عبدالناصر قطب يكتب: الحوار الوطني والعفو الرئاسي والمؤتمر الاقتصادي .. أركان لجمهورية جديدة تتسع للجميع

عبدالناصر قطب

عبدالناصر قطب

  • توالي قرارات العفو الرئاسي ودمج المفرج عنهم في المجتمع تأكيد علي جدية الحوار الوطني
  • الدولة المصرية تتعرض لاستهداف خارجي ومنصات  معادية تستهدف هدم منجزات الدولة ومؤسساتها وإجراءات الحوار والعفو الرئاسي تفسد هذه المخططات
  • الحوار الوطني   يأتي فى ظل تحديات ضخمة  ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية ومصالح متشابكة ما يستوجب معه  صياغة أولويات العمل الوطني خلال السنوات القادمة لمواصلة مسيرة التنمية 
  • النظر لمخرجات المؤتمر الاقتصادي في الحوار الوطني  مهم  وسيعود بالنفع على بنية الاقتصاد الوطني

 

 منذ إطلاق الدعوة الرئاسية لحوار وطني شامل ، تواصلت الخطوات الجادة للتأكيد علي رغبة الدولة المصرية في حوار حقيقي يتسع للجميع ويستوعب كل الأفكار في وعاء وطني واحد يساهم في بناء الجمهورية الجديدة ، ولا يستثني سوي هؤلاء الذين حملوا السلاح في وجه الوطن وأبنائه ومؤسساته ، وهؤلاء الذين يتبنون وينفذون ويروجون لأفكار مدمرة هدامة ، وكل هدفهم هدم الدولة المصرية والنيل من مؤسساتها وإنجازاتها ، والوقوف حجر عثرة امام خطواتها نحو نهضة قوية .

أولي الخطوات كانت في تشكيل أمانة الحوار والتي ضمت خبراء ومتخصصين وحقوقيين وممثلين للأطياف السياسية ، انخرطوا في حوار بناء للوصول لأجندة قوية للحوار ، واقتراح خطوات بناءة تدعمها .

ثاني الخطوات وأكثرها دفعا للاطمئنان نحو جدية الحوار ، تمثلت في إجراءات العفو الرئاسي المتوالية عن سجناء ، بل والعمل علي إعادة تأهيلهم ودمجهم في المجتمع ، وهو ما رآه سياسيون وحقوقيون  خطوة تؤكد على رغبة الدولة على إجراء حوار وطني يعكس حرص الإدارة السياسية على إنجاحه، على عكس ما تحاول بعض الجهات الخارجية ترويجه بأن الحوار هو شكلي الهدف منه تحسين صورة الدولة المصرية.

  مبادرة الإفراج عن السجناء الذين لم يتورطوا في أعمال عنف وتخريب تمثل تأكيدا  على ما تشهده الحالة السياسية من انفتاح بين القوي السياسية المختلفة، وهي تعكس توافق الدولة والقوي السياسية ورغبتها في طرح مبادرة تساهم بشكل كبير في إحياء الحياة السياسية بمشاركة جميع الأحزاب يشارك فيها أيضا بعض النشطاء السياسيين المفرج عنهم والذين ينتمون لبعض القوي السياسية والذين  تم اختيار بعضهم للمشاركة في الحوار الوطني .

الإفراج عن السجناء ضمن خطة زمنية وإعادة دمجهم في المجتمع جاء ضمن حزمة من القرارات  اتخذتها الدولة المصرية لتحسين حالات حقوق الإنسان  في مصر وعلى رأسها إطلاق الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان لتطوير طريقة التعامل مع ملف الحقوق الحريات، وقد لاقت هذه الخطوات الغير مسبوقة استحسان الدول الأعضاء ال47 بالمجلس الدولي والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والتي أشادت بمجهودات الدولة المصرية وحرصها على تنفيذ التوصيات التي قُدمت لمصر من الدول الأعضاء من خلال آليات العرض الدوري الشامل في 2019 وعلى رأس هذه التوصيات الإفراج عن السجناء على خلفية سياسية".

