ولأن هذه التداعيات تشغل العالم كله ، حذرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية علي لسان خبراء من سيناريوهات صادمة علي صعيد الأمن الغذائي عالمياً حال احتدام النزاع حول أوكرانيا التي تصدر 10% من إجمالي الصادرات العالمية للقمح، ونقلت عن أندرى سيزوف، العضو المنتدب بأحد شركات الأبحاث الروسية التي تركز على أسواق الحبوب في البحر الأسود، توقعاته عن ارتفاع الأسعار بنسب تصل إلى 20%
وتستفيد الدول التي تشتري القمح من أوكرانيا في الشرق الأوسط من الطريق البحري القصير عبر مضيق البوسفور وفى حال نشوب حرب سيتعين عليهم دفع المزيد في تكاليف الشحن لجلب القمح من الولايات المتحدة أو أستراليا.
تضخم
الأزمة الأوكرانية بالتأكيد سوف تساهم بصورة كبيرة في تفاقم الأوضاع الاقتصادية العالمية بصورة كبيرة، خاصة وأن العالم لم يتعاف حتى الآن من تداعيات جائحة كورونا، وفي إطار اعتماد أوروبا بصورة كبيرة على الغاز الروسى بنسبة تصل إلى 40% من الإمدادات، فإن هذا يعنى أن العالم ربما يكون على شفا حالة من التضخم إثر الارتفاع الكبير في أسعار الغاز في المرحلة الراهنة، بينما تبقى الأمور مرشحة للتزايد بصورة كبيرة، حال عدم وصول الغاز الروسى إلى أوروبا.
الأمر في هذه الحالة لن يقتصر على أوروبا، حيث سيعود الأمر على المنتجات وبالتالي زيادة فاتورة الواردات مما يساهم في تفاقم التضخم العالمي، ويبقي أن القمح سيظل أحد السلع التي قد تؤدى إلى أزمة كبيرة خاصة إذا ما اتجه طرفا النزاع إلى استخدام هذه السلعة الاستراتيجية، كسلاح للضغط على دول العالم للحصول على دعمهم وهو ما يعنى زيادة أسعاره بصورة كبيرة..
فوائد
كثير من الخبراء يرون أن بعض الدول قد تستفيد من الأزمة الأوكرانية ، فدول الخليج والدول التي تتمتع بوفرة نفطية وإنتاج عالي من مشتقات البترول ستكون في الجانب الرابح من الأزمة نظراً لارتفاع أسعار الطاقة، كما أن الغاز المصري قد يعرف طريقه بشكل أقوي للسوق الأوروبية ، وهو الأمر الذي يظل مرتبطا بمدة الأزمة ، التي لا يتوقع لها أن تطول كثيرا خاصة مع بدء ظهور بوادر لحلول دبلوماسية في اليوم الثاني للحرب .
في كل الأحوال تبقى فرص مصر كبيرة، ومع الطفرة التي سوف تشهدها مصر في انتاج الغاز، خلال العامين المقبلين، ولكن على المدى المتوسط، وليس القصير، ومع تطوير البنية التحتية، لتسييل الغاز يمكن زيادة الصادرات المصرية بصورة كبيرة، مع ملاحظة أن الغاز الروسي يغطى حوالى 40% من احتياجات أوروبا، وبالتالي يبقى من الصعب توفير هذه الكمية فورا.
في ظل التطور الملحوظ في مصر ، فإن صادراتها من الغاز الطبيعي في تزايد منذ عام 2018، حيث تحولت مصر منذ هذا العام من دولة مستوردة للغاز إلى مصدرة، وبلغت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال 3.9 مليار دولار خلال عام 2021 بنسبة نمو 550%، وذلك من إجمالي 12.9 مليار دولار صادرات بترولية العام الماضي، بحسب بيانات رسمية.
و من المتوقع أن تشهد أسعار الغاز قفزة في العقود الفورية ، حيث أن العديد من التجار سيلجأن إلى شراء المزيد من شحنات الغاز الطبيعي المسال من السوق الفوري، في مسعى نحو تأمين مخزونات كافية من الغاز في ظل حالة عدم اليقين ومستقبل الإمدادات.
