ارتفع الدولار الأمريكي مقابل كل العملات الرئيسية الأخرى بعدما أججت تصريحات دونالد ترامب، ووزير الخزانة الأمريكي المخاوف من أن فترة التوقف الوجيزة عن الحديث عن الرسوم الجمركية انتهت تماماً.
تراجعت عملتا أستراليا ونيوزيلندا الحساستان للمخاطر 0.7% على الأقل مقابل الدولار خلال التداول في آسيا الثلاثاء، فيما انخفض الين الياباني بأكثر من 0.9% مقابل العملة الأميركية، أما اليوان المستخدم في التعاملات الخارجية، نسخة العملة الصينية الأكثر حرية في التداول، فتراجع بأكثر من 0.4% مقابل العملة الخضراء.
جاء التراجع بعدما كشف تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" أن سكوت بيسنت، وزير الخزانة الجديد، يؤيد فرض تعريفات جمركية شاملة على الواردات الأمريكية تبدأ من نسبة 2.5% وتُرفع تدريجياً. وتأجج القلق بعد تصريحات ترامب التي أشار فيها إلى أنه يدرس فرض تعريفات جمركية على كل الواردات، بدءاً من الصلب والنحاس ووصولاً إلى رقائق أشباه الموصلات، وقال للصحفيين إنه يرغب في أن تكون التعريفات الجمركية "أعلى بكثير" من 2.5%.
تصريحات ترامب تعزز قوة الدولار
أنهت هذه التصريحات فترة الهدوء النسبي في سوق العملة، بعد أن كان أول أسبوع لترامب في المنصب أقل تشدداً بشأن القيود التجارية مما خشاه كثيرون. وجاءت هذه التصريحات الحديثة بعد خلاف تجاري قصير مع كولومبيا، لتجعل الرسوم الجمركية محور الاهتمام مجدداً.
أشار رودريغو كاتريل، المحلل الاستراتيجي لدى مصرف "ناشيونال أستراليا بنك" (National Australia Bank) في سيدني، إلى أن "حديث بيسنت عن تعريفات جمركية شاملة على جميع السلع والبضائع واحتمال رفعها تدريجياً حتى 20%، يمثل أمراً بالغ الأهمية. الأجندة الحمائية للرئيس ليست في صالح النمو العالمي، وتعزز مكانة الدولار باعتباره الملاذ الآمن الرئيسي".
ارتفع مؤشر "بلومبرغ" للدولار الفوري بنحو 0.5%.
خلال مقابلة مع الصحفيين على متن الطائرة الرئاسية "إير فورس ون"، أكد ترمب أنه قد يفرض رسوماً جمركية محددة على السيارات المستوردة من كندا والمكسيك، الدولتان اللتان هددهما بفرض تعريفات جمركية شاملة بنسبة 25% اعتباراً الأول من فبراير.
رهانات على صعود جديد في الدولار
يُعد هذا أحدث مثال على تصعيد ترمب الخطاب بشأن التعريفات الجمركية هذا الأسبوع، بعد حديثه يوم الإثنين، الذي كشف خلاله عن اعتقاده بأن التعريفات الجمركية ستدعم عودة الوظائف والتصنيع إلى الولايات المتحدة.
ارتفع الدولار بعد يوم حافل بالتقلبات في الأسواق العالمية، بعد أن أدى التقدم الذي حققه نموذج ذكاء اصطناعي صيني إلى انخفاض القيمة السوقية لـ"إنفيديا" 589 مليار دولار، وأثار شكوكاً كبيرة حول التميز التكنولوجي الأميركي.
أقبل المستثمرون، ومن بينهم صناديق التحوط، على المراكز الاستثمارية المُرجحة لارتفاع الدولار بفضل الرهانات على أن سياسات ترمب ستؤثر على العملات الأخرى، وتفاقم الضغوط على الأسعار، وتبقى على أسعار الفائدة المرتفعة في الولايات المتحدة.
هناك دلائل على أن الإرهاق قد بدأ يتسلل إلى السوق، فخلال الأسبوع المنتهي في 21 يناير، تخلي المضاربون عن أشد المراكز الاستثمارية تفاؤلاً بشأن الدولار منذ 2019، بحسب تحليل "بلومبرغ" للبيانات الصادرة عن لجنة تداول السلع الآجلة. لكن تبين أن بيع العملة الأميركية كان السيناريو الأسوأ خلال الأشهر الماضية، حيث ارتفعت العملة الخضراء- التي تستفيد عادةً من توقعات الرسوم الجمركية- بأكثر من 7% خلال الربع الأخير من 2024.
مخاوف الرسوم الجمركية تدعم الدولار
توقع المحلل الاستراتيجي في "ماركتس لايف"، غارفيلد رينولدز، أن يؤدي تصريح الرئيس ترامب بعزمه فرض رسوم جمركية على مجموعة كبيرة من السلع والبضائع إلى تجدد المخاوف التي أقلقت أسواق العملات خلال الفترة السابقة لتنصيبه، وبات المستثمرون يواجهون حقيقتين أساسيتين في مشهد متغير، هما: قوة الدولار وتقلبه، وكل منهما عامل يدعم الآخر.
يعد أحدث تحرك (في الأسعار) تذكيراً قوياً للمتعاملين على أن فترات الهدوء في أسواق العملات عادةً ما تكون قصيرة، فيما سيواصل شبح التعريفات الجمركية، وتغير التوقعات حول نطاق تأثيرها، تأجيج التقلب في سوق العملة التي يبلغ حجم التداول اليومي فيها 7.5 تريليون دولار.
أشار كريستوفر وونغ، المحلل الاستراتيجي لدى "أوفر سي تشاينيز بانكينغ" (Oversea-Chinese Banking)، إلى أن "تصاعد مخاوف التعريفات الجمركية مجدداً بعد تراجع حدتها الأسبوع الماضي يعزز قوة الدولار. يوضح ذلك مدى تغير الأوضاع بسرعة، وأن الضبابية المحيطة بموعد تطبيق الرسوم الجمركية وحجمها ونطاقها يجب أن تستمر في تحفيز تداولات البيع والشراء، بالأخص بعد تصفية بعض مراكز شراء الدولار الأسبوع الماضي".