 

إرادة سياسية

 

هناك إجماع علي أن التطور السريع والإيجابي في ملف الإفراج عن السجناء  تأكيد من الإدارة السياسية على  أن الوطن يتسع للجميع بمختلف انتماءاته وحرص الدولة على إرساء حالة من التسامح وهو بمثابة الإعلان عن مصالحة شاملة مع الجميع ودون استثناء، وهي خطوة هامة تساهم بشكل كبير في تحسين  وترسيخ أحد أهم ركائز حقوق الإنسان وهو ملف الحقوق والحريات وهو نجاح جاء من خلال الحوار الوطني مع الأحزاب السياسية والمجتمع المدني مع الدولة وضعت فيها سياسية طويلة المدي لتحسين أوضاع السجون والسجناء وإعادة تأهيلهم مع استمرار  عمل لجنة العفو الرئاسي  ضمن هذه المنظومة في دراسة ملفات السجناء والإفراج عنهم تباعا، وهو أمر ايجابي جدا يجعل مصر من أوائل الدول في المنطقة التي اتخذت مبادرة جدية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بشكل عام وأوضاع السجناء بشكل خاص .

 كذلك نري اتفاقا علي  أن قوائم العفو الرئاسي تدفع الحوار الوطني للأمام  ، خاصة وأنها تمثل  أحد أهم مطالب المعارضة والأحزاب السياسية، كما تمثل التزاما من  الدولة بإيجاد حلول إيجابية تعكس مدي الجدية والرغبة   في إنجاح الحوار والوطني والخروج ببعض التوصيات تساعد في تحسين الحياة السياسية في مصر، كما أن مبادرة العفو الرئاسي سوف تشجع بشكل كبير الجميع في المشاركة في جلسات الحوار والوطني، وهو الأمر الذي سوف  يؤكد على مصداقيته، ويزيد بشكل كبير من فرص نجاح هذه المبادرة الهامة والغير المسبوقة .

   لجنة العفو الرئاسي   جري تفعيل عملها في أبريل الماضي ، مع إعادة تشكيلها بتوجيه رئاسي تزامنا مع دعوة الرئيس  عبد الفتاح السيسي آنذاك إلى بدء أول حوار وطني منذ توليه المسئولية عام  2014، وصدرت عنها قوائم بعفو رئاسي وأخرى تشمل قرارات قضائية بإخلاء السبيل ، ومنذ دعوة  الرئيس السيسي للحوار ارتفع عدد من أُطلق سراحهم بقرارات قضائية أو عفو رئاسي في "قضايا رأي وتعبير"  دفعة بعد أخري ، وجاءت  تلك القرارات لتمثل نموذجًا حقيقيًا لأسمى معاني حقوق الإنسان في ظل الجمهورية الجديدة التي تحترم جميع الآراء كما أنها تشكل طريقًا مضيئًا لنجاح الحوار الوطني.

 كما  أن قرارات الإفراج عن بعض المحبوسين تعبر عن إرادة سياسية قوية تريد المضي قدما في تعزيز حقوق الإنسان،  فضلا عن  أن إعادة دمجهم، تبرز جدية الدولة في التأكيد على أن الوطن يتسع للجميع والحرص أيضًا على إرساء حالة من التسامح ولم الشمل.

  اللافت أيضا هو  انتظام عمل لجنة العفو الرئاسي في عملها بقرارات الإفراج  ، وهو ما يعد برهانًا على تسامح الدولة المصرية وأنها تحتضن أبنائها وإن أخطأوا في وقت ما، بما يعد جزءًا من أسس الجمهورية الجديدة ، فضلا عما تمثله هذه القرارات  من  تأكيد  جديد على قوة الدولة المصرية وتماسكها، ووفاء للوعد الذي قطعه الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية .

كذلك فإن  التوجه بدمج الصادر بحقهم عفو رئاسي،   يعد اسهامًا في مساعدتهم في العودة إلى الدراسة إن كانوا طلابًا في الجامعات، فضلًا عن إعطاء انطباع للقطاع الخاص أن الدولة ليست غاضبة عليهم ليتمكنوا من إيجاد فرص عمل ،   ورسالة قوية أيضا بأن الكل تحت ظل العلم المصري واحد يحمل الصفة المصرية ويحمل من تراب هذا الوطن الكثير ما يستحق التكريم والاحتضان ، كما أنها رسالة بأن  القيادة السياسية الرشيدة وسط جهودها الرامية لبناء الجمهورية الجديدة لم تغفل أو تدخر جهدًا في فتح أبواب الأمل للسجناء بينما تعيدهم للحياة الطبيعية

  قرارات العفو الرئاسي  جاءت أيضا  تفعيلًا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان - التي أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي في ديسمبر 2021 - كما تكشف عن توجه الدولة لتأسيس حياة كريمة تتخطى البنية التحتية بضمان كرامة المصري نفسه.

