الجوع، تضخم الأسعار، فقر الطاقة والركود المنتظر..

عبدالناصر قطب يكتب: علي هامش "اجتماعات الخريف".. اقتصاديو العالم يصرخون : "الأسوأ لم يأت بعد"

عبدالناصر قطب

عبدالناصر قطب

  •  الجوع، تضخم الأسعار، فقر الطاقة والركود المنتظر.. ملفات تبحث عن حلول  في زمن التقلبات
  • التقارير العالمية تحدد "19 بؤرة ساخنة للجوع " أغلبها في المنطقة العربية والقارة الإفريقية
  • أزمات  الغذاء والطاقة وتغيرات المناخ فرضت نفسها علي جدول أعمال اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بالعاصمة الأمريكية واشنطن
  • البنك الدولي  يتوقع  أن يتجه الاقتصاد العالمي إلي الركود  خلال العام المقبل  بأسرع وتيرة منذ 8 سنوات  بسبب الأزمات الحالية 
  • دول العالم الكبرى تعمل لمصلحتها وتنشئ التكتلات حماية لها وبلادنا العربية والإفريقية عاجزة عن تفعيل اتفاقيات ومناطق التجارة الحرة
  • حضور مصري متميز بالاجتماعات وطرح لقضايا الاقتصاد العالمي والمصري وتأكيدات علي التزام الحكومة بالتوسع فى الحماية الاجتماعية لتخفيف حدة الأزمة العالمية

 

علي وقع أخطر أزمة اقتصادية يواجهها العالم، جاءت اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بالعاصمة الأمريكية واشنطن ، فيما يعرف ب "اجتماعات الخريف "، لتفرض أزمة الغذاء العالمية نفسها علي الاجتماعات التي يشارك فيها كبار اقتصاديي العالم وحاملي الحقائب الاقتصادية المختلفة بدول العالم ومسؤولي البنوك المركزية  ،  إلي جانب برلمانيين، وكبار المسؤولين من القطاع الخاص، وممثلي منظمات المجتمع المدني، والأكاديميين لمناقشة القضايا موضع الاهتمام العالمي، ومنها الآفاق الاقتصادية العالمية، واستئصال الفقر، والتنمية الاقتصادية، وفعالية المعونات.

المشاركون في الاجتماعات يدركون أن العالم يواجه تحديات خطيرة تتعلق بتداعيات جائحة كورونا والحرب الدائرة فى أوكرانيا وأزمة الغذاء والطاقة العالمية ، وتشكل هذه الأزمات المتفاقمة خطراً على سبل كسب العيش وتلحق الضرر بالفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية ، ما يعني أن هناك حاجة ماسة إلى أن يتخذ واضعو السياسات والمنظمات الدولية والقطاع الخاص إجراءات حاسمة ومنسقة لبناء القدرة على الصمود فى هذا العصر من التقلبات.

جدول الأعمال الذي تحدد مسبقا  لاجتماعات الأيام السبعة كان واضحا في تركيزه علي الأزمات التي يعيشها العالم في ظل أزمات متلاحقة ، وصلت ذروتها في العامين الأخيرين بأزمتي انتشار فيروس كورونا والحرب الروسية الأوكرانية ، فحملت جلسات ومناقشات الاجتماعات عناوين كان أبرزها  "  “الطريق إلى الأمام.. معالجة الازمات المتعددة في زمن التقلبات”  وهي الجلسة التي ناقشت  مشكلات التباطؤ الاقتصادي العالمي وارتفاع التضخم، وأزمة الغذاء والطاقة، والحرب في أوكرانيا، والتأثير السلبي المستمر لفيروس كورونا، وتغير المناخ ، وتفاقم الفقر.

كما حملت جلسات أخري عناوين ”تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي في إفريقيا جنوب الصحراء” و” ديون الشركات والرقمنة في آسيا” و” النهوض من أجل الناس والكوكب”  ، و  ” تأثير ارتفاع أسعار الطاقة على الأسر الأوروبية” و” ديناميكيات الأجور بعد كورونا”، و” فروق الأجور بين القطاعين العام والخاص عبر البلدان والتوقيتات” و” منظمات المجتمع المدني في المراقبة والتقييم في عالم ديناميكي وسريع التغير” و” تغير المناخ والنمو في القوقاز وآسيا الوسطى” واضطرابات سلسلة التوريد والتضخم في إفريقيا جنوب الصحراء” و” هل تتراجع توقعات التضخم؟” و“النمو الشامل: أساس الانتعاش الدائم” .

 كما ناقشت الاجتماعات موضوعات "سياسة البنك المركزي الأوروبي ومبادرات معايير بيانات صندوق النقد الدولي ومكافحة التضخم مع تشديد الأوضاع المالية"  و"الضرائب زمن التضخم المرتفع ".

الاجتماعات جاءت في توقيت تتوالي فيه  التحذيرات بشأن أداء الاقتصاد العالمي في ضوء التطورات الجيوسياسية والضغوط التضخمية المتصاعدة وذلك في مختلف الاقتصادات المتقدمة، وكذلك السياسات النقدية التشديدية التي تتبناها البنوك المركزية الكبرى ، و جاء تحذير صندوق النقد الدولي في تقرير أصدره  قبل أيام من  أن "  الأسوأ لم يأت بعد بالنسبة للاقتصاد العالمي " ، كما توقع أن تؤدي زيادات أسعار الفائدة إلى ركود اقتصادي عميق ، وحذر  التقرير  من رياح معاكسة شديدة يواجهها الاقتصاد العالمي مما دفع مسؤولي الصندوق لخفض توقعات النمو، وطالبوا البنوك المركزية العالمية بحسن التصرف في حربهم ضد التضخم.

التقرير حمل  نظرة تشاؤمية عن حاضر ومستقبل  الاقتصاد العالمي  ، مرجعا ذلك إلي عوامل من بينها تعطل سلاسل الإمداد والحرب الروسية في أوكرانيا والتي أدت لارتفاع أسعار الطاقة والغذاء على مدار الأشهر الماضية. ، مبينا أنه  نتيجة لهذا الارتفاع، ارتفعت معدلات التضخم في عدد من دول العالم مما دفع البنوك المركزية لاتخاذ قرارات متسارعة لرفع الفائدة بشكل حاد من أجل السيطرة على التضخم.

واضاف الصندوق أن الاقتصاد العالمي سوف ينمو بنسبة 3.2% هذا العام مقارنة بتقديرات سابقة بنمو نسبته 4.4%، أما في عام 2023، فإن الصندوق يرى نمواً عالمياً بنسبة 2.7% مقارنة بتقديراته السابقة بنمو نسبته 3.8%  ، وذلك تحت ضغط ارتفاع أسعار الفائدة الذي يهدد بتباطؤ الاقتصاد الأميركي، وأزمة الطاقة في أوروبا، واستمرار  بعض إجراءات الإغلاق بسبب كوفيد-19 وتراجع العقارات في الصين.

التقرير تناول أوضاع الاقتصادات الكبرى ، مشيرا إلي أن  التضخم يرتفع  في الولايات المتحدة،  وتزيد معدلات الفائدة وهذا المزيج يؤدي الى إنفاق المستهلكين والنشاط في قطاع الإسكان، وبالتبعية يقود ذلك إلى تباطؤ اقتصادي ، كما أن هناك تقلبات اقتصادية شديدة في أوروبا، وذلك مع ارتفاعات حادة في أسعار النفط والغاز الطبيعي وتوقعات بمزيد من الارتفاعات في ظل استعداد القارة العجوز لفرض المزيد من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي.

و في الصين صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم فإن هناك قيود إغلاق تفرض من آن لآخر في أماكن وأقاليم متفرقة لكبح انتشار فيروس كورونا، وهذه الإجراءات من شأنها الإضرار بأداء الاقتصاد.

وحذر الصندوق من أن ارتفاع معدلات الفائدة وزيادة تكلفة الغذاء قللا   الطلب على الصادرات، وهو ما يهدد الملايين حول العامل بالوقوع تحت براثن الفقر.

 

 

 العالم وأزمة الغذاء

 

خلال اجتماعات وزراء المالية على هامش اجتماعات صندوق النقد الدولي، تم التطرق إلى تأثير الحرب الروسية في أوكرانيا على أسعار الغذاء عالمياً ، حيث  حملت  وزيرة الخزانة الأميركية "جانيت يلين" ما وصفته بالتصرفات الروسية  المسئولية عن دخول العالم في  أزمة شديدة في الغذاء .

