في خطوة صينية هزت عرش عرش الذكاء الاصطناعي في العالم، تفوَّق مساعد الذكاء الاصطناعي «ديب سيك»، على منافسه تشات جي بي تي ليصبح التطبيق المجاني الأعلى تصنيفاً على متجر «أبل» في الولايات المتحدة.
الكشف عن تطبيق ديب سيك
وكشفت شركة ديب سيك، عن نموذجها المتقدم R1، ضخم المحتوى بميزانية محدودة لا تتجاوز 6 ملايين دولار، باستخدام شرائح إنفيديا إتش 800 الأقل تطوراً، ما يبرز قدرات الصين على تحقيق اختراقات تقنية رغم القيود الامريكية على تصدير الرقائق المتطورة.
واشعل التطبيق الجدل في وادي السيليكون، حول الشركات الأمريكية الضخمة، مثل ميتا وأنثروبيك، وقدرتها على الحفاظ على تفوقها التقني في ظل تنامي التنافس الجديد وتهديد هيمنتها شركات، مثل أوبن إيه آي وغوغل ديب مايند.
ما سبب القلق في الولايات المتحدة؟
منعت واشنطن تصدير التقنيات المتطورة مثل أشباه موصلات وحدات معالجة الرسوم إلى الصين، في محاولة لإبطاء تقدم بكين في الذكاء الاصطناعي الذي يمثل الجبهة الأساسية في المنافسة بين الولايات المتحدة والصين على التفوق التقني.
لكن التقدم الذي حققته "ديب سيك" يشير إلى أن مهندسي الذكاء الاصطناعي الصينيين تمكنوا من الالتفاف على تلك القيود، وصبوا تركيزهم على زيادة الكفاءة باستخدام موارد محدودة. وبينما لم يتضح مدى تطور أجهزة تدريب الذكاء الاصطناعي التي حصلت عليها "ديب سيك"، فما حققته الشركة يكفي للإشارة إلى أن القيود التجارية لم تنجح تماماً في عرقلة تقدم الصين.
ما هو تطبيق "DeepSeek"؟
"ديب سيك" هي شركة ناشئة صينية تأسست في 2023 على يد ليانغ ونفنغ، رئيس صندوق التحوط الكمي الذي يعتمد على الذكاء الاصطناعي "هاي فلاير" (High-Flyer). وتطور الشركة نماذج ذكاء اصطناعي مفتوحة المصدر، وارتقى تطبيق الهاتف الذي يحمل الاسم نفسه ليتصدر قوائم التحميل على هاتف "أيفون" في الولايات المتحدة بعد إطلاقه أوائل يناير.
يُميز تطبيق "ديب سيك" نفسه عن روبوتات المحادثة الأخرى، مثل "تشات جي تي" الذي طورته شركة "أوبن إيه آي" (OpenAI)، بتوضيح منطقه قبل الرد على الأمر. وتزعم الشركة أن الإصدار "آر ون" (R1) يقدم أداءً يضاهي أحدث إصدارات "أوبن إيه آي"، كما سمحت للأشخاص المهتمين بتطوير روبوتات المحادثة بالوصول إلى التكنولوجيا لتطويرها.
ما مستوى أداء "DeepSeeek R1" مقارنة بـ"OpenAI" و"ميتا"؟
رغم أن الشركة لم تكشف التفاصيل كلها، يبدو أن تكلفة تدريب وتطوير نماذج "ديب سيك" لا تمثل إلا جزءاً ضئيلاً مقارنةً بما تحتاجه أفضل منتجات "أوبن إيه آي" أو "ميتا بلاتفورمز". وتثير الكفاءة الأفضل للنموذج الشكوك حول الحاجة إلى النفقات الرأسمالية الكبيرة لشراء أحدث مسرعات الذكاء الاصطناعي وأعلاها أداءً من شركات مثل "إنفيديا" وغيرها.
كما يعزز ذلك الاهتمام بالقيود الأمريكية على تصدير أشباه الموصلات المتطورة إلى الصين، بهدف منع إحراز أي تقدم من النوع الذي يبدو أن "ديب سيك" حققته.
يماثل أداء "آر ون" أو يتفوق حتى على النماذج المنافسة في عدد من المقاييس الرئيسية، مثل "إيه آي إم إي 2024" (AIME 2024) للعمليات الحسابية، و"إم إم إل يو" (MMLU) للمعلومات العامة، و"ألباكا إيفال 2" (AlpacaEval 2.0) للأسئلة والإجابات. كما صُنف النموذج ضمن الأفضل أداءً على قائمة المتصدرين، التي يُطلق عليها "تشات بوت أرينا" (Chatbot Arena)، التابعة لجامعة كاليفورنيا بيركلي.
مميزات تطبيق "DeepSeek"
تحظى مطورة الذكاء الاصطناعي بمتابعة دقيقة منذ إطلاق نموذجها الأول في 2023. وفي نوفمبر، أعطت العالم لمحة عن نموذج "آر ون" للتحليل المنطقي، المصمَّم لمحاكاة التفكير البشري.
يدعم هذا النموذج تطبيق روبوت المحادثة على الهاتف، ومع إطلاق واجهة الاستخدام عبر المتصفح في يناير، اكتسب النموذج شهرة عالمية باعتباره بديلاً أقل تكلفة بكثير لنموذج "أوبن إيه آي"، فيما وصفه المستثمر مارك أندريسين بأنه "لحظة سبوتنيك في الذكاء الاصطناعي" (أي الإدراك المفاجئ لتفوق المنافس في التكنولوجيا مثلما حدث مع إطلاق روسيا أول قمر صناعي قبل الولايات المتحدة في الخمسينيات).
