«فورين بوليسي»: هل لدى الرئيس الأمريكي القدرة على ردع نظيره الصيني؟

قدم الرئيس الأمريكي "جو بايدن" ردًا حازمًا على العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، حيث يبدو أن العقوبات المفروضة على الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" ودائرته الداخلية– وفقًا لمراقبين- ربما تكون فعالة بفضل دعم ومساندة الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة، ولكن التساؤل الذي يطرح نفسه هو: هل ستكون الولايات المتحدة قادرة على الاعتماد على حلفائها في المحيطين الهندي والهادئ إذا تصرف الرئيس الصيني "شي جين بينج" في يوم من الأيام بقوة مثل بوتين؟

وذكرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أن "شي" و"بوتين" يختلفان عن بعضهما البعض بشكل ملحوظ، وكذلك العلاقات الخارجية لكل من الصين وروسيا، لكن الأنظمة في كلتا الدولتين يمكن أن تتصرف بشكل غير متوقع، ويجب أن تكون واشنطن مستعدة حال قامت الصين باستعراض قوتها مع تايوان أو في بحر الصين الجنوبي. وواقع الأمر هو أنه إذا تم تقييم الوضع حاليًا من خلال استراتيجية إدارة بايدن التي أعلنت عنها مؤخرًا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، فإن الولايات المتحدة لا تزال– وفقًا للمجلة- تفتقر إلى خطة جادة لردع الصين الحازمة.

وترى المجلة الأمريكية أن استراتيجية الولايات المتحدة لاحتواء الاتحاد السوفيتي في أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية كانت راسخة في القوة العسكرية لحلف شمال الأطلنطي (ناتو)، ولكن استراتيجيتها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ اليوم ترتكز على الآمال والنوايا وتفتقر إلى عنصر القوة الصارمة الذي يمكن تحديده.

بالطبع، تتحدث الاستراتيجية عن "تحالفات حديثة، وشراكات، والهند الرائدة، وتحالف أمني رباعي، وأوروبا المنخرطة، وشراكة اقتصادية، وغيرها، إلا أنها تفتقر إلى التفاصيل ولا تأخذ في الاعتبار الترابط الأكبر بين الصين واقتصاديات رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان)، والاعتماد المتبادل بين دول المنطقة، ما يشير إلى أنه من غير المرجح أن يدعم شركاء الولايات المتحدة في آسيا أنواع العقوبات التي تم فرضها على روسيا بشكل كامل.

لذا، فإن استراتيجية إدارة بايدن في المحيطين الهندي والهادئ هي بشكل عام توليفة من السياسات التي تم تبنيها على مدى العقدين الماضيين من قبل الإدارات الأمريكية المتعاقبة. ويجب هنا التنويه إلى أنه حينما تحدث رؤساء الولايات المتحدة السابقون مثل "دونالد ترامب" عن الحاجة إلى ردع الصين وما أثير حول الاستفادة غير العادلة من الولايات المتحدة في التجارة، وتهديد تايوان، والمطالب الإقليمية في بحر الصين الجنوبي، فقد فشلوا باستمرار في تحديد كيفية الردع، أو ترجمة نواياهم إلى أفعال. وكمثال على ذلك؛ قام ترمب بشن حرب تجارية مع الصين، ما أضر أيضًا بالشركات الأمريكية، دون تقديم أي خطة للتعاطي مع الصين، في حين أن الأخيرة أظهرت إرادة قوية ومقدرة على "اللعب" لفترة طويلة.

وبلا شك، هناك إدراك واسع النطاق الآن بأن الصين هي المنافس الرئيسي للولايات المتحدة، وليست شريكًا لها، ويمكن أن يخلق الرئيس الصيني مواجهة مثلما فعل بوتين بشأن أوكرانيا. لكن المشكلة هي أن الصين منغمسة بشدة في الاقتصاد الأمريكي واقتصاديات شركاء أمريكا المحتملين في منطقة المحيطين الهندي والهادئ.

وعلى عكس الأوروبيين، الذين وقفوا إلى جانب الولايات المتحدة ضد روسيا، فإن شركاء واشنطن الآسيويين ليسوا موحدين حول التعامل مع الصين. وحتى الآن، لم تحدد إدارة بايدن علنًا كيف تعتزم ضمان وقوف حلفاء وشركاء للولايات المتحدة- أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية والهند ودول آسيان (بروناي وكمبوديا وإندونيسيا ولاوس وماليزيا وميانمار والفلبين وسنغافورة وتايلاند وفيتنام) في وجه الصين، نظرًا لأنهم جميعًا يستفيدون من كونهم شركاء اقتصاديين للصين.

على الرغم من إصدار الولايات المتحدة "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ 2022" عندما كان وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في المنطقة، وعزم بايدن نفسه زيارة عدة وجهات في آسيا هذا الربيع لنقل رسالة مفادها أنه لا توجد منطقة أكثر حيوية للولايات المتحدة في السنوات القادمة أكثر من هذه المنطقة، وأن أمن الولايات المتحدة وازدهارها يرتبطان بشكل أساسي بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، إلا أن الانسحاب الفوضوي للولايات المتحدة من أفغانستان والأزمة الطويلة التي طال أمدها بشأن التهديدات الروسية لأوكرانيا دفع العديد من الاستراتيجيين والقادة في آسيا إلى التساؤل بصوت عال عن قوة الالتزامات الأمريكية، لاسيما مع تراجع الوجود العسكري الأمريكي العالمي في ظل إدارتي ترامب وبايدن.

لقد أصبحت هناك قناعات لدى كثيرين في منطقة آسيا والشرق الأوسط، وهي أن اهتمام الولايات المتحدة ببقية العالم قد تضاءل بشكل كبير. ومن المرجح أن يؤدي إحجام الولايات المتحدة عن استعراض قوتها العسكرية، خوفًا من التورط في "حرب أبدية"، إلى تساؤل قادة آسيا عما إذا كان بإمكانهم الاعتماد على الولايات المتحدة لمجرد استمرار منافستها مع الصين؟!

تحاول وثيقة "استراتيجية المحيطين الهندي والهادئ 2022" دحض هذه المخاوف من خلال التأكيد بأن الولايات المتحدة هي قوة في المحيطين الهندي والهادئ، وأن دور الولايات المتحدة في المنطقة "يجب أن يكون أكثر فاعلية ومستمرًا"، وذلك لأسباب اقتصادية واستراتيجية، لكن قد لا يكون ذلك كافيًا لطمأنة القادة الآسيويين بأن مصالح الولايات المتحدة في المحيطين الهندي والهادئ ستكون على مستويات مثل تلك التي أظهرتها في أوروبا.

وتستدعي وثيقة الاستراتيجية استخدام الصين "القوة الاقتصادية والدبلوماسية والعسكرية والتكنولوجية" في السعي- وفقًا لفورين بوليسي- وراء "مجال نفوذ" في المحيطين الهندي والهادئ، لكن الوثيقة لا تقدم أي التزام محدد بالموارد أو القوة العسكرية لدفع الصين إلى التراجع.

وعند النظر إلى الوضع في أوكرانيا والتعامل مع الرئيس الروسي بوتين، لجأت واشنطن إلى حلفائها في الناتو، لكن لا توجد حاليًا أي خطة أمريكية واضحة لبناء تحالفات في المحيطين الهندي والهادئ، على الرغم من أن استراتيجية إدارة بايدن للمنطقة تعتمد بشكل شبه حصري على تعزيز ودعم الشركاء الإقليميين للقيام بأدوارهم، حيث هناك توقع بأن تتمكن واشنطن من إقناع شركائها بلعب الأدوار التي تأملها منهم.

وبالعودة إلى الوثيقة، فإنها تصف التحالف الرباعي بين الولايات المتحدة والهند واليابان وأستراليا على أنه "تجمع إقليمي رئيسي" من شأنه أن يقدم مجموعة متنوعة من القضايا، مثل: الرعاية الصحية، والتعاون في سلسلة التوريد، والتعاون التكنولوجي المشترك، وشبكات الشحن والبنية التحتية عالية المستوى. بالطبع قد يفيد ذلك، لكن من غير الواضح كيف أن التركيز على هذه المجالات من شأنه أن يردع الصين؟

وفي حين أن الاستراتيجية الأمريكية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ تشمل بناء القدرات البحرية للهند وأستراليا، بالإضافة إلى تشجيع زيادة الميزانيات العسكرية للدولتين بجانب اليابان، إلا أن الواقع هو أن الهند، الدولة التي تمتلك أكبر جيش وأطول حدود مع الصين بين شركاء واشنطن في المحيطين الهندي والهادئ، تكافح من أجل خطتها للتحديث العسكري، فيما تتغلب اليابان ببطء على موقفها السلمي بعد الحرب العالمية الثانية، كما ستؤتي خطط الولايات المتحدة لتزويد أستراليا بغواصات نووية ثمارها بعد فترة زمنية طويلة في المستقبل للتأثير على سلوك الصين خلال السنوات القليلة المقبلة.

ويمكن هنا الإشارة إلى أنه في الوقت الحالي، تنفق الصين 252 مليار دولار على جيشها مقارنة بالميزانية العسكرية للهند البالغة 54.2 مليار دولار، واليابان 47.2 مليار دولار، وكوريا الجنوبية ما يقرب من 48 مليار دولار، وأستراليا 44.62 مليار دولار، مع الأخذ في الاعتبار أنها جميعًا تقريبًا غير مستعدة أو مجهزة لمقاومة ضغوط الصين.

وبالرغم من زيادة المبيعات العسكرية الأمريكية للهند من ما يقرب الصفر عام 2008 إلى أكثر من 20 مليار دولار في عام 2020، فإن القدرات العسكرية للهند مقارنة بالصين غير كافية وفقًا لمعظم التقديرات. وفي حالة أستراليا واليابان، فإن الولايات المتحدة فعلت القليل لتشجيع الميزانيات العسكرية والتأهب هناك.

إن الاستراتيجية الفعالة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ- وفقًا للمجلة الأمريكية- يجب أن تتضمن محادثات صريحة مع الهند حول المشتريات العسكرية وخطط التحديث، بالإضافة إلى التحدث إلى القادة الأستراليين واليابانيين حول الحفاظ على جيوش أقوى في ضوء القدرات العسكرية المعززة للصين.

فبدلًا من الاعتماد على الأدوات الحالية لتمويل شراء المعدات العسكرية من قبل الحلفاء، ينبغي النظر في ترتيبات خاصة مماثلة لبرنامج "الإعارة والاستئجار" في حقبة الحرب العالمية، ما سيسمح للولايات المتحدة بتزويد الشركاء الآسيويين بالأسلحة والسفن الحربية والطائرات للوقوف في وجه الصين دون التقيد باعتبارات تجارية فقط.

كما يجب أن تناقش الولايات المتحدة بشكل مسبق– وفقًا لفورين بوليسي- العقوبات المحتملة والردود العسكرية المحتملة في حالة وقوع حالات طوارئ مختلفة بناء على تصرفات الصين، وعدم الانتظار لحين حدوث الأمر مثلما هو الحال في المسألة الروسية الأوكرانية.

يمين الصفحة
شمال الصفحة