انقسام قضائي وسياسي بلبنان حول قرار تعيين قاضي تحقيق احتياطي بقضية انفجار ميناء بيروت

انفجار ميناء بيروت

انفجار ميناء بيروت

أثار قرار مجلس القضاء الأعلي بلبنان بتعيين قاضي احتياطي لقاضي التحقيق في انفجار ميناء بيروت البحري انقساما جديدا في الأوساط القضائية والسياسية بلبنان، إذ يري فريق أن القرار ضروري في ظل تجميد التحقيق في انفجار الميناء وتعطيل عمل قاضي التحقيق في القضية طارق البيطار الذي يواجه العديد من دعاوي الرد والمخاصمة، فيما يري آخرون أن الهدف من القرار هو تعيين قاضي احتياطي ليتخذ قرارا بالإفراج عن المحبوسين علي ذمة التحقيقات في القضية منذ قرابة عامين والبالغ عددهم 17 متهما من بينهم مدير عام الجمارك بدري ضاهر (المحسوب علي رئيس الجمهورية ميشال عون)، وذلك لضمان حريته قبل انتهاء ولاية الرئيس في 31 أكتوبر القادم.

 

بدأت بوادر الأزمة بعد اجتماع لمجلس القضاء الأعلي برئاسة القاضي سهيل عبود قبل يومين وافق خلاله المجلس علي تعيين محقق عدلي رديف (قاضي تحقيق احتياطي) لمعالجة الأمور الضرورية والملحة كطلبات إخلاء السبيل والدفوع الشكلية، وذلك طيلة فترة تعذر قيام قاضي التحقيق الأصيل في قضية انفجار ميناء بيروت القاضي طارق البيطار بمهامه.

 

وبرر المجلس قراره بأن الهدف منه حسن سير العمل القضائي وإحقاقاً للحق وذلك إلي حين زوال المانع الذي يحول دون ممارسة البيطار لعمله في القضية التي لم يصدر فيها حتي الآن قرار الاتهام.

 

وأكد مجلس القضاء الأعلي أن هذا القرار جاء بناء علي طلب وزير العدل بحكومة تصريف الأعمال هنري الخوري، حيث استند الوزير في طلبه إلي سابقة قضائية قضت بتعيين محقق عدلي بسبب تعذر قيام الأصيل بمهامه تعود إلي عام 2006، وذلك في تحقيقات قضية اغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ومرافقيه وذلك أثناء فترة سفر قاضي التحقيق في القضية القاضي إلياس عيد خلال العطلة القضائية.

 

واحتفي التيار الوطني الحر (الفريق السياسي لرئيس الجمهورية) ومناصريه بالقرار الذي يمهد للإفراج عن مدير الجمارك وباقي المحبوسين علي ذمة القضية وخصوصا بعدما التقي الرئيس عون بأسرهم مرارا ووعد بالنظر في أمرهم بعد تعطيل التحقيق بسبب دعاوي الرد التي تقدم بها عدد من المدعي عليهم في القضية.

 

كما رحب أهالي ومحامو المحبوسين علي ذمة القضية بهذا القرار الذي لم يدخل حيز التنفيذ بعد ولم يتم تسمية القاضي الاحتياطي حتي الآن، حيث اعتبر الأهالي أن موقف مجلس القضاء الأعلي ينتصر لأبنائهم المحبوسين وخصوصا في ظل ما اعتبروه تطويقا للقاضي طارق البيطار، معتبرين أن بعض القوي السياسية لن تسمح له بإصدار قرار اتهام يدين نوابا ووزراء سابقين.

 

وانتقدت قوي سياسية وأوساط قضائية القرار وخصوصا أنه جاء بعد زيارة قام بها نواب بالتيار الوطني الحر إلي رئيس مجلس القضاء الأعلي القاضي سهيل عبود، وهي الشبهة التي استبعدها مجلس القضاء الأعلي الذي أكد أن القرار ليس موجها ضد قاضي التحقيق طارق البيطار، بل اتخذ لخدمة حالة إنسانية مرتبطة بالمحبوسين علي ذمة القضية، مشددا علي أن القرار ليس له أبعاد سياسية علي الإطلاق.

 

وفي المقابل، أثار القرار غضب أهالي ضحايا انفجار الميناء الذين نفذوا اعتصاما أمام قصر العدل (مجمع المحاكم الرئيسي) في بيروت أمس رفضاً للتدخلات السياسية في القضاء ولمنع تقويض التحقيق، داعين مجلس القضاء الأعلي إلي تسريع إصدار التشكيلات القضائية التي تمكن القاضي البيطار من العودة إلي ممارسة عمله؛ حيث إن التحقيقات في قضية انفجار الميناء متوقفة لغياب التشكيلات القضائية التي ستنظر طلبات الرد ومخاصمة الدولة الموجهة ضد القاضي البيطار، كما نفذ أهالي الضحايا وقفة أمام منزل رئيس مجلس القضاء الأعلي القاضي سهيل عبود في بلدة بلونة بكسروان، حاملين صور أبنائهم ومطالبين باستقلالية القضاء.

 

ومن جانبه، شدد نادي قضاة لبنان علي أن الضرورات لا تبيح المحظورات، بغض النظر عن الصلاحيات التي ستمنح للقاضي الاحتياطي، داعين لإصدار مشروع مرسوم التشكيلات القضائية المعطل لدي وزير المالية ليعود التحقيق إلي مساره الطبيعي بشكل قانوني، بدل اللجوء إلي حل أجمع أهل القانون والقضاء علي عدم قانونيته فلا بديل عند وجود الأصيل – علي حد وصف نادي قضاة لبنان.

 

وسياسيا، نددت أحزاب وقوي سياسية بالقرار معتبرة أنه تسييس للقضاء ومحاولة لحجب الحقيقة وعرقلة التحقيق الذي يقوم به المحقق العدلي الأصيل القاضي طارق البيطار – علي حد وصف الأحزاب.

 

وقال رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع: "ما يحاول العهد (رئيس الجمهورية) وحلفاؤه فعله بواسطة وزير العدل، هو هرطقة أخلاقية بالدرجة الأولي وقانونية بالدرجة الثانية، إذ كيف لقاض أن يحكم في ملف هو في عهدة قاض آخر وتحت إشرافه ونتيجة عمله؟".

 

واعتبر نائب رئيس مجلس النواب إلياس بوصعب أن مجلس القضاء الأعلي مسيس – علي حد وصفه – مشيرا إلي أن المجلس يضرب عرض الحائط القوانين والمراسيم التي يفترض انه المؤتمن الأساسي علي احترامها.

 

وأكد نائب رئيس حزب الكتائب النقيب جورج جريج أن القرار يشكل مخالفة قانونية جسيمة مستنكرا تعيين قاضي احتياطي بصلاحيات محددة لها أهداف خاصة.

 

واعتبر الحزب التقدمي الاشتراكي برئاسة وليد جنبلاط أن اقتراح تعيين محقق عدلي احتياطي في قضية التحقيق بانفجار ميناء بيروت، هو أمر لا يستقيم مع القانون.