?????
فيما بدا أنه بمثابة تمهيد للتراجع عن قراره المفاجئ بسحب القوات الأمريكية من سوريا، أعلن السيناتور الجمهوري البارز ليندسي جراهام زعيم الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ والمقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، أن الأخير أبدى استعداده لإبطاء انسحاب قوات بلاده من سوريا وذلك حتى يتم التأكد من هزيمة تنظيم (داعش) بشكل نهائي.
وقال السيناتور جراهام، عقب لقاء جمعه مع ترامب لمدة ساعتين، أمس الأحد: "إن ترامب تعهد بالبقاء في سوريا لإنهاء مهمة تدمير داعش"، مضيفا: "أن الرئيس مصمم على ضمان أن يكون تنظيم الدولة قد هزم تماما عندما نغادر سوريا".
وعبر جراهام، الذي وصف في وقت سابق قرار الانسحاب بأنه خطأ كبير، عن اطمئنانه إلى أن الرئيس ترامب سينفذ هذا الأمر بشكل جيد، وبعد التأكد من أن تنظيم داعش لن يعود أبدا والتأكد من حماية القوات الكردية الموالية للولايات المتحدة، وضمان ألا تصبح إيران الفائز الأكبر من انسحابنا".
وبينما يرى مراقبون، أن هذا التحول الذي تحدث عنه السيناتور جراهام في موقف ترامب من مسألة الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، يعد محاولة من جانب الأخير لاحتواء موجة الغضب التي خلفها قراره المنفرد بالانسحاب حتى في داخل معسكره الجمهوري فإن هذا التحول يعكس في الوقت نفسه حالة الارتباك والتخبط في السياسة الأمريكية تجاه العديد من الملفات الحيوية بالنسبة للولايات المتحدة في ظل الإدارة الحالية، لا سيما في ظل تفرد الرئيس باتخاذ قرارات استراتيجية دون تشاور كاف مع دوائر صناعة القرار العسكرية والسياسية في البلاد.
وكان ترامب، قد أعلن الأسبوع الماضي وبشكل مفاجئ ودون تشاور مع القيادات العسكرية أو قيادات الكونجرس عن سحب القوات الأمريكية المنتشرة في شمال سوريا والبالغ عددها نحو ألفي جندي، مبررا هذا القرار بأنه يأتي بعد هزيمة تنظيم داعش بشكل نهائي في سوريا وانتهاء المهمة التي من أجلها تم نشر هذه القوات.
واتخذ ترامب، هذا القرار على الرغم من التحذيرات المتكررة للمسئولين العسكريين الأمريكيين من مخاطر وتداعيات أي انسحاب متسرع من سوريا سواء لأنه يطلق يد روسيا وإيران في سوريا أو لأنه يعرض القوات الكردية الحليفة لمجزرة على يد الجيش التركي الذي يعتبر هذه القوات تنظيما إرهابيا ويستعد لشن هجوم شامل ضدها.
وقد كان مثيرا للدهشة أن قرار الانسحاب جاء بعد يومين فقط من تصريحات للموفد الأمريكي إلى سوريا جيمس جيفري، أكد خلالها أن بلاده باقية في سوريا حتى إلحاق الهزيمة بالدولة الاسلامية والحد من نفوذ إيران في سوريا والتوصل إلى حل سياسي للحرب الأهلية السورية.
يذكر أن الجيش الأمريكي كان قد قام بنشر هذه القوات في أواخر شهر أبريل 2017 في منطقة الحدود السورية التركية، حيث تركزت مهمتها وهي في غالبيتها قوات خاصة على محاربة تنظيم داعش وتدريب وحدات حماية الشعب الكردية، في المناطق التي تمت استعادتها من سيطرة التنظيم.
وقد خلف قرار سحب القوات الأمريكية من سوريا موجة من الانتقادات والتساؤلات داخل الولايات المتحدة وخارجها حول دلالات وتداعيات هذا القرار على الأوضاع العسكرية والسياسية في سوريا.
فعلى صعيد الداخل الأمريكي، قوبل هذا القرار بانتقادات لاذعة من قبل العديد من الأوساط السياسية والعسكرية حتى داخل المعسكر الجمهوري وبين مؤيدي ترامب من أعضاء الكونجرس بمن فيهم السيناتور جراهام الذي حذر من خطورة الانسحاب الأمريكي الآن، لا سيما على مصالح حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة.
وقال مخاطبا ترامب "لا تدع سوريا للإيرانيين.. هذا كابوس لإسرائيل"، معتبرا أن الحديث عن هزيمة تنظيم الدولة في سوريا ليس دقيقا.
كما ربط محللون بين قرار الانسحاب من سوريا واستقالة وزير الدفاع جيمس ماتيس من منصبه وتلميحاته عن وجود خلافات بينه وبين الرئيس ترامب في التعامل مع كثير من الأمور فيما قدم المنسق الأمريكي للحرب على داعش "بريت مكجورك" استقالته أيضا من منصبه على خلفية قرار الانسحاب.
وكان ماتيس قد قدم استقالته من منصبه بعد قرار ترامب الانسحاب من سوريا، والذي تزامن مع تقارير تحدثت عن أن ترامب يخطط لانسحاب كبير أيضا من أفغانستان، قد يشمل نصف القوات الموجودة هناك والبالغ قوامها 14 ألف جندي، وهو الأمر الذي نفاه البيت الأبيض في وقت لاحق.
وعلى صعيد رد الفعل الخارجي على قرار ترامب الانسحاب من سوريا، حذر مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا ستيفان دي ميستورا من إمكانية تعزيز تنظيم "داعش" لمواقعه بعد سحب الولايات المتحدة لقواتها من هناك.
وقال : "إن سحب القوات الأمريكية سيوجه ضربة إلى الأكراد بالدرجة الأولى"، مضيفا: "أن الأكراد مكون مهم جدا في سوريا، ولا يجب أن نتجاهله في أي حال من الأحوال".
كما أعرب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، عن أسفه الشديد لقرار سحب القوات الأمريكية من سوريا بينما وصفت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي القرار بأنه خطأ فادح للغاية، مؤكدة أنها لا تتفق مع ما قاله ترامب عن القضاء على تنظيم داعش.
وانتقد وزير الخارجية البريطاني جيريمي هانت، الرئيس الأمريكي على خلفية قراره سحب قواته من سوريا، قائلا: "إن رؤية ترامب للعالم إما أسود تماما أو أبيض تماما".
وشكك الوزير البريطاني في صحة حديث ترامب عن هزيمة تنظيم داعش في سوريا، قائلا: "حققنا بالتأكيد تقدما مهما في الحرب ضد داعش لكن الأمر لم ينته، فهم ما زالوا يسيطرون على أراض وما زالت هناك مخاطر فعلية".
وتشير بعض التقديرات الأمريكية، إلى أن تنظيم داعش لا يزال لديه آلاف المقاتلين في المناطق التي لا يزال يسيطر عليها في سوريا والعراق.
وفي هذا الصدد ذكرت صحيفة (نيويورك تايمز)، نقلا عن خبير عسكري أمريكي، أن عدد مقاتلي التنظيم حاليا يقدر بنحو يتراوح ما بين 20 إلى 30 ألف مقاتل في سوريا والعراق وهي أرقام تتناقض مع تأكيد ترامب إلحاق الولايات المتحدة الهزيمة بالتنظيم.
وفيما يتعلق بمستقبل الوجود العسكري الأمريكي في سوريا، في ضوء ما أعلنه السيناتور جراهام، أمس، يرجح محللون الإبقاء على قرار الانسحاب الذي اتخذه ترامب مع إعادة جدولة هذا الانسحاب لفترة طويلة، وليس خلال 30 يوما، كما كان مقررا له، بما يعطي هذه القوات فرصة التأكد من إنجاز المهمة بشكل كامل وهي القضاء على تنظيم داعش من ناحية وتأمين الحماية للقوات الكردية الموالية للولايات المتحدة وضمان عدم تعرضها للعدوان التركي من ناحية أخرى.
ويعزز هذا الرأي أنه لا يوجد جدول زمني ملزم للانسحاب، بالإضافة إلى ما قاله مسئولون أمريكيون قبل يومين عن أن انسحاب القوات الأمريكية من سوريا قد يستغرق عدة أشهر، حيث نقلت قناة "إيه بي سي" الإخبارية الأمريكية عن هؤلاء المسئولين، قولهم إنه "لم يتم اتخاذ قرارات نهائية بشأن المسار المخطط لانسحاب القوات الأمريكية من سوريا".