
كشف تقرير حديث عن حجم مشتريات المصريي لعقارات دبي، حيث باتت شريحة متزايدة من المصريين تتجه نحو البحث عن استثمارات خارج الحدود تتسم بقيمة استثمارية أعلى. ومن بين الخيارات المتاحة، تبرز دبي كوجهة مفضلة للاستثمار العقاري، لما تتمتع به من بيئة اقتصادية مستقرة، وقوانين واضحة تُشجع على التملك الأجنبي، وعائدات إيجارية تنافسية.
سجل عدد المشترين المصريين للعقارات في دبي قفزة بنسبة 150% خلال أول شهرين من عام 2025 بحسب منصة "أجابي"، ما أثار اهتمام محللي العقارات وصناع السياسات والخبراء الاقتصاديين على حد سواء. ورغم أنه من السهل عزو هذا الاتجاه إلى أزمة العملات في مصر، فإن نظرة فاحصة تكشف عن دوافع أكثر تعدداً وراء هذا الاتجاه، تمتد من طموحات معيشية إلى مصالح استثمارية، نرصدها بشيء من التفصيل في هذا التقرير:
اهتمام المصريين بعقارات دبي
بدأ اهتمام المصريين بسوق العقارات في دبي يتبلور بشكل واضح منذ عام 2015، لكن الطفرة الحقيقية جاءت خلال الفترة التي شهدت تراجعاً في قيمة الجنيه المصري وتذبذباً واضحاً في قيمته، وهو ما جعل دبي سوقاً أكثر جاذبية للمستثمرين الذين يمتلكون أصولاً بالعملة المحلية.
ووفقاً لتحليل صادر عن شركة "نايت فرانك" (Knight Frank)، فإن المصريين كانوا "أكبر الرابحين بين مشتري العقارات في دبي خلال السنوات الأخيرة، عند احتساب أثر تقلبات العملة".
وفي الفترة الممتدة حتى نهاية الربع الأول من 2021 تراجعت أسعار العقارات في دبي بنحو 26.3% عن ذروتها، إلا أن مشتريات المصريين عند تقويمها بالجنيه المصري حققت مكاسب حينها تناهز 51.4%، وفقاً لتصريح فيصل دوراني، الشريك ورئيس الأبحاث في الشرق الأوسط لدى "فرانك نايت". وأضاف دوراني في حوار مع منصة "أراب نيوز": "لو عدنا أكثر إلى الوراء حتى عام 2007، فإن الاستثمارات العقارية للمصريين والباكستانيين كانت ستسجل زيادات تتجاوز 200%".
زيادة معدلات شراء العقارات
وبرزت زيادة معدلات الشراء خلال 2023، حيث أظهرت بيانات وكالة "رويترز" أن المصريين كانوا من بين أبرز الجنسيات التي زاد تملكها للعقارات في دبي إلى جانب اللبنانيين والباكستانيين والأتراك، مستفيدين من بيئة سعرية أكثر استقراراً وسهولة الوصول إلى فرص استثمارية.
وبحلول نهاية عام 2024، رصدت شركة "ألسوب أند ألسوب" (Allsopp & Allsopp) نمواً 61% في عدد المشترين المصريين، وهو ما شكل تمهيداً للقفزة الكبرى في يناير وفبراير 2025، إذ وضع تقرير"أجابي" المصريين في المرتبة الخامسة بين أكبر الجنسيات في مشتريات العقارات في دبي، وذلك بعد الهنود والسعوديين والبريطانيين والباكستانيين.
مقومات دبي الاستثمارية
تتمتع دبي بمقومات استثمارية تجعلها خياراً مغرياً لشريحة متزايدة من المصريين الباحثين عن بيئة مستقرة وتحوطية بالنسبة لأموالهم. فالعملة المرتبطة بالدولار الأميركي، والإعفاء الضريبي على الدخل والأرباح، والبنية التحتية المتقدمة، وجميعها عوامل تعزز من جاذبية الإمارة.
وخلال العام الماضي، تجاوزت الإمارات الولايات المتحدة كأكثر وجهة استقطاباً للمليونيرات المهاجرين، وفق تقرير مؤسسة "هينيلي آند بارتنرز" لعام 2024 عن خريطة توزيع الأثرياء حول العالم، ما يعكس الثقة العالمية المتنامية في سوقها العقارية.
وانتعش الطلب على سوق العقارات في دبي بفضل التدفق الكبير من المشترين الأثرياء من تركيا ومصر. ويقول محمد بن غاطي، رئيس مجلس إدارة شركة "بن غاطي" العقارية الخاصة للشرق: "دفعت تقلبات العملة العديد من المستثمرين في مشاريعنا إلى وضع جزء من ثرواتهم خارج بلدانهم لحماية أنفسهم. مضيفاً: "وقفوا متفرجين وهم يشاهدون أرباحاً رأسمالية كبيرة في دبي طوال الأعوام القليلة الماضية، وفاتتهم الفرصة".
