البنك المركزي يعتمد دورة التيسير النقدي كمرحلة مهمة لإنعاش الاقتصاد وتخفيف القيود على المستثمرين

وسط ترقب لبدء البنك المركزي المصري دورة تيسير نقدي، أرجع عدد من المحللين الاقتصاديين، قرار البنك المركزي بخفض الفائدة 1% إلى استمرار توجه المركزي نحو سياسة التيسير النقدي التي بدأها الشهر الماضي، ولكن بشكل حذر، خاصة مع عودة التضخم للارتفاع، للحفاظ على الاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين.
وخفض البنك المركزي المصري خلال اجتماع لجنة السياسات النقدية الثالث لهذا العام، أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض للمرة الثانية على التوالي لتهبط بذلك من مستوياتها المرتفعة.
دورة التيسير النقدي مرحلة مهمة في السياسة النقدية
وتعد دورة التيسير النقدي، مرحلة مهمة في السياسة النقدية، تعتمدها البنوك المركزية، بهدف دعم النمو الاقتصادي، من خلال تخفيف القيود النقدية.
وتُتخذ في هذه الدورة، إجراءات تهدف إلى جعل الأموال أكثر وفرة وأقل تكلفة، مما يُحفز الاقتراض والإنفاق والاستثمار.
وبدأت دورة التيسير النقدي في 2024 حيث بدأ الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بخفض الفائدة.
متى يتم اللجوء إلى دورة التيسير النقدي؟
سياسة التيسير النقدي هي إحدى الآليات التي تلجأ إليها البنوك المركزية من ضمن السياسات النقدية، بهدف تحفيز النمو الاقتصادي. هذه العملية تقضي بضخ الأموال وزيادة السيولة في الأسواق خلال فترات الركود، من أجل تحريك عجلة الاقتصاد.
ولتحقيق ذلك يقوم المركزي بطباعة النقود، ثم يشتري الأصول وسندات الخزانة من المؤسسات الحكومية والبنوك، وبالتالي زيادة المعروض المالي، الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض معدلات الفائدة وتزايد الاقتراض والاستثمار والإنفاق.
النمو في حجم القروض والاستثمارات يزيد من الإنتاج المحلي، وبالتالي زيادة في المداخيل وخلق فرص عمل جديدة، ما يؤدي إلى زيادة في الإنفاق، ومن ثم في الإنتاج أيضا، ما يسرّع عجلة الاقتصاد، وبالتالي تحقيق نمو يواجه الركود.
وكانت اليابان أول من استخدم سياسة التيسير النقدي عام 2001 .
وعقب الأزمة المالية عام 2008 لجأ الفيدرالي الأمريكي إلى التيسير النقدي، فقام بشراء أصول وسندات الخزينة بقيمة 2.1 تريليون دولار!
وقال محمد حسن، العضو المنتدب لشركة ألفا لإدارة الاستثمارات المالية، إن قرار خفض الفائدة بنسبة 1% يأتي ضمن توجه البنك المركزي للتيسير النقدي، لكنه يظل تحركًا متحفظًا للحفاظ على جاذبية الاستثمار الأجنبي في أذون وسندات الخزانة المصرية، لاسيما في ظل التراجع المؤقت لسعر الدولار.
وتوقع حسن، أن يواصل البنك المركزي نهجه التدريجي في خفض أسعار الفائدة خلال الاجتماعات المقبلة، بنسب تتراوح بين 1 و2%، ليصل إجمالي الخفض المتوقع خلال عام 2025 إلى ما بين 6 و8%.
وأشار إلى أن الفائدة الحقيقية لا تزال مرتفعة في ظل تراجع التضخم إلى 13.9%، ما يعني معدل فائدة حقيقي يتجاوز 10%.
وأوضح أن خفض الفائدة يسهم في تقليل تكلفة الدين على الموازنة العامة للدولة، كما يدعم الشركات في التوسع بالاقتراض وزيادة الإنتاج، إلى جانب تأثيره الإيجابي على القطاع العقاري الذي يعتبر المستفيد الاكبر من تراجع الفائدة بزيادة فرص التمويل وزيادة عدد المستثمرين، كما توقع أن ينعكس القرار إيجابًا على أداء البورصة، إذ ترتبط معدلات النمو في السوق عادة بانخفاض أسعار الفائدة، حيث أن اتساع الفارق بين التضخم وسعر الفائدة الحقيقي لا يعد مؤشرا إيجابيا لسوق المال.
تخفيض حذر
ويأتي تيسير السياسة النقدية في الفترة الراهنة، بعد أن رفع البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بإجمالي 1900 نقطة أساس من مارس 2022 حتى مارس 2024.
وعلى مدار العام الماضي، عقد البنك المركزي 8 اجتماعات بشأن الفائدة، قرر في 6 اجتماعات متتالية منها الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75% على الترتيب، بعد زيادة كبيرة لأسعار الفائدة في فبراير ومارس بمجموع 800 نقطة أساس.