الوزيرة الأمريكية كانت تتحدث بحضور افتراضي من وزير المالية الروسي "أنطون سيلوانوف"  ، وقالت إن نظام الرئيس بوتين والمسؤولين الذين يمثلون روسيا حتى في هذا الاجتماع يتحملون مسؤولية أزمة إنسانية وشيكة في ظل الحرب الدائرة" .

كما سلط رئيس البنك الدولي "ديفيد مالباس" الضوء على بذل البنك جهودا غير مسبوقة لمواجهة الأزمات التي تحيط بالعالم ، حيث قام بضخ  ما يقرب من 115 مليار دولار كحزم   تمويلية في عام 2022، وذلك بهدف دعم الدول في مواجهة جائحة كورونا ودعم الأنظمة التعليمية.

 كما قام  البنك بضخ تمويلات بنحو 31.7 مليار دولار لدعم جهود مكافحة التغيرات المناخية بالإضافة إلى 13 مليار دولار كتمويل طارئ للشركاء من أجل مواجهة تداعيات الحرب في أوكرانيا.

وقالت كريستالينا جورجييفا، مدير عام صندوق النقد الدولى،  إن  تتابع الأزمات مثل وباء كورونا والأزمة الروسية الأوكرانية سوف تؤثر على معدل نمو الاقتصاد العالمي خلال عام 2023 ، لافتة إلي أن الكثير من اقتصاديات العالم تتجه نحو الركود مع استمرار ارتفاع معدلات التضخم.

 

 ركود اقتصادي

 

  ماري بانجيستو، مديرة سياسات التنمية والشراكات في البنك الدولي، قالت بدورها  إن البنك الدولي يتوقع تباطؤ النمو الاقتصاد العالمي خلال العام المقبل، بأسرع وتيرة منذ 8 سنوات، بسبب الأزمات الحالية ، وتابعت : "نتوقع أن يتجه العالم إلى ركود اقتصادي، والبداية كانت في الدول المتقدمة، وسيكون لذلك تأثير أيضا على الدول النامية.. فبعد القفزة الكبيرة في النمو خلال عامي 2021 و2022، نتوقع أن يتراجع النمو من 5.2 بالمائة إلى 1 بالمائة فقط، وهذا الانخفاض هو الأسرع منذ 8 سنوات" .

كما توقعت بانجيستو، أن تنخفض وتيرة النمو الاقتصادي بشكل أكبر مع زيادة تداعيات الأزمات التي يواجهها العالم بما في ذلك تأثيرات  كورونا ، والحرب في أوكرانيا، وتأثيراتها على أسعار الغاز والسلع الغذائية، إلى جانب تأثيرات التغير المناخي ، مضيفة أن "كل هذه الأزمات معا تشكل خطرا يهدد بتباطؤ النمو الاقتصادي"   .

 وقالت   إن زيادة معدلات التضخم وما يتبعها من رفع لمعدلات الفائدة، لكبح الارتفاع في الأسعار، يهدد أيضا بركود اقتصادي ، وتابعت : الدول المتقدمة تحاول أن تكبح التضخم بدون أن تُخفض النمو، وأعتقد أن هذه المهمة صعبة للغاية، وستؤدي إلى انخفاض مستمر في النمو" ، وأشارت إلى محاولات سحب المحفزات المالية غير المسبوقة التي جرى ضخها خلال أزمة كورونا، موضحة أن هذا الأمر سيكون له أيضا تداعيات على معدلات النمو الاقتصادي ، قائلة : "الدول النامية أيضا ستعاني من ارتفاع معدلات الفائدة، ومحاولات سحب حزم التحفيز، بالإضافة إلى القروض الخارجية التي تضغط على ماليتها، وانخفاض قيمة العملات".

وذكرت  بانجيستو إن "90  بالمائة  من الدول تعاني معدلات تضخم تفوق 5 بالمائة، وبالتالي هذه الدول عليها أن تعالج التضخم، ورفع أسعار الفائدة بدون الوقوع في ركود.. وهذا تحدٍ كبير"  ، موضحة أن  الحرب الأوكرانية فاقمت أسعار الطاقة والغذاء، والتي كانت بدأت في الارتفاع حتى من قبل الحرب ، وساهمت الحرب أيضا في ارتفاع أسعار الأسمدة ونقصها، وهو ما عزز من أزمة ارتفاع أسعار الأغذية  ، وتابعت : أزمة ارتفاع أسعار الأغذية، تصيب الفقراء بشكل أساسي، فالأسر الفقيرة تنفق ثلثي دخلها على الأغذية.. ومن هنا أعلن البنك الدولي في مايو عن حزمة بقيمة 30 مليار دولار لمساعدة الدول النامية على مواجهة أزمة ارتفاع أسعار الأغذية  .

