علاء طه يكتب لـ"الحصاد": أبيض وأسود

عام 2023 ينصرف بلهيبه وكوارثه ليتحول إلي تاريخ مأساوي، للأسف سيترك أثرًا سيتحكم في مجريات المنطقة العربية في السنوات المقبلة. عام يلفظ أنفاسه مثل الأفعي السامة، فقد بدأ بكارثة طبيعية حيث ضرب زلزال "قهرمان مرعش" تركيا وسوريا  في السادس من فبراير الماضي ما أدي إلي وفاة 55 ألف شخص، وإصابة 100 ألف آخرين، ونزوح 3.7 مليون شخص، بينما أصبح أكثر من مليوني شخص بلا مأوي، وحسب ما قالت الأمم المتحدة فإن الزلزالين من أسوا الكوارث التي ضربت منطقة الشرق الأوسط في الأعوام الأخيرة. وها هو ينتهي بحرب الإبادة التي يشنها الإحتلال الإسرائيلي بدعم أمريكي علي أهلنا في غزة والتي بدأت في 7 اكتوبر الماضي، وستستمر معنا في العام الجديد، وحتي الآن قتلت العصابات الصهيونية ما يزيد عن 20 ألف فلسطيني 70في المئة منهم أطفال ونساء. وما بين أشهر العام اشتعلت الحرب في السودان المستمرة إلي الآن والتي راح ضحيتها 12 ألف شخص فضلًا عن 33 ألف مصاب و5.6 مليون نازح ومهاجر. هذا غير إعصار دانيال الذي ضرب ليبيا والزلزال الذي ضرب المغرب.

لسنوات طويلة مقبلة ستتحكم آثار غضب الطبيعة وحروب غزة والسودان، وما تبعها ورافقها من تدخلات أمريكية وأوروبية، في مجريات ما يحدث بالمنطقة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، ولا عاصم في العام الجديد سوي تلبية دعوة الجليل أحمد الطيب شيخ الأزهر بتوحد العالم العربي والإسلامي في كيان واحد علي غرار الاتحاد الأوربي، وأضعف الإيمان هو تنسيق المواقف في قضايانا المصيرية أمام التدخلات الأجنبية، وقال بوضوح شديد "سبب استمرار حرب الإبادة في غزة هو استغلال الأعداء لانقسامنا، ولو توحد العرب بقطع البترول لأسبوع ستتوقف الحرب".

برأيي الشيخ أحمد الطيب يستحق لقب شخصية العام علي المستوي العربي والمصري. الرجل فضلا عن سماحته وسعة علمه وزهده صاحب مواقف تحظي بتقدير العالم، وهو منحاز للإنسانية، وبياناته وتصريحاته ومواقفه في كل أحداث العام المنصرف تشعرنا أننا أمام قامة عظيمة، تمثل صلب قوتنا الناعمة في العالم.

علي أن ما يشغل مصر داخليا وعام ٢٠٢٣ يلفظ أنفاسه، هو ارتفاع الأسعار والتضخم وانخفاض الجنيه أمام الدولار ومضاربات الذهب، المشهد صعب لأن الاقتصاد يا عزيزي هو المتحكم في كل شئ، يحرك السياسة والجيوش، ويفجر الغضب أو يشعل الحماس والسعادة، لكن برأيي أن مصر قادرة علي عبور الأزمة، بشرط أن لا تكون المعالجة لها عبر تغيير الحكومة فقط لا غير، فالأزمة أكبر من تغيير وجه بوجه، المطلوب تغيير سياسات ووضع إستراتيجيات وتحديد الأولويات، والمهم أن تحدث مكاشفات حقيقية داخل مؤسسات الدولة لتحديد العلة والخروج بأجندة عمل للتغلب علي الأزمة.

أيضا تحتاج مصر لعدم تكرار الأزمة وضمان الاستقرار والنمو أن تنسف سياسة تفضيل أهل الثقة علي أهل الخبرة في المناصب القيادية، فالنجاح والتفوق يحتاج للعلم والمعرفة وحسن الإدارة والذكاء والحس السياسي، أما أصحاب تمام يا افندم وكل شئ عظيم وحملة المباخر والطبالين فلن نري منهم سوي سوء الإدارة والمشاكل المتلاحقة والفساد، وأعتقد أن الرئيس السيسي قادر علي تحقيق ذلك في ولايته الجديدة، والدليل هو حركة البناء العظيمة وتنمية المدن التي حققها في السنوات الماضية عبر الاستعانة بالخبرات والعقول في قطاع الإسكان والتنمية العمرانية، وأحد الأمثلة البارزة هو المهندس أحمد رشاد رئيس جهاز مدينة العبور الذي حول هذه المدينة المتاخمة للقاهرة الي قبلة حقيقية للاستثمارات المحلية والعربية، ومدينة تضاهي المدن الأوروبية، فقبل عامين شاهد الرئيس السيسي علي أرض الواقع إنجازات المهندس أحمد رشاد في مدينة أسوان الجديدة التي كان يرؤسها، فأشاد به وشكره وكرمه في ختام فعاليات أسبوع الصعيد، وفي أول تغييرات تالية لرؤساء المدن تم الدفع به لرئاسة مدينة العبور فحولها من مدينة تعج بالمخالفات ويعاني سكانها من ظواهر عشوائية الي منطقة راقية تجذب المصنعين والمستثمرين.

أخيرا كل عام وأنتم بخير بمناسبة العام الجديد.