من جانبه، وصف مصطفى شفيع، رئيس قسم البحوث بشركة "العربية أون لاين"، قرار خفض الفائدة بنسبة 1% بأنه "تخفيض حذر"، مشيرًا إلى أن العائد الحقيقي لا يزال إيجابيًا.
وأوضح شفيع، أن الأوضاع العالمية والإقليمية تفرض نهجًا متوازنًا في التخفيض، خاصة مع عودة التضخم إلى مسار تصاعدي، متوقعًا أن يرتفع معدل التضخم في الحضر خلال قراءة شهر مايو ليصل إلى 14.5%.
معدل التضخم السنوي
وأظهرت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية ارتفع ليسجل 13.5% في أبريل 2025، مقابل 13.1% في مارس السابق، فيما ارتفع المعدل الشهري بنسبة 1.3% خلال أبريل.
ومن جانبه، قال أحمد معطي، المدير التنفيذي لشركة في أي للاستثمارات، إن خفض البنك المركزي للفائدة بمقدار 100 نقطة أساس يأتي في ظل استمرار الضغوط التضخمية المحدودة من جانب الطلب، والمسار النزولي المتوقع للتضخم، مع تعافي النشاط الاقتصادي وتوقعات بنمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 5%، مقارنة بـ4.3% في الربع الرابع من عام 2024.
وأوضح معطي، أن التضخم السنوي شهد تراجعًا حادًا خلال الربع الأول من 2025 نتيجة انخفاض حدة الضغوط التضخمية، وهو ما يمثل مؤشرًا إيجابيًا على إمكانية استمرار سياسة خفض الفائدة مستقبلاً، وسط حالة من التفاؤل بشأن استمرار تراجع معدلات التضخم.
وقررت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري في اجتماعها بمايو، خفض سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي بواقع 100 نقطة أساس، ليصبح 24.00% و25.00% و24.50% على الترتيب.
وجاء قرار اللجنة بعد أن خفض البنك المركزي، في اجتماع لجنة السياسات النقدية السابق في أبريل الماضي، أسعار الفائدة 225 نقطة أساس لأول مرة منذ أكثر من 4 سنوات ونصف من أعلى مستوى تاريخي لها.
وأوضح البنك المركزي في البيان المرافق، أن حدة المخاطر الصعودية المحيطة بآفاق التضخم "انخفضت مقارنة باجتماع لجنة السياسة النقدية في شهر أبريل، في ضوء تراجع حدة التوترات التجارية، وتطورات سعر الصرف الحالية، وعودة مؤشر المخاطر إلى مستواه المعتاد، مما يسمح بمواصلة دورة التيسير النقدي التي بدأت في الاجتماع السابق للجنة".
المركزي أضاف أن قراره بخفض الفائدة "يحقق التوازن بين التحوط من المخاطر السائدة والحيز المتاح للمضي قدماً في دورة التيسير النقدي، مع دعم المسار النزولي للتضخم خلال الأفق الزمني للتوقعات".
وفي ذات السياق، انخفضت أسعار الفائدة على الشهادات متغيرة العائد وبعض منتجات القروض المرتبطة في تسعيرها بأسعار العائد الأساسية لدى المركزي بنسبة 1% تلقائيًا، بعد قرار البنك المركزي خفض أسعار العائد الأساسية لديه بنفس النسبة.
3 أسباب دفعت المركزى للتمسك بالتيسير النقدي
ثلاثة أسباب رئيسية دفعت البنك المركزى المصرى للمضى قدما فى التمسك بسياسة التيسير النقدى خلال الاجتماع الأخير للجنة السياسة النقدية يوم الخميس، إذ قرر خفض سعرى عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية بواقع 100 نقطة أساس إلى 24٪ و25٪ و24.5، على الترتيب، بالإضافة إلى خفض سعر الائتمان والخصم بالقيمة نفسها ليصل إلى 24.5٪.
قرار لجنة السياسة النقدية جاء رغم توصيات صندوق النقد الدولى بتوخى الحذر فى خفض الفائدة على الجنيه فى ظل الصدمات الاقتصادية العالمية والتى تهدد بعودة المنحنى الصعودى لمعدلات التضخم.
التوصيات صدرت على لسان جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى بالصندوق، عقب قرار لجنة السياسة النقدية منتصف أبريل الماضى والذى قلص العائد على العملة المحلية بنسبة 2.25٪ دفعة واحدة، فى أول خفض للفائدة منذ ما يقرب من 4 سنوات.