 

نموذج لحقوق الإنسان

 

 يري الكثير من المراقبين أن ما يجري في هذا الملف حاليا  يمثل نموذجًا حقيقيًا لأسمى معاني حقوق الإنسان والاحتواء لكل المصريين طالما لم تلوث أيديهم بالدماء أو يحرضوا على العنف، لعل عيون وآذان المنظمات المسيسة ترى وتنقل الحقائق،  وتتأكد  أن الجمهورية الجديدة تحترم الآراء وتحتوي أبناءها ولكن تحقق صحيح القانون بما لا يدع مجالا أمام نشر الشائعات والتحريض على الوطن تحت مسميات حرية الرأي والتعبير، لاسيما أن أمان البلاد واستقرارها مسئولية الجميع.

وبحسب قانونيين وحقوقيين فإنه يحسب  للجنة العفو أنها نجحت للمرة الأولى في توسيع نطاق مهمتها، بحيث شملت أعدادًا لافتة من المحبوسين احتياطيًا في قضايا الشأن العام بالرغم من أن مصطلح "العفو" ينصرف إلى المحكوم عليهم نهائيًا والذين يملك رئيس الجمهورية بموجب صلاحياته الدستورية العفو عنهم أو تخفيض مدد عقوباتهم ، وهذه جميعا جهود مهمة تشكل طريقا مضيئا  لنجاح الحوار الوطني الذي دعا إليه الرئيس عبد الفتاح السيسي.

كما قلنا فإن  جهود لجنة العفو الرئاسي في تلقى طلبات المُفرج عنهم لتلبية أية احتياجات أو متطلبات من شأنها إعادتهم لحياتهم الطبيعية، تبرز جدية الدولة في التأكيد على أن الوطن يتسع للجميع والحرص أيضًا على إرساء حالة من التسامح ولم الشمل وإعادة إدماج المفرج عنهم بعفو رئاسي ، وكان المهم في نظرنا أيضا ما شهدناه خلال  الفترة الأخيرة من تسارع  وتيرة  الإجراءات لخروج دفعات متتالية خلال فترة وجيزة وذلك بسبب التنسيق الكامل مع جهات الدولة المعنية.

 ولعل  استمرار خروج العشرات من الشباب بشكل دوري خلال الفترة الماضية يمثل أحد أهم مكتسبات الحوار الوطني الذى دعا له الرئيس عبد الفتاح السيسي خلال "إفطار الأسرة المصرية"،  ونحن ننتظر الكثير من الدولة خلال الفترة القادمة كما ننتظر جهود المفرج عنهم في المساهمة في بناء وطنهم.

يدفعنا ذلك لأن نشيد بعمل  لجنة العفو الرئاسي   بنشاط وحماس دائم في ملف الإفراج عن المحبوسين وعملهم مستمر ولا يتوقف على مدار الساعة،  حتي وصلت التقديرات إلي أنه  تم  الافراج عن أكثر ألف شخص منذ إعادة تفعيل اللجنة ، وكل ذلك  يؤكد أن هناك شيئًا جديدًا يحدث على أرض مصر ويفتح صفحة جديدة مع الشباب ، كما   يعكس حالة الانفراج السياسي التي تشهدها مصر في هذا التوقيت، خاصة مع بدء جلسات الحوار الوطني وتكثيف جولاته، ما يعد رسالة بأن الدولة حاضرة بقوة وخاصة في حياة المصريين.

كذلك فإن  تلك الاجراءات من شأنها إزالة حالة الاحتقان الموجودة لدى بعض القوى السياسية وإفساح المجال لمشاركة الجميع في بناء الوطن خصوصًا مع دعوة الرئيس السيسي إلى "شراكة الوطن"  ، حيث يدرك الجميع أن  خطوة الافراج عن المحبوسين احتياطيًا بأنها مهمة وإيجابية ويمكن البناء عليها ، وستكون لها نتائج إيجابية، خاصة وأن لجنة العفو تعمل بصورة حرفية ومهنية، فضلًا عن تجاوب أجهزة الدولة المعنية معها.

 

دلالات التوقيت

 

  الافراج عن هذا العدد الكبير جاء  أيضا في توقيت له دلالته، وسط تعرض الدولة المصرية لاستهداف خارجي، بجانب المنصات المعادية التي لا تقتصر على منصات جماعة الإخوان الإرهابية وتمتد الى شخصيات ومراكز وبحوث ومنظمات تكتب وتدون الكثير من الأمور غير الصحيحة عن مصر، ليأتي عمل لجنة العفو الرئاسي وحالة الانفراج السياسي ليرد بصورة فعلية على ما تقوم به تلك الجهات المعادية لبلادنا.

وهذه جميعها رسائل بأن المناخ السياسي في مصر يسمح الآن بمزيد من حالة الانفراج، خاصة أن رئيس الجمهورية ضامن لكل هذا التحول الايجابي في هذا التوقيت ودعوته المستمرة لمشاركة جميع المصريين في بناء الوطن ، وهو ما يوجب علينا القول أيضا   أن الكرة الآن في ملعب القوى السياسية للقيام بهذا الدور وللتأكيد على هذا المناخ الايجابي ما سيكون له بلا شك انعكاسات على فاعلية المؤسسات السياسة في البلاد خلال الفترة المقبلة ومشاركة الجميع في بناء الوطن بالفعل وليس بالقول.

 

وكانت لجنة العفو الرئاسي أكدت أن عدد المفرج عنهم تجاوز 1000 شخص، منذ إعادة تفعيل عمل اللجنة في 26 أبريل الماضي بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي رئيس الجمهورية.

وأشارت اللجنة - في بيان - إلى انه سيتم استمرار خروج دفعات عفو جديدة خلال الفترة المقبلة، حيث شهدنا في الفترة الأخيرة وتيرة سريعة لخروج دفعات متتالية خلال فترة وجيزة وذلك بسبب التنسيق الكامل مع جهات الدولة المعنية، مؤكدة التعاون الكبير مع النائب العام المستشار حمادة الصاوي ووزير الداخلية اللواء محمود توفيق.

وذكرت لجنة العفو الرئاسي: "حصلنا في الفترة السابقة على العديد من القوائم من القوى السياسية والمجلس القومي لحقوق الإنسان ومن أهالي المحبوسين مباشرة فكان من بين المفرج عنهم العديد من الشباب، بالإضافة لخروج عمال مصر للتأمين وصحفيين ونساء كانوا على رأس الأولويات".

وأكدت اللجنة أنها تعمل بتجرد ولا تفرق بين شخصيات مشهورة وأخرى غير معروفة لأن خروج أي محبوس هو نجاح في حد ذاته لعمل اللجنة، بالإضافة إلى أن ملف دمج المُفرج عنهم الهام للغاية نحقق فيه نجاحات خلال الفترة الأخيرة.

وشددت  اللجنة  علي أن عملها  يتماشى مع الاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان وكل هذه النتائج ما كانت لتتحقق سوى بهذا الدعم والمتابعة الرئاسية الكبيرة لهذا الملف وهو ما يدل على أن هناك إرادة سياسية هائلة وكبيرة لخروج كل المستهدفين بالعفو الرئاسي .

 

مسئولية وطنية

 

الحوار الوطني إذن يؤسس لجمهورية جديدة  تتأكد  ملامحها أمام الداخل والخارج ، كما يتأكد للجميع أن  قوامها المسئولية الوطنية المفروضة على الجميع من أجل تحقيق الصالح العام لوطننا العزيز، وليست مسئولية فردية بل عامة ومفروضة علينا جميعا،  ، وعلى الجميع أن يؤدى دوره تجاه الوطن، مشددا على أن الحوار الوطني يرسخ لجمهورية جديدة.

 فالقيادة السياسية لا  تأل   جهدا من أجل تحقيق الإصلاح الشامل على كافة الملفات،  كما أن  الحوار الوطني يلقى الضوء على عدد من الملفات الهامة والحيوية، في ظل أن مجلس أمناء الحوار الوطنى يتضمن خبرات لها ثقل في تخصصها واهتمامها بالمصلحة العامة، وهو ما يضفي مناخا إيجابيا لعملية الحوار، لينجح في وضع خارطة طريق ترسخ لمرحلة جديدة في بناء الوطن، وهو فرصة كبيرة وحقيقية لمواجهة التحديات الاقتصادية العالمية.

