البنك المركزي يستجيب لضغوط التضخم...ماذا يعني تثبيت أسعار الفائدة على الإيداع والإقراض؟

في ظل حالة من عدم اليقين الاقتصادي، قررت لجنة السياسة النقديـة للبنك المركزي المصري في اجتماعهـا يوم الخميس الموافـق 20 فبراير 2025 الإبقاء على سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسية للبنك المركزي عند 27.25% و28.25% و27.75%، على الترتيب، كما قررت الإبقاء على سعر الائتمان والخصم عند 27.75%.
يستخدم البنك المركزى أداة سعر الفائدة للسيطرة على التضخم، عبر خفض سعر الفائدة. ويأتي قرار المركزي المصري، وسط موجة من قرارات بعض البنوك المركزية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة على حد السواء والتي قررت خفض أسعار العائد لديها تدريجيا على الرغم من حالة عدم اليقين التي لا تزال تحيط بآفاق النمو الاقتصادي والتضخم عالميا، في حين قررت بنوك مركزية أخرى اتباع نهج حذر تحسبا للتطورات الاقتصادية العالمية المتلاحقة.
ويظل النمو الاقتصادي مستقرا إلى حد كبير، ومن المتوقع أن يستمر بالوتيرة الحالية في الأجل المتوسط، وإن لم يَعُد بعد إلى مستويات ما قبل جائحة كورونا، غير أن هذه التوقعات لا تزال عُرضة لمجموعة من المخاطر أهمها التأثير السلبي للسياسات النقدية التقييدية على النشاط الاقتصادي، وعودة السياسات التجارية الحمائية وتأثيرها على التجارة العالمية. وفيما يتعلق بالتضخم، شهدت الأسعار العالمية للسلع الأساسية تقلبات في الآونة الأخيرة، وتشير التوقعات إلى احتمالية زيادة أسعارها في الأجل المتوسط، خاصة أسعار الحبوب. غير أن هذه التوقعات لا تزال عُرضة للمخاطر، بما في ذلك تفاقم التوترات الجيوسياسية واضطرابات التجارة العالمية الناجمة عن السياسات الحمائية.
استطلاعات بلومبرج
تباينت توقعات المحللين في استطلاع "بلومبرج" لآراء 11 بنكاً استثمارياً حول مسار أسعار الفائدة في مصر بأول اجتماع للسياسة النقدية يعقده البنك المركزي هذا العام، والذي يُعد هذا أول انقسام لتقديرات المحللين بعد توافق للآراء دام طوال الاجتماعات الستة الماضية على الإبقاء على المعدل دون تغيير بفعل استمرار التوترات الجيوسياسية بالمنطقة والإجراءات الحمائية على التجارة العالمية وتأثير ضبط الموازنة العامة، فيما ترسل البنوك المصرية إشارات استباقية بخفض مرتقب.
أما على الصعيد المحلي، تفيد المؤشرات الأولية للربع الرابع من عام 2024 بنمو النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع من الربع الثالث من عام 2024 الذي سجل 3.5%، مما يشير إلى التعافي المستمر في النشاط الاقتصادي. وجاء نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في الربع الثالث من 2024 مدفوعا في المقام الأول بتزايد مساهمة قطاعي الصناعة التحويلية والنقل. وعلى الرغم من أن تقديرات فجوة الناتج تشير إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لا يزال أقل من طاقته القصوى، مما يدعم المسار النزولي المتوقع للتضخم في المدى القصير، فمن المتوقع أن يقترب النشاط الاقتصادي تدريجيا من طاقته القصوى بنهاية السنة المالية 2025/2026. وفيما يتعلق بسوق العمل، تراجع معدل البطالة إلى 6.4% في الربع الرابع من عام 2024 من 6.7% في الربع الثالث من عام 2024.
التضخم السنوي
وبالنسبة للتضخم السنوي، فقد تراجعت وتيرة تباطؤه خلال النصف الثاني من عام 2024 مقارنة بالنصف الأول من ذات العام ليستقر عند 24.0% في يناير 2025. وبالمثل، ظل المعدل السنوي للتضخم الأساسي مستقرا بشكل عام خلال الربع الرابع من عام 2024، إذ بلغ 22.6% في يناير 2025. وبينما استمر معدل التضخم السنوي للسلع الغذائية في التباطؤ، مسجلا 20.8% في يناير 2025، ظل معدل التضخم السنوي للسلع غير الغذائية مستقرا عند 25.5% في المتوسط خلال عام 2024، مما يعكس تلاشي الصدمات السابقة تدريجيا.
وفيما يتعلق بالتوقعات، فقد ارتفعت المخاطر الصعودية المحيطة بالتضخم مقارنة باجتماع لجنة السياسة النقدية السابق، نتيجة تزايد حالة عدم اليقين بشأن الآفاق العالمية والإقليمية فيما يتعلق بتأثير السياسات التجارية الحمائية للولايات المتحدة، والتوترات الجيوسياسية. ومع ذلك، من المتوقع أن يشهد التضخم العام تراجعا ملحوظا خلال الربع الأول من عام 2025 مدفوعا بالتأثير التراكمي للتشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس. وسوف يستمر هذا المسار النزولي ولكن بوتيرة أبطأ بالنظر إلى التأثير المتوقع لإجراءات ضبط المالية العامة. وعليه، من المتوقع أن تقترب معدلات التضخم الشهرية من مستوياتها التاريخية على المدى المتوسط، مما يشير إلى تحسن توقعات التضخم.
