أكد سفير مصر لدى الكويت طارق القونى، أن مصر لا تزال على مبادئها التي أرستها ثورة 23 يوليو، ورسختها ثورة 30 يونيو بالحفاظ على وحدة وسيادة الدول، ورفض التدخلات الخارجية في شئون المنطقة بكافة أشكالها، والتشديد على أن مستقبل المنطقة يحدده أبناؤها، مشددا على أن التطورات التي شهدتها مصر خلال السنوات الماضية، لم تزدها إلا عزما وإصراراً على تجاوز كافة الصعاب، كي تبقى سنداً لأشقائها وتضع حداً للأطماع الخارجية المحيطة بمنطقتها.
وقال القوني - في كلمة بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو: "تحتفل مصر بمناسبة وطنية عزيزة، وهي مرور ثمانية وستين عاماً على ثورة الثالث والعشرين من يوليو المجيدة.. ثورة الاستقلال والتحرير التي أسست لمصر المعاصرة، ووضعتها في مكانها المناسب بين دول العالم، كدولة ذات ثقل وتأثير.. وركيزة أساسية لأمن واستقرار المنطقة... دولة تقف على أسس راسخة من التاريخ والحضارة.. قادرة على تجاوز التحديات أيا ما كانت.. وعازمة على رسم مستقبل مزدهر لأبنائها".
وأشار إلى أن ثورة 23 يوليو مهدت لحقبة جديدة، بتحول مصر إلى دولة جمهورية، وبما أحدثته من تغيير جذري في كافة أوجه الحياة في البلاد، لتلبي آمال وطموحات، طالما طال انتظارها، باسترداد القرار الوطني والكرامة والحرية، وتنصف شرائح واسعة من المجتمع بعد عقود من التهميش، بإرساء مبادئ العدالة الاجتماعية، ومنع احتكار الثروة، مع إطلاق نهضة شاملة في التصنيع وتمصير الاقتصاد، وإرساء مفاهيم جديدة للتعليم والصحة، لتصبح حقوقا مكفولة لجميع أبناء الشعب، فضلاً عن تأسيس جيش وطني قوي يحمي الدولة ومقدراتها، ويقف رادعا أمام أية محاولات للمساس بأمنها واستقرارها.
وأشار القوني، إلى أنه لم يلبث أن تجاوز تأثير الثورة الحدود الجغرافية، لتصبح مصدر إلهام لكثير من شعوب العالم التي كانت ترزح تحت وطأة الاحتلال، مؤكدا أن مصر لم تدخر جهداً لمساندة أشقائها وأصدقائها في كفاحهم ضد الاستعمار، والتأكيد على حق الشعوب في تقرير مصيرها، حتى أصبحت القاهرة مقرا لكثير من حركات التحرر بالدول الأفريقية والعربية، وفي الوقت نفسه فقد تحولت مصر لإحدى نقاط التوازن المهمة في عالم منقسم بين شرق وغرب، بتأسيس حركة عدم الانحياز مع عدد من الدول متشابهة الفكر، ورفض الدخول في أحلاف عسكرية.
ولفت إلى أن ثورة 23 يوليو، مست بمبادئها وطموحاتها المواطن العربي في كل مكان، وخاطبت فيه العزة والكرامة العربية، وسعت لتفعيل العمل العربي المشترك، وتحقيق الوحدة والتناغم بين الشعوب والدول العربية، للتأكيد على الاهتمام الذي تستحقه المنطقة في العالم، وضرورة أن يكون تمثيلها في المجتمع الدولي، متناسباً مع أهميتها الاستراتيجية، مشيرا إلى أن الثورة ورموزها، لا تزال حاضرة في وعي الأجيال المختلفة من شتى الأقطار العربية، رغم مرور ما يقرب من سبعة عقود على قيامها.
وأكد سفير مصر لدى الكويت، أن ثورة 23 يوليو، أطلقت عهدا جديدا في العلاقات المصرية الكويتية؛ حيث كانت مصر من أوائل الدول التي هنأت الكويت باستقلالها عام 1961، وهو العام الذي شهد تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، كما شهد أيضا موقف مصر التاريخي الرافض بصورة قاطعة، لأية محاولات للمساس بسيادة واستقلال الكويت إزاء التهديدات التي تعرضت لها آنذاك، وهو الموقف الذي تكرر في محنة الغزو التي شهدتها الكويت، وما تلاها من معركة التحرير، كما وقفت الكويت إلى جانب مصر في حربي 67 و73، ودعمت اختيارات شعبها عقب ثورة الثلاثين من يونيو، والتي شهدت خروج الملايين من المواطنين إلى الشوارع، وانحياز القوات المسلحة للإرادة الشعبية لتصحيح المسار والتصدي لكافة محاولات تغيير هوية المجتمع والسيطرة على مؤسسات الدولة والتأثير على دور مصر المحوري إقليميا ودوليا.
وتابع القوني قائلا: "وعلى قدر التغيير الذي أتت به ثورة يوليو، فقد وضعت ثورة الثلاثين من يونيو مصر على أعتاب انطلاقة كبرى تحت قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، من خلال طفرات غير مسبوقة في الاقتصاد، والبنية التحتية، وتغيير الخريطة العمرانية وقطاعات الصحة، والتعليم، والاهتمام بالشباب والمرأة، وترسيخ الأمن ومكافحة الإرهاب بجهود وتضحيات أبنائها من القوات المسلحة وأجهزة الأمن، كما تمكنت مصر من استعادة ريادتها إقليمياً ودولياً في فترة وجيزة؛ حيث ترأست القمة العربية في 2015، والاتحاد الأفريقي 2019 وشغلت عضوية مجلس الأمن عامي 2016 و2017.
وأشار إلى أن مصر والكويت، واجهتا في الشهور الأخيرة تحدياً جديداً مثل باقي دول العالم، وهو تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد، وما خلفته من أعباء جسيمة على الاقتصاد، وضغوط هائلة على قطاعات الصحة، إلا أنه بفضل وجود مؤسسات على أعلى درجات الكفاءة في كلا البلدين، فقد تمكنا من التعاطي مع هذه المستجدات، والتوجه بخطط مدروسة نحو التعايش مع الفيروس، واستعادة الحياة الطبيعة، وهو ما بدأ تطبيقه في الأسابيع الماضية.
ولفت إلى أن الجالية المصرية في الكويت، لم تكن بمعزل عن هذه التبعات، لا سيما مع تأثر الأوضاع المعيشية للكثيرين، نتيجة الأوضاع الاستثنائية التي فرضتها الجائحة، مشيد في هذا الصدد، باستمرار المساهمة القيمة للجالية في عملية التنمية في الكويت، وبالدور الذي بذله المقتدرون من أبناء الجالية، في مساعدة ذويهم واستجابتهم الكبيرة للمبادرة الإنسانية التي أطلقتها السفارة تحت اسم (تكاتف)، وتمكنت من تقديم المساعدات لنحو 18 ألف من أبناء الجالية، ليضاف ذلك إلى المجهود المقدر من المؤسسات العاملة في تقديم المساعدات الإنسانية بالكويت.
واختتم سفير مصر لدى الكويت كلمته قائلا: "وإذ أدعو الله مخلصا، أن تنجلي هذه الغمة وتعود الحياة إلى طبيعتها، فإنني على ثقة بقدرة مؤسسات وشعبي البلدين على مواجهة أصعب التحديات وتجاوزها، كما أنتهز هذه الفرصة كي أوجه خالص التمنيات القلبية وأطيبها إلى حضرة صاحب السمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، بأن يمن الله عليه بالشفاء العاجل، وأن يمنحه موفور الصحة والعافية، وأن يحفظ أمير الإنسانية للشعب الكويتي الشقيق والأمة العربية والإسلامية".