اقتصاديون يرصدون أسباب تحقيق تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر أعلي زيادة منذ 10 سنوات
- سجلت نحو 9 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/2022 .. نمو تدفق الاستثمار الأجنبي المباشر بواقع 71.5% على أساس سنوي
- صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية يسجل صافي تدفق للداخل بنحو 11.6 مليار دولار بمعدل نمو 81.3%
- رئيس هيئة الاستثمار: تأكيد علي ثقة المستثمرين في استدامة كفاءة بيئة الاستثمار خاصة مع تطور البنية التحتية والتوسع في إقامة المدن الجديدة والمشروعات القومية العملاقة
- خبراء : الإسراع بإصدار وثيقة ملكية الدولة حافز مهم لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية
مجددا ، سجل صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر ارتفاعا بنحو 9 مليارات دولار خلال العام المالي 2021/2022 .. ذلك ما كشف عنه تقرير للهيئة العامة ا للاستثمار والمناطق الحرة، حول مؤشرات تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر خلال العام المالي الماضي .
وأشار التقرير المقدم من الرئيس التنفيذي للهيئة المستشار محمد عبد الوهاب ، واستعرضه الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، إلى ما أعلنه البنك المركزي عن ارتفاع صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصـر خلال العام المالي الماضي ٢٠٢١/ ٢٠٢٢ لتسجل نحو 8.9 مليار دولار، بمعدل نمو 71.4% مقارنة بالعام المالي السابق عليه 2020/2021، موضحا أن هذه الزيادة هي الأعلى منذ عشر سنوات.
و أرجع التقرير هذه الطفرة إلى التدفق الكبير لصافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية، والذي شهد ارتفاعاً بنحو 5.2 مليار دولار ليسجل صافي تدفق للداخل بلغ نحو 11.6 مليار دولار بمعدل نمو 81.3% مقارنة بالعام المالي السابق عليه 2020/2021، لافتاً إلى أنه يعدُ معدل غير مسبوق في السنوات العشر الماضية، ما يؤكد صمود الاقتصاد المصري أمام التحديات المحلية والإقليمية والعالمية.
وتناول التقرير، تحليلاً لمكونات صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية، موضحاً أن الارتفاع المٌحقق كان محصلة لارتفاع صافي التدفقات الواردة من الخارج بغرض تأسيس شركات جديدة أو زيادة رؤوس الأموال بنحو 2.1 مليار دولار لتسجل نحو 3.4 مليار دولار (منها 238.2 مليون دولار مبالغ واردة لتأسيس شركات جديدة)، حيث يمثل هذا البند 29% تقريبا من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية.
وأضاف المستشار محمد عبد الوهاب: كما أسهم في ذلك أيضاً ارتفاع صافي الأرباح المرحلة وفائض الأرصدة الدائنة بنحو 525.7 مليون دولار لتسجل نحو 4.9 مليار دولار بمعدل نمو 11% تقريبا مقارنة بالعام المالي السابق، ويمثل هذا البند 42% تقريبا من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية، وجدير بالذكر أن الأرباح المرحلة (المحتجزة) هي جزء من أرباح الشركة لم يتم توزيعه على المساهمين، وعادة ما يتم استخدامه في التوسع أو الاستثمار.
ولفت عبد الوهاب إلى أن التطور الايجابي في صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية، كان أيضا نتيجة لارتفاع حصيلة بيع شركات وأصول إنتاجية لغير مقيمين بنحو 2.2 مليار دولار لتسجل نحو 2.3 مليار دولار، ويمثل هذا البند 20% تقريبا من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية، حيث يأتي ذلك نتيجة لبدء برنامج الطروحات الحكومية بالبورصة المصرية، فضلا عن جهود الحكومة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، بالإضافة إلى ارتفاع صافي التحويلات الواردة لشـراء عقارات في مصـر بمعرفة غير مقيمين بمقدار 353.9 مليون دولار لتسجل 970.3 مليون دولار، ويمثل هذا البند 9% تقريبا من صافي الاستثمار الأجنبي المباشر في القطاعات غير البترولية.
وأكد الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة أن الارتفاع المحقق في صافي تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر يُعد بمثابة نتائج إيجابية تعكس ثقة المستثمرين في استدامة كفاءة بيئة الاستثمار في مصر، وخاصة مع التطور الكبير في البنية التحتية، والتوسع في إقامة المدن الجديدة والمشروعات القومية العملاقة، والتي ساهمت بشكل مباشر في خلق فرص استثمارية شديدة الجاذبية لرؤوس الأموال الأجنبية.
كما نوه إلى أن كل هذه النتائج الإيجابية تأتي في ظل الجهود الترويجية المكثفة التي تبذلها الهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية في القطاعات المستهدفة طبقاً للمتغيرات العالمية، والمتطلبات الحالية للاقتصاد المصري، والتواصل المستمر مع الشركات الأجنبية القائمة، لحثها على التوسع في استثماراتها، من خلال إعادة استثمار أرباحها أو ضخ استثمارات جديدة، والعمل على تذليل التحديات التي قد تواجهها بالتنسيق مع الجهات المختصة.
مبادرات تحفيزية
كان الرئيس عبد الفتاح السيسى، عقد اجتماعا مع الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، وحسن عبد الله محافظ البنك المركزى؛ و تناول الاجتماع متابعة مؤشرات السياسة النقدية وأداء القطاع المصرفي بالدولة ، وخلال الاجتماع وجه الرئيس السيسي ببلورة مبادرات جديدة لتحفيز وجذب الاستثمارات الأجنبية إلى مصر خلال الفترة القادمة، مع الاستمرار في خطط وجهود البنك المركزي والمنظومة المصرفية لتوفير المستلزمات ذات الأولوية للإنتاج والصناعة، والمتابعة الدقيقة لمنظومة الاستيراد والإجراءات ذات الصلة.
وفي سبتمبر الماضي ، كشف تقرير لوزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية عن انتعاش الاستثمار الأجنبي المباشر فى مصر بدأ بشكل ملحوظ بعد الجائحة، حيث بلغ الاستثمار الأجنبي المباشر فى 2021/2020 نحو 5.2 مليار دولار ومن المتوقع مضاعفته في العام المالي 2022/2021.
وأشار التقرير إلى أن الدولة تركز حاليًا على تعزيز مصادر العملة الأجنبية فى مصر، إلى جانب العمل مع القطاع الخاص لزيادة الصادرات وجذب الاستثمار الأجنبي المباشر وزيادة عائدات السياحة ، موضحا أن مصر تتمتع بميزة جغرافية كونها قريبة نسبيًا من أوروبا، ما يوفر فرصًا لشراكات معززة في جميع المجالات وخاصة ما يتعلق بمجال الطاقة، فضلًا عن اعتبارها بوابة إلى إفريقيا، فضلًا عن وجود سوق كبير للعمالة ، يتجلى في عدد سكان يزيد عن 100 مليون نسمة.
وأكد التقرير أن مصر أصبحت فى وضع يمكنها من أن تصبح مركزًا عالميًا للنقل البحرى، فضلاً عن كونها مركزًا صناعيًا ولوجستيًا، من خلال تنفيذ مجموعة متنوعة من المشروعات الاستراتيجية لتحسين البنية التحتية، مضيفه أنه على مستوى السياسات، فإن مصر تتمتع بشراكات تجارية قوية مع قيامها بالعديد من اتفاقيات التجارة الحرة.
كما أكد التقرير على الجهود التى بذلتها الحكومة المصرية فيما يخص برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي ساهم في استقرار الاقتصاد الكلي مصحوبًا ببيئة أعمال أكثر ملاءمة، وكذا البرنامج الوطني للإصلاح الهيكلي، مع التركيز على زيادة القدرة الإنتاجية والقدرة التنافسية للاقتصاد بالإضافة إلى تعزيز مرونته.
كذلك أكد تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء أن مصر تحولت إلى أهم الوجهات الاستثمارية في المنطقة خلال الفترة الأخيرة، وأرجع خبراء ذلك إلي مواصلة الحكومة المصرية تقديم حوافز "غير مسبوقة" لتعزيز تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر وتجاوز تداعيات الأزمات العالمية.
