???????? ???????? ?? ???
في وقت باتت فيه أوضاع وهموم اللاجئين والنازحين حول العالم تؤرق الضمير الإنساني ، فإن إسهامات المثقفين المصريين تشكل عنوانا أصيلا في ثقافة إنسانية عالمية تتشكل ملامحها بوضوح في السنوات الأخيرة حول هذه الإشكالية فيما باتت المنطقة العربية طرفا رئيسا في هذا المشهد العالمي.
وفي هذا السياق ، يضارع الجهد الثقافي المصري جديد الإنتاج الثقافي في الغرب ، كما يتجلى في دراسة صدرت في كتاب للباحثة المصرية رابحة علام التي توجت مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية وهو عمل ثقافي يضارع كتبا تصدر تباعا في الغرب حول "حكايات اللاجئين وإشكاليات الهجرة" ومن أحدثها :"حكايات اللاجئين" لديفيد هيرد وهو شاعر وكاتب بريطاني يبدي اهتماما كبيرا باشكاليات اللاجئين حتى تحول هذا الاهتمام لمشروع ثقافي في صورة كتب واصدارات متوالية واشتركت معه في الكتاب الأخيرة انا بينكوس .
وبعض تلك الكتب الجديدة التي تصدر في الغرب تركز على إشكاليات الهوية والاندماج في المجتمعات الجديدة ونظرة أبناء هذه المجتمعات الغربية للاجئين مثل كتاب "اللاجيء الجاحد" للايرانية الأصل دينا نايري التي ولدت في طهران عام 1979 وباتت تحمل الجنسية الأمريكية وتكتب بالانجليزية فيما زارت مخيمات ومراكز ايواء للاجئين وهي تعكف على هذا الكتاب شأنها في ذلك شأن الباحثة المصرية رابحة علام صاحبة كتاب "وضع اللاجئات والنازحات في الدول العربية".
لكن دينا نايري التي تعتبر نفسها "لاجئة" عمدت لربط قصتها وهي تعيش خارج بلادها بقصص لاجئين اخرين التقتهم في سرد متشابك ومشحون "بالآلام النفسية لتلك الفئة من البشر التي تصنف كلاجئين" فيما "حكايات اللاجئين" حاضرة أيضا في القصة الأخيرة التي ابدعتها الاسكتلندية الي سميث بعنوان "الربيع" وكذلك في "حكاية اليتيم" لديفيد قنسطنطين.
وكما يقول الكاتب والقاص البريطاني اليكس بريستون فان تلك الكتب والاصدارات الثقافية سواء كانت اعمالا أدبية او غير ادبية "تساعدنا في فهم جذور ازمة اللاجئين" وهي مسألة لاغنى عنها لمواجهة تلك المأساة الإنسانية وحتى لاتبقى هذه المآساة بمثابة "حلقة مفرغة" ومن هنا تتبدى أهمية هذه الأعمال التي ينتجها مثقفون مصريون مثل رابحة علام.
وكانت الباحثة المصرية رابحة علام قد فازت مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية في "النظم السياسية الدولية" عن كتابها "وضع اللاجئات والنازحات في الدول العربية" وهو كتاب بمثابة دراسة توثق حكايات هذه الفئة التي عانت في خضم صراعات وحروب اهلية شهدتها دول بالمنطقة العربية منذ عام 2011.
وفي الكتاب الصادر أصلا عن "منظمة المرأة العربية" ركزت الباحثة رابحة علام على أوضاع اللاجئات السوريات والنازحات العراقيات وأجرت نحو 300 مقابلة مع لاجئات ونازحات الى جانب اكثر من 75 شخصا من ممثلي مؤسسات دولية وجهات رسمية في دول عربية مضيفة للاجئين.
وبدأت الدكتورة رابحة علام بحثها في عام 2015 الذي شكل ذروة في موجات التهجير والنزوح بالمنطقة العربية لتزور مخيمات للاجئين في لبنان والأردن ومنطقة كردستان العراق التي استقبلت نازحين ولاجئين من العراق وسوريا فروا من إرهاب تنظيم داعش الارهابي وتوثق في كتابها شهادات سيدات لاجئات مهمومات في المقام الأول بتوفير الطعام والتعليم لأبنائهن.
