محيي الدين سعيد يكتب لـ"الحصاد": 2023.. عام "غزة" وإحياء القضية الفلسطينية في الضمير الشعبي

محيي الدين سعيد

محيي الدين سعيد

في تاريخ الصراع العربي الصهيوني محطات مهمة وفاصلة ، صحيح أن أغلبها يحمل ذكريات مؤلمة لنا كعرب ، لكن في المقابل هناك محطات حملت الخزي والعار للكيان الصهيوني ، في تاريخه الملطخ كله بالدم والغدر والخيانة والانتهاكات لكافة الأعراف الإنسانية والشرائع السماوية .

من بين هذه المحطات ما حمله العام 2023 من مشاهد انكشاف وهن دولة الكيان من ناحية ، وعدم إيمانه بأي شرائع أو معاهدات أو أعراف من ناحية ثانية ، وزيف ما يسمي بالشرعية الدولية ومؤسساتها من ناحية ثالثة .

ففي السابع من أكتوبر 2023 ، وحين ظن الصهاينة أنهم مانعتهم حصونهم ، وقد زادوا من الترويج مجددا لأنفسهم بأنهم أصحاب جيش لا يقهر ، وبناة دولة لا تأتيها الثغرات من أي جانب ، وبدا وكأنهم نسوا أو تناسوا درس أكتوبر 1973  ،  حين دك الجيش المصري حصون أساطيرهم ، واستيقظوا علي هزيمة مدوية ومنكرة ، تسجلها صفحات المعارك العسكرية بأحرف من نور ، وحين عادت تل أبيب مجددا لبناء أساطير وهمية حول نفسها ، وبدأت تتمدد في المحيط الإقليمي ، ما بين علاقات هنا ومشروعات وممرات هناك ، وقتها استيقظ العالم علي ضربة جديدة من المقاومة الفلسطينية لكل الأساطير الصهيونية ، واختراق للحصون والحوائط والرادارات وجدران الحماية ، بأبسط الأدوات وأقل الأسلحة صنعا ، ليعود أبطال المقاومة وفي قبضتهم عشرات من الأسري الصهاينة ، ولتلبس دولة الكيان ثوب عار جديد .

 لم يأت الرد الصهيوني قتالا بقتال  ،  وحيلة بحيلة وخطة بخطة ، وإنما جاء ترجمة واضحة لمعتقدات الصهاينة وطبيعتهم الغادرة ، فأطلقوا طائراتهم وقنابلهم ودباباتهم وأسلحتهم صوب صدور المدنيين العزل ، واستهدفوا المباني والمستشفيات والمدارس ، ولم يفرقوا بين طفل وامرأة وشيخ ، وإنما أعملوا أدوات القتل في الجميع ، ظنا منهم أنهم سيجبرون المقاومة علي الاستسلام ، لكنهم قوبلوا بمقاومة أشد شراسة ، وتمكسا من الفلسطينيين بأراضيهم وحقوقهم التي لا ينكرها إلا الكيان ومناصروه في واشنطن وإدارات الحكم الغربية .

ومرة أخري ينكشف زيف ما يسمي بمنظمات المجتمع الدولي ، التي انحازت انحيازا أعمي للاحتلال ، المدفوع في عدوانه بحماية أمريكية ، ووقف المجتمع الدولي عاجزا عن التدخل لإيقاف المجازر التي لا تزال مستمرة من قبل الاحتلال ، وأثبتت الأحداث أن كل المنظمات الدولية في حاجة شديدة لإعادة هيكلة ، وبناء عالم جديد ، لا ينحاز سوي للحق وحده ، ويردع المعتدي عن عدوانه ، أيا كان .

وحدها مصر عادت لتثبت للعالم كله أنها بالفعل قلب العرب النابض ، وقلعته الحصينة ن والمدافع الأول عن كل حق عربي ، وهو ما ظهر جليا في موقف مصر قيادة وحكومة وشعبا ، فعلي المستوي القيادة ، لم تتوقف القاهرة لحظة عن جهودها المتواصلة لوقف العدوان علي أبناء الشعب الفلسطيني ، وكانت مصر بحق – ولا تزال – صوت الفلسطينيين في مختلف المحافل والأزمات ، ولم تتوقف القيادة السياسية عن إجراء الاتصالات مع كافة زعماء العالم ، ودعوة المجتمع الدولي لتحمل مسئولياته ، عبر استضافة قمة القاهرة للسلام .

وعلي المستوي الحكومي ، تكاتفت كل الأجهزة والجهات الحكومية في العمل علي جمع المساعدات لأبناء الشعب الفلسطيني ، ومحاولة إدخالها لقطاع غزة .

أما علي المستوي الشعبي ، فكانت الأحداث بحق جرس إيقاظ جديد للقضية  الفلسطينية في قلب الشعب المصري ، علي اختلاف فئاته وأجياله ، ويكفي أن تسمع طفلا صغيرا الآن في أي مكان للتسوق ، وهو يسأل السؤال الذي صار من لوازم المصريين حاليا : هل هذه ضمن قائمة المