
فتح الله علي قلبه وسمعه وبصره ليعوضه عن إعاقته الذهنية، التي لم تمنعه من حفظ القرآن الكريم كاملاً بأرقام الآيات، والسور، بل أنه يستطيع أن يحدد رقم الصفحة، فهو معروف بين أفراد أسرته بالبركة، وبين أبناء قريته بالشيخ محمود المعجزة.
في منزل ريفي مقام بالطوب اللبن، يقع في قلب قرية أتليدم التابعة لمركز أبوقرقاص في جنوب محافظة المنيا، يعيش محمود ناصر عبدالجابر 20 عاما في كنف أسرة فقيرة، كان يتلقى تعليمه بمدرسة الأمل للإعاقة الذهنية حتي المرحلة الإعدادية، غير أن والده البسيط "عامل بالأجر" لم يستطع أن ينفق عليه حتي النهاية، فترك مدرسته، وعني بحفظ القرآن الكريم كاملاً دون الاستعانة بمحفظ أو شيخ، فما أن يسمع آيه واحدة تتلى على مسمعه، حتى يحفظها عن ظهر قلب، ولاينساها أبداً، حتي صار اسمه حديث أهالي قريته والقرى المجاروة.
يروي الشاب قصته مع حفظ القرآن كاملاً فيقول: "ربنا حببني في القرآن، ولم أتعلمه من شيخ أو محفظ بل أنني كنت أتابع وأسمع بعض القنوات الدينية الإسلامية، وأحفظ الآيات التي تتلى على مسمعي جيدا، ولا أنساها، وبعد ذلك أمسكت بالمصحف الشريف، وأخذت أقرئ القرآن حتي حفظته عن ظهر قلب، من مرة واحدة ولا أنسى آية بل أستطيع أن أحدد رقمها بشكل دقيق في السورة، ورقم الجزء، وأحيانا حينما يكون تركيزي جيداً أستطيع تحديد رقم الصفحة.
ويروي العم ناصر، 63 عاماً، "عامل باليومية" قصة حياة ابنه الأصغر "محمود": قائلا "بركة البيت والبلد كلها بتحبه، لبراءته وطيبة قلبه"، وهو رضيع أصيب بإرتفاع في درجة الحراره بشكل مفاجئ، فتوحهت إلي أحد الأطباء، فأعطاه حقنه تسببت في إصابته بالحمي الشوكية، فأصبح معاقا ذهنيا، لايستطيع حفظ شئ، ولا يدرك الأشياء بسهولة، فهو يعيش بجهاز صمام تم تركيبه بالمخ منذ أن كان عمره عامين ونصف العام، وكان يتلقى تعليمه بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية بمدرسة الأمل، ومعي شهادات طبية وقومسيون يؤكد إصابته بإعاقة ذهنية، ولم تمنعه تلك الإعاقة من حفظ القرآن بهذه الطريقة، وكأن الله عوضه خيرا كثيرا عن صبري وصبره علي هذا الابتلاء، ولظروف معيشتي الصعبة، ترك المدرسة، وأخذ يهتم فقط بالقرآن حتي حفظه عن ظهر قلب من مره واحدة.
وأضاف الوالد: أعيش أنا وأسرتي التي تضم الزوجة والأبناء الثلاثة، وابنتي متزوجة، في منزل قديم، مساحته لاتزيد عن 10 أمتار، وأنفق علي محمود شهريا مبلغ يتراوح بين 400 و500 جنيها لشراء علاج، لأنه لايزال يعاني من الإعاقة الذهنية، ولايدرك الأشياء، الشي الوحيد الذي يركز فيه ويحفظه بشكل جيد هو القرآن الكريم، وأتمني أنا أعيش حتي أري "محمود" من كبار قراء القرآن الكريم في مصر والعالم، وأطالب بأن ترعاه أي جهة حكومية أو آهلية لأنه نابغ وبارع في القرآن، وظروفي الصعبة لاتمكني من رعايته خاصة وأنني لا أعمل فقد كبرت في العمر.