  البنك الدولي بالتأكيد يري أنه بعيد تماما عن المسئولية عن الأزمة العالمية ، وأنه علي العكس من ذلك تدخل للتخفيف من تداعياتها ، وبحسب مسؤوليه ، فإنه عمل  على التصدي لأزمة ارتفاع أسعار الأغذية على عدة محاور، في مقدمتها وضع خطط حماية للأسر الفقيرة والضعيفة، لمساعدتها على تحمل ارتفاع الأسعار ، كما أنه عمل في محور آخر يتمثل في  – بحسب مسؤوليه -  مساعدة المزارعين على الاستمرار في الإنتاج، ومواجهة نقص الأسمدة وارتفاع أسعارها، لضمان تأمين وتوفير الإنتاج للعام المقبل، وحتى لا يحدث نقص مستمر في الأغذية  ، أما  المحور الثالث الذي عمل عليه البنك الدولي، فيتعلق بالقيود التجارية التي فاقمت ارتفاع أسعار الأغذية والطاقة، من خلال التنسيق مع الدول ومنظمة التجارة العالمية، لتنظيم هذه القيود والتأكد من أنها مؤقتة.

تحذيرات البنك الدولي طالت أيضا تداعيات الأزمات الحالية على رأس المال البشري،  وأشارت إلى أن جائحة كورونا كان لها تأثير سلبي على التعليم، متوقعة أن تزيد نسبة فقر التعليم بنسبة 70  بالمائة  ، وتوقعت أن "  نحو 11 مليون من الفتيات قد لا يعدن أبدا إلى المدارس، كما أن مستويات العنف ضد النساء ارتفعت  " ، وأضافت أن "الخسائر كانت أكبر للفتيات فيما يتعلق بالوظائف والتعليم والأعمال.. وهذا كله سيؤدي إلى انخفاض بنسبة 10 بالمائة على الدخل، وتأثيرات سلبية على النمو، والمزيد من انعدام المساواة".

ومن أجل التصدي لهذه التداعيات السلبية،  ذكر  البنك الدولي  أنه ضاعف مخصصاته لتنمية رأس المال البشري بالدول النامية إلى ما لا يقل عن 24 مليار دولار، مع التركيز على التعليم الأساسي باعتباره أمر مهم وله أولوية قصوى.

 

 بؤر ساخنة

 

التحذيرات من تداعيات أزمة الغذاء العالمية متعددة ومتنوعة ، حيث خلص تقرير أممي مشترك إلى أن أزمة الغذاء العالمية تضيق الخناق على 19 "بؤرة جوع ساخنة" حيث من المتوقع أن يستمر ارتفاع عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي في جميع أنحاء العالم بسرعة بسبب تزايد الصراعات والظواهر المناجية القاسية وعدم الاستقرار الاقتصادي، والذي تفاقم أيضاً نتيجة الجائحة والآثار المتتالية للأزمة في أوكرانيا.

ودعا  التقرير  الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي،  قبل أيام ، إلى اتخاذ إجراءات إنسانية عاجلة لإنقاذ الأرواح وسبل العيش ومنع المجاعة حيث من المتوقع أن يتفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في الفترة ما بين  أكتوبر 2022 إلى   يناير 2023.

 وقال التقرير إن انعدام الأمن الغذائي الحاد يتصاعد بسرعة وينتشر في جميع أنحاء العالم. ويعاني الناس في أفقر البلدان على وجه الخصوص، الذين لم يتعافوا بعد من تأثير جائحة كوفيد-19، من الآثار المتتالية للصراعات المستمرة، من حيث الأسعار، وإمدادات الغذاء والأسمدة، فضلاً عن حالة الطوارئ المناخية ،   وبدون استجابة إنسانية موسعة على نطاق واسع تتضمن في جوهرها مساعدات زراعية في الوقت المناسب ومنقذة للأرواح، فمن المرجح أن يزداد الوضع سوءاً في العديد من البلدان في الأشهر المقبلة.

