
أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، اليوم، الإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير، ليرسخ النطاق المستهدف للفائدة بين 4.5% و5.5%، في خطوة تتماشى مع توقعات الأسواق، مع تأكيده الاستمرار في نهج الترقب والانتظار حتى وضوح الرؤية الاقتصادية.
وأوضح البنك المركزي، في بيانه عقب اجتماع لجنة السياسة النقدية، أن النشاط الاقتصادي لا يزال يشهد وتيرة توسع قوية رغم تأثير تقلبات صافي الصادرات على بعض المؤشرات.
وأضاف الفيدرالي الأمريكي أن معدل البطالة لا يزال عند مستويات منخفضة، بينما تظل ظروف سوق العمل مستقرة نسبيًا.
معدل التضخم في أمريكا
وأشار البيان إلى أن التضخم لا يزال أعلى من المستوى المستهدف البالغ 2%، وهو ما يدفع الفيدرالي للاستمرار في سياسته الحذرة، مؤكدًا أن انخفاض حالة عدم اليقين حول التوقعات الاقتصادية لا يعني اختفاء المخاطر بالكامل، إذ لا تزال التحديات قائمة.
وأكد الفيدرالي أنه سيواصل خفض حجم ميزانيته العامة من خلال تقليص حيازاته من سندات الخزانة وديون الوكالات والأوراق المالية المدعومة بالرهن العقاري، ضمن سياسة التشديد الكمي.
تعديلات مستقبلية على أسعار الفائدة
وشدد على أن اللجنة ستقيم بعناية كل من البيانات الاقتصادية الواردة، والتغيرات في التوقعات، وميزان المخاطر عند النظر في أي تعديلات مستقبلية على أسعار الفائدة، موضحًا أن قراراته ستعتمد على مجموعة واسعة من المؤشرات تشمل تطورات سوق العمل، وضغوط الأسعار، والتغيرات الاقتصادية والمالية على المستوى العالمي.
وأكد مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أنه جاهز لتعديل أدواته وسياساته النقدية إذا ظهرت مخاطر جديدة تُهدد تحقيق أهدافه الرئيسية المتمثلة في الاستقرار السعري والتوظيف الكامل، مشيرًا إلى أن لجنة السياسة النقدية ستواصل المتابعة الدقيقة لتأثير المعلومات الاقتصادية على التوقعات المستقبلية.
ولا يزال باول وأعضاء مجلسه يتبنون نهجًا حذرًا، في ظل الضبابية التي تخيم على آفاق الاقتصاد، خاصة مع استمرار التوترات التجارية والسياسات الجمركية التي أطلقتها إدارة ترامب، والتي لم تتضح آثارها النهائية بعد على الاقتصاد الأمريكي.
ووفقًا لآخر بيانات حكومية أمريكية حديثة، ارتفعت أسعار المستهلكين في الولايات المتحدة خلال شهر مايو، لكن بوتيرة أقل من التوقعات، ما يعكس الأثر المحدود للرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة الرئيس ترامب على بعض السلع المستوردة.
ووفقًا للأرقام، بلغ معدل التضخم السنوي 2.4% في مايو، مقارنة بـ2.3% في أبريل، بينما كانت توقعات الأسواق تشير إلى ارتفاع بنسبة 2.5%.
التوقعات الاقتصادية المحدثة
رفع مسؤولو السياسة النقدية لدى الاحتياطي الفيدرالي متوسط توقعاتهم لمعدل التضخم في توقعاتهم الاقتصادية المحدثة من 2.7% إلى 3% بنهاية العام. بينما خفضوا متوسط توقعاتهم لنمو الاقتصاد الأميركي من 1.7% إلى 1.4% بنهاية العام الحالي.
وأشار باول خلال المؤتمر الصحفي إلى أن التقلب غير المعتاد في صافي الصادرات الأميركية يُعقّد قياس الناتج المحلي الإجمالي.
ومع ذك أبقى مسؤولو الاحتياطي الفيدرالي على توقعاتهم بخفض الفائدة مرتين خلال العام الحالي، إذ لا يزال متوسط توقعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يشير إلى خفض الفائدة 50 نقطة أساس في 2025.
