مصر والمملكة المتحدة مرحلة جديدة من الشراكة فى عهد الملك تشارلز

منعطف جديد في مستقبل بريطانيا العظمى بدأ اليوم مع إعلان تشارلز الثالث رسميا ملكا لبريطانيا فى احتفال تاريخى خلفا لوالدته الراحلة الملكة إليزابيث الثانية .. منعطف جديد تتجاوز تأثيراته حدود المملكة وصولا ليس فقط لدول الكومنولث أو للقارة الأوروبية ولكن أيضا لمختلف أقاليم العالم.

 

وفيما يتابع الرأي العام العالمي والرأي العام في منطقة الشرق الاوسط باهتمام وشغف ما تشهده بريطانيا وما تبثه وسائل الإعلام منذ وفاة الملكة اليزابيث الثانية.. وفيما يبدو الملك تشارلز بتفاصيل شخصيته وروحه وأولويات اهتماماته بعيدا عن بعض الشىء عن شعوب بعض دول العالم، إلا أن الذاكرة الشعبية والرسمية في مصر وكذا لدى تشارلز تحمل الكثير والكثير فى محطات رحلة حياة تشارلز على مدى عقود وسنوات طويلة كان خلالها وليا للعهد.

 

وجاءت زيارة تشارلز الأخيرة لمصر - في شهر نوفمبر الماضي - بمغزاها وتوقيتها وتفاصيلها بمثابة تأكيد واضح على ما يوليه ملك بريطانيا الجديد من تقدير واهتمام يصل لحد الشغف بمصر ومكانتها وثقلها السياسي والديني والحضاري؛ وهو تقدير يؤمن جليس العرش البريطانى الجديد انه يتخطى فى عالم اليوم ومع ارهاصات بزوغ نظام عالمى جديد حدود الماضى والحاضر الى آفاق المستقبل وحماية الكرة الارضية وشعوبها من مخاطر الصراعات وقبلها من التغيرات المناخية .

 

وبالتوازي مع الأولوية التي يوليها الملك تشارلز الثالث وبريطانيا لمصر؛ فإن ملك بريطانيا، وبقدر ما يدرك أن منظومة التقاليد الملكية في بلاده تظل العامل الأبرز لترسيخ هيبة بريطانيا على مدى قرون طويلة؛ فإنه يدرك - كذلك - أن زيارته لأهرامات مصر الخالدة ووقوفه أمام تمثال أبو الهول برفقه قرينته كاميلا هو إشارة رمزية بالغة الدلالة على الهيبة المستمدة من عظمة البناء وقوة العلم والصمود لهذا الاثر التاريخى على مر العصور.

 

"من يشرب من مياه النيل يعود إليه مرة أخرى"، عبارة حرص الملك تشارلز الثالث على التأكيد عليها في كلمة ألقاها خلال حفل الاستقبال الذي أقيم بمطعم "ناين لاونج" بمنطقة الأهرامات خلال زيارته الأخيرة، حيث بدأ حديثه بتوجيه التحية باللغة العربية "السلام عليكم".

 

زيارة تاريخية رحب بها الرئيس عبد الفتاح السيسي، خلال استقباله لأمير ويلز وولي عهد بريطانيا آنذاك، مؤكدا أن مثل هذه الزيارة تعد محطة جديدة داعمة للعلاقات التاريخية بين البلدين، أخذاً في الاعتبار ما تمثله دوماً الزيارات الملكية البريطانية من علامات بارزة تظل ماثلة فى الذاكرة السياسية والشعبية لكلٍ من مصر وبريطانيا.

 

الزيارة التي قام بها قاطن قصر باكنجهام الجديد إلى مصر - في نوفمبر الماضي - لم تكن الأولى له بل الثالثة من نوعها والأولى بعد ثورة 30 يونيو وما شهدته مصر من تطور وإنجازات تتضاعف يوما يلو الآخر؛ حيث سبق وأن قام ملك بريطانيا بينما كان وريث العرش آنذاك بزيارة مصر مرتين، الأولى في عام 1981، مع زوجته الأولى الراحلة الأميرة ديانا، حيث كانت مصر أبرز محطات شهر العسل، والزيارة الثانية للأمير تشارلز في عام 2006 مع زوجته الحالية دوقة كورنوول انذاك كاميلا الملكة القرينة حاليا.