 مسار الحوار الوطني كما هو واضح لنا – قولا وفعلا -  يسير في اتجاه داعم لتوسيع المشاركة الوطنية الفعالة، وإيجاد مساحات مشتركة نحو رؤية تؤسس لبناء دولة مدنية ديمقراطية سليمة ، ولعل ما يؤكد علي ذلك وجود  الملفات المتعلقة بالقضايا السياسية والتي يتطلع إليها مختلف القوى المشاركة في الوصول لمسيرة تدعم خطى الإصلاح السياسي وتعزز مسار الاقتصاد الوطني .

   الحوار الوطني  يأتي أيضا  في توقيت مهم لمرحلة الاصطفاف الوطني، ويؤكد أن العمل سيكون في شتى المجالات وذلك وفقا لأولويات العمل الوطنية، والعمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030، وبداية حراك سياسى ديمقراطي فى مصر، وقد رأينا أن عرض القضايا الوطنية في الجلسات والخطوات الحالية للجلسات الفعلية للحوار الوطنى ترجمة للاهتمام بالحوار ومخرجاته وما يدور من قضايا في المجتمع حتى يكون الحوار شريكا  في صناعة الحديث، وهو ما يؤكد أيضا أن ملف الحقوق والحريات يأتي ضمن أولويات الدولة المصرية تفعيلًا للاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان.

 كذلك يأتي  الحوار الوطنى الذى دعا إليه  الرئيس عبد الفتاح السيسى، يأتي فى ظل تحديات ضخمة، ومتغيرات محلية وإقليمية ودولية ومصالح متشابكة، وهو ما يجب فى مراعاته فى جلسات الحوار، والعمل على تحقيق الهدف الأول منه وهو صياغة أولويات العمل الوطني خلال السنوات القادمة، من أجل مواصلة مسيرة التنمية رغم المتغيرات والعبور إلى الجمهورية الجديدة.

  اللافت أن  الحوار الوطني أحد أهدافه استطلاع مُختلف الآراء تجاه عدد من القضايا الوطنية، والعمل على إحداث نقلة نوعية فى ظروف صعبة ودقيقة، حيث تصر الدولة المصرية على العمل من أجل إحداث التنمية الشاملة ومواصلة المشروعات العملاقة، والتأسيس للجمهورية الجديدة، بالإضافة إلى بلورة سياسات تتبعها الحكومة خلال الفترة القادمة.

  كل ذلك يوجب التأكيد  على أهمية توسيع قاعدة المشاركة فى الحوار الوطنى، للوصول إلى أفضل آليات ممكنة لمواجهة التحديات التى تواجه الدولة المصرية،  والانطلاق من  حرص القيادة السياسية على إنجاح الحوار الوطنى، وبث حالة من الطمأنينة لجميع القوى المشاركة، من خلال تمهيد الأرض لإجراء حوار حقيقي على مجموعة من الأسس والمبادئ ،  أهمها أنه لا تمييز ولا إقصاء، وضمان حرية الجميع فى عرض أرائهم، بالإضافة إلى الإفراج عن المحبوسين غير المتورطين فى أحداث عنف أو لم تتلوث أيديهم بالدماء من أجل خلق حالة من التصالح المجتمعي ،  ليبقي الجميع  مطالبا بالعمل الجاد من أجل إنجاح الحوار الذى يعد فرصة تاريخية فى عمر هذا الوطن.

 

الحوار والمؤتمر الاقتصادي

 

ما نود التأكيد عليه وتنبيه القائمين علي الحوار الوطني إليه ، هو ضرورة تفعيل توجيهات الرئيس السيسي بأن تكون الأولوية للمواطن وقضاياه وهمومه ، فنجاح الحوار الوطني  مرهون برأينا في الخروج بتوصيات بناءة وتعود بالنفع على المواطن المصري والوطن، وهو ما تقع  مسئوليته على المشاركين فيه وما يقدمونه من رؤى، وإيجاد لغة للحوار والمساحات المشتركة بينهم.

 وهنا نؤكد علي  أن التكامل بين المؤتمر الاقتصادي والحوار الوطني له أهمية كبرى، وليس كما ردد البعض، فالمؤتمر الاقتصادي سيتحدث عن الوضع الحالي الموجود والأهم هو الوصول لحلول على المدى القريب وآخر على المدى البعيد، بينما الحوار الوطني  سيضطلع إلى ترتيب ووضع أولويات الجمهورية الجديدة ومن ثم النظر لمخرجات المؤتمر الاقتصادي في الحوار الوطني أمر له أهمية وسيعود بالنفع على بنية الاقتصاد الوطني ، خاصة فيما يتعلق بالمحورين الاقتصادي والاجتماعي اللذين يستهدفان تعزيز شبكة الحماية الاقتصادية ودعم الأسر الأولى بالرعاية وتخفيف الضغوط الاقتصادية والاجتماعية عن كاهل المواطن فى ظل الظروف والأزمات العالمية.