ويسلط التقرير الضوء على المجاعة التي تلوح في الأفق في القرن الأفريقي، حيث من المتوقع أن تستمر أطول موجة جفاف منذ أكثر من 40 عاما ،  فقد أدت ندرة المياه إلى انخفاض معدلات الحصاد ونفوق الماشية، وأجبرت مئات الآلاف من الأشخاص على ترك أراضيهم بحثاً عن الأرزاق، مع زيادة مخاطر الصراع القائم على الموارد بين المجتمعات المحلية.

 وذكر أنه من المتوقع أن يواجه ما يصل إلى 26 مليون شخص أزمة من انعدام الأمن الغذائي أو أسوأ (المرحلة الثالثة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي وما فوقها) في الصومال وجنوب وشرق إثيوبيا وشمال وشرق كينيا ،  ومع تعرض المساعدات الإنسانية لخطر الانخفاض بسبب نقص التمويل، يلوح شبح الوفيات على نطاق واسع بسبب الجوع في أفق الصومال بشكل كبير.

وفقاً للتقرير، لا تزال أفغانستان وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان والصومال واليمن في "حالة تأهب قصوى" حيث يواجه حوالي مليون شخص مستويات كارثية من الجوع (المرحلة الخامسة من التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي) ،  فالجوع والموت واقع يومي في هذه الدول وقد تتكشف المستويات القصوى للوفيات وسوء التغذية دون اتخاذ إجراءات فورية ، ويعد هذا رقم قياسيا ويمثل زيادة قدرها عشرة أضعاف عما كان عليه قبل ست سنوات عندما واجه سكان دولتين فقط المرحلة الخامسة.

ويقول التقرير إن الحالة في جمهورية الكونغو الديمقراطية وهايتي وكينيا ومنطقة الساحل والسودان وسوريا لا تزال "مقلقة للغاية" وتزداد تدهورا، وقد تم تمديد حالة التأهب إلى جمهورية أفريقيا الوسطى وباكستان ، كما تمت إضافة جواتيمالا وهندوراس وملاوي إلى قائمة البلدان، فيما لا تزال سريلانكا  وزيمبابوي ومدغشقر تعتبر "بؤر جوع."

 وشدد التقرير على أن الصراع العنيف لا يزال المحرك الرئيسي للجوع الحاد، حيث تشير التحليلات إلى استمرار هذا الاتجاه في عام 2022، وركز بشكل خاص على الوضع في إثيوبيا، حيث من المتوقع أن يتصاعد الصراع في العديد من المناطق، مما سيؤدي إلى زيادة الاحتياجات الإنسانية.

 وتبقى الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والعواصف الاستوائية والجفاف من العوامل الحاسمة لانعدام الأمن الغذائي في أجزاء كثيرة من العالم، وتجلى "وضع طبيعي جديد" من الظواهر القاسية المتتالية، لا سيما في النقاط الساخنة ،  فعلى سبيل المثال، أثرت الفيضانات المدمرة على 33 مليون شخص في باكستان وحدها هذا العام، ويواجه جنوب السودان العام الرابع على التوالي من الفيضانات الشديدة.

على الصعيد الاقتصادي، يستمر الارتفاع المتفاقم للأسعار العالمية للمواد الغذائية والوقود والأسمدة في دفع الأسعار المحلية وخلق حالات من عدم الاستقرار الاقتصادي ، كما  أدى ارتفاع معدلات التضخم إلى إجبار الحكومات على سن إجراءات لتشديد السياسة النقدية في الاقتصادات المتقدمة، الأمر الذي أدى أيضاً إلى زيادة تكلفة الائتمان في البلدان منخفضة الدخل، مما يحد من قدرة العدد المتزايد من البلدان المثقلة بالديون على تمويل استيراد المواد الأساسية.

 ولفت التقرير إلي أنه في مواجهة تحديات الاقتصاد الكلي هذه، تضطر العديد من الحكومات إلى اتخاذ تدابير تقشف تؤثر على الدخل والقوة الشرائية - لا سيما بين الأسر الأكثر ضعفا ، ويشير التقرير إلى أنه من المتوقع أن تزداد هذه الاتجاهات في الأشهر المقبلة، مع زيادة الفقر وانعدام الأمن الغذائي الحاد، فضلاً عن مخاطر اضطرابات مدنية ناجمة عن المظالم الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة.

 وشدد التقرير على أن المساعدات الإنسانية ضرورية لإنقاذ الأرواح ومنع المجاعة والموت والانهيار التام لسبل العيش ،  وأشار إلى أن انعدام الأمن والعوائق الإدارية والبيروقراطية والقيود المفروضة على الحركة والحواجز المادية تحد بشدة من وصول العمال الإنسانيين إلى الأشخاص الذين يواجهون الجوع الحاد في 11 من "بؤر الجوع الساخنة" هذه، بما في ذلك جميع البلدان الستة التي يواجه فيها السكان المجاعة أو يُتوقع أن يواجهوا فيها المجاعة، أو يتعرضون لخطر ظروف كارثية.

وذكر التقرير أن  انعدام الأمن الغذائي  لا يزال في ازدياد منذ عام 2018. وحتى قبل الغزو الروسي لأوكرانيا، كانت الصدمات المناخية المتصاعدة من حيث التكرار والحِدة، والصراعات الإقليمية المتأججة، والجائحة الأخيرة، قد بدأت أضرارها تتضح بصورة متوالية، محدثة اضطرابات في إنتاج الغذاء وتوزيعه، ومتسببة في رفع تكاليف توفير الطعام للأفراد والأسر ، واتخذ الموقف منعطفا أكثر حدة عند اندلاع الحرب في أوكرانيا ،  فقد دفعت الحرب أسعار الغذاء والأسمدة إلى مستويات أعلى – مما أضر بالمستوردين وأدى بعدة بلدان إلى فرض قيود على الصادرات.

وكانت النتيجة هي انعدام الأمن الغذائي الحاد بات خطرا محدقا بأرواح وأرزاق عدد غير مسبوق من البشر بلغ 345 مليون نسمة. وهناك أكثر من 828 مليون نسمة حول العالم ينامون جوعى كل ليلة، طبقا لبرنامج الأغذية العالمي.

وذكر أن تأثير صدمة الغذاء ملموس في كل مكان. وتبلغ المعاناة أسوأ درجاتها في 48 بلدا، كثير منها يعتمد إلى حد كبير على الواردات من أوكرانيا وروسيا – ومعظمها بلدان منخفضة الدخل. وقرابة نصف هذه البلدان معرضة إلى حد كبير للتأثر بهذه الصدمة، نظرا لما تواجهه من تحديات اقتصادية حادة ومن ضعف في المؤسسات وما تتسم به من هشاشة.

 

 

تكاليف مالية

 

 وإلى جانب الخسائر البشرية، تتصاعد التكاليف المالية أيضا ،  ففي دراسة جديدة لخبراء صندوق النقد الدولي، من المقدر لتأثير ارتفاع تكاليف استيراد الغذاء والأسمدة بالنسبة للبلدان المعرضة بدرجة كبيرة لانعدام الأمن الغذائي أن يضيف 9 مليارات دولار إلى الضغوط الواقعة على ميزانياتها العمومية – في عامي 2022 و2023. وسيتسبب هذا في تآكل الاحتياطيات الدولية للبلدان، وإضعاف قدرتها على دفع مقابل وارداتها من الغذاء والأسمدة.

 تجمع غالبية التقارير أن هناك حاجة للقيام بتحرك قوي وعاجل على مستوى السياسات في أربعة مجالات، بغية التخفيف من أزمة الغذاء العالمية وتجنب المعاناة الإنسانية ، وتتمثل هذه المجالات في  الدعم العاجل والكافي للمواطنين المعرضين لانعدام الأمن الغذائي عن طريق المساعدات الإنسانية من برنامج الأغذية العالمي وغيره من المنظمات، إلى جانب التدابير المالية المحلية الفعالة ، فضلا عن الحفاظ على الانفتاح التجاري، بما في داخل المناطق، للسماح بتدفق الغذاء من المناطق ذات الفوائض إلى المناطق ذات الاحتياج ، وزيادة  إنتاج الغذاء وتحسين التوزيع، بما في ذلك عن طريق ضمان الوصول الكافي للأسمدة وتنويع المحاصيل ، وأخيرا  ضرورة الاستثمار في الزراعة القادرة على تحمل تغير المناخ لزيادة المحاصيل في المستقبل .

إذن يجب على المجتمع الدولي أن يقوم بتحرك حاسم لضمان توفر التمويل اللازم من أجل التعامل مع الأزمة الآنية وتعزيز الأمن الغذائي على المدى المتوسط إلى الطويل ، كما ينبغي إتاحة التمويل الكافي للمؤسسات المتخصصة في الأمن الغذائي، مثل برنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، نظرا لدورها الحيوي في ظل وجودها محليا في كثير من البلدان وتركيزها الدائم على التكلفة الإنسانية لانعدام الأمن الغذائي الحاد.

وهناك حاجة ملحة لمزيد من المنح والتمويل الميسر من المانحين والمنظمات الدولية من أجل دعم المساعدات النقدية والعينية للفئات الأكثر معاناة من انعدام الأمن الغذائي ، وفي بعض البلدان، ستكون هناك حاجة لتخفيف أعباء الديون علي العديد من دول العالم .

 

 منطقتنا تدفع الثمن

 

إذا ما راجعنا معظم التحليلات المتاحة والبيانات المتداولة والأرقام الصادمة التي تحويها سنعرف أن منطقتنا هي من تدفع الثمن الأكبر والأفدح ، من بين مختلف بلاد العالم ، فوفق  محللين فإن الأمن الغذائي العربي والإفريقي سيتحرك إلى الأسوأ تدريجيا بسبب الأزمة في سلاسل الإمدادات في العالم، وازدياد أسعار الغذاء، وكذلك التغيرات المناخية التي تضرب المحاصيل خاصة في القارة السمراء.

 وعندما دقت منظمة الأغذية والزراعة وبرنامج الأغذية العالمي ناقوس الخطر من مجاعة كارثية تهدد العديد من الدول جراء الأزمات الاقتصادية والمناخية ، علي هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، مؤخرا ، ذكرت من بين إحصاءاتها أن   نحو مليون شخص في العالم - الصومال وأفغانستان واليمن - مهددون بـ"مجاعة كارثية"  ، و"قد يكون مصيرهم الموت في الأشهر المقبلة في غياب مساعدات إنسانية ".

وعندما حددت المنظمة  19 دولة  ك"نقاطا ساخنة" للجوع في العالم ، ذكرت أن  ستة منها وضعت في "حال تأهب قصوى" من قبل الأمم المتحدة وهي  "أفغانستان وإثيوبيا ونيجيريا وجنوب السودان والصومال واليمن"  ، وقالت إنه في هذه الدول الست سيستوفى 970 ألف شخص بحلول يناير 2023.

وتابعت أنه في غياب مساعدات إنسانية مناسبة يتوقع وفاة أربعة اطفال أو راشدين من أصل 10 آلاف شخص يوميا في الصومال بحلول ديسمبر.

إذن كل هذه الأرقام الصادمة تؤكد أننا وحدنا في أفريقيا والوطن العربي وبلدان العالم الثالث من ندفع الثمن لسياسات وصراعات دول أخري تتحكم في مصير العالم ، والغريب أنها في سبيل وصولها لذلك تتحكم في ثروات بلادنا العربية والأفريقية وتضع أيديها عليها ، ما يؤكد أنه من دون استعادتنا لثرواتنا وتحكمنا فيها لن تقيم هذه الدول لمنطقتنا وزنا ، وبدون التحرك لتفعيل اتفاقيات التجارة الحرة الأفريقية والعربية ، لن يكون لبلداننا وضع في حسابات هذه الدول .

 صحيح أن  قضية الأمن الغذائي  باتت هي الملف الأول على طاولة كافة دول العالم في ظل الأزمات التي تتفاقم كونها ذات تأثيرات مباشرة على الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، فانعدام الأمن الغذائي يصاحبه عدم استقرار وتوترات، وأحيانا هجرة جماعية   ، وصحيح أن الجميع يدركون أن عدد الأشخاص الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي الحاد من المتوقع أن يستمر في الارتفاع بشكل كبير، فالحرب الأوكرانية فاقمت أزمات الغذاء والطاقة ما قد يكون له آثار مدمرة على الاقتصادات الهشة بالتوازي مع أزمة مناخ وما سببته من كوارث طبيعية على رأسها الجفاف .. صحيح كل ذلك ، لكن الصحيح أيضا أن دول العالم الكبرى تخدم مصالحها وحدها ، وتسعي إلي تفعيل التكتلات فيما بينها وتخفيف تداعيات الأزمات علي شعوبها ، والحقيقة أن اللوم لا يوجه هنا للدول التي تضع مصالحها ومصالح شعوبها كأولوية ، وإنما اللوم يجب أن يوجه لدول منطقتنا التي كان عليها أن تدرك أن ما في أيديها وأراضيها من ثروات يمكن له في حال حسن استغلاله أن يضعها في مكانة أخري ، لا نبالغ إن قلنا أنها لا تقل عن التواجد في مقاعد قيادة العالم ، لا الاستمرار في ذيل الأمم .