 

 

زخم كبير للعلاقات بين مصر والمملكة المتحدة في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، زخم ساهم تشارلز فى صناعته عندما كان وليا للعهد ويتوقع أن يواصله بوتيرة أسرع وأعمق بعد تتويجه ملكا للمملكة المتحدة ،، وهو فى الواقع الملموس زخم تعكسه الاتصالات واللقاءات المتواصلة لاسيما على مستوى القمة وايضا فى اطار التنسيق المشترك بين البلدين بشان المناخ حيث ترأس مصر - حاليا - الدورة السابعة والعشرين لمؤتمر المناخ (كوب 27)، فيما استضافت المملكة المتحدة الدورة السادسة والعشرين للمؤتمر، والتى عقدت في أكتوبر الماضي بجلاسكو.

وعكست زيارة تشارلز وقرينته لمصر - نوفمبر الماضي - بشكل قوي، العلاقات المتميزة بين البلدين، وساهمت فى توطيد "روابطنا الإنسانية"، حسب وصف السفير البريطاني بالقاهرة جاريث بايلى .

 

 

وكان لافتاً وقتها لكافة المراقبين السياسيين كونها الاولى لهما الى الخارج بعد توقف دام شهورا طويلا جراء تفشى وباء كوفيد ١٩ ما يعكس اهمية خاصة ودلالة رمزية على مدى اهتمام جليس العرش البريطانى الجديد بمصر.

 

 

تنسيق مشترك بين مصر وبريطانيا ركزت عليه زيارة الملك الجديد - الذى يولى اهتماما كبيرا بمسالة التغير المناخى- فتلك الزيارة اعقبت مباشرة استضافة جلاسكو لمؤتمر الاطراف لاتفاقية الامم المتحدة لتغير المناخ "cop26"، واختيار مصر لاستضافة القمة القادمة "cop 27" نوفمبر القادم بمدينة شرم الشيخ.

علاقات قوية ازدهرت فى صورة صداقة وشراكة وطيدة اكد عليها جليس العرش البريطانى الحديد خلال الزيارة الاخيرة الى مصر وبالقرب من اهرامات الجيزة.

 

 

شغف بالحضارة المصرية من جانب الملك الجديد تشارلز الثالث ظهر جليا خلال زيارته لمنطقة الاهرامات وابو الهول وايضا خلال حديثه خلال حفل الاستقبال فى رحاب الحضارة العريقة عن اهمية حماية البيئة حيث قال "انه من المثير للدهشة أن قدماء المصريين اقاموا نظاماً لحماية البيئة بفضل إدراكهم لأهمية الحفاظ علي البيئة".

 

 

تشاور مستمر بين القاهرة ولندن بشان القضايا المناخية عكسه ايضا الاتصال الهاتفي الذى جرى بين وزير الخارجية سامح شكرى فى يوليو الماضى والملك تشارلز الثالث حين كان وليا للعهد حيث ابرز شكرى الرئيس المعين ل"كوب٢٧" رؤية مصر وأهدافها للدورة القادمة لمؤتمر الأطراف، والجهود التي تقوم بها في الوقت الراهن في إطار استعداداتها لرئاسة المؤتمر.

كما أكد وزير الخارجية خلال الاتصال على تطلع مصر للعمل مع الأمير تشارلز خلال الفترة القادمة لتعزيز مشاركة القطاع الخاص في الجهد العالمي لمواجهة تغير المناخ، بما في ذلك خلال الدورة ٢٧ لمؤتمر الأطراف في مصر، كما عبر عن تطلع مصر إلى مشاركة تشارلز الثالث في أعمال قمة قادة العالم خلال المؤتمر .

 

 

وجاء التنوع المدروس لمحطات تشارلز وقرينته خلال زيارته الاخيرة الى مصر والتى استهلها باستقبال الرئيس السيسى والسيدة قرينته لهما ليعكس بوضوح عمق ادراكه لعناصر قوة ومصر وتفردها..