ووصل حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة في مصر خلال الفترة من يوليو 2021 حتى مارس 2022 إلى 7.3 مليارات دولار بزيادة 53.5 بالمئة، وفق تقرير مركز معلومات مجلس الوزراء.
وأكد التقرير أن مصر تعد الوجهة الاستثمارية الأولى للصناديق السيادية العربية، في مقدمتها الاستثمارات السعودية، والاستثمارات الإماراتية، ضمن الاستثمارات الخليجية في مصر بوجه عام.
ووصلت مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر خلال العام الحالي إلى 3.3 مليارات دولار موزعة على القطاعات المختلفة مثل الهيدروجين الأخضر، والأمونيا الخضراء والسياحة والصناعة والخدمات المالية والتحول الرقمي.
وذكر التقرير أن مصر تعد من أهم الأسواق الجاذبة للاستثمار في مجال الطاقة المتجددة، حيث وصلت الاستثمارات في طاقة الرياح والطاقة الشمسية إلى 4.4 مليارات دولار، وذلك ضمن الاستراتيجية الوطنية للاعتماد على الطاقة النظيفة، وكان من أبرز تلك الشركات "أكوا باور"، تحالف "سيمنس – جاميسا" و"مصدر" و"آميا باور" وغيرها من الشركات الأخرى.
ولفت التقرير أن مصر تشق طريقها للتحول لمركز إقليمي لتجارة الطاقة الخضراء بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية؛ إذ وقعت 15 مذكرة تفاهم مع كبرى الشركات العالمية لإنتاج الهيدروجين والأمونيا الخضراء.
وكان أبرز المشروعات التي تم توقيع مذكرات تفاهم بشأنها مع "رينيو باور" الهندية باستثمارات 8 مليارات دولار، ومذكرة تفاهم مع سكاتك النرويجية باستثمارات 5 مليارات دولار، ومذكرة تفاهم مع شركتي "زيرو ويست" و"إي دي إف رينيوابلز" باستثمارات 3 مليارات دولار.
خريطة استثمارية
الخبير الاقتصادي ، الدكتور أسعد الصادق، رئيس محور دعم القرار بمركز معلومات مجلس الوزراء المصري ، اعتبر في تصريحات له أن أسباب انتعاش الاستثمار الأجنبي في مصر متعددة ، وتشمل الحوافز التي تقدمها الحكومة وعلى رأسها حوافز "الرخصة الذهبية" والإصلاح الضريبي بجانب تفعيل الخريطة الاستثمارية.
وأكد الصادق أن الحكومة المصرية بذلت جهودا حثيثة لتحسين بيئة الأعمال في مصر، حيث استثمرت الحكومة في البنية التحتية في السنوات الأخيرة لتحفيز النمو وتمهيد الطريق لجذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية.
وأشار إلى أن مصر عزمت على جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة استجابة للتداعيات التي فرضتها الاضطرابات العالمية الناتجة عن الأزمة الروسية الأوكرانية بدلًا من الاعتماد على الأموال الساخنة، مما سيسهم في تخفيف الضغط على العملة المحلية ، موضحا أنه نتيجة لذلك بدأت الاستثمارات الخليجية التدفق بقوة للسوق المحلية المصرية، ويأتي ذلك في أعقاب توقيع مذكرات تفاهم وبروتوكولات تعاون على مدار العامين الماضيين بين الحكومة المصرية وعدد من الكيانات الخليجية الكبرى، بغرض تعزيز الاستثمار الأجنبي المباشر إلى مصر، وتضمنت هذه الاستثمارات صندوق الاستمارات العامة السعودي، بما يعادل 1.3 مليار دولار، واستثمارات أبوظبي التنموية القابضة بنحو 1.8 مليار دولار.
وشدد علي أن التطور الملحوظ في حجم تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة لمصر، يعكس حرص الحكومة على تهيئة بيئة مواتية للاستثمار تشجع مجتمع الأعمال على التوسع في الأنشطة الاستثمارية والإنتاجية، بما يساعد في تعظيم الصادرات المصرية وتعزيز قدرات مصر التنافسية في الأسواق العالمية.