وبالنسبة للمصريين الباحثين عن حماية لأصولهم مع الحفاظ على القرب الجغرافي من وطنهم الأم والبقاء داخل بيئة ثقافيو مناسبة، تبرز دبي كمزيج مثالي يجمع بين القرب المكاني حيث تحتاج فقط لنحو 4 ساعات سفر بالطائرة من القاهرة، والثقافة العربية كبلد عربي يتميز بالحفاظ على الأعراف والتقاليد، وفق تقرير لشركة البحوث "حبتور ريسيرش" (Habtoor Research).
أهداف الشراء بين المصريين والمقيمين
يختلف هدف شراء المصريين للعقارات في دبي بحسب مكان إقامتهم؛ فالمصريون المقيمون داخل الإمارات غالباً ما يشترون بهدف السكن الدائم أو ترقية مستوى المعيشة، مستفيدين من معرفتهم الدقيقة بالسوق المحلية وارتفاع تكاليف الإيجار، وفقاً لتقارير "نايت فرانك" و"بيوت دوت كوم".
في المقابل، يسعى المصريون المقيمون في مصر إلى التملك في دبي لأغراض استثمارية أو تأمين إقامة مستقبلية، مدفوعين بالعروض التسويقية وخطط الدفع الطويلة التي تقدمها الشركات العقارية في المعارض الدولية، مثل "سيتي سكيب دبي" و"معرض العقارات الدولي بالقاهرة".
وتُظهر بيانات منصتي "بروبرتي فايندر" (Property Finder) و"دي إكس بي إنترأكت" (DXB Interact) أن المشترين من خارج الإمارات يفضلون المشاريع الجديدة قيد الإنشاء ذات الأسعار التنافسية والعوائد الإيجارية الموعودة، بينما يختار المقيمون مشاريع جاهزة في مناطق قريبة من العمل والمدارس مثل "الخليج التجاري" و"دبي هيلز".
أداء عقارات دبي آخر 10 سنوات
بالنظر إلى بيانات الفترة 2014-2025، تفوقت سوق العقارات في دبي على العديد من الأسواق العالمية. تراوحت الزيادات السنوية في الأسعار بين 3% و10%، وشهدت المنازل الفاخرة أفضل نمو بنسبة تقارب 10% سنوياً بحسب تقرير لموقع "توب لوكجري بروبيرتي" (topluxuryproperty.com). كما شهدت دبي ارتفاعاً قياسياً في أسعار العقارات منذ عام 2021، إذ قفزت حوالي 60–75% حتى أوائل 2025، لتصل إلى مستويات تقترب من أوقات فقاعة 2008 بحسب تقرير "أنيكا بروبرتي" (Anika Property).
مع هذا النمو الكبير، حذرت مؤسسة "فيتش" للتصنيف الائتماني من احتمال حدوث تصحيح يصل إلى 15% خلال النصف الثاني من 2025 ويمتد حتى 2026، مع تسليم ما يقرب من 210 آلاف وحدة سكنية جديدة قد تضغط على السوق.
بعد انحسار التصحيح المتوقع، ستدخل السوق مرحلة توازن بين العرض والطلب. مع دعم عدد السكان المتزايد (من المتوقع الوصول إلى أكثر من 4.6 مليون نسمة بحلول 2030) بحسب صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، فضلًا عن الإجراءات التنظيمية المُحسنة وزيادة الطلب على المناطق الفاخرة، ستشهد أسعار الشقق نمواً سنوياً معتدلاً بنسبة 5–7% وفق تحليل نُشر على موقع شركة "داماك العقارية". أما الفلل الفاخرة فقد تسجل زيادات تصل إلى 8–10% سنوياً، وفق تقرير لموقع استشارات العقارات "كونسالتانسي مي.كوم" (consultancy-me.com). فيما توقعت شركة "نايت فرانك" أن ترتفع أسعار المساكن بنحو 8% خلال العام الحالي، وأن تزيد بمتوسط 5% للعقارات الفاخرة.
العوائد الإيجارية بين مصر ودبي
تُحقق دبي عوائد إيجارية أعلى بانتظام مقارنة بمعظم المدن المصرية. إذ توفر المناطق الحيوية مثل وسط المدينة، وقرية جميرا الدائرية ونخلة جميرا عوائد إجمالية تتراوح بين 6% و9%، وقد تزيد في بعض الحالات.
وفي المقابل، رغم أن بعض الأحياء في القاهرة تُبدي مؤشرات واعدة (مثل المهندسين بعائد 13.3%، والقاهرة الجديدة بعائد 7.06%)، إلا أن السوق المحلية تواجه تحديات من حيث التضخم، وصعوبات التمويل، حسبما تفيد بيانات تقرير دليل "غلوبال بروبيرتي" (Global Property Guide).
وبلغ متوسط العائد الإيجاري في مصر 6.77% خلال الربع الثاني من 2025، إلا أن العوائد المعدلة حسب المخاطر والتقلبات تجعل السوق الإماراتية المرتبطة بالدولار أكثر جاذبية.
