
شهدت الأسواق العالمية أسبوعًا غير تقليدي ويوم دام، اختلطت فيه رائحة البارود بتحركات البورصات، بعد تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، مما دفع المستثمرين إلى إعادة تموضعهم في ظل مشهد اقتصادي مضطرب.
وتأثرت مؤشرات الأسواق العالمية بأصوات الانفجارات، واندفعت الاستثمارات صوب الذهب والنفط، بينما فقد الدولار زخمه أمام اليورو، وسط حديث متجدد عن خفض وشيك للفائدة الأمريكية مع تراجع التضخم، وبين شرق أوروبا وغرب أفريقيا، ظل الخطر الأمني يضغط على آفاق النمو.
تصعيد عسكري بين إيران وإسرائيل المشهد الاقتصادي
بدأ الأسبوع بهجوم عسكري إسرائيلي على أهداف إيرانية، ما أربك الأسواق التي تعاملت بحذر مع الحدث، ورغم الارتفاع الحاد في أسعار النفط، لم تشهد البورصات انهيارات، لكنها سجلت تقلبات حادة خصوصًا في المؤشرات الأمريكية.
وارتفع الذهب بشكل لافت، متجاوزًا 3400 دولار للأونصة، وسط موجة شراء كثيفة بينما حافظت عوائد السندات الأمريكية على مكاسبها، مخالفةً الاتجاه التقليدي في أوقات التوتر.
هدنة تجارية محدودة بين بكين وواشنطن
وفي وقت سابق، أعلن مفاوضون من الولايات المتحدة والصين التوصل إلى اتفاق إطاري خلال محادثات في لندن، حيث شمل الاتفاق خطوات مبدئية للحد من تصدير المعادن النادرة من الصين، إلا أن غياب التفاصيل واستمرار الرسوم الجمركية جعله أقرب إلى تهدئة مؤقتة دون ضمانات دائمة.
أظهرت بيانات التضخم الأمريكية لشهر مايو تراجعًا غير متوقع، ما شجع الأسواق على توقع خفض مزدوج للفائدة في 2025، كما سجلت ثقة المستهلكين تحسنًا مفاجئًا وفق جامعة ميشيغان، مما دعم الأسواق لبعض الوقت.
ولم تترجم هذه الإيجابية إلى صعود ثابت للأسهم، إذ اختتمت البورصات الأسبوع بخسائر محدودة بعد مكاسب متقطعة، في وقت استقرت فيه عوائد السندات لأجل 10 سنوات عند نحو 4.45%.
شهد الدولار الأمريكي تراجعًا حادًا أمام اليورو، الذي تجاوز حاجز 1.15 لأول مرة منذ 2021، قبل أن يتعافى الدولار نسبيًا بنهاية الأسبوع مع تصاعد التوترات العسكرية.
وسجّل مؤشر الدولار DXY أدنى مستوياته في ثلاث سنوات قرب 98 نقطة، ما يعيد النقاش حول مصداقية فرضية الابتسامة التي تربط قوة الدولار بالنمو أو الأزمات.
قفزة غير مسبوقة للنفط بسبب التوترات
ارتفعت أسعار النفط بنحو 25% خلال شهر، حيث أنهى خام برنت الأسبوع قرب 75 دولارًا للبرميل، مدعومًا بتوقعات نقص المعروض بسبب التصعيد الجيوسياسي، وواصلت الأسواق تجاهل بيانات ثانوية مثل ارتفاع المخزونات الأمريكية وتزايد طلبات إعانة البطالة.
وأثرت الضربات بشكل مباشر على تحسن آفاق أسعار النفط على المدى الطويل لدى المحللين، وكأن أكثرها تفاؤلاً ذلك الخاص بالمحلل وارن باترسون، رئيس استراتيجية السلع في "آي إن جي غروب" في سنغافورة، الذي قال: "إذا شهدنا تصعيداً مستمراً، فقد تتعطل حركة الشحن عبر مضيق هرمز. وهذا السيناريو قد يعرض نحو 14 مليون برميل يومياً من الإمدادات النفطية للخطر. وأي تعطيل كبير لتلك الإمدادات قد يدفع الأسعار نحو 120 دولاراً للبرميل".
فيما كتب المحلل هنيك فونغ من "بلومبرغ إنتليجنس" في مذكرة: "يسلط ارتفاع أسعار النفط 8% بعد الهجوم الذي شنته إسرائيل على إيران الضوء على الحاجة الملحة للتعامل مع اختلال محتمل في أسواق النفط، في ظل تصاعد واضح لمخاطر اندلاع صراع واسع النطاق. وقد ترتفع علاوة مخاطر النفط إلى ذروة المتوسط عند 22.5 دولار للبرميل، ليصل سعر خام غرب تكساس الوسيط إلى 90 دولاراً في المدى القريب. أما على المدى البعيد، فقد يؤدي رفع تحالف (أوبك+) الإنتاج وتباطؤ الطلب العالمي إلى انخفاض سعر خام غرب تكساس إلى 40 دولاراً".
