كيف تنظر ثقافة الساحرة المستديرة العالمية لمسألة الفوز والخسارة على المستطيل الأخضر؟

بقدر ما تثير مسألة الفوز والخسارة في مباريات كرة القدم مشاعر متباينة، فإنها تشكل جزءا لا يتجزأ من قانون اللعبة الجميلة وطبيعتها الأصيلة كما تدخل في عمق ثقافة الساحرة المستديرة العالمية وجديد الكتب حول اللعبة الأكثر شعبية في العالم.

وإذا كان العرس الكروي الأفريقي الحالي على أرض الكنانة قد شهد مفاجآت بالخروج المبكر من البطولة لمنتخبات كبيرة مثل منتخبات الفراعنة والمغرب والكاميرون، فإن منتخب الأرجنتين قد حل ثالثا في "بطولة كوبا أمريكا" التي اختتمت مساء أمس "الأحد" فيما لم تكن أبدا هذه البطولة القارية لمنتخبات أمريكا الجنوبية "بطولة ليونيل ميسي نجم نجوم منتخب التانجو الأرجنتيني وفريق نادي برشلونة الإسباني".

وجاءت هذه البطولة لتزيد من آلام اللاعب الذي يوصف بأنه أحد أعظم لاعبي كرة القدم في تاريخ اللعبة الجميلة..فشأنه شأن منافسه الكبير كريستيانو رونالدو نجم نجوم فريق يوفنتوس الإيطالي تجرع ميسي آلام الخسارة في الموسم الأخير لدوري أبطال أوروبا ليعاني النجمان الكبيران معا من آلام الخروج من هذا الدوري الذي يكاد أن يكون اقوى منافسة كروية لفرق الأندية.

وكان من المفهوم والمقبول انسانيا أن يبكي "السوبر ستار ليو ميسي" والذي وصف بأنه اللاعب الذي يمتلك أفضل المهارات الكروية في زمننا بعد خروج برشلونة من البطولة "بالريمونتادا التي حققها ليفربول ليتوج فريق هذا النادي الإنجليزي في نهاية المطاف ببطولة دوري أبطال أوروبا.

وكريستيانو رونالدو الذي انتقل في الموسم الأخير من ريال مدريد الإسباني لفريق يوفنتوس الشهير "بالسيدة العجوز" حرم من متعته في مواصلة التنافس بدوري الأبطال الأوروبي وكان يتمنى لو توج مجددا بالبطولة التي سبق وأن توج بها خمس مرات مع ريال مدريد ومانشستر يونايتد حتى بات هدافها التاريخي.

إنها أحوال الساحرة المستديرة وحظوظها وتقلباتها ومفارقاتها بين غضب وبهجة، فيما تذهب جمهرة النقاد الكرويين إلى أن هذه التقلبات والمفارقات جزء أصيل من سحر اللعبة الجميلة كما توقف بعض النقاد في الصحافة الرياضية الغربية امام حالة فريق اياكس الهولندي الذي قدم عروضا مبهرة في النسخة الأخيرة لدوري ابطال أوروبا.

فهذا الفريق الهولندي الذي قدم دروسا في اللعبة الجميلة خرج من الدور قبل النهائي لتلك البطولة الأوروبية الكبيرة بهدف احرزه فريق توتنهام بعد الدقيقة الخامسة والتسعين لمباراة جاءت حافلة بالدروس وتؤكد مجددا أن أحدا ليس بمقدوره ان يقطع سلفا على وجه اليقين بنتيجة أي مباراة.

وإذا كان من الضروري دوما لكل الفرق الكروية اعادة صياغة المنظور أو إعادة ضبطه في ضوء مجريات البطولات والدروس المستفادة منها وتوظيف خبراتها ضمن تطبيقات جديدة في منافسات قادمة بالضرورة، ففي فهم أسرار ومفارقات كرة القدم، ثمة كتب تناولت "هذا العامل الغامض الذي يسمى بالحظ أو التوفيق على المستطيل الأخضر"، وهي مسألة مثيرة للجدل في عالم الساحرة المستديرة ككل.

فلا يمكن تجاهل عامل الحظ أو "التوفيق" لفريق ما على المستطيل الأخضر، وهذا العامل الغامض قد يكون أحيانا صاحب الكلمة الفاصلة في نتيجة المباراة حتى أنه يتجاوز في أهميته في لحظات فارقة مسائل مهمة للغاية مثل التفوق على مستوى الخطة والاستعداد التكتيكي والموضوع ككل بات ضمن اهتمامات علماء وباحثين كبار في العالم.

