جرمين عامر تكتب: الاحتياط واجب.. المرحوم .. حسه بدنيا السوشيال ميديا

 چرمين عامر – عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

چرمين عامر – عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

 عفاريت ديجيتال، بلا جسد، ولا روح، وبلا مساءلة قانونية أو أخلاقية.

حسابات نشطة .. باسماء أشخاص رحلوا عن دنيانا .. ولكنهم يتفاعلون بحرية داخل ساحات الفضاء الرقمي، التي لا تعترف .. سوى بعدد النقرات !!.

العفاريت الجدد .. يسكنون خلف منصات التواصل الاجتماعي، يجلسون وراء الشاشات المضيئة، ويظهرون لنا .. إفتراضيا في صور حسابات نشطة يعلق، أصحابها المتوفيين على جميع البوستات، ويعجبون، ويشاركون، كأنهم أحياء يرزقون، بينما هم .. في ذمة الله.

الموت .. هو النهاية البيولوجية للبشر، تغلق بعدها الدول ملفاتهم كأحياء بإصدار شهادات وفاة .. بينما خوارزميات السوشيال ميديا، لا تعترف بموتهم.  لأنهم ما زالوا مستخدمين نشطين على منصاتها.

لأن الأهل، يرثون حسابات المتوفي على منصات التواصل الاجتماعي كساعة اليد أو الملابس.  فيستخدمون الهوية الرقمية للمرحوم، بدافع الحنين أو تخليد الذكرى أو الخوف من النسيان، ويحتفظون بكلمة السر لحساباته.  فينشرون التعليقات، والأدعية، والحكم والنصائح، ويهنئون في الأعياد والمناسبات.  بإصرار شديد على إبقاء المرحوم "أونلاين" كأنه ضريح إلكتروني، يزوره المحبون كلما اشتد بهم الحنين للمرحوم.

وهنا .. عزيزي القارئ .. تكمن المشكلة !!

والفرق الكبير !! بين مراسم تخليد ذكرى المرحوم .. وبين الاستمرار في تمثيل هويته الرقمية، باعتبار المرحوم .. حسه بدنيا الديجيتال ميديا.

المسألة في غاية الأهمية والتعقيد، لأنها تحمل شقين أحداهما تقني وأخر قانوني !!

فحينما .. يقوم الأهل بتنشيط حساب المرحوم، ونشر بوستات جديدة، وآراء سياسية أو اجتماعية والتفاعل عليه، فإن هذا يؤثر في الرأي العام الدجيتال أو سمعة أشخاص ومؤسسات.

والنتيجة الحتمية !! تزييف صامت للتاريخ الرقمي، والسماح بالفوضى الاجتماعية والقانونية خاصة مع غياب الجهات التنظيمية وعدم الربط بين قواعد بيانات الهيئات الحكومية والمنصات الرقمية.  لتحدث الثغرة الأمنية وتنتشر جرائم الهوية الرقمية : كانتحال شخصية المتوفي والتزييف العميق Deep Fake للصور والفيديوهات باستخدام الذكاء الأصطناعي.   وأيضاً التلاعب بالبيانات وعمليات الاحتيال المالي أو طلب المساعدة أو التواصل التجاري أو السياسي.  كذلك التأثير على الجمهور والرأي العام.

الغريب في الأمر !! أن منصات التواصل الاجتماعي على علم بأن ملايين الحسابات داخل قاعدة بياناتها، تعود لأشخاص متوفين.  ولكنها تتجاهل الأمر من أجل التضخم الوهمي لعدد الحسابات والتفاعلات وتتعامل مع حسابات الموتي باعتبارها مشكلة استخدام.

فالاحصائيات تشير إلى أن هناك 60-62 مليون شخص متوفي حول العالم في عام 2025. في حين أن عدد مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي يقدرون بنحو 5.4 مليار شخص وفقا لموقع global digital insights . إذا اخرجنا عامل تعدد الحسابات للشخص الواحد على منصات التواصل الاجتماعي.  فبالتاكيد هناك نسب من الحسابات لاشخاص متوفيين مازالت نشطة.     

عزيزي القارئ ،،،

العفريت الديجيتال .. ليس خرافة، بل نتيجة مباشرة لفوضى استخدام الهوية الرقمية، نتيجة عدم وعي، من يملك الحق أن يتكلم باسم المرحوم.  إذا لم تتحرك الدول، أو تضع لمنصات التواصل الاجتماعي قواعد صارمة لتنظيم حسابات الموتي أو حتى الإشارة لها، بأنها حسابات لتخليد الذكرى، سنجد أنفسنا نعيش وسط ملايين الأصوات المرحومة بحجة أن : "المرحوم .. حسه في الدنيا".   

يمين الصفحة
شمال الصفحة