القطاع العقاري ورأس الحكمة وراء قفزته التاريخية و وصوله إلي 49.95 مليار دولار

احتياطي النقد الأجنبي لمصر خلال 2024 يتصاعد ويتعدي نسبة الأمان

لايزال الاحتياطي النقدي يمثل حائط الصد للاقتصاد المصري من الصدمات الخارجية، فقد واجه الكثير من التحديات خلال عام 2024 الذي كان مليئًا بالتحديات الخارجية والداخلية ما بين حرب غزة ولبنان وتعثر الاقتصاد العالمي بسبب حرب أوكرانيا وروسيا، بالإضافة إلى موجة من الارتفاعات والانخفاضات للدولار والعملات الأجنبية مقابل الجنيه.

وانتهت رحلة صعود الاحتياطي النقدي في 2024 بأرقام قياسية و غير مسبوقة، بعدما  ارتفع الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر، بنهاية نوفمبر الماضي، حيث شهد حجم الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر ارتفاعًا بقيمة بلغت 11 مليون دولار خلال نوفمبر، بالمقارنة بشهر أكتوبر السابق له.

بينما سيكشف البنك المركزي المصري، عن قيمة الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر، بنهاية شهر ديسمبر 2024، خلال الأسبوع الأول من شهر يناير 2025.

ويمثل الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر، أحد أهم عوامل التأمين ضد الصدمات الخارجية مما يعزز من الثقة في الاقتصاد المصري، كما أنه واحدا من أهم المؤشرات التي تأخذها وكالات التصنيف الائتماني في اعتبارها عند تقييم مخاطر الدول.

وقفز الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر، ليسجل نحو 49.95 مليار دولار في نهاية شهر نوفمبر 2024، مقابل 46.94 مليار دولار في نهاية أكتوبر 2024.

يفوق مستويات الأمان

وتتفوق أرصدة الاحتياطي النقدي الأجنبي لمصر الحالية، على مستويات الآمان الدولية، من خلال توفير تغطية تصل إلى 7.9 أشهر من الواردات السلعية لمصر بنهاية شهر نوفمبر الماضي.

ويأتي ارتفاع احتياطي النقد الأجنبي لمصر، كإشارة واضحة على نجاح إجراءات الإصلاح النقدي والاقتصادي التي تم تبنيها مؤخرًا، وبداية تحقق الثمار المرجوة منها.

رحلة الاحتياطي النقدي لمصر في 11 عامًا

الاحتياطي النقدي في مصر، شهد خلال السنوات الماضية تذبذبًا، ما بين هبوط وصعود، حيث تلقى ضربة قوية لأول مرة في مارس 2013، عندما انخفض بأكثر من 63%، ليسجل 13.42 مليار دولار من 36 مليار دولار.

هبوط الاحتياطي النقدي دفع عددا من الدول لتقديم مساعدات إلى مصر، ومن بينها دول الخليج (السعودية والإمارات والكويت)، في شكل ودائع وتمويلات تنموية.

وخلال الفترة من 2014 حتى 2019، شهد الاحتياطي النقدي ارتفاعًا متتاليًا، من 15.3 مليار دولار إلى 45.4 مليار دولار، بزيادة حوالي 197%، قبل أن يصل إلى أعلى مستوى له 45.51 مليار دولار، قبل جائحة كورونا.

وفي 2020، ومع انتشار جائحة كورونا في العالم، وزيادة الإنفاق الصحي، تراجع الاحتياطي النقدي في مصر بنحو 9.5 مليار دولار، ليسجل 36 مليار دولار، خلال مايو 2020، قبل أن يختتم العام بالزيادة إلى 40.063 مليار دولار في نهاية ديسمبر 2020.

وفي 2021، عاد الاحتياطي النقدي للارتفاع، بواقع 40.90 مليار دولار في نهاية نوفمبر، مسجلًا زيادة خلال السنة بحوالي 60 مليون دولار مقارنة بالعام الماضي.

وبدأ الاحتياطي النقدي عام 2022 عند 41 مليار دولار خلال يناير، قبل أن ينتهي العام بتراجع بحوالي 5 مليارات دولار، ليصبح عند 34 مليار دولار بنهاية شهر ديسمبر 2022.

وفي عام 2023، بلغ الاحتياطي النقدي في نهاية يناير نحو 34.2 مليار دولار، مسجلا ارتفاعًا بحوالي 200 مليون دولار، قبل أن ينهي العام بزيادة حوالي مليار دولار وذلك عند 35.219 مليار دولار في ديسمبر 2023.

وفي العام الجاري، ارتفع النقد الأجنبي خلال الربع الأول بنحو 5 مليارات دولار، ليصل إلى 40,361.3 مليار دولار، بدعم من صفقة رأس الحكمة والتي وصلت قيمتها إلى 35 مليار دولار.

دور الأموال الساخنة في رفع الاحتياطي النقدي

يرى الدكتور أحمد غنيم، أستاذ اقتصاد في كلية الاقتصاد والعلوم السياسة جامعة القاهرة، إن  ارتفاع الاحتياطي النقدي لمصر مؤشر إيجابي بشأن وجود وفرة نسبية في النقد الأجنبي داخل البلاد وهو ما مكن البنك المركزي من تكوين حصيلة إضافية يمكن استخدامها لكن هناك تحديات اقتصادية كبيرة.

"ارتفاع الاحتياطي النقدي لـ 46.125 مليار دولار مؤشر على أن التدفقات الدولارية زادت ومصدر هذه الزيادة أمر مهم، وجزء منها من الأموال الساخنة الشهر الماضي، والتعامل معها يجب أن يكون بحذر حتى لا نقف في نفس مشكلة عام 2022" بحسب الخبير الاقتصادي .

وأشار غنيم إلى أن هذا مؤشر إيجابي وليس بالضرورة عاكس لتحسين المستوى الاقتصادي، ويجب على الحكومة أن تتعامل بحذر مع تدفق الأموال للمشروعات الكبرى والحفاظ على مواردها من النقد الأجنبي والتعامل بحنكة في ملفات الكهرباء والدعم، مؤكدا أننا نحتاج إصلاح بيئة الاستثمار بشكل أكبر للنهوض بالصناعات التصديرية.

دور القطاع العقاري وصفقة رأس الحكمة

وبحسب الكثير من خبراء الاقتصاد فإن القطاع العقاري ورأس الحكمة كلمة السر في رفع الاحتياطي النقدي لمصر، ووفقًا لناجي فرج، مستشار وزير التموين لشئون صناعة الذهب، فإن رفع احتياطي النقد الأجنبي لـ 46 مليار دولار يعد إنجازا كبيرا يحسب لمصر.

وأضاف أن رفع احتياطي النقد الأجنبي يرفع قيمة الجنيه المصري، مضيفًا أن القطاع العقاري وصفقة رأس الحكمة كان لهما دور كبير في رفع الاحتياطي النقدي.

رفع احتياطي البنك المركزي من خلال الذهب

وتابع؛ أن قيمة الذهب متزايدة عبر الزمن، وأن 100 طن من سبائك الذهب تعادل 6.25 مليار دولار، مشيرا إلى أن قطاع الذهب صناعي وليس رفاهية وهو العملة الأساسية المعتمدة في جميع أنحاء العالم.

وقال الخبير الاقتصادي ناجي فرج إنه يمكن رفع احتياطي البنك المركزي من خلال الذهب بمقدار 20 مليار دولار، ومطلوب التركيز على الاستخراج والتنقية للمعدن الأصفر.

ثقة العالم في الاقتصاد المصري

ويحمل ارتفاع الاحتياطي النقدي رسائل ايجابية في الداخل والخارج أيضاً، لأن زيادة الاحتياطي النقدي يمثل أحد أهم المؤشرات للتصنيف الائتماني، كما أن الاحتياطي وسيلة لتخفيف الصدمات الخارجية، علاوة على أننا نعتمد على الاحتياطي في سداد الحاجات الاستيرادية، وهو عامل ثقة في الاقتصاد المصري ويقوي العملة المحلية مقابل العملات الأجنبية بشكل كبير.

الاحتياطي النقدي المتزايد يعطي ثقة للعالم في الاقتصاد المصري، مؤكدا أن زيادة الاحتياطي الان هو الأبرز خلال الفترة الأخيرة .

وأصبح الاحتياطي النقدي لدى البنك المركزي قادر على تغطية احتياجات البلاد من السلع التموينية والاستراتيجية المستوردة لمدة طويلة، مما يمنح البنك المركزي أريحية في تدبير مستلزمات الإنتاج ويضمن استدامة وفرة العملة الأجنبية، ويؤثر بشكل إيجابي على السياسة المالية.

وتضمن زيادة الاحتياطي الأجنبي لدى البنك المركزي استدامة تشغيل المصانع بفضل توافر مستلزمات الإنتاج، مما يدعم استقرار الأسواق بتوافر السلع والمنتجات بكميات كبيرة، ويعزز زيادة حصيلة الصادرات نتيجة الزيادة المطردة في الإنتاج.

