أعلنت وزارة الأوقاف خطبة الجمعة الموحدة اليوم 6-12-2024، والتي تأتي بعنوان "لغة القرآن والحفاظ على الهوية"، والمقرر أن يتم إلقاءها في جميع المساجد باستثناء الجامع الأزهر الشريف.
ويأتي نص خطبة الجمعة اليوم 6-12-2024 كالآتي...
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ، حَمْدًا كثيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ، حَمْدًا يُوَافِي نِعَمَهُ وَيُكَافِئُ مَزِيدَهُ، وأَشهدُ أنْ لَا إلهَ إِلا اللهُ وحدَهُ لَا شَريكَ لَهُ، وأَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَبَهْجَةَ قُلُوبِنَا وَقُرَّةَ أَعْيُنِنَا وَتَاجَ رُؤُوسِنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَصَفِيُّهُ مِنْ خَلْقِهِ وَحَبِيبُهُ، أَرْسَلَهُ اللهُ تَعَالَى رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ، وَخِتَامًا لِلْأَنْبِيَاءِ وَالمُرْسَلِينَ، فَشَرَحَ صَدْرَهُ، وَرَفَعَ قَدْرَهُ، وَشَرَّفَنَا بِهِ، وَجَعَلَنَا أُمَّتَهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ وسلِّمْ وبارِكْ علَيهِ، وعلَى آلِهِ وَأَصحَابِهِ، ومَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إلَى يَومِ الدِّينِ، وَبَعْدُ:
اللغة العربية بداية الحضارة
فَإِنَّ اللُّغَةَ العَرَبِيَّةَ بِدَايَةُ بِنَاءِ الحَضَارَةِ، وَصِنَاعَةِ الفِكْرِ، وَارْتِقَاءِ الذَّوْقِ، وَالخَوْضِ فِي مَيَادِينِ الجَمَالِ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ الَّتِي تُقَوِّي الفِكْرَ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَعْصِمُ العَقْلَ مِنَ الزَّلَلِ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ البِدَايَةُ لِاسْتِخْرَاجِ مَا فِي القُرْآنِ مِنْ مَعَانٍ مُصْلِحَةٍ لِلْعَقْلِ وَلِلْفِكْرِ وَلِلذَّوْقِ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ العِصمَةُ مِنَ الإِلْحَادِ وَالإِرْهَابِ مَعًا، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ أَمْنٌ قَوْمِيٌّ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ حِصْنٌ وَبِدَايَةٌ لِلتَّقَدُّمِ وَالرُّقِيِّ، اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ ثَقَافَةٌ وَجَمَالٌ وَحَيَاة.
أَيُّهَا النَّاسُ، اقْدُرُوا لِلُغَةِ القُرْآنِ قَدْرَهَا، أَلَيْسَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ لُغَةَ الإِعْجَازِ الَّتِي اخْتَارَهَا اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِتَكُونَ وِعَاءً لِكَلَامِهِ العَظِيمِ، يَقُولُ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ: {وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا}، وَيَقُولُ رَبُّنَا جَلَّ وَعَلَا: {وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ}.
أَلَيْسَتِ اللُّغَةُ العَرَبِيَّةُ هِيَ الَّتِي تَفتَحُ خَزَائِنَ فَهْمِ بَيَانِ القُرْآنِ وَتَبُوحُ لَنَا بِأَسْرَارِهِ، وَتَكْشِفُ لَنَا دُرَرَهُ، وَتُرْشِدُنَا إِلَى مَرَامِيهِ؟! إِنَّ مَن يَمْلِكُ نَاصِيَةَ اللُّغَةِ العَرَبِيَّةِ وَرِيثٌ مُحَمَّدِيٌّ شَرِيفٌ، عُرِجَ بِهِ فِي مَعَارِجِ الوُصُولِ، اسْأَلُوا الرَّازِيَّ كَيْفَ انْفَتَحَتْ أَمَامَ عَيْنَيْهِ مِئَاتُ المَسَائِلِ وَالأَسْرَارِ وَالأَنْوَارِ وَهُوَ يَعِيشُ مَعَ سُورَةِ الفَاتِحَةِ؟! وَاسْأَلُوا عَبْدَ القَاهِرِ الجُرْجَانِيَّ كَيْفَ ابْتَكَرَ نَظَرِيَّةَ النَّظْمِ الَّتِي حَيَّرَتِ العُقُولَ وَالأَفْهَامَ، وَجَعَلَتِ الدُّنْيَا تَنْحَنِي إِجْلَالًا أَمَامَ لُغَةِ القُرْآنِ؟! بَلْ غُصْ فِي عَقْلِ الطَّاهِرِ ابْنِ عَاشُور وَهُوَ يَتَنَقَّلُ بِكَ بَيْنَ بَسَاتِينِ اللُّغَةِ لِيُحَرِّرَ مَقَاصِدَ الشَّرِيعَةِ وَمَرامِيَهَا فِي مَزِيجٍ عَبْقَرِيٍّ فَرِيدٍ، وَقَبْلَهَا كَانَ السُّيُوطِيُّ المُزْهِرُ وَقَدْ جُمِعَتْ لَهُ عُلُومُ اللُّغَةِ لِيُخْرِجَ دُرَّتَهُ المَصُونَةَ «الإِتْقَان فِي عُلُومِ القُرْآن»، وَقَدِ امْتَلَأَتْ بِأَسْرَارِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا.