عبدالناصر قطب يكتب: مصر والحرب في أوكرانيا.. توازن السياسة وحسابات الاقتصاد

• القاهرة دعت إلي تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية ومساعي تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين

• التصويت  لصالح  قرار الأمم المتحدة بإدانة الحرب صاحبه دعوة مصرية  لبحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار ورفض لمنهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة

• الحكومة أكدت علي توافر السلع الغذائية وتأمين الاحتياطي منها ومن القمح .. وموجة رفع الأسعار غير مبررة وسببها "جشع التجار "

 

 قبل سنوات وحين وصف البعض العالم بأنه تحول إلي قرية صغيرة ، استقبل كثيرون الوصف بالاندهاش وربما الاستنكار ، ولم يكد يمر وقت طويل حتي صار هناك يقين لدي الجميع فوق الكرة الأرضية بأن العالم أصبح بالفعل قرية صغيرة ، ولم تعد هناك دولة به بمنأي عما يجري من أحداث ، فالجميع صار تحت طائلة تأثير كبريات الحوادث والصغير منها .

آخر تلك الأحداث التي بدا واضحا أن تأثيراتها ستمتد إلي كل أنحاء الكرة الأرضية ، هي الحرب الروسية الأوكرانية ، فتأثيرات هذه الحرب لا تقتصر علي طرفيها ، وإنما تمتد إلي تغيير شكل النظام العالمي من ناحية ، وإلي اقتصادات دول العالم من ناحية أخري ، وهو ما يدفعنا إلي ضرورة النظر إلي نصيبنا من هذه التأثيرات في مصر ومنطقتنا العربية ، سواء ما كان سلبيا من هذه التأثيرات أو ما يمكن له أن يكون  إيجابيا .

فور اندلاع الحرب ، أصدرت مصر ممثلة في وزارة الخارجية المصرية  بيانا قالت فيه إن "مصر   تتابع  بقلق بالغ التطورات المُتلاحقة اتصالًا بالأوضاع في أوكرانيا، وتؤكد على أهمية تغليب لغة الحوار والحلول الدبلوماسية، والمساعي التي من شأنها سرعة تسوية الأزمة سياسيًا بما يحافظ على الأمن والاستقرار الدوليين، وبما يضمن عدم تصعيد الموقف أو تدهوره، وتفاديًا لتفاقم الأوضاع الإنسانية والاقتصادية وأثرها على المنطقة والصعيد العالمي.

وخلال  جلسة طارئة لمجلس الأمن فجر الخميس الذي شهد اندلاع التحرك العسكري الروسي صوب الأراضي الأوكرانية ، عقد مجلس الأمن جلسة ، تحدث خلالها  السفير أسامة عبد الخالق مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة فى نيويورك  موضحا مصر تتابع بقلق بالغ التطورات الأخيرة، والتي باتت تنذر بالمزيد من التصعيد وخروج الأمور عن السيطرة والقدرة على الاحتواء.

 وأكد المندوب المصري  ضرورة  أن يعمل المجتمع الدولي علي تحقيق  التهدئة، وعدم التصعيد وتغليب الحلول الدبلوماسية وتكثيف المساعي السياسية وإبداء المرونة الواجبة من جانب كافة أطراف الأزمة، بهدف سرعة تسوية الأزمة سياسياً بما يخاطب شواغل كل الأطراف  ، محذرا من مغبة الآثار الإنسانية والاقتصادية والسياسية للأزمة ، مناشدا  الأطراف المعنية إعلاء صوت الحكمة والرشد والتحلي بالمسئولية الواجبة لخلق المناخ المواتي لإيجاد تسوية للأزمة الراهنة.

مصر أعلنت أيضا تأييدها قرارا  للجمعية العامة للأمم المتحدة  ، "يستنكر بأشد العبارات العدوان الروسي على أوكرانيا ، وذلك  عقب اتصالات واجتماعات عقدها سفراء غربيون مع مسؤولين مصريين على مدار الأيام الماضية، وإصدار سفراء مجموعة السبع وبعثة الاتحاد الأوروبي في القاهرة بياناً مشتركاً قبل يوم من طرح القرار الأممي للتصويت، دعا مصر إلى الانضمام إلى كل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة  بإدانة الهجوم الروسي، وتأكيد التزامها بميثاق الأمم المتحدة، ومبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية كأساس للنظام الدولي، ومبادئ السلم والأمن والاستقرار والسيادة القائمة ، محذرين مما وصفوه ب"  محاولة روسيا  زعزعة استقرار النظام الدولي ، وتداعيات ذلك  على الشرق الأوسط ومصر بوجه خاص ".

