
جرمين عامر عضو اتحاد الاعلاميين العرب
منذ أن نشر مقالي "قصتي .. مع المخدرات الرقمية" بجريدة الحصاد الأسبوعية، والموضوع يشغل حيز كبير من تفكيري، ويثير فضولي، بل رعبي أحيانا كثيرة.
فالأمر لم يعد حكاية شاب، قريب مني وصديقه، يمثلان جيلين كاملين يطلقون علي أنفسهم جيل ألفا وجيل Z.
بل اصبحت واقع وحقيقة يعيشها حوالي 200 مليون شخص حول العالم حتي عام 2010 انتابهم هوس الإدمان الرقمي وفقا لموقع Statista.
وأصبحوا مدمنين سماع ملفات صوتية يطلق عليها Binaural Beats تؤثر على دماغ الشخص وتحدث تأثيرات مشابهة للمخدرات التقليدية بداية من الاسترخاء، ثم التحفيز ثم الحماس وصولا إلي مراحل من الهلوسة.
لـ اكتشف في رحلة البحث والتنقيب عن ثلاث مفاجات مدوية في عالم الإدمان الرقمي.
أولها: وأهمها علي الإطلاق .. إن سوق المخدرات الرقمية، أصبحت بيزنس عالمي. يماثل بيزنس المخدرات التقليدية. يدار في عالم الكتروني وعبر صفحات الإنترنت ومن منصات معروفة أو مشفرة مثل: مواقع الويب، يوتيوب، كذا تطبيقات الهواتف الذكية.
حيث يتم بيع هذه الملفات الصوتية للمستخدمين مقابل اشتراكات شهرية أو سنوية مدفوعة. بالإضافة إلي الإعلانات الممولة وعمولة الوسيط. بهدف تحقيق أرباح ومكاسب مالية ضخمة دون النظر إلي مدي التأثير النفسي والإجتماعي والإقتصادي علي المستخدمين خاصة من جيل الشباب.
المفاجاة الثانية : إن المخدرات الرقمية، اكتشفت قديما جدا، منذ قرابة قرنين من الزمن وبالتحديد في عام 1839على يد العالم الألماني هاينريش فيلهلم دوف (Heinrich Wilhelm Dove).
الذي اكتشف أن تشغيل ترددين صوتيين مختلفين في كل أذن من أذن الانسان، يمكن أن يحدث تأثيرات مباشرة على الدماغ. لكنه بالطبع لم يكن يعرف أن هذه الاصوات أو الترددات الموسيقية يمكن أن تستخدم كمخدر للعقل.
في السبعينيات من القرن الـ20، بدأ العلماء في دراسة هذه الظاهرة بشكل أعمق. دون إصدار أدلة قاطعة علي تأثير هذه النوعية من الترددات الموسيقية المعروفة بالمخدرات الرقمية.
ومع بداية القرن الـ21، نمى إلى علم عدد من الشركات والأفراد فقاموا علي الفور بتسويق هذه النوعية من التراكات الموسيقية باسم “المخدرات الرقمية”، مدعين أنها تؤثر على المزاج العام للمستخدم بتأثير يشبة تأثير بعض المواد المخدرة. مثل: الماريجوانا الرقمية، والتي تحاكي تأثير الحشيش والاسترخاء. كذلك الكوكايين الرقمي والذي يسبب تحفيزا زائدا وشعورا بالنشاط. وايضا الإكستاسي الرقمي (MDMA) والذي يعطي إحساسا بالنشوة والحماس. بالاضافة إلي الهيروين الرقمي والذي يشبه تأثير المواد الأفيونية في الاسترخاء العميق. واخيرا LSD الرقمي والذي يسبب هلوسات خفيفة أو تغييرات في إدراك المستخدم.
والمدهش في الأمر .. إن الشباب وبالتحديد الذكور، أكثر إقبالا علي إدمان المخدرات الرقمية من الإناث. خاصة وأن لديهم ميل فطري للتجربة والمغامرة الغير مألوفة.
وتبدأ تجربة الشاب للمخدرات الرقمية بجلسات استماع ما بين 10 -60 دقيقة. من خلال تشغيل Stereo Sound مع مراعاة ضرورة أن يسمع تردد كل أذن بشكل مختلف للحصول علي التأثير المطلوب.
لتسقط .. المفاجاة الثالثة علي رأسي دون سابق انذار. بالأرقام والمؤشرات. فهناك نمو سريع لسوق العلاجات الرقمية مستخدمة أساليب العلاج بالترددات الرقمية في جلسات ضمن بروتوكولات العلاج. وسط تكهنات بفرص استثمارية واعدة. حيث قدرت قيمة سوق العلاجات الرقمية في العالم بـ6.77 مليار دولار عام 2023.
ومن المتوقع أن تصل إيرادات هذا السوق إلى 6.84 مليار دولار عام 2025، بمعدل نمو سنوي يبلغ 10.20٪ بين عامي 2025 و2029.
كما يتوقع موقع Research أن يشهد هذا السوق نمو كبير ليصل إلى أكثر من 194.49 مليار دولار بحلول عام 2037، بمعدل نمو سنوي 28.3٪ بين 2025 و2037
وعلي جانب الاستثمارات في قطاع العلاجات الرقمية، فقد نشرت جريدة Financial Times دراسة تؤكد تدفق حجم الاستثمارات في سوق العلاج الالكتروني، خاصة بين عامي 2020 و2022 ليجذب قطاع الصحة الرقمية والعلاجات الرقمية، استثمارات تجاوزت 100 مليار دولار. خاصة مع دخول شركات التكنولوجيا العملاقة.
الأمر لم يعد ظاهرة فردية عابرة بل جد خطير. جيل كامل من الشباب ستدمرهم المخدرات الرقمية. وذلك علي الرغم من إن الحكومات والمنظمات الدولية تتخذ إجراءات لمكافحة تجارة المخدرات الرقمية، بما في ذلك تطوير تقنيات التتبع وتعزيز التعاون الدولي.
إلا أن التوعية بين الشباب خاصة الذكور، بمخاطر المخدرات الرقمية وأضرارها المحتملة مطلوب وبقوة. كذلك مراقبة الأهل للمحتوى الرقمي الذي يتعرض له أبناؤهم، خاصة على الإنترنت. بالإضافة إلي تشجيع الأنشطة البديلة مثل الرياضة أو الأنشطة الفنية يمكن أن يقلل من إدمان الشباب.