مصطفى عبد العزيز المدير التنفيذي والشريك المؤسس لشركة أكت فاينانشال للاستثمار المباشر، يلفت إلي أن أبرز مخاوف المستثمرين الأجانب للاستثمار في مصر خلال الفترة الحالية تتمثل في تذبذب سعر صرف الجنيه أمام الدولار، مضيفا أن العديد من المستثمرين من مختلف الجنسيات، لا يرغبون في الاستثمار في الوقت الحالي بمصر لحين استقرار سعر صرف الجنيه.
وأضاف عبد العزيز، في تصريحات إعلامية أن هناك تحديات أخرى ثانوية تواجه الاستثمار الأجنبي ومنها أولا إنشاء وزارة للاستثمار لتتولى مسؤولية جذب الاستثمارات الأجنبية وتحديد الإجراءات اللازمة لتيسير إنشائها، ثانيًا تشجيع مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد، مشيرا إلى أن إعداد وثيقة سياسة ملكية الدولة، والتي تمنح فرصًا أكبر للقطاع الخاص أمرا إيجابيا لحل هذا التحدي، ولكن لن يتم جذب استثمارات أجنبية مباشرة ضخمة في الوقت الحالي بدون حل أزمة سعر الصرف.
وتابع أن أبرز المقترحات اللازمة لجذب الاستثمارات الأجنبية ، تشمل أولا ضرورة توصل الحكومة لآلية لضمان تسعير عادل لسعر صرف الجنيه، ثانيا إنشاء وزارة للاستثمار لتتولى تسويق الفرص الاستثمارية بمصر وحل مشاكل المستثمرين وتيسير الإجراءات والتراخيص، ثالثا محفزات ضريبية وتشغيلية للقطاعات الصناعية ذات أولوية، وذلك بهدف طمأنه المستثمرين وجذب استثمارات جديدة.
ويلفت عبد العزيز إلي أن هناك العديد من القطاعات القادرة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة، وعلى رأسها سوق المال، موضحا أن البورصة المصرية تعتبر أرخص أسواق المال في العالم نتيجة تدني القيم السوقية وأصول الشركات، وهناك ميزة إيجابية بسوق المال وهي سرعة ضخ الاستثمارات للاستحواذ على الشركات المدرجة .
الخبير الاقتصادي مدحت نافع يقول إن جذب الاستثمارات الأجنبية يتطلب وضوح في إجراءات إصدارات التراخيص وتخصيص الأراضي بمختلف أنشطتها وتكاليف هذا التخصيص، وتحديد سياسة واضحة لأسعار الطاقة ونسبة الزيادة في الأسعار مستقبليًا، مضيفا أن أهم العوامل هو توافر النقد الأجنبي لاستيراد السلع والمنتجات الوسيطة والمعدات، ولذا وجه الرئيس المصري محافظ البنك المركزي بإعداد مبادرات لجذب الاستثمارات.
وأضاف نافع، أنه يجب على الحكومة أن تعمل على سرعة إصدار وثيقة سياسة ملكية الدولة لزيادة مشاركة القطاع الخاص في الاقتصاد الوطني، كما يجب العمل على سرعة إصدار التراخيص الصناعية وتحديد جهة الولاية على الأراضي حتى يتسنى للمستثمر التعرف على الجهة التي سيتم مخاطبتها، والوقت اللازم للرد على استفساراته لكي يخطط لبدء نشاطه.
وتابع أنه على رغم من أن الإعفاءات الضريبية لم تعد المحفز الأكبر لجذب الاستثمارات، إلا أنه إقرار محفزات ضريبية قد يسهم في جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة خاصة للقطاعات ذات الأولوية.
واعتبر نافع أن القطاعات كثيفة استهلاك الطاقة هي القادرة على جذب استثمارات أجنبية مباشرة جديدة في ظل توافر الطاقة محليًا في مقابل نقص شديد في الدول الأوروبية، وأبرزها قطاع البتروكيماويات، وذلك في ظل توافر الطاقة وقرب موقع مصر من مواقع إنتاج البترول من الدول الخليجية، وكذلك أنشطة تصنيع الأسمدة والصناعات الغذائية والرعاية الصحية والتعليمية.