"المؤتمر الاقتصادي – مصر 2022 " ينطلق اليوم ، بتكليف من الرئيس عبد الفتاح السيسي؛  و تنظمه الحكومة المصرية خلال الفترة من 23 إلى 25 أكتوبر 2022؛ لمناقشة أوضاع ومستقبل الاقتصاد المصري، بمشاركة واسعة لنخبة من كبار الاقتصاديين، والمفكرين، والخبراء المتخصصين ، و يشهد المؤتمر   مشاركة 21 جهة محلية ودولية ويصل حجم المشاركين إلى ما بين 400 و 500 مشارك، والحضور سيضم جهات الدولة الرسمية، واتحاد الصناعات، والغرف المتخصصة، والمجالس التصديرية، وجمعيات رجال الأعمال، ورؤساء الجامعات والكليات المعنيين بمناحي الاقتصاد، وكذا رؤساء اللجان المعنية فى مجلسى النواب والشيوخ، بالقطاعات المختلفة والمؤسسات الدولية فى مصر، العاملة والمعنية بالاقتصاد، ومُمثلى القطاع الخاص المحلى والأجنبي، والسفراء، وكافة الجهات المعنية الأخرى.

ورأينا أن هناك استعدادات أيضا للمؤتمر الاقتصادي تقوم في مجموعها علي تقديم رؤي تستهدف النهوض بالاقتصاد الوطني  و تعظيم الموارد المصرية بكل نواحيها، والاستفادة من الموارد المتاحة ، فضلا عن  توطين الصناعات المختلفة بالاعتماد على الموارد والخامات المتاحة والمتوفرة،   في ظل الموارد والإمكانيات المتاحة للدولة المصرية ، وهذه قضايا يمكن للحوار الوطني أيضا البناء عليها وضمها لجدول أعماله  ، خاصة وأن هناك اجماع بين خبراء الاقتصاد علي قضايا بعينها ، بينها مثلا أن  التوسع فى الطاقة والطرق والصناعة والزراعة، يسهم فى جذب استثمارات من الخارج للتوسع فى الأنشطة القائمة أو فتح مجالات جديدة، تنعكس فى صورة فرص عمل، مثلما تسهم مشروعات الطرق والنقل والكهرباء فى توسيع الفرص الاستثمارية فى الصناعة والزراعة والطاقة، والصحة، والسياحة، والتى يمكن للقطاع الخاص المساهمة فيها،  إلي جانب شرح أهمية جذب استثمارات خارجية باعتبارها إضافة للاقتصاد سواء بتوسيع رؤوس أموال شركات قائمة، أو الاستثمار فى صناعات مطلوبة فى الغذاء والدواء، أو القطاع العقارى، باعتبار أن الأموال التى تأتى من الخارج، هى إضافة للسوق وللاقتصاد، وعلى الخبراء توضيح ذلك من خلال استعراض الفرص الاستثمارية فى العالم، وعولمة الاقتصاد التى تصنع منافسة لجذب الاستثمارات الخارجية، خاصة فى ظل عولمة اقتصادية تضاعف من المنافسة، وتعطى أفضلية للدول التى تقدم فرصا استثمارية وبنية أساسية.

 التكامل بين مختلف الفعاليات كالمؤتمر الاقتصادي والحوار الوطني وقمة المناخ التي تستعد مصر لاستضافتها ، هو تكامل يصب في صالح  دعم الدولة المصرية لمواجهة جميع المخاطر والتحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية التى تواجه مصر.

 والانطلاق هنا يجب أن يكون من الخطوات الجادة التي تؤكد أن الدولة المصرية وقياداتها تتعامل بجدية فى هذه الملفات   ، وتحرص علي  إتاحة الفرصة للجميع من خلال باب المناقشة على مصلحة الوطن العليا  ، وهو ما رأيناه في  عمل لجنة العفو،   والإفراجات المستمرة  التي تقطع الطريق على كافة المشككين والمتربصين بالدولة المصرية، وتؤكد على أن الدولة والجمهورية الجديدة تمد يدها للجميع ، كما  تستكمل خطى الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي في ترسيخ حقوق الإنسان وإرساء حالة من التسامح والتصالح المجتمعي ، وتعكس اهتمام القيادة السياسية بملف الحقوق والحريات والذى يحظى بخطوات جادة ، وكل ذلك كما قلنا يحمل  دعوة للتفاؤل بأن الجمهورية الجديدة تتسع للجميع وتعزز مفهوم حقوق الإنسان وترتكز على ديمقراطية تشاركية تعين على البناء والتنمية والاستقرار  .

 

 دعوة شاملة

 

 فدعوة الرئيس السيسي  للحوار الوطني اتسمت وبحسب دراسة  للمركز المصري للفكر والدراسات  ، اتسمت بالشمول وابتعدت عن الإقصاء، ولا يمكن أن تنفصل تلك الدعوة عن السياق العام والمناخ المصاحب ، كما  أن لجنة العفو الرئاسي لا يقتصر دورها على الإفراج فقط، بل لها دور اجتماعي، حيث تعمل على التواصل مع المفرج عنهم والجهات المسئولة، سواء العاملين في جهات تنفيذية أو حكومية أو حتى قطاع خاص ، كذلك فإن  الدولة المصرية   تخطو بخطى واثقة نحو مستقبل الجمهورية الجديدة وستمضي قدما وبخطوات واثقة لتعزيز حقوق الإنسان  ، ولعل  قرارات العفو المتتالية تؤكد أن الجمهورية الجديدة يرتفع فيها سقف الحرية بلا إقصاء أو تهميش أو استبعاد، ومصر ستبقي وتظل وطن للجميع، وأن ملف الحريات والحقوق يحظى بأولوية كبرى لدى الدولة المصرية خلال المرحلة القادمة وتلك تعد رسالة واضحة للدكاكين الحقوقية التي تتربص بالدولة وتصدر تقارير مأجورة لتشويه الإنجازات ، فضلا عن  أن هذه الإفراجات المتتالية تبعث رسائل إيجابية ومبشرة ترسخ تأكيد مبادئ الجمهورية الجديدة باستيعاب الجميع، ومنح الفرصة للمشاركة المجتمعية في كل ما يشغل المواطنين من قضايا، بالإضافة إلى الاستفادة من طاقاتهم في صالح الوطن، وانخراطهم في المجتمع.

 ولعل المشاركين في الحوار الوطني يدركون جيدا أنه بات عليهم مسئولية تحقيق الأهداف المرجوة للحوار والمتمثلة في المساهمة في النجاح في تثبيت أركان الدولة ، والانفتاح على المجتمع المدنى ، وتقديم ترجمة واقعية لاستراتيجية حقوق الإنسان ، وتهيئة الأجواء للاستمرار في مسيرة التنمية.

 تحقيق ذلك يوجب ضرورة البحث عن القواسم المشتركة بين مختلف الأطياف، وترتيب الأولويات ، والعمل على إعلاء المصلحة العليا على حساب المصالح الحزبية الضيقة ، فضلا عن  المشاركة الفاعلة والنشطة مع عدم تفجير المشكلة دون وضع حلول واقعية وبدائل أمام صانع القرار ، إلي جانب قيام الأحزاب السياسية بتحديد أجندة للقضايا التي تضعها في أولوياتها وتدشين حوار بشأنها. تحديد مدى زمني واضح تلتزم به الأطراف المشاركة في الحوار.

كما أنه علي الجميع أن يدرك أن الحوار الوطني أداة لإدارة التنوع فى المجتمع وإعطاء شعور للجميع بالمشاركة، خاصة أن الدولة وصلت لمرحلة من اللياقة تمكنها من إدارة الحوار الوطني، الذى يعكس حيوية ويتيح الفرصة لتنوع يملأ مساحات المشاركة وعلى مدار شهور منذ إطلاق مبادرة الحوار الوطني، جرت مياه كثيرة، وأتاحت الفضائيات ومنصات النشر عرض وجهات نظر مختلفة، فى السياسة والاقتصاد، وإن كان الاقتصاد يشغل المساحة الأكبر لدى البعض، فإن الأحزاب تركز أكثر على الممارسة السياسية.

 

يمين الصفحة
شمال الصفحة