ورغم ذلك، خفّض عدد من المسؤولين توقعاتهم لخفض الفائدة. إذ يتوقع سبعة مسؤولين الآن عدم خفض أسعار الفائدة هذا العام، مقارنةً بأربعة في مارس. وأشار اثنان آخران إلى خفض واحد هذا العام.
كما رفع مسؤولو السياسة النقدية متوسط توقعاتهم لمعدل البطالة عن ترجيحاتهم السابقة إلى 4.5% بحلول نهاية العام.
أهداف القرار
يهدف القرار للتريث حتى التأكد من أن التضخم ينخفض نحو المستوى المستهدف البالغ 2%، دون استنزاف خيار خفض الفائدة قبل تقييم تأثير رسوم ترمب الجمركية على الاقتصاد الأكبر في العالم. كما تأتي خطوة الفيدرالي في وقتٍ تتفاقم فيه المخاطر الجيوسياسية في ظل القصف المتواصل بين إيران وإسرائيل.
حذّر صناع السياسات النقدية من أن الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس دونالد ترمب قد تؤدي إلى ارتفاع التضخم وزيادة البطالة. لكن حتى الآن، ساهم التوظيف المستقر وتراجع التضخم في إبقاء أسعار الفائدة من دون تغيير هذا العام.
ورغم التباطؤ المفاجئ في التضخم، حيث بلغ المقياس المفضل للفيدرالي 2.1% على أساس سنوي حتى أبريل، أشار صانعو السياسة النقدية في أكثر من مناسبة إلى المخاطر المتمثلة في احتمال عودة الأسعار للارتفاع، لا سيما إذا دخلت الرسوم الجمركية الإضافية حيّز التنفيذ في وقت لاحق من الصيف كما هو مقرر.
الفيدرالي الأمريكي يقاوم ضغوط ترمب
يأتي قرار اليوم الأربعاء رغم انتقادات دونالد ترمب المتكررة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول مطالباً إياه بخفض الفائدة. كما وجّه الرئيس انتقادات لاذعة للبنك المركزي الأميركي، ووصفه بـ"المتأخر للغاية"، كما أطلق على باول لقب "العاجز"، وقال: "أنا أعلم عن أسعار الفائدة أكثر منه".
وفي أحدث تصريحاته اليوم، كرر ترمب هجومه على رئيس الاحتياطي الفيدرالي، وقال إن أسعار الفائدة "ينبغي أن تكون منخفضة بنقطتين مئويتين" عن مستوياتها الراهنة.
ومع نهاية الشهر الماضي، وفي أول اجتماع مباشر بينهما منذ تنصيب ترمب، حث الرئيس الأمريكي جيروم باول على خفض أسعار الفائدة، وقال لرئيس الاحتياطي الفيدرالي إنه يعتقد أن باول يرتكب خطأ بعدم خفض الفائدة، حسبما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت في إفادة صحفية حينها. إلا أن باول أبلغ الرئيس بأن مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي يتخذون قراراتهم بناءً على "تحليل دقيق وموضوعي وغير سياسي"، وفقاً لبيان صدر عن البنك المركزي الأميركي حينها.
استهداف استقرار التضخم
أكد رئيس الفيدرالي، الشهر الماضي، استهداف استقرار التضخم، ليحافظ على مكتسبات دورة تشديد السياسة النقدية السابقة، وقال: "نلتزم بالحفاظ على توقعات التضخم على المدى الطويل"، والتأكد من أن الزيادات المؤقتة في الأسعار "لا تتحول إلى مشكلة تضخم مستعصية".
وفي وقت سابق، طالب الرئيس بتخفيض الفائدة بمقدار نقطة مئوية كاملة، مشيراً إلى أن تكاليف الاقتراض المنخفضة من شأنها أن تساعد في تخفيف عبء الدين الأميركي.
باول أشار في تصريحاته عقب قرار الاحتياطي الفيدرالي في مايو إلى أن مسؤولي السياسة النقدية ليسوا في حاجة للاستعجال في تعديل أسعار الفائدة، مؤكداً أن "تكلفة الانتظار منخفضة نسبياً"، خاصة أن "الاقتصاد صامد".