توقعات التضخم في مصر
وفي هذا السياق، توقع البنك المركزي أن يواصل التضخم في مصر مسيرته الهبوطية "ولكن بوتيرة أبطأ" بالنظر إلى التأثير المتوقع لإجراءات ضبط المالية العامة. وبالتالي، توقع المركزي أن "تقترب معدلات التضخم الشهرية من مستوياتها التاريخية على المدى المتوسط، مما يشير إلى تحسن توقعات التضخم".
وكررت لجنة السياسة النقدية تأكيدها على أن قرار "الإبقاء على أسعار العائد الأساسية للبنك المركزي دون تغيير يُعد مناسباً في الوقت الحالي للحفاظ على السياسة النقدية التقييدية وضمان تحقيق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم".
كان البنك المركزي أعلن في آخر اجتماع له في 2024 تمديد الأفق الزمني لمعدلات التضخم المستهدفة إلى الربع الرابع من 2026 والربع الرابع من 2028 عند 7% (بارتفاع أو انخفاض 2%) و5% (بارتفاع أو انخفاض 2%) في المتوسط على التوالي، وذلك اتساقاً مع التقدم التدريجي للبنك المركزي نحو اعتماد إطار متكامل لاستهداف التضخم، وفق البيان المرافق لقرار لجنة السياسات النقدية.
وأكد البنك المركزي حينها أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية دون تغيير يُعد "ملائماً حتى يتحقق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات وتحقيق معدلات التضخم المستهدفة".
ضعوط تضخمية خلال شهر رمضان
يرى المحللون المؤيدون للإبقاء على أسعار الفائدة دون تغيير أن هناك ضغوطاً تضخمية محتملة موسمية خلال شهر رمضان القادم، بجانب ضغوط كامنة لم تظهر بعد بسبب الإجراءات الحمائية التي يقرها الرئيس الأميركي دونالد ترمب.
وفي ضوء التطورات الأخيرة وأخذا في الاعتبار حالة عدم اليقين السائدة، ترى اللجنة أن الإبقاء على أسعار العائد الأساسية لـ البنك المركزي دون تغيير يعد مناسبا في الوقت الحالي للحفاظ على السياسة النقدية التقييدية وضمان تحقيق انخفاض ملحوظ ومستدام في معدل التضخم، بما يؤدي إلى ترسيخ التوقعات.
وسوف تواصل اللجنة تقييم قراراتها بشأن بداية دورة التيسير النقدي على أساس كل اجتماع على حدة، مع التأكيد على أن هذه القرارات تعتمد على التوقعات والمخاطر المحيطة بها وما يستجد من بيانات. وسوف تستمر اللجنة في مراقبة التطورات الاقتصادية والمالية عن كثب وتقييم آثارها المحتملة على المؤشرات الاقتصادية، ولن تتردد في استخدام كل الأدوات المتاحة للوصول بالتضخم إلى معدلاته المستهدفة من خلال الحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب واحتواء الآثار الثانوية لصدمات العرض.
ماذا يعني تثبيت أسعار الفائدة؟
وتُعد أسعار الفائدة واحدة من أدوات البنك المركزي للتأثير على معدلات التضخم (الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات)، وهي في الوقت ذاته تحدد علاقة البنك المركزي بباقي البنوك العاملة بالدولة، وتحديدًا في سعر الفائدة التي يمنحها على ودائع هذه البنوك المحفوظة لديه (سعر عائد الإيداع) أو الفائدة التي يفرضها على قروضه الممنوحة للبنوك فيما يعرف بـ(سعر عائد الإقراض)، بالتالي هذه الأسعار تؤثر في علاقة تلك البنوك بعملائها.
واتجه البنك المركزي منذ مارس 2022، لرفع الفائدة بهدف كبح التضخم من خلال إبطاء الإنفاق الاستهلاكي، عبر إغراء المواطنين بأسعار فائدة مرتفعة ليقدموا على إيداع مدخراتهم "الكاش" لدى البنوك بدلًا من إنفاقها أو استثمارها في العقار أو الذهب أو الأسهم أو حتى في المضاربة على العملة.
توقعات مستقبلية بانخفاض التضخم في مصر
من جهته، توقع رئيس مجلس إدارة البنك التجاري الدولي، هشام عز العرب أن ينخفض معدل التضخم في مصر إلى حوالي 15% في أبريل أو مايو 2025، وأن البنك المركزي المصري قد يبدأ في تخفيض أسعار الفائدة ولكن بشكل متوازن وطبيعي.
وتابع عز العرب:"البنك التجاري يتوقع أن يصل التضخم إلى 13% بنهاية العام الجاري، وأن البنك المركزي المصري سيضطر إلى تخفيض سعر الفائدة للحفاظ على عائد إيجابي على العملة المحلية".
"هذا يستدعي خفض أسعار الفائدة لتكون إيجابية بنسبة 4% فقط بدلاً من 14%". وأوضح أن الفائدة المرتفعة تعيق النشاط الاقتصادي، ما يجعل خفضها خطوة ضرورية لدعم الاستثمار والنمو بحسب عز العرب.