 

 

وفيما جسدت زيارة تشارلز الى الجامع الازهر الشريف ادراكه لمكانة مصر الدينية خاصة فى العالم الاسلامى ودورها المشهود لتعزيز التسامح بين الأديان، فقد جاءت جولاته الاخرى لتعكس ادراكا اوسع نطاقا لامكانيات مصر الاقتصادية الواعدة فى ظل قيادة الرئيس السيسى.

 

 

كما شكلت لقاءات تشارلز فى القاهرة والاسكندرية قناعة بامكانات شباب مصر والمرأة المصرية ودورهم فى صناعة المستقبل المنشود بعدما عززت الإرادة السياسية للقيادة المصرية كافة الفرص لتمكين المرأة ودعم وتاهيل الشباب.

 

 

وتشهد العلاقات التاريخية بين مصر والمملكة المتحدة تدشين مرحلة جديدة من الشراكة، اتخذت أبعادا أوسع نطاقا فيما بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبى او ما يعرف ب"بريكست".

 

تعاون شامل في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالاضافة الى تحرير كامل للتجارة تضمنتها الاتفاقية التى وقعتها مصر وبريطانيا نهاية العام ليرسما من خلالها ملامح لعهد جديد من التعاون بين البلدين المرتبطين بشراكة استراتيجية طويلة الامد.. عهد بدأ مع انفصال صعب لبريطانيا عن التكتل الاوروبى عقب المخاض العسير لمفاوضات استمرت ما يقرب من اربع سنوات ونصف من تاريخ الاستفتاء الذى جرى فى ٢٠١٦.

 

 

وفي إطار العلاقات الاقتصادية الهامة التى تستند لتاريخ طويل من التعاون المشترك في مختلف المجالات التجارية والصناعية والاستثمارية، عكست الاتفاقية - التى وقعت بمقر وزارة الخارحية - اهتمام قيادتى البلدين بتعزيز التعاون الاقتصادي المشترك بهدف تحقيق نقلة نوعية في معدلات التجارة البينية والمشروعات الاستثمارية للشركات البريطانية في مرحلة ما بعد البريكسيت لاسيما وان المملكة المتحدة تحتل المرتبة الأولى، من حيث حجم المساهمة في الاستثمار الأجنبي المباشر بالسوق المصري من خلال ١٦٣٠ شركة باستثمارات تبلغ ٥٫٤ مليار دولار تتركز غالبيتها في القطاع الصناعي.

 

 

وتحرص القاهرة على توطيد العلاقات مع بريطانيا، كما تحرص لندن على الارتقاء بالعلاقات الثنائية مع مصر وادراكا وتقديرا لدور مصر المحورى والفاعل كمركز ثقل وحجر زاوية لاستقرار الشرق الاوسط والقارة الافريقية.

ويحرص الجانبان على التنسيق المشترك فيما يتعلق بالقضايا الاقليمية والمحلية محل الاهتمام المشترك وهو ما تعكسه الزيارات المتبادلة بين مسئولى البلدين والاتصالات المتواصلة بين قيادتى البلدين.

 

 

وعلى مستوى وزيرى الخارجية.. تجرى اتصالات مكثفة بين الوزير سامح شكرى ووزير الخارجية وشؤون الكومنولث والتنمية البريطاني "دومينيك راب"، والتى تركز فى مجملها على

 

 

المسارات المختلفة التي يمكن العمل عليها لتعزيز آفاق التعاون الثنائي، ولا سيما تكثيف التشاور السياسي والعمل على زيادة التبادل التجاري وكذا التعاون في المجال الاقتصادي والقطاع السياحي، بما يخدم المصالح المُشتركة للدولتيّن الصديقتيّن بالاضافة الى بحث العديد من الازمات التى تشهدها منطقة الشرق الاوسط فضلا عن قضيتى الارهاب والمناخ.