القرار الأممي نص علي "التمسك بسيادة واستقلال ووحدة أراضي أوكرانيا ومياهها الإقليمية"، و طالب " روسيا بأن تسحب على نحو فوري وكامل وغير مشروط جميع قواتها العسكرية  من أوكرانيا،  كما أدان    قرار روسيا زيادة حالة تأهب قواتها النووية ، ومع تأييد مصر للقرار الأممي ، وانضمامها إلي 141 دولة صوتت لصالحه ،  فإن القاهرة طالبت أيضا ببحث جذور ومسببات الأزمة الراهنة والتعامل معها بما يضمن نزع فتيل الأزمة وتحقيق الأمن والاستقرار .

القرار صوتت ضده خمس دول  هي روسيا، سوريا، بيلاروس، أرتريا، وكوريا الشمالية، ومن بين الدول التي امتنعت عن التصويت عليه :  العراق، الجزائر، السودان، جنوب السودان، إيران، الهند، باكستان، كوبا، و الصين ، أما فيما يتعلق بمصر ، فقد كان واضحا أنها  طورت موقفها بما يتسق مع مصالحها المتنوعة من طرفي الأزمة، من خلال عدم مخالفة الإجماع الدولي على إدانة ورفض الغزو، مع محاولة تأكيد عدم وقوفها مع طرف على حساب آخر، أو استجابتها لضغوط غربية لتعديل موقفها بشكل كامل.

 لم تغفل مصر عن تقديم شرح  لموقفها من التصويت ، وذلك علي لسان أسامة عبد الخالق، مندوبها  الدائم لدى الأمم المتحدة،  والذي أكد أن هذا الموقف يأتي انطلاقا من إيمان مصر الراسخ بقواعد القانون الدولي ومبادئ ومقاصد ميثاق الأمم المتحدة ، مؤكدا أن القاهرة "ترفض منهج توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار آليات النظام الدولي متعدد الأطراف من منطلق التجارب السابقة، التي كان لها آثارها الإنسانية السلبية البالغة، وما أفضت إليه من تفاقم معاناة المدنيين طوال العقود الماضية " ، مطالبا  كل الأطراف بالتحلي بالمسؤولية الواجبة لضمان تدفق المساعدات الإنسانية لكل محتاج دون أي تمييز مع كفالة مرور.

كما دعا مندوب مصر إلى البحث عن حل سريع، لإنهاء الأزمة عبر الحوار وبالطرق السلمية ومن خلال دبلوماسية نشطة  وقال إن " الحل السياسي  يجب أن يظل نصب أعيننا جميعاً، والهدف الأساسي للمجتمع الدولي بأسره في التعامل مع الأزمة الراهنة، ومن ثم يتعين إتاحة الحيز السياسي الكفيل بتحقيق ذلك الهدف الأساسي".

مصر حذرت أيضا من مغبة الآثار الاقتصادية والاجتماعية للأزمة الراهنة على الاقتصاد العالمي برمته، الذي لا يزال يعاني تداعيات الجائحة ،  واعتبر مندوبها لدي الأمم المتحدة أن "الاضطراب المتزايد في سلاسل الإمداد وحركة الطيران الدولي  أبلغ دليل على  تلك الآثار ".

 كما أكدت مصر أن فاعلية ومصداقية قدرة آليات العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة إنما يعتمد على تناول كافة الأزمات الدولية وفقا لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود تم خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية.

 

موقف متوازن

 

 

 

مع الترحيب الأوكراني  بتصويت مصر لصالح قرار إدانة الغزو الروسي،  وهو ما ظهر في بيان لسفارة كييف في القاهرة،  قالت فيه  إن بلادها  تقدر هذا الموقف النبيل لمصر واعتبارها أن  مصر  وقفت وكعهدها دائماً مع الحق، لذلك لم يكن غريباً أن تدين بكل ثقلها وحضارتها وقيادتها  ما وصفه البيان ب"العدوان الروسي الغاشم غير المبرر ضد أوكرانيا " وتأكيدها أن " هذا الموقف يثبت من جديد أن مصر عظيمة بمواقفها وحضارتها وثقافتها" ، مع كل ذلك لا يمكن القول بأن مصر وقفت إلي جانب طرف علي حساب طرف آخر في الأزمة ، فالموقف المصري لا يمكن وصفه إلا بالمتوازن ، والذي يراعي "الواقع وتشابكاته والمستقبل وسيناريوهاته المحتملة " ، وهو أمر تحرص عليه الدبلوماسية المصرية في عهد الرئيس السيسي ، في التعامل مع مختلف الأزمات والمواقف علي الساحتين الدولية والإقليمية ، حيث  أيدت مصر إنهاء الحرب في أوكرانيا في أقرب وقت، لأن ذلك في صالحها لما سيترتب على إطالة أمد الحرب أو توسعها من آثار سلبية جسيمة على اقتصادها وعلى الاقتصاد العالمي،  وفي الوقت نفسه رفضت القاهرة  توظيف العقوبات الاقتصادية دون التقيد بالنظام الدولي .

 

اهتمام دولي

 

ما يجب أن يلفت انتباهنا في سياق تطور الأحداث هو ما ظهر خلال الأيام الماضية من أهمية دور مصر ، وتطلع دول ومحاور مهمة إلي هذا الدور ، وهو ما ظهر في اجتماع  سفراء دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في مصر فيما بينهم،  وعقدهم اجتماعا  مع وزارة الخارجية المصرية عشية إصدار  بيان  الأمم المتحدة ، حيث طالب المجتمعون مصر   "بالوقوف معهم إلى جوار أوكرانيا" ، وقالوا إن " مصر تعاني بالفعل من جراء الاعتداء الروسي، فالقاهرة هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وأوكرانيا هي من أكبر مصدري القمح.. و الآن أصبحت هذه التجارة الحيوية مهددة بفعل حرب عبثية، تشنها روسيا على أوكرانيا.. إن العدوان الروسي يعني ارتفاع أسعار القمح والسلع الغذائية في مصر وأفريقيا".

وتابع البيان  :  "سوف يتعذر كذلك على الملايين من السائحين الأوكرانيين القدوم إلى مصر، الأمر الذي سوف يتسبب في أزمة بقطاع السياحة .

 من المعروف أن  مصر لها مصالح متشابكة مع طرفي النزاع، وكذلك لها مصالح قد تتأثر بالحرب، سواء كانت اقتصادية كواردات القمح من روسيا والسياحة، أو سياسية، مثل قضية سد النهضة على وجه الخصوص، التي اقتربت من موعد الحسم مع اقتراب الملء الثالث ووجود تصريحات من جانب الاتحاد الأوروبي بأنه سيهتم بالقضية بعد انتهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ومصالح أخرى تتعلق بالمواقف المصرية الثابتة والمستندة إلى ضرورة احترام القانون الدولي وتسوية النزاعات بالطرق السلمية، وكذلك ضرورة عدم توظيف العقوبات الاقتصادية خارج إطار النظام الدولي .

وتحرص القاهرة علي ألا تكون  قضية سد النهضة  موضوعاً للتنافس، أو أن يتم إقحامه كأحد ملفات الاستقطاب والصراع الدائر بين القوى الكبرى،  وهو ما يذكرنا بالموقف الروسي في مجلس الأمن الذي اتسم بالتشدد أثناء طرح القاهرة قضية سد النهضة على المجلس،  ولذلك فإن مصر ترغب بالتأكيد في عدم خسارة تأييد الجانب الأوروبي والغربي لها ، كما تحرص في الوقت نفسه  علي عدم إثارة حفيظة روسيا المتأثرة بالعقوبات والراغبة في الانتقام، في ظل العقوبات الاقتصادية القاسية التي تعرضت لها  .

 القاهرة أرادت الاستفادة من الأزمة في دعوة المجتمع الدولي إلي تفعيل مصداقية وقدرة آليات

  العمل الدولي متعدد الأطراف في مواجهة التحديات والأزمات المتلاحقة،  ورأت أن تحقيق    ذلك يعتمد على "تناول كل الأزمات الدولية وفقاً لمعايير واحدة وثابتة متسقة مع مبادئ الميثاق ومقاصده دون أن تمر عقود جرى خلالها تكريس الأمر الواقع والمعاناة الإنسانية".

  تصويت مصر بتأييد قرار الأمم المتحدة ضد موقف روسيا وتدخلها العسكري في أوكرانيا جاء  أيضا متسقاً مع مبادئها التي تنادي بها دائماً، وكانت مبادئ حاكمة في سياستها الإقليمية والخارجية بشكل عام، من حيث احترام حق الجوار والحفاظ على الدولة الوطنية، وعدم التدخل في شؤون الدول والحفاظ على سيادة كل دولة على أراضيها  ، كما جاء موقف  مصر   متسقاً أيضاً مع غالبية الدول العربية، خصوصاً دول الخليج الست التي صوتت جميعها على تأييد القرار، وهو ما يعكس بحسب العديد من الخبراء توافقاً عربياً مهماً تجاه الأزمة في أوكرانيا الآن، وتجاه الصراع الأكبر بين الغرب وروسيا، الذي من المتوقع أن يزداد حدة وشراسة مع مرور الوقت.

ما يجب أن نعيه أن أوكرانيا دولة صديقة دبلوماسياً لمصر، ومهمة اقتصادياً لها أيضاً،  ولا يوجد أي منطق يدعو القاهرة لتأييد تعرض كييف لحرب عسكرية   غير مبررة عليها ، وقد وصل  حجم التبادل التجاري مع أوكرانيا وصل إلى نحو 2,6 مليار دولار خلال 2019 حيث تتركز صادرات مصر لأوكرانيا في الموالح، والأرز، والأدوية، والفراولة، والبطاطس، والتوابل، والنباتات الطبية، ومنتجات الحديد، وفحم الكوك، بينما تتركز الواردات المصرية من أوكرانيا على القمح، والذرة، والحديد، زيت عباد الشمس.

أما روسيا فحجم تبادلها التجاري مع مصر وصل لنحو 7,7 مليار دولار عام 2018 حيث تركزت الصادرات المصرية لروسيا على الفاكهة، والخضروات، والملابس بينما تركزت الواردات المصرية من روسيا على القمح، والوقود، والمعادن، والنحاس، والطائرات ، ما يعني كذلك أن مصر بينها وبين روسيا علاقات مختلفة وصداقة ،  ففي يناير 2021، دخلت اتفاقية "الشراكة الشاملة والتعاون الاستراتيجي" الموقعة بين روسيا ومصر في عام 2018، حيز التنفيذ، كما تنامت العلاقات العسكرية والاقتصادية بين القاهرة وموسكو خلال السنوات الأخيرة منذ زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى مصر عام 2017، وتفعيل الحوار الاستراتيجي بين مصر وروسيا بصيغة 2+2، التي تشمل وزيري الخارجية والدفاع منذ عام 2013، إذ كانت القاهرة بين 6 دول فقط في العالم تحظى بهذه الصيغة الرفيعة المستوى من المباحثات السنوية مع موسكو.

واللافت أن مصر في عهد الرئيس السيسي  حرصت علي علاقات متوازنة مع مختلف دول العالم ، كما اعتمدت سياسة   تنويع مصادر التسليح والصفقات التجارية بشكل عام مع دول الشرق المهمة، مثل روسيا والصين وكوريا واليابان،  وفي نفس الوقت حافظت علي مصالح متبادلة  مع الغرب،  حيث تحصل  على مساعدات عسكرية سنوية تتجاوز المليار دولار من الولايات المتحدة ، ومثلما تلعب مصر دورا  في مشروع الحزام والطريق الصيني،  فإن لها  مصالح اقتصادية ضخمة مع دول أوروبا  ، خاصة مع بروز دور القاهرة خلال الفترة  الأخيرة كمحور إقليمي في شرق المتوسط لتصدير الغاز إلى دول أوروبا ، بل إن البعض ذهب إلي   أن  الحرب  الحالية في أوكرانيا والعزل الدبلوماسي والاقتصادي المتنامي على روسيا، وإصرار دول أوروبا على مقاطعة الغاز والنفط الروسي، سيزيد من فرص ازدهار قطاع الطاقة المصري، خصوصاً لو كثفت تعاونها مع دول جارة في شمال أفريقيا، مثل ليبيا والجزائر، والتي أبدت كل منهما الرغبة في زيادة إنتاجها من النفط والغاز التي تمتلك منه احتياطيات كبيرة، من أجل تعويض أوروبا عن الغاز الروسي. 

 

تحرك عربي

 

تحدثنا عن الموقف علي الساحة الدولية ،  ولأن مصر تدرك جيدا آثار وتداعيات الأزمة علي المنطقة العربية بشكل عام ، دعت القاهرة  إلى عقد اجتماع طارئ لمجلس جامعة الدول العربية على مستوى المندوبين، على خلفية الحرب في أوكرانيا ، وذلك بهدف " التباحث حول التطورات الجارية في أوكرانيا" ، فمصر إذن تريد أن يكون هناك موقف عربي جماعي يبحث التعامل مع أي تداعيات محتملة للحرب علي العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص .

 

تأثيرات علي الاقتصاد

 

كما سبق وقلنا لا توجد دولة في العالم بعيدة عن تأثيرات الحرب الروسية  ، التي تدفع اقتصادات العالم الثمن الأفدح لها ، وفيما يتعلق بمصر ، ظهرت أولي التأثيرات مع الإعلان معاودة  طرح مناقصة عالمية لاستيراد كمية غير محدد من القمح للشحن في الفترة من 13 إلى 26 أبريل المقبل، وذلك بعد 48 ساعة فقط من إلغاء مناقصة لم تتقدم لها سوى شركة واحدة الخميس قبل  الماضي ،   عرضت استيراد 60 ألف طن قمح فرنسي بسعر 399 دولارا للطعن تسليم على ظهر السفينة ، وجاء  الإلغاء  بسبب  أن تقدم شركة واحدة يخالف القانون، فضلا عن ارتفاع السعر من متوسط 345 دولار في المناقصات السابقة إلى حدود 400 دولار في المناقصة الملغاة.

  وحددت  هيئة السلع التموينية المصرية  أنواع الأقماح التي ترغب في شرائها الهيئة، وهي: "القمح الأميركي الشتوي الأبيض الناعم، القمح الأميركي الشتوي الأحمر الناعم أو القمح الأمريكي الصلب، أو القمح الكندى الناعم، قمح فرنسي قابل للطحن، قمح أسترالي قياسي ناعم، قمح ألمـاني قابل للطحن، قمح أرجنتيني صالح للخبز، قمح روسي قابل للطحن، قمح أوكراني قابل للطحن، و قمح روماني قابل للطحن".

ومن بين الأنواع التي حددتها الهيئة كذلك" قمح بولندى قابل للطحن أو قمح من المنشأ البلغاري، قمح صربي قابل للطحن، قمح مجري قابل للطحن، قمح باراغواني، قابل للطحن، قمح كازاخستاني قابل للطحن أو قمح روسي قابل للطحن رغبة البائع طبقاً لمواصفات الهيئة للقمح الكازاخي".

وكان رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي  أكد  في تصريحات له  أن مخزون مصر من القمح يكفيها لمدة 4 أشهر فضلا عن اقتراب موعد جمع المحصول المحلي من القمح ، وبحسب خبراء فإن مصر   حاولت التغلب على أزمة ارتفاع الأسعار العالمية التي لاحت في الأفق قبل نشوب  الحرب  الحالية، عبر تنويع مصادر توفير المنتج من خلال فتح مناشئ جديدة، وتشجيع المزارعين على زيادة المساحات والتوريد عبر الإعلان عن سعر البيع قبل الزراعة، كما أجرت محادثات للتوصل إلى اتفاق بشأن التحوط من زيادات أسعار القمح العالمية، كما ساهمت المشروعات الزراعية القومية كالدلتا الجديدة، ومشروع الصوامع في امتلاك مصر مخزونًا من القمح يكفي لمدة خمس أشهر مقبلة.

  كما أن هناك أربعة ملايين طن من القمح المحلى سوف تدخل المخازن نهاية إبريل المقبل بعد موسم الحصاد، مما يجعل مصر آمنة حتى نهاية العام، خصوصا بعد زيادة سعر توريد القمح المحلى بـ 95 جنيها للإردب ليصل إلى 820 جنيها، وزيادة المزروع قمحا300 ألف فدان إلى 3?6 مليون فدان.

وأعلنت مصر في وقت سابق تخصيص نحو 22 مليار جنيه (1.4 مليار دولار) لواردات القمح، إلى جانب 18 مليار جنيه أخرى لدعم الإنتاج المحلي ، فيما تعد روسيا وأوكرانيا أكبر الدول المصدرة للقمح لمصر، بنسبة تصل إلى 80% من حجم الواردات، وتبحث الحكومة المصرية استيراد القمح من 14 دولة أخرى بينهم دول خارج القارة الأوروبية مثل الولايات المتحدة، بحسب تصريحات   للسفير نادر سعد، المتحدث باسم مجلس الوزراء المصري.

 

تأثيرات علي السياحة

 

تأثيرات الحرب تظهر أيضا في  تراجع الحركة السياحية الوافدة من عدد من الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر، وخاصة من روسيا وأوكرانيا بشكل كبير، بعد غلق المجال الجوي وإيقاف رحلات الطيران المشتركة بينهما، بالإضافة إلى قيام شركات التأمين على الطائرات بإلغاء تعاملها مع رحلات الطيران الأوكرانية، وتوقف عدد كبير من شركات الطيران عن دخول المجال الجوي الأوكراني، بمجرد نشوب الحرب   ، لكن خبراء يرون في الوقت نفسه  أن الحركة السياحية الوافدة لمصر من الممكن ألا تتأثر كثيرا بالحرب الحالية بين روسيا وأوكرانيا حال طرق أسواق جديدة، والعمل على استمرار تنوع الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر ، خاصة وأن  المقصد السياحي المصري متميز ولديه رغبات كثيرة مؤجلة، كما أنه سوق مفتوح يستقبل الحركة الوافدة من عدة أسواق مختلفة، وقد حدث هذا التنوع فى السنوات الأخيرة وجعل من أسواق مثل ألمانيا تحتل صدارة الأسواق المصدرة للسياحة إلى مصر بعدما كانت لسنوات طويلة مرهونة بروسيا وإنجلترا فقط.

وتستدعي تلك التطورات  ضرورة التركيز -بجانب الأسواق التقليدية- على أسواق شرق آسيا من إندونيسيا والهند واليابان وكوريا والسياحة الخليجية والعربية، وذلك من خلال خطة تسويقية ووضع شعار أو لوجو بمصر في هذه الأسواق ، و تقديم عروض ترويجية قوية.

 هناك تأثيرات أخري أيضا بدأت بوادرها في الظهور مثل أسعار المواد الغذائية ، في ظل استغلال كثير من التجار للأزمة ، وغلي جانب ذلك ترددت شائعات  بشأن وجود نقص في السلع الغذائية الأساسية في الأسواق والمنافذ التموينية،  وهو ما ردت عليه الحكومة ممثلة في ع وزارة التموين والتجارة الداخلية،  مؤكدة على توافر كافة السلع الغذائية الأساسية بشكل طبيعي، مع انتظام ضخ كميات وفيرة من السلع يومياً بكافة الأسواق وجميع فروع المجمعات الاستهلاكية وبقالي التموين وفروع مشروع جمعيتي، مع انتظام صرف المقررات التموينية، وكذلك توافر مخزون استراتيجي لها يكفي لعدة أشهر مقبلة، مُشيرةً إلى أنه جارٍ تنفيذ مشروع إنشاء مستودعات استراتيجية وفق أحدث التقنيات لإدارة عمليات تخزين السلع الأساسية، بما يعزز من زيادة مخزونها الاستراتيجي لمدة تصل إلى نحو 9 أشهر، مع شن حملات تفتيشية على كافة الأسواق، لمنع أي تلاعب أو ممارسات احتكارية.

 وأكدت الحكومة كذلك أنه جار  اتخاذ الاستعدادات اللازمة لضمان توفير احتياجات المواطنين من كافة السلع الغذائية خلال شهر رمضان، حيث تم توفير كميات كبيرة من الدواجن المجمدة، بالإضافة إلى توفير اللحوم الحمراء الطازجة والمجمدة بأسعار تقل عن السوق الحر 20%، وسيتم إتاحة كافة السلع بأسعار مخفضة في 1350 مجمعاً ‏استهلاكياً، بالإضافة إلى منافذ مشروع جمعيتي، وفروع معارض "أهلا رمضان" بنفس ‏التخفيضات السابقة ، وكل ذلك يعني الانتباه إلي محاولات بعض التجار رفع الأسعار ويستدعي وجود رقابة صارمة وقرارات حاسمة بحق هؤلاء من المتاجرين بالأزمات .

 وكان رئيس الوزراء الدكتور مصطفي مدبولي أكد في تصريحات سابقة على ضرورة التعامل بحسم مع أي ممارسات غير مقبولة من بعض "التجار الجشعين"، خاصة أن الدولة عملت خلال الفترات الماضية وحتى الآن على توفير مختلف أنواع السلع الأساسية وتأمين احتياطي استراتيجي منها ، وهو ما نتمني أن نراه قيد التنفيذ من قبل الأجهزة التنفيذية قبل تسبب جشع التجار في نشوب  موجة غلاء غير مبررة.

يمين الصفحة
شمال الصفحة