توقعات أسعار النفط
توقع فاتح بيرول، رئيس وكالة الطاقة الدولية، وجود فائض نفطي كبير في السوق خلال ما تبقى من عام 2025 وبداية عام 2026، وتعزز هذا السيناريو بعد قرار تحالف "أوبك+" بالتخلي تدريجياً عن التخفيضات الطوعية في الإنتاج.
كما أن التوترات في السوق قد تدفع بعض الدول إلى التفكير في تحركات استراتيجية مثل استخدام الاحتياطي النفطي أو الضغط دبلوماسياً لتخفيف التصعيد، وهو ما قد يهدئ الأسواق لاحقاً، ومن ذلك احتمالية لجوء الولايات المتحدة إلى السحب من الاحتياطي الاستراتيجي للنفط (SPR) بهدف تهدئة أسعار السوق، وفق رئيس الوكالة.
لكن على الجانب الآخر، ورداً على تلك التوقعات، قال الأمين العام لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك"، هيثم الغيص إنه لا توجد حالياً تطورات في المعروض أو ديناميكيات السوق تستدعي اتخاذ "إجراءات غير ضرورية".
وأضاف الغيص أن تعليقات وكالة الطاقة الدولية المتعلقة باحتمال استخدام المخزونات الاستراتيجية للنفط، تبعث برسائل إنذار خاطئة وتغذي شعوراً غير مبرر بالخوف في السوق، عبر التلميح إلى الحاجة لاستخدام احتياطات الطوارئ بشكل استباقي، وفق بيان منظمة "أبك" على موقع "إكس".
"تقييمات مماثلة تم الإدلاء بها في حالات سابقة، وأبرزها في عام 2022، أسهمت في زيادة تقلبات السوق وأدت إلى الإفراج عن مخزونات نفطية في توقيت سابق لأوانه، ثبت لاحقاً عدم ضرورتها"، بحسب البيان.
وشددت المنظمة على أن التحليلات المتعلقة بأوضاع السوق يجب أن تستند إلى بيانات موثوقة وتقييمات مهنية دقيقة، خاصة في ظل التوترات الجيوسياسية الراهنة.
تأثير الحرب على إمدادات الغاز وأسعاره
على الصعيد العالمي، شهدت أسعار الغاز الطبيعي رد فعل سريع أيضاً بعد الضربات، حيث ارتفعت في أوروبا بنسبة 3.23% إلى 37.34 يورو لكل ميغاواط في الساعة، وسط مخاوف من اندلاع حرب أوسع في منطقة الشرق الأوسط المحورية لإمدادات الطاقة العالمية. كما قفزت العقود الآجلة القياسية في القارة بنسبة 5.7%، مسجلة أكبر ارتفاع منذ أكثر من خمسة أسابيع.
وإقليمياً، أمرت إسرائيل بإغلاق مؤقت في حقل "ليفياثان"، أكبر حقول الغاز لديها، بعد الضربة لإيران وما تلاها من مخاوف أمنية متزايدة.
قد يؤثر ذلك الإغلاق مباشرة على إمدادات الغاز المصدّرة إلى مصر، التي تعتمد بشكل متزايد على الغاز الإسرائيلي في الصيف لتوليد الكهرباء. ومع انخفاض الإمدادات، قد تضطر القاهرة إلى تسريع وتيرة استيراد الغاز المسال من السوق العالمية، ما يشكل ضغطاً على الميزانية وعلى الأسعار العالمية في الوقت نفسه.
وأبلغت الشركات الموردة للغاز الإسرائيلي القاهرة، بتقليل عمليات ضخ الغاز بسبب إغلاق حقل "ليفياثان" البحري للغاز في إسرائيل، بحسب مسؤول حكومي مصري لـ"الشرق". وتستورد مصر بشكل أساسي الغاز الطبيعي من تل أبيب منذ عام 2020، إذ تُقدَّر الكمية بنحو 800 مليون قدم مكعب يومياً.
وفي ضوء الأزمة، أعلنت وزارتي الكهرباء والبترول في مصر حالة "الاستنفار والطوارئ" لمواجهة أي نقص في إمدادات الغاز، مع مراجعة سيناريوهات متعددة لتأمين الوقود لمحطات الكهرباء في فصل الصيف.