الأسباب التى استند إليها المركزى فى التمسك بسياسة التيسير النقدى عبر خفض العائد للمرة الثانية على التوالى، أوضحها بيان اللجنة فى أن الضغوط التضخمية من جانب الطلب سوف تظل محدودة فى ضوء تقديرات فجوة الناتج والتى تشير إلى أن الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى لا يزال دون طاقته القصوى رغموالنمو المستمر فى النشاط الاقتصادى.
إذ تفيد المؤشرات الأولية للربع الأول من عام 2025 باستمرار منحنى التعافى مع التوقعات بنمو الناتج المحلى الإجمالى الحقيقى بنحو 5٪ مقابل 4.3٪ فى الربع الرابع من عام 2024، وهو ما يأتى متسقا مع المسار النزولى المتوقع للتضخم فى المدى القصير، مدعوما بالأوضاع النقدية الحالية، وكنتيجة لانخفاض الطلب على السلع الوسيطة والمواد الخام بسبب أن الاقتصاد لا يعمل بكامل طاقته الإنتاجية، بينما من المتوقع أن يصل النشاط الاقتصادى إلى طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026.
ثانى الأسباب تمثل فى استمرار تحسن الأوضاع بسوق العمل، إذ شهد معدل البطالة انخفاضا طفيفا ليسجل 6.3٪ فى الربع الأول من عام 2025 مقابل 6.4٪ فى الربع الأخير من عام 2024.
ثالثًا: تراجع حدة المخاطر الصعودية المحيطة بآفاق التضخم مقارنة باجتماع لجنة السياسة النقدية فى شهر أبريل، وذلك فى ضوء هبوط حدة التوترات التجارية، وتطورات سعر الصرف الحالية، وعودة مؤشر المخاطر إلى مستواه المعتاد.
فقد شهد التضخم السنوى انخفاضا حادا فى الربع الأول من عام 2025 وهو ما يُعزَى إلى تراجع حدة الضغوط التضخمية، وفعالية سياسة التقييد النقدي، والأثر الإيجابى لفترة الأساس، إلى جانب التلاشى التدريجى لأثر الصدمات السابقة.
وبحلول أبريل 2025، استقر كل من المعدل السنوى للتضخم العام والأساسى عند 13.9٪ و10.4٪ على الترتيب، الأمر الذى يرجع بالأساس إلى اعتدال التطورات الشهرية للتضخم نتيجة انخفاض أسعار السلع الغذائية، والذى ساهم فى الحد من تأثير ارتفاع تضخم السلع غير الغذائية إثر تحركات الأسعار المحددة إداريا، ونظرا لأن الضغوط الناجمة عن تلك التحركات ذات طبيعة مؤقتة، استمر التضخم الضمنى فى اتخاذ مسار نزولى منذ بداية العام ليتقارب تدريجيا نحو مستواه المتسق مع مستهدف البنك المركزى للربع الأخير من 2026.
ويرى أعضاء لجنة السياسة النقدية أن تباطؤ التضخم العام والأساسى، بالإضافة إلى تراجع التضخم الضمنى، وتحسن توقعات التضخم، كل ذلك يعزز من التوقعات بتراجع المعدل السنوى للتضخم العام خلال الفترة المتبقية من عامى 2025 و 2026، غير أن إجراءات ضبط أوضاع المالية العامة المُنفّذة كرفع أسعار الطاقة وغيرها والمقررة فى عام 2025 فضلا عن الثبات النسبى لتضخم السلع غير الغذائية من شأنهما الإبطاء من وتيرة هذا الانخفاض.
مخاطر عدم إدارة التيسير النقدي بشكل جيد
تُعتمد دورة التيسير النقدي عادة في فترات الركود أو ضعف النمو الاقتصادي، حيث تُعتبر أداة فعّالة لتحفيز الاقتصاد، عندما يكون الطلب الكلي منخفضاً.
مع ذلك، قد تؤدي هذه الدورة إلى مخاطر مثل التضخم المفرط، أو تكوين فقاعات مالية إذا لم تُدر بشكل حكيم.
وتعد الشركات الناشئة من أعلى القطاعات استفادة من الدورة، حيث تؤدي إلى تقليل تكلفة التمويل، وزيادة السيولة في السوق، مما يوفر فرصاً أكبر للحصول على القروض والتمويل اللازم للنمو.
رغم العوامل السابقة والتى قد تسمح بمواصلة دورة التيسير النقدى التى بدأت منتصف أبريل الماضى.. ترى اللجنة أن المخاطر الصعودية تظل قائمة وتتمثل فى الآثار الناجمة عن السياسات التجارية الحمائية عالميا، وتصاعد الصراعات الإقليمية، وتجاوز آثار ضبط أوضاع المالية العامة لتوقعاتها، مشيرة إلى أن مستويات الفائدة الحالية تحقق التوازن بين التحوط من المخاطر السائدة والحيز المتاح للمضى قدما فى دورة التيسير النقدى، مع دعم المسار النزولى للتضخم خلال الأفق الزمنى للتوقعات.