محيي الدين سعيد
منذ سنوات تدور المنطقة العربية في فلك أزمات لا تنتهي ، وتلهث وراء وقت تلتقط فيه أنفاسها من تلك الأزمات دون فائدة أو دون أفق منظور لانتهاء هذه الأزمات ، أو خروج العرب من دائرتها المشتعلة ، فكلما بدا أن هناك أزمة تنتهي ، تفجرت أزمات أخري أكبر وأكثر عمقا وتأثيرا في مناطق مختلفة ، لتصل الأمور والأزمات إلي ذروتها في العام 2024 ، الذي نودعه خلال ساعات ، آملين في عام جديد يغاث فيه العرب ، ويلتقطون فيه الأنفاس من تلك الأزمات .
علي مر السنوات الأخيرة ، تبدو هناك أجيال تعاصر خارطة جديدة للمنطقة العربية ، ليست هي تلك الخارطة التي كنا ندرسها في مناهجنا التعليمية ، وتضم 22 قطرا عربيا ، فالآن بدت دول عربية إلي زوال ، وانقسمت أخري ، وتعاني ثالثة من صراعات وأزمات لا تنتهي تهدد بتفكيكها أو زوالها .
علي مدار العام تواصلت أكبر مأساة إنسانية فوق أراضي غزة ، علي مرأي ومسمع من العام كله ، حيث ترصد الإحصاءات الرسمية بلوغ قائمة ضحايا العدوان المستمر علي الأشقاء في القطاع ، أكثر من 45 الف و400 شهيدا ، وأكثر من 110 الف مصاب ، وواصل العدوان استهدافه للبشر والحجر ، وقتل الأطفال بقنابله تارة وبالحصار والتجويع تارة أخري .
وفي لبنان يتواصل العدوان الصهيوني علي سيادة وأراضي الدولة العربية ، مستبيحا حدودها ، ومخلفا مئات من الشهداء والمصابين .
الحال أيضا لا يختلف كثيرا في سوريا ، بعد أن دمر العدوان مقدرات الجيش السوري ، ولا يعلم أحد مستقبل الدولة السورية بعد ما جري فيها من تطورات .
الأحوال علي نفس الوتيرة من المأساة في العراق ، وفي ليبيا لا يزال الوضع محفوفا ، ونفس الحال في اليمن ، بينما يواصل كل من المغرب والجزائر نزاعهما حول الصحراء الغربية، وما زالت تونس غارقة في بحر من الفوضى السياسية والاقتصادية.
وبحسب إجماع الخبراء والمحللين فإن النظام الإقليمي العربي يمر حاليا بأصعب الاختبارات ، وهو ما نستند فيه لرأي الخبير الاستراتيجي اللواء الدكتور أحمد الشربينى الذي يقول إن التطورات الأخيرة فى سوريا وضعت النظام العربي تحت ضغوط غير مسبوقة ، لافتا إلي أن انهيار النظام السوري ومعه الجيش الوطني أوجد فراغاً، تسعى عدة قوى لملئه عبر عدة مشاريع، مشيراً إلى أن هذا الأمر سوف يعيد توزيع توازن القوى فى المنطقة ومن هنا تظهر أهمية استدعاء التاريخ فى مثل هذه المراحل المفصلية ، كما أكد علي أننا فى حاجة إلى بدائل للحفاظ على هذا النظام الإقليمي العربي، أو على الحد الأدنى منه.
نحتاج في هذه اللحظة المفصلية كعرب ، أن نقرأ التاريخ جيدا وأن نستفيد من تجارب مناطق أخري في العالم ، وهو ما ينبهنا إليه أساتذة السياسة والفكر ، فيقول الدكتور إبراهيم عوض إنه فى الوقت الذى نجح فيه الاتحاد الأوروبي وتطور رغم أنه مكون من دول كانت تحارب بعضها البعض، ولكنهم رأوا في الاتحاد ضرورة، في الوقت الذى فشل فيه النظام الإقليمي العربى لأنهم لم ينتهجوا نفس النهج، مضيفا : يكفى أن نعرف أن ميزانية الاتحاد الأوروبي تبلغ 288 مليار دولار سنوياً، تاتى من الجمارك ومن ضريبة القيمة المضافة للدول الاعضاء، إضافة إلى الاشتراكات.
ونقول مع النظر إلي هذه الخارطة المشتعلة ، إن مصر ستبقي بإذن الله نبض الصمود في قلب أمتها العربية ، ونقطة الضوء التي يجب أن يجتمع حولها العرب ، إذا ما أرادوا بناء نهضة جديدة ، وإفاقة النظام الإقليمي العربي من سكرات الموت ، فمصر وحدها القادرة علي إنهاض العرب ، وقيادتهم ، وذلك كونها دوما عاصمة الرؤية السياسية السليمة ، وراعية المصالح العربية ورافعة لواء التضامن العربي ، كما يبقي دوما جيشها بإذن الله ورعايته حصن أمته المنيع ، وفي رباط إلي يوم الدين .