جرى تحميل تطبيق "ديب سيك" للهاتف 1.6 مليون مرة بحلول 25 يناير، وتصدر متاجر تطبيقات "أيفون" في أستراليا، وكندا، والصين، وسنغافورة، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، بحسب البيانات الصادرة عن منصة متابعة السوق "آب فيغرز" (App Firgures).
من مؤسس "DeepSeek"؟
وُلد ليانغ في قوانغدونغ في 1985، وحصل على شهادتي البكالوريوس والماجستير في هندسة الإلكترونيات والمعلومات من جامعة تشيجيانغ. وأسس "ديب سيك" برأس مال مُرخص يبلغ 10 ملايين يوان فقط (1.4 مليون دولار)، بحسب قاعدة بيانات الشركات "تيانيانشا" (Tianyancha).
قال ليانغ في مقابلة مع موقع "36 كيه آر" الصيني إن العقبة أمام تحقيق مزيد من التقدم لا تكمن في جمع تمويل أكبر، بل في القيود الأميركية على الوصول إلى الرقائق الأفضل أداءً، وأشار إلى أن معظم كبار الباحثين في الشركة كانوا حديثي التخرج من أكبر الجامعات الصينية.
كما أكد على حاجة الصين إلى تطوير منظومة محلية شاملة، تشبه المحيطة بـ"إنفيديا" ورقائق الذكاء الاصطناعي التي تنتجها. وأضاف: "زيادة الاستثمار لا تؤدي بالضرورة إلى مزيد من الابتكار، وإلا استأثرت الشركات الكبرى بكل الابتكارات".
ما وضع "DeepSeek" في ساحة الذكاء الاصطناعي في الصين؟
استثمرت كبرى شركات التكنولوجيا الصينية، مثل "علي بابا القابضة" و"بايدو" و"تينسنت هولدينغز"، مبالغ وموارد كبيرة في المنافسة على الأجهزة والعملاء لمشروعات الذكاء الاصطناعي التابعة لهم.
وإلى جانب "01 إيه آي" (01.AI)، الشركة الناشئة التي أسسها كاي فو لي، تتميز "ديب سيك" باستراتيجية المصادر المفتوحة، التي تهدف إلى جذب أكبر عدد ممكن من المستخدمين بشكل سريع قبل وضع استراتيجيات لتحقيق الأرباح فضلاً عن العدد الكبير من المستخدمين.
نظراً لأن نماذج "ديب سيك" أقل تكلفة بكثير، فقد أدت دوراً في المساعدة على خفض التكاليف على مطوري الذكاء الاصطناعي في الصين، حيث انخرط اللاعبون الكبار في حرب أسعار شهدت موجات متتالية من التخفيضات خلال العام ونصف الماضيين.
ما التأثيرات على سوق الذكاء الاصطناعي العالمية؟
نجاح "ديب سيك" قد يدفع "أوبن إيه آي" ومقدمي الخدمة الآخرين في الولايات المتحدة إلى خفض الأسعار للحفاظ على تفوقهم الحالي، كما سيثير الشك حول الإنفاق الكبير لشركات مثل "ميتا" و"مايكروسوفت"، إذا كانت النماذج الأكثر كفاءة بمقدورها المنافسة باستثمارات أقل بكثير، إذ تعهد كل من الشركتين الأميركيتين بإنفاق رأسمالي يبلغ 65 مليار دولار أو أكثر هذا العام على البنية التحتية للذكاء الاصطناعي بشكل رئيسي.
أدى هذا إلى هزة في أسواق الأسهم الآسيوية، إذ سعى المستثمرون وراء شركات صينية مرتبطة بـ"ديب سيك"، مثل "إيفليتك"، وابتعدوا عن شركات سلسلة توريد صنع الرقائق مثل "أدفانتست"، التي قد تتعرض لأي تراجع في الطلب المتوقع على أشباه الموصلات المستخدمة في الذكاء الاصطناعي.
بدأ المطورون من جميع أنحاء العالم تجربة برنامج "ديب سيك"، ويسعون إلى تطوير أدوات باستخدامه. وقد يسرع ذلك من وتيرة تبني نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة للتفكير المنطقي، فيما يُحتمل أن يؤجج مخاوف إضافية بشأن الحاجة إلى حواجز وقائية على استخدامها. وربما تؤدي نجاحات "ديب سيك" إلى تسريع وتيرة إصدار القواعد التي تحكم كيفية تطوير الذكاء الاصطناعي.
ما عيوب "DeepSeek"؟
مثل كل نماذج الذكاء الاصطناعي الصينية الأخرى، تفرض "ديب سيك" رقابة ذاتية على الموضوعات التي تُعد حساسة في الصين، فتتجنب الإجابة عن الاستفسارات عن (مظاهرات) ميدان تيانانمن أو تراوغ في الأسئلة المشحونة جيوسياسياً، مثل احتمال غزو الصين لتايوان.
وفي الاختبارات، تمكن روبوت "ديب سيك" من تقديم إجابات تفصيلية عن شخصيات سياسية مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، لكنه رفض ذلك عند سؤاله عن الرئيس الصيني شي جين بينغ.
يُرجح أن الرواج المفاجئ سيشكل اختباراً للبنية التحتية السحابية لنموذج "ديب سيك". حيث تعرضت الشركة لتوقف كبير في الخدمة لفترة وجيزة في 27 يناير، وسيتعين عليها التعامل مع عدد زائرين أكبر مع طرح المستخدمين الجدد والعائدين مزيداً من الأسئلة على روبوت المحادثة.