ويشير تقرير لموقع "وايز" (wise.com) الأميركي إلى أن دبي لها أفضلية حتى على بعض العقارات بغض النظر عن فارق عوائد الإيجار حيث رسخت نفسها كمركز عالمي بحكومة مستقرة وبنية تحتية ذات كفاءة عالية. كما أنها تجذب السكان والشركات من جميع أنحاء العالم، لذلك هناك طلب ثابت على العقارات الإيجارية.
الإقامة الذهبية في الإمارات
يلعب برنامج الإقامة الذهبية في الإمارات دوراً كبيراً؛ إذ يتيح للمستثمرين العقاريين الذين يشترون عقاراً بقيمة مليوني درهم إماراتي أو أكثر (ما يعادل نحو 545 ألف دولار) الحصول على تأشيرة إقامة قابلة للتجديد لمدة 10 سنوات، كما ورد على موقع شركة "داماك العقارية" الإلكتروني.
وتمنح هذه التأشيرة للمستثمر -ولأسرته- حرية الحركة، وإمكانية الوصول إلى التعليم والرعاية الصحية، وحق التملك الكامل بنسبة 100% في الأعمال التجارية. انعكس ذلك في أرقام العام الماضي حيث أسس المصريون نحو 5300 شركة في دبي 2024، ليكونوا ثالث أكثر الجنسيات تأسيساً للشركات في الإمارة، بحسب بيانات غرفة التجارة.
تشمل الفئات المؤهلة للحصول على الإقامة الذهبية المستثمرين في العقارات ورواد قطاع الأعمال والمواهب النابغة والعلماء والمتخصصين، علاوة على الأوائل من الطلاب والخريجين ورواد العمل الإنساني وخط الدفاع الأول من الكوادر في مجالات تمس الحاجة إليها في النواحي الأمنية والصحية والبيئية، بحسب الهيئة الاتحادية للهوية والجنسية والجمارك وأمن المنافذ.
وخلال العام الماضي تم تأسيس حوالي 5300 شركة مصرية جديدة في دبي بما يعزز نشاط تملك العقارات من قبل مؤسسي ومساهمي هذه الشركات. ومن ذلك تصريح رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس في مقابلة تلفزيونية مؤخراً أن أفضل دولة عربية للاستثمار فيها حالياً هي الإمارات، وأفضل قطاع فيها هو العقارات، لافتاً إلى أنه يشعر بالندم لأنه لم يستثمر فيها بوقت أبكر من ذلك.
دور شركات التطوير العقاري الإماراتية
من خلال حملات تسويق موجهة وقوية، تنظم شركات مثل إعمار و"داماك" و"دانوب" معارض في القاهرة، وتقدم حوافز تتراوح من منح سيارات فاخرة إلى جولات مدفوعة التكاليف بالكامل. وقد عقدت شركة إعمار وحدها شراكات مع نحو 1000 وكالة، ودربت الآلاف من وكلاء المبيعات.
مكتب مبيعات 'إعمار العقارية' في دبي يوم 2 يناير 2022. تضم منصة 'نمشي' للتسوق الإلكتروني التي تبيعها الشركة، مجموعة من الأزياء من أكثر من 700 ماركة عالمية، ولديها تطبيق للهواتف، بحسب موقعها الإلكتروني.
مكتب مبيعات 'إعمار العقارية' في دبي يوم 2 يناير 2022. تضم منصة 'نمشي' للتسوق الإلكتروني التي تبيعها الشركة، مجموعة من الأزياء من أكثر من 700 ماركة عالمية، ولديها تطبيق للهواتف، بحسب موقعها الإلكتروني - المصدر: بلومبرغ.
وتمزج هذه الحملات بين النداءات العاطفية حيث الحياة أفضل، ومعيشة عصرية والمنطق المالي وتأشيرة ذهبية تجذب الكثير من المصريين ويصعب مقاومتها بفضل سداد الأقساط على دفعات مناسبة وعوائد بالدولار الأميركي، وفق تقرير لمنصة " لاترلي " المنشور على موقعها الإلكتروني (latterly.org).
تخفيضات ضريبة الشركات تحفز الطلب على عقارات دبي الاستثمارية
من جهتها، أعلنت «بروبرتي فايندر»؛ أبرز مؤشرات أداء السوق العقاري لشهر يوليو/ تموز 2025، والتي كشفت عن زخم متواصل لقطاع العقارات في دبي.
وشهد الشهر، معاملات بيع بقيمة كبيرة وصلت إلى 63.6 مليار درهم، وهو ما يمثل زيادة سنوية بنسبة 27% من حيث القيمة و24% من حيث الحجم، مدفوعاً بارتفاع الطلب في كل من السوق العقاري على المخطط والسوق الثانوي.
أعطت التعديلات الأخيرة؛ دفعة إضافية للزخم المتنامي، إذ أعلنت «وزارة المالية» في يوليو 2025، السماح بخصم ضريبة الشركات على العقارات الاستثمارية المُحتفظ بها بالقيمة العادلة، تماشياً مع الممارسات الدولية في مجال المحاسبة. وتنطوي هذه الخطوة على تبعات عميقة للمستثمرين، ذلك أنها تتيح احتساب الاستهلاك بناءً على التقييمات الحالية في السوق بدلاً من الكلفة التاريخية.