و"مسألة الحظ" أو عامل التوفيق في عالم الساحرة المستديرة، تقترن بمصطلح غريب هو:"البجعة السوداء"، وهو مصطلح من بنات افكار احد النابهين القادمين من الشرق هو العالم اللبناني الأصل والأمريكي الجنسية نسيم طالب.

وهو أكاديمي متعدد المعارف وصاحب نظرية "البجعة السوداء" التي وردت في كتاب له يحمل العنوان ذاته وتتناول الأحداث غير المتوقعة والمصادفات بتداعياتها أو مانسميه ببساطة:"الحظ" ولنظرية "البجعة السوداء" براهين على صحتها في عالم الساحرة المستديرة حيث تخسر احيانا فرق هي الأفضل بكل المقاييس.

وفي هذا السياق يعيد بعض النقاد والكتاب والمعلقين الكرويين وقائع دالة مثلما حدث في تصفيات الصعود لمونديال 2018 عندما فاز منتخب استراليا على منتخب هندوراس بثلاثة أهداف مقابل هدف واحد وهو فوز "لعب فيه الحظ دورا كبيرا" في تقديرات العديد من المحللين في الصحافة الغربية ناهيك عما حدث قبل ذلك عندما فاز الأستراليون بصعوبة على المنتخب السوري الذي ابلى بلاء حسنا.

لكنه الحظ او "البجعة السوداء" على حد تعبير نسيم طالب الذي نحت بالمصادفة وللمفارقة هذا التعبير من حالة تاريخية تتعلق بأستراليا حيث ساد اعتقاد قبل اكتشاف هذه القارة بأنه لايوجد في العالم سوى البجع الأبيض لكن المفاجأة بعد اكتشاف أستراليا كانت وجود بجع أسود اللون والآن يتحدث البعض عن "نظرية البجعة السوداء" او "الحظ" كعامل لابد من الاعتراف بتأثيره أحيانا في بعض المباريات.

لكن "البجعة السوداء" لا تقف مع فريق في كل المباريات و"الحظ"، لم يضمن مثلا المزيد من الانتصارات لمنتخب أستراليا في منافسات مونديال 2018، ومن ثم كان على هذا المنتخب ومديره الفني انجي بوستيكو جلو تدارك الكثير من أوجه القصور في الفريق أن أراد الظهور بمظهر مشرف في هذا العرس الكروي العالمي.

وعلى حد قول المعلق الكروي البريطاني جوناثان هاو كروفت، فان "البجعة السوداء" التي تقف مع فريق ما في لحظة ما يمكن ببساطة أن تنقلب على هذا الفريق وتقلب له ظهر المجن وهذا قانون طبيعي من قوانين الساحرة المستديرة وأحد أسرار متعتها.

وقد أدارت "البجعة السوداء" ظهر المجن مثلا للأمريكيين الذين فشلوا في الصعود لمونديال روسيا في العام الماضي، وتلقوا هزائم من منتخبات مغمورة كرويا كمنتخب ترينداد وتوباجو، فيما يقول اللاعب الأمريكي مات بيسلر في كتاب صدر بعنوان:"لا بيت آخر" انه "يتوجب الأخذ بالأسباب والتدريب المستمر واللياقة البدنية العالية وتطوير المهارات".

أي أنه "لم يركن أو يرتكن على عامل الحظ او التوفيق وحده رغم تسليمه مع غيره من المدركين لقوانين الساحرة المستديرة بأهمية هذا العامل في بعض اللحظات وبعض المباريات "وهي رؤية وصفها نقاد بأنها " جديرة بالاحترام للاعب يوصف في بلاده "باللاعب الاستثنائي".

ومات بيسلر الذي ولد في الحادي عشر من شهر فبراير عام 1987 عرف كمدافع صلب سواء في فريق نادي سبورتينج كانساس سيتي حيث يحمل شارة الكابتن أو في منتخب الولايات المتحدة وكتابه حافل بالفعل بقصص ملهمة وساعات مبهجة ولحظات مؤلمة.

وفيما يبدو أنه يقدم خلاصة مسيرته الكروية يسدي مات بيسلر النصح للطامحين للتوهج في سماء الساحرة المستديرة وأول نصيحة هي:"عدم اليأس" مستعيدا مرحلة بداياته في الملاعب عندما اعتبر بعض المدربين أنه لايمتلك المواهب التي يمكن ان تجعل منه لاعبا مميزا.

وسواء على مستوى فرق الأندية او المنتخبات الوطنية، فان أي فريق يمكن ان يخسر في أي مباراة لكن من الأهمية بمكان "عدم الاستسلام لليأس "وتلك شيمة الفرق الكبيرة التي تصنع الفارق في اللعبة الجميلة على مستوى العالم.