ووقعت حكومة جمهورية مصر العربية وحكومة المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية، بمقر وزارة الخارجية في القاهرة فى نهاية عام ٢٠٢٠ إتفاقية تأسيس الشراكة بين البلديّن (إتفاقية المشاركة المصرية البريطانية)،

 

 

وتضع الإتفاقية الإطار العام للعلاقات بين الدولتيّن في مختلف المجالات وتعكس الاهتمام بتعزيز كافة أوجه التعاون بينهما والارتقاء بها لآفاق أوسع بما يعظم من مصالحهما المُتبادلة.

وتشكل الاتفاقية الجديدة إطاراً هاماً لضمان استمرار المعاملة التجارية التفضيلية لمنتجات البلديّن، حيث تتضمن ذات المزايا التجارية التي توفرها إتفاقية المشاركة المصرية الأوروبية التي سيؤدي خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي إلى إنتهاء أثرها بالنسبة لبريطانيا.

 

 

كما توفر الإتفاقية ،ومن أجل هذا الغرض، فى اطار المشاركة المصرية البريطانية تحريراً كاملاً للتجارة بين الدولتيّن في المنتجات الصناعية ومعظم السلع الزراعية والمنتجات الغذائية والأسماك ومنتجاتها، مع إستثناء بعض السلع الزراعية التي ستكون خاضعة لحصص كمية تحددها الإتفاقية وتعتبر كافية لاستيعاب نسبة كبيرة من صادرات الطرفين.

 

وتعهد الجانبان في إطار الإتفاقية الجديدة بالعمل سوياً لتحقيق قدر أكبر من التحرير للتجارة في السلع الزراعية خلال الفترة القصيرة القادمة، بالإضافة إلى تعزيز التعاون المُشترك بين السلطات الجمركية في البلديّن بهدف التخلص من الممارسات التي تعرقل حركة التجارة، وكذلك العمل على زيادة تدفق رؤوس الأموال والخبرات والتكنولوجيا البريطانية إلى مصر.

 

 

وتعد المملكة المتحدة من أكبر الدول من حيث حجم الاستثمار المباشر فى مصر، حيث تبلغ قيمة استمارات الشركات البريطانية 48 مليار دولار أمريكي في جميع القطاعات الأقتصادية شاملة قطاعات النفط والغاز والاتصالات والأدوية والسلع الاستهلاكية سريعة التداول.

 

 

ووُلِد الملك تشارلز الثالث في قصر باكنغهام في مساء يوم 14 نوفمبر عام 1948.. وبدأ الملك الصغير تشارلز وقتها تعليمه بمدرسة هيل هاوس في لندن عام 1956. وفي عامه التاسع، نُصّب كصاحب للسمو الملكي أميرا ً لويلز وإيرلا لتشيستر - وهو لقب يُمنح تقليدياً لوريث عرش.

 

 

وفي عام 1969، توجت الملكة إليزابيث الراحلة الأمير تشارلز رسميا، كأمير ويلز في مراسم عٌقدت بقلعة كارنارفون، مقاطعة ويلز.

 

 

وتخرج تشارلز الثالث من جامعة كامبريدج في عام 1970 وحصل على شهادة جامعية في التاريخ وعلم الآثار والأنثروبولوجيا.

 

 

واليوم أعلنت هيئة الجلوس على العرش تتويج تشارلز الثالث ملكا لبريطانيا العظمى، وقريبا سيعود وربما شهر نوفمبر القادم خلال قمة المناخ بشرم الشبخ ضيفاً على مصر بصفته الجديدة ولقبه الجديد، يعود صديقاً مؤمنا بمصر وثقلها وقوة شعبها وقيادتها ودورها الحضاري والديني.. مؤمناً بمصر التي تستمد قوتها ليس فقط من إرث وقوة الماضى ولكن وقبل وبعد ذلك من قوة وحكمة قيادتها وقدرتها على استلهام الماضى لتغيير الحاضر كى يضيىء ويرسخ رؤية طموحة لمستقبل مصر. مستقبل مصر الذى تدرك بريطانيا العظمى وملكها المتوج قبل غيرها أنها ستكون خلاله مجددا مصر العظمى .

يمين الصفحة
شمال الصفحة