 

حضور مصري

 

بقي القول أن مصر سجلت حضورا متميزا خلال "اجتماعات الخريف " وطرحت علي طاولة المناقشات العديد من القضايا المهمة ، سواء فيما يخص الاقتصاد العالمي أو المصري ، وقال الدكتور محمد معيط وزير المالية  إن  أن العالم اليوم، فى أمس الحاجة للتعاون الاقتصادى، فى مواجهة الصدمات الدولية المزدوجة، والضغوط الضخمة التى يعانيها الاقتصاد العالمي، بما يفرض على الدول المتقدمة الإسراع بمساعدة البلدان النامية؛ لمجابهة التداعيات الراهنة والتعامل المرن معها، على نحو يسهم فى تحقيق أهداف التنمية المستدامة، موضحًا أنه لولا نجاح مصر فى التنفيذ المتقن لبرنامج الإصلاح الاقتصادي؛ لكان الموقف أكثر تعقيدًا مع أزمة كورونا، ثم الحرب فى أوروبا، بما ترتب عليهما من تحديات مشتركة، وتداعيات بالغة الخطورة، امتدت للاحتياجات الأساسية للمواطنين بمختلف أنحاء العالم، حيث أدى اختلال ميزان العرض والطلب؛ نتيجة لجوء الكثير من الدول للإغلاق الكامل فى ظل الجائحة، ومن ثم توقف عجلة الإنتاج، وحدوث حالة استثنائية من تباطؤ النشاط الاقتصادي، على نحو انعكس فى اضطراب حاد بسلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع غير مسبوق فى معدلات التضخم.

وأكد  الوزير، فى لقائه مع وزراء مالية مجموعة الدول الصناعية السبع على هامش مشاركته فى اجتماعات صندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن،  التزام مصر  بالمضي فى مسيرة تحقيق الانضباط المالى، من خلال استمرار العمل على تحديد الأولويات؛ بما يُسهم فى رفع كفاءة الإنفاق العام، واستهداف القطاعات ذات الأولوية الوطنية، مع التوسع فى الحماية الاجتماعية ببرامج أكثر استهدافًا للفئات الأولى بالرعاية، فى إطار حرص الدولة على بذل أقصى جهود ممكنة لتخفيف حدة الأزمة العالمية، والآثار السلبية للموجة التضخمية العالمية، وقد بادرنا بإقرار حزمة مالية واجتماعية بنحو 135 مليار جنيه لدعم الفئات الأكثر احتياجًا، وزيادة الأجور والمعاشات ومخصصات البطاقات التموينية، وتوسيع برامج الضمان الاجتماعي وتكافل وكرامة ورفع حد الإعفاء الضريبي لاحتواء الصدمات العالمية المزدوجة، والتخفيف عن المواطنين بقدر الإمكان.

أضاف الوزير، إننا حريصون على تحقيق المستهدفات المالية والتنموية، وتوفير فرص العمل، رغم ما تتعرض له الموازنة من ضغوط شديدة نتيجة الأزمة العالمية الراهنة، لافتًا إلى أننا نفذنا إصلاحات هيكلية، تُساعدنا فى التعافي الاقتصادى وتحقيق النمو المستدام، وتنويع الهيكل الإنتاجي، والتركيز على الصناعة والزراعة والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، على نحو يُسهم فى تعزيز الإنتاج المحلى وتحفيز الصادرات فى شتى القطاعات، وتعزيز تنافسية المنتجات المصرية فى الأسواق المحلية والعالمية، على نحو يُساعد فى تحفيز الاستثمار، وتعظيم مساهمات القطاع الخاص فى مختلف الأنشطة الاقتصادية.