وقضايا مثل الهوية والشخصية ليست أبدا بالترف الفكري في عالم الساحرة المستديرة وتمسك فريق كبير بشخصيته لايحول دون الانفتاح على كل جديد في لعبة تتطور بسرعة وهاهو الناقد الكروي البريطاني اندرو ريتشاردسون يؤكد على أهمية التوافق بين عوامل تاريخية مثل شخصية فريق ما ومتغيرات اللعبة الجميلة التي تتوالى على المستطيل الأخضر.

ويضرب اندرو ريتشاردسون مثلا بمنتخب ايطاليا الذي أخفق في الصعود لمونديال 2018، ويتميز هذا المنتخب بسمات وملامح تشكل تاريخيا شخصيته على المستطيل الأخضر، ومن ثم فإن المدير الفني السابق لهذا المنتخب جيامبيرو فينتورا ارتكب خطأ فادحا عندما عمد لمحاولة الاستنساخ من أساليب مدربين اخرين لفرق أخرى حتى لو كان من بينهم بيب جوارديولا المدير الفني الحالي لفريق مانشستر سيتي والذي يوصف "بفيلسوف الكرة الحديثة".

ثم يتطرق اندرو ريتشاردسون لقضايا وظواهر فنية أخرى مثل عجز الملاعب الايطالية في السنوات الأخيرة عن تقديم مدافعين من الطراز الممتاز وهي التي عرفت تاريخيا بتفوقها النوعي في الدفاع وصاحبة الطريقة الدفاعية الشهيرة والمسجلة باسمها:"الكاتيناتشيو".

وزادت حدة المشكلة مع "محاولة استنساخ تكتيكات جوارديولا الهجومية على حساب البناء الدفاعي للمنتخب الايطالي"، وهكذا فقدت إيطاليا تميزها الدفاعي وتنازلت عن شخصيتها الكروية التي جسدتها "طريقة الكاتنياتشيو" ولم تنجح في المقابل في تطبيق اساليب الضغط العالي الهجومية وتكتيكات الكرة الشاملة المعروفة "بالتيكا-تاكا" لينتهي الأمر بإقالة المدير الفني جيامبيرو فينتورا الذي حل محله روبرتو مانشيني.

وكان بعض النقاد قد ذهبوا حتى لاستعارة مصطلحات بيولوجية وجينية مثل مصطلح الحمض النووي ليقول ان منتخب ايطاليا "فقد الـ "دي ان ايه" الخاص بالفريق والذي كان يضمن تميزه على المستطيل الأخضر العالمي"، وهي مشكلة كبيرة بالنسبة لفريق كبير ومدرسة كروية عريقة كمالدرسة الإيطالية.

فالأمر هنا يختلف بالتأكيد عن فشل الأمريكيين في الصعود لمونديال 2018 وعدم مشاركتهم في البطولة لأول مرة منذ مونديال المكسيك عام 1986 لأن منتخب ايطاليا علامة من علامات العرس الكروي العالمي والكرة الايطالية أعرق كثيرا من كرة القدم في الولايات المتحدة التي لا يمكن القول حتى الآن أنها لعبتها الشعبية الأولى خلافا لحال الايطاليين وهم من الشعوب التي تتنفس بهواء وهوى الساحرة المستديرة و"تسكن في بيت اللعبة الجميلة.

واستخلاص الدروس سواء في حالة منتخب إيطاليا أو أي فريق كروي آخر "لايدخل في باب جلد الذات او الرغبة في الرقص على الجراح وانما الخروج بنتائج مفيدة للعبة الجميلة وتدارك النقائص التي تفضي لانكسارات كما هو حال المنتخب الايطالي عندما فشل في الصعود للمونديال الأخيرة ولأول مرة منذ عام 1958.

لكن الأمر لا يعني أبدا نهاية عالم الكرة الايطالية فشخصية ايطاليا الكروية كما يقول الناقد اندرو ريتشاردسون قادرة دوما على امتصاص الصدمات وتجاوز الانكسارات والانتكاسات وهو ما ينطبق أيضا على حالة منتخب ألمانيا الذي ودع المونديال الأخير في روسيا من الدور الأول رغم انه "حامل اللقب في مونديال 2014 بالبرازيل".

إنها كرة القدم وهي لعبة جميلة لكنها على حد تعبير الناقد البريطاني جوناثان ويلسون لها نزواتها وتقلباتها الغريبة الأطوار أحيانا، وقد تبدو في بعض الأحيان عصية على الترويض والفرق الكبيرة تشعر بالوجع عند الخسارة لكنها لا تستسلم أبدا وتستعد دوما لمنافسات قادمة..فهذه اللعبة التي يتوالى عرسها الكروي الأفريقي على الملاعب المصرية تحمل دوما نداء الأمل.

يمين الصفحة
شمال الصفحة