ومن المعروف أن روسيا بجانب كونها أكبر مصدر للغاز عبر خطوط الأنابيب عالمياً، هي أيضا رابع أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال عالمياً، م ا أن تداعيات الحرب الحالية على سوق الطاقة بشكل عام، وسوق الغاز الطبيعي بشكل خاص ستكون جسيمة.
استعدادات
وكان الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، عقد اجتماعا نهاية الأسبوع الماضي ؛ لمناقشة التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية الأوكرانية على مصر، وذلك بحضور المهندس طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، والدكتور خالد العنانى، وزير السياحة والآثار، والدكتور على المصيلحى، وزير التموين والتجارة الداخلية، والدكتور محمد معيط، وزير المالية، ونيفين جامع، وزيرة التجارة والصناعة، والسفير إيهاب نصر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، ومسئولي الجهات المعنية.
وأشار رئيس الوزراء إلى أن الحكومة المصرية تتابع عن كثب تطورات الأزمة الروسية الأوكرانية، ونطاق تداعياتها على الصعيد العالمي، سواء من الناحية السياسية أو الاقتصادية ، مضيفا أن مثل هذه الأحداث يكون لها تأثير واضح على أسعار عدد من السلع الأساسية على مستوى العالم ، وتابع : في هذا السياق، فإننا منذ بدء الأزمة عكفنا على دراسة مدى تأثيرها المحتمل على عدد من السلع وعلى رأسها القمح.
وواصل رئيس الوزراء : لدينا احتياطي كافٍ من القمح لمدة تزيد على 4 أشهر، وننتظر بدء الموسم الجديد لتوريد القمح المحلى خلال شهر أبريل المقبل ، مؤكدا أن الحكومة لديها حلول لتوفير القمح في حالة تأزم الموقف عبر تنويع مصادر توريده من عدد من الدول، وهو ما يتم بالفعل.
و تم خلال الاجتماع مناقشة موقف جميع السلع التي يتم استيرادها من روسيا وأوكرانيا، كما عرض وزير التموين مستويات أسعار السلع المختلفة عالميا، وخطط الوزارة لتوفير مخزون استراتيجي من هذه السلع.
كما استعرض الاجتماع أيضا التداعيات المحتملة للأزمة على أسعار البترول، خاصة في ظل صعود أسعاره نتيجة للظروف الاقتصادية التى يمر بها العالم فى مرحلة التعافى من تداعيات فيروس "كورونا".
كما تطرق الاجتماع إلى تأثير الأزمة الروسية الأوكرانية على قطاع السياحة، وفى هذا الإطار تمت الإشارة إلى أن الحكومة ستبذل جهدا أكبر فى البحث عن أسواق بديلة للسياحة، حال تطور الأحداث بشكل سلبى ، فيما عرض السفير إيهاب نصر، مساعد وزير الخارجية للشئون الأوروبية، الموقف السياسي للأزمة، والسيناريوهات المتوقعة خلال الفترة المقبلة.
الشاهد أنه لا يمكن إنكار التأثيرات السلبية للحرب الروسية في أوكرانيا، وفي الوقت نفسه لا يمكن إنكار أن الدولة المصرية وقيادتها السياسية تثبت أنها تتبني سياسات بعيدة المدي ، في التعامل مع الأزمات الطارئة سواء خارجيا أو داخليا ، وهو ما ذكرناه في تأمين احتياجاتها من القمح ، فضلا عن التعامل مع تأثيرات ارتفاع أسعار النفط عالميا على الموازنة العامة المصرية، والتي قدرت سعر برميل النفط عند مستوى 61 دولار في حين يتجاوز حاليا 100 دولار للبرميل ، ما يتوقع معه أن تراعي الحكومة في موازنة العام المالي الجديد 2022/2023، والتي يتم إعدادها خلال مارس المقبل، الزيادة المرتفعة في أسعار النفط عالميًا، وتحديد حجم الدعم الذي ستتحمله موازنة العام المقبل، على أن تستمر في تطبيق سياسة مراجعة أسعار المنتجات البترولية دوريًا بشكل ربع سنوي.