
في خضم المعارك السياسية والاقتصادية العالمية، بدأت الصين تنفيذ حملة موسعة تهدف إلى تعزيز مكانة عملتها المحلية، اليوان، على الساحة المالية العالمية، في ظل ما تعتبره بكين فرصة استراتيجية استثنائية لتقليص النفوذ الدولي للدولار الأمريكي وتمزيق هيمنته.
تصاعد التوترات
وتأتي هذه الخطوة وسط اضطرابات متزايدة في السياسة النقدية الأمريكية وتصاعد التوترات الجيوسياسية، ما دفع صانعي القرار في بكين إلى تسريع خططهم طويلة الأمد الرامية لتدويل العملة الصينية وتعزيز دورها في النظام النقدي العالمي.
استخدام اليوان في التجارة العالمية
أعلنت السلطات الصينية سلسلة من الإجراءات الجديدة لتسهيل استخدام اليوان في التجارة والاستثمار عبر الحدود، شملت توسيع انفتاح الأسواق المالية، وتخفيف القيود على تدفق رؤوس الأموال، وتطوير منتجات مالية جاذبة للمستثمرين الأجانب.
وتطمح بكين من خلال هذه الخطوات إلى تقليص الاعتماد العالمي على الدولار وتحقيق توازن أكبر في النظام المالي الدولي.
ووصفت لين سونغ، كبيرة الاقتصاديين لمنطقة الصين الكبرى في "بنك آي إن جي"، هذه التحركات بأنها إشارات واضحة على رغبة الصين في ترسيخ اليوان كعملة عالمية رئيسية.
انخفاض مؤشر الدولار
تسعى الصين لتطوير المزيد من الوسائل التي تسمح للمؤسسات الأجنبية باستخدام اليوان، في وقت تتراجع فيه الثقة العالمية بالدولار الأميركي. ويؤكد خبراء أن هذه الخطوات تهدف إلى تحدي هيمنة الدولار، رغم أنه لا يزال العملة المهيمنة عالميًا بفارق كبير.
وتأتي هذه المبادرات في توقيت ملائم، إذ انخفض مؤشر الدولار الأميركي بأكثر من 9% منذ بداية العام، بينما ارتفع اليوان المتداول خارج الصين بنسبة تفوق 2% أمام الدولار.
وفي إشارة إلى التصميم المتزايد من بكين على تقليص الاعتماد العالمي على الدولار، قال بان قونغشنغ (Pan Gongsheng)، محافظ بنك الشعب الصيني، خلال كلمة في منتدى لوجياتسوي (Lujiazui Forum)، إن بلاده تدرس سبل "تقليص الاعتماد المفرط على عملة سيادية واحدة". كما أعلن عن خطط لإنشاء مركز دولي لتوسيع استخدام اليوان الرقمي في شنغهاي، إلى جانب الترويج لتداول العقود الآجلة باليوان.
نظام عالمي جديد
ورسم محافظ البنك المركزي الصيني، بان قونغشنغ، ملامح نظام مالي جديد يتراجع فيه الدور المركزي للدولار.
وأشار إلى خطة شاملة تشمل إنشاء مركز دولي لإدارة اليوان الرقمي في شنغهاي، وإطلاق عقود مستقبلية مقومة باليوان للمنافسة في الأسواق العالمية مثل سنغافورة وشيكاغو.
وتعزّزت هذه الجهود بإطلاق نظام دفع سريع في هونغ كونغ يتيح للمقيمين تحويل الأموال باليوان إلى البر الرئيسي، إلى جانب استعداد بورصة هونغ كونغ لإدراج قنوات تداول باليوان ضمن برنامج رابط الأسهم.
ربط اليوان بالعملات المستقرة
كشف وزير الخدمات المالية في هونغ كونغ، كريستوفر هوي، عن مناقشات محتملة لربط اليوان بالعملات المستقرة، رغم تحذيراته من ضرورة دراسة التأثيرات المرتبطة بالمخاطر وسعر الصرف والسياسات النقدية.
ويأتي ذلك عقب مصادقة الكونجرس الأمريكي على قانون خاص بالدولار الرقمي، وتفعيل هونغ كونغ إطارًا تنظيميًا خاصًا بالعملات المستقرة.
وتتحرك بكين لفتح أسواقها المالية أمام مستثمرين أجانب، كما تعتزم زيادة الحصص الاستثمارية للمقيمين المحليين في أدوات مالية أجنبية مقومة باليوان، ما يعزز تداول العملة دوليًا ويزيد من جاذبيتها في المحافظ الاستثمارية العالمية.
وأكدت خبيرة الاقتصاد في “كريدي أجريكول” شياوجيا تشي، أن "الصين تبدو مصممة على اغتنام الفرصة لدفع اليوان إلى الصدارة، لا سيما إذا تم توسيع نطاق السيولة المتاحة خارج البلاد.