وفضلا عن الجهد البحثي الميداني ، جاء هذا العمل الثقافي الذي استحق جائزة الدولة التشجيعية حافلا بمشاعر وارهاصات للأمل الإنساني وإصرار أمهات على مواصلة اولادهن لمسيرتهم في التعليم رغم كل الآلام الناجمة عن اللجوء والنزوح ولعل تلك المشاعر والحكايات الانسانية تجد المعادل الابداعي الروائي في روايات وقصص جديدة بعالمنا العربي.
ويتبدى طرف من ذلك الجانب الشعوري في ملاحظة رابحة علام أن جهدها في توثيق حكايات لاجئات عربيات في سياق كتابها : "وضع اللاجئات والنازحات في الدول العربية:المرأة في خضم الصراعات" انعكس بصورة إيجابية عليهن لوجود من يهتم بهن وبحكاياتهن.
وفيما لاتعرف مصر مخيمات اللاجئين فالحقيقة الملموسة والواضحة كما تلاحظ رابحة سيف علام كباحثة في مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بمؤسسة الاهرام وغيرها من الباحثين هي أن المصريين استقبلوا تلك الفئة التي كتب عليها الخروج من بلدانها بكل الود وساعدوهم كأشقاء على الانخراط في أوجه الحياة اليومية على امتداد الخارطة المصرية.
وإذ تشكل مسألة الشعور بالكرامة هما لمبدعين ومثقفين حول العالم تناولوا إشكاليات اللاجئين والنازحين ومن بينهم دينا نايري نوهت منظمات دولية بأن مصر لم تتردد في استضافة أعداد ضخمة من اللاجئين والمهاجرين من مختلف الجنسيات بلغ عددهم مايقرب من خمسة ملايين لاجيء مابين مسجلين وغير مسجلين وتعمل على توفير سبل المعيشة الكريمة لهم دون عزلهم في معسكرات أو مراكز إيواء.
وهذا التوجه يعبر بأصالة عن حقيقة مصر التي لاتقبل بحضارتها العريقة ورسالتها الانسانية أن يتحول البشر الى اطياف حزن شاردة بانكسار في بحار ومحيطات العالم لينتهي المطاف ببعضهم الى الهلاك او التعرض لمعاملة غير إنسانية.
ولا ريب أن هناك حاجة ثقافية وإعلامية للاهتمام بقضايا اللاجئين والنازحين وخاصة النساء كفئة تعاني من معطيات صعبة كما تقول السفيرة ميرفت التلاوي التي شغلت من قبل منصب مديرة منظمة المرأة العربية وهي منظمة دعمت الجهد البحثي للدكتورة رابحة علام في كتابها الفائز مؤخرا بجائزة الدولة التشجيعية كما ان هذه المنظمة اتجهت لإعداد تقارير وافية حول أوضاع اللاجئات والنازحات العربيات فضلا عن تنظيم ورش عمل لرصد تلك الأوضاع.
وهذه الأوضاع المضطربة التي شهدتها بلدان في المنطقة العربية منذ عام 2011 "بمثابة أكبر أزمة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية" حسب توصيف للدكتورة ميرفت التلاوي التي تستشهد بأرقام معلنة تفيد ان الأزمة الإنسانية الناجمة عن تلك الأوضاع افرزت نحو 7 ملايين نازح و4 ملايين لاجيء وأدت الى مقتل الكثيرين اثناء محاولتهم الهجرة غير المشروعة.
واذا كان العالم بحاجة "لثورة انسانية" تؤدي لتغييرات جذرية في نظرة الانسان لأخيه الانسان ، فان مصر كعادتها وبحكم رسالتها الحضارية الخالدة تقدم حكومة وشعبا نموذجا مضيئا للثقافة الإنسانية بشأن إشكالية الهجرة غير الشرعية وتؤكد بالأقوال والأفعال أهمية معالجة جذور المآساة و"التعامل مع هؤلاء البشر كبشر وحماية الكرامة الإنسانية".
ومصر التي تعد من الأعضاء البارزين في منظمة الهجرة الدولية تدشن لثقافة جديدة تتعامل مع جذور الهجرة غير الشرعية أو تلك الظاهرة المآساوية والتي تحولت "لظاهرة عالمية" تؤرق الضمير الإنساني مع الألم الذي يحفز القلم للكتابة عن "توابيت الموت" السابحة في بحار ومحيطات العالم.
وأزمة المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الفارين من ويلات النزاعات المسلحة تؤكد صحة وصواب الموقف المصري الذي ينادي بضرورة العمل من اجل تسوية تلك النزاعات والتصدي لظاهرة الإرهاب التي تشكل احد اهم أسباب تفاقم الأزمة وفتح قنوات الهجرة الشرعية وتيسير عملية التنقل وربط الهجرة بالتنمية.
ومن نافلة القول أن ملف الهجرة وخاصة الهجرة غير الشرعية بات من أهم الملفات في الانتخابات العامة التي تشهدها الدول الأوروبية في السنوات الأخيرة وكان هذا الملف حاضرا بقوة في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بدول مثل فرنسا وألمانيا والنمسا واسبانيا وإيطاليا والسويد والمجر كما انه يفرض نفسه بقوة على القمم الأوروبية سواء كانت رسمية أو غير رسمية.
وفي وقت أمست فيه "قوى التطرف السياسي والايديولوجي في الغرب تستغل مسألة اللاجئين والهجرة لتغذية مخاوف الناخبين بسرديات الغزو الثقافي من جانب الغرباء وتحقيق مكاسب انتخابية لتلك القوى" ، كما يقول الكاتب البريطاني اليكس بريستون ، فان هموم اللاجئين تتصاعد في اهتمامات مبدعين حول العالم مثل الروائي الليبي هشام مطر والكاتب الفيتنامي الأصل فيت ثان نجوين.
أما عالم الاقتصاد البريطاني جوناثان بورتيز ، فقد تناول في سياق الجدل المستمر حول خروج بلاده من الاتحاد الأوروبي "البريكست" اتجاهات البريطانيين حيال المهاجرين في كتاب جديد صدر بعنوان :"ما الذي نعرفه وما الذي علينا أن نفعله بشأن الهجرة؟".
وفي هذا الكتاب الذي حظى باهتمام واشادة من معلقين في الصحافة الثقافية الغربية ، توغل عالم الاقتصاد جوناثان بورتيز في "ظاهرة حرب السرديات المتعددة في بريطانيا حول المهاجرين" ، فيما فند أسس الخطاب الثقافي لتيار اليمين المتطرف في بلاده بشأن هذه الفئة من البشر وما تردده ابواق هذا التيار حول تهديدات اللاجئين للاستقرار الاقتصادي والتماسك المجتمعي.
وملف اللاجئين والمهاجرين في أوروبا يبدو كاشفا لمدى الاختلافات الثقافية والتوجهات السياسية بين التيارات المختلفة وثمة حالات دالة في هذا السياق مثل قيام فنانة في مدينة ليفربول البريطانية بعرض قائمة بأسماء 34 الف و361 شخصا قضوا نحبهم اثناء محاولات الوصول لأوروبا منذ عام 1993.
غير أن هذه القائمة التي اعدتها "بانو سينتوجلو" على لافتة طولها 280 مترا كمشروع فني ضمن مبادرة لمثقفين أوروبيين مناوئين للتطرف والتعصب مزقت اكثر من مرة من قبل اشخاص ينتمون لليمين المتطرف.
ومع التصاعد الواضح في أعداد المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين حول العالم وتفاقم أوضاعهم في أماكن شتى ، فرضت هذه القضية الإنسانية نفسها على اهتمامات مبدعين مثل الكاتب والروائي الباكستاني محسن حميد الذي حظت روايته المكتوبة بالانجليزية :"الخروج غربا" باهتمام واسع النطاق في الصحافة الثقافية الغربية.
وهذه الرواية التي أبدع صاحبها عبر بناء درامي متقن في تناول آلام اللاجئين الذين تقدر اعدادهم الآن بعشرات الملايين حول العالم جاءت بعد ان شهد العالم في عام 2015 أكبر موجة نزوح للاجئين منذ الحرب العالمية الثانية لتصل الى "ذروة أليمة في ظاهرة مراكب وقوارب الموت فيما أدت موجة التطرف والإرهاب التي عانت منها بلدان عربية عامئذ لتصاعد الظاهرة المحزنة وهي ملاحظة حاضرة أيضا في الجهد المعرفي والثقافي للباحثة المصرية رابحة علام كما يتجلى في كتابها المتوج بجائزة الدولة التشجيعية ليكون عنوانا دالا على الثقافة المصرية التي تعلي بجوهرها الإنساني من قيم الحق والخير والجمال.