جرمين عامر تكتب: الاحتياط واجب .. رائحة العفن الرقمي

چرمين عامر – عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

چرمين عامر – عضو النقابة العامة لاتحاد كتاب مصر

هل تنفست .. يوما, رائحة العفن الرقمي. 

تحيط بك .. من جميع الاتجاهات, وكأنك تسكن في مقبرة مظلمة..

أغلقت عليك .. لآلاف السنين.  فتحللت .. الأجساد والعقول بجانبك.

وأنت جالس متوحد, بكامل إرادتك ..

ورائحة كريهة, خانقة, تتسلل .. في صمت, لتعم المكان كله.

تسرق انتباهك, وتلتهم تركيزك, وتستنزف أعصابك.

عبئ يحاصرك .. ولكنه يرتدي نيو لوك New Look بمواصفات جاذبة, وصور متحركة, وألوان مبهرة.

يهدد .. سلامتك النفسية والاجتماعية ويستنزف بخسائره دخلك. 

 

إنه التعفن الرقمي أو ما يطلق عليه العلماء Digital Decay / Digital Rot .   مصطلح جديد نوعا ما على أسماع المتابعين والقراء.  يستخدم لوصف الآثار السلبية للإفراط في استخدام التكنولوجيا أو التخمة الرقمية.   وما يترتب عليها من خسائر إقتصادية واجتماعية ونفسية للفرد والمجتمع.

 

حيث أوضح  Economist Intelligence Unit في تقريرها الذي نشر عام 2023 بعنوان In Search of Lost Focus , أن التشتت الذهني للفرد يأتي نتيجة التعرض لسيل مستمر من المقاطع والفيديوهات المثيرة بصريا خاصة على منصة التيك توك واليوتيوب.   مما يتسبب في فقد حوالي 581 ساعة عمل سنويا.   وخسارة مباشرة لدخل الفرد السنوي بلغت 34,448 دولار.   لأنه ببساطة يساعد على إفراز مادة الدوبامين التي تمنح الإنسان حالة من السعادة والرضا الزائفة.  وتجعله غير قادر على الانفصال عن شاشات المحمول.

 

بمعني أدق, إن الخسارة التشتت الذهني للفرد النتيجة التخمة الرقمية تتراوح ما بين 25-30% من وقت العمل وإجمالي معدلات الإنتاجية.  الأمر الذي يؤدي إلى انخفاض في إجمالي الناتج المحلي(GDP)  وتقليل فرص النمو المتوقع للاقتصاد.  حتى أن التقرير موقع اقتصاد الشرق أشار إلى أن حجم الخسائر للاقتصاد الأمريكي بلغت حوالي ترليون دولار سنويا.  هذا بالاضافة إلى ارتفاع التكاليف التشغيلية للمؤسسات والشركات.  وبالطبع زيادة في تكاليف التدريب وإعادة التأهيل للطاقات البشرية.

 

وعلى الصعيد الموازي للخسائر الاقتصادية, هناك خسائر غير مباشرة  لظاهرة التعفن الرقمي منها : تراجع الابتكار, وإهدار وقت العمل, وتقليل من مهارات الأطفال اللغوية وقدرتهم التحصيلية.  الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الكفاءة البشرية لصالح الروبوت وتطبيقات الذكاء الاصطناعي، لتتسع فجوة البطالة العالمية.   وترتفع الأعباء الصحية نتيجة لانتشار الأمراض النفسية كالاكتئاب، القلق، ومتلازمات الإرهاق الرقمي، ما يرفع معدلات الإنفاق العام على الصحة.

 

لكن السؤال الأهم !!

هل فقدنا السيطرة على أنفسنا كبشر, وسمحنا للتكنولوجيا وتطبيقاتها إلى التغول في حياتنا لتتحول من أداة للحرية والانطلاق والسرعة إلى سيد يتحكم في مليارات العقول البشرية عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي.   

 

العفن الرقمي .. ليس قدرا فرض على البشرية,

بل ناقوس خطر !! يدق لإعادة ترتيب أولويات حياتنا. 

ودعوة لإعادة فك الأسر والتنفس بحرية من جديد.

 

الحل في !! الديتوكس الرقمي

لتنظيف .. ذاكرتنا الافتراضية.

فالهروب من التكنولوجيا ليس الحل، بل إدارة علاقتنا مع الرقمنة وتحقيق التوازن بين مصادر المعرفة والمتعة والصحة النفسية والجسدية هو الغاية.

 

 

 

يمين الصفحة
شمال الصفحة