مؤشرات إيجابية في 2025

وتتعدى وظيفة الاحتياطى النقدى الأجنبى كونه حائط صد للصدمات الخارجية، حيث يمثل بمكوناته من الذهب والعملات الدولية المختلفة، فى توفير السلع الأساسية وسداد أقساط وفوائد الديون الخارجية، ومواجهة الأزمات الاقتصادية، في الظروف الاستثنائية، مع تأثر الموارد من القطاعات المدرة للعملة الصعبة.

ويتكون الاحتياطى الأجنبى لمصر من سلة من العملات الدولية الرئيسية، تشمل الدولار الأمريكى والعملة الأوروبية الموحدة «اليورو»، والجنيه الإسترلينى والين اليابانى واليوان الصينى، وهى نسبة توزع حيازات مصر منها على أساس أسعار الصرف لتلك العملات ومدى استقرارها فى الأسواق الدولية، وتتغير حسب خطة موضوعة من قبل مسؤولى البنك المركزى المصرى.

توقعات المؤسسات الدولية تشير إلى حالة من التفاؤل بشأن مستويات الاحتياطات الأجنبية للبلاد، إذ يتوقع "مورجان ستانلى" أن يواصل الاحتياطى النقدى صعوده إلى مستوى 62.4 مليار دولار بنهاية يونيو 2025، وإلى 67.4 مليار فى ختام السنة المالية التى تنتهى فى يونيو 2026، أما فيتش فترجح أن ترتفع احتياطيات النقد الأجنبى فى مصر إلى 53.3 مليار دولار خلال 2025.

"جى بى مورجان" يرى أيضًا أن احتياطى مصر من النقد الأجنبى قد يرتفع بمقدار 16.2 مليار دولار خلال العام المالى 2024- 2025، و2.6 مليار فى العام المالى 2025 -2026، فيما أظهرت توقعات بنك الاستثمار السويسرى "يو بى إس" أن التدفقات الأجنبية لمصر خلال العام المالى الحالى تظهر فائضًا قدره من 7 إلى 8 مليارات دولار من الممكن استخدامه لزيادة الاحتياطى الأجنبى.

وهو ما أكده محمد بدرة، الخبير المصرفى، بأن الزيادات التى شهدها الاحتياطى النقدى للبلاد خلال الأشهر الأخيرة تبرز نجاح البنك المركزى المصرى فى استخدام سياساته من أجل زيادة الموارد النقدية من الدولار، مضيفًا أن ارتفاع الاحتياطى جاء مدفوعًا بالزيادة القياسية فى الصادرات وتحديدًا الصادرات الزراعية، إضافة إلى عودة انتعاش تحويلات المصريين فى الخارج، والتى قد تكون عوضت جزءًا من الخلل الحادث بفعل تراجع عائدات قناة السويس. وذكر الخبير المصرفى، أن احتياطات النقدية تشمل أرصدة الذهب، والتى وصلت إلى 11.14 مليار دولار بنهاية أكتوبر الماضى، وبالتالى فهو يتأثر بالموارد المتدفقة من منجم السكرى، فضلًا عن الدعم الذى يتلقاه بفعل القفزات التى شهدتها أسعار الذهب خلال هذا العام.

بدرة يرى أن تحويلات المصريين العاملين فى الخارج ستواصل دعمها للاحتياطى، مُعتبرًا أن تطبيق سعر صرف مرن فى مارس الماضى ساهم فى عودتها بشكل قوى خلال هذا العام، ما يجعل 2024 من أفضل السنوات لتلك التحويلات.

ولفت إلى أن إعلان رئيس الوزراء عن طرح 10 شركات على الأقل خلال عام 2025، من بينها 4 مملوكة للقوات المسلحة، يعنى اجتذاب تدفقات من الاستثمارات الأجنبية، وهو ما يعطى الفرصة لتعزيز الاحتياطات النقدية لتصل إلى مستويات قياسية، مشيرًا إلى أن العام المقبل سيشهد ارتفاعها لتتجاوز مستويات الـ50 مليار دولار بنهاية العام المالى الجارى.

أوضح محمد بدرة، أن نسبة الزيادة المتوقعة فى الاحتياطى خلال 2025 تتوقف على سياسة وزارة المالية فيما يتعلق باستخدام عوائد برنامج الطروحات والاستثمارات الأجنبية الأخرى، إلى جانب التمويلات المعلن عنها من جانب الاتحاد الأوروبى والبنك الدولى، المرتقب ضخ شرائحها فى العام الجديد، إذ إن الوزارة قد تفضل تخصيص جزء كبير من هذه التدفقات لسداد الديون كأولوية، على أن تستخدم الفائض فى تعزيز الاحتياطات.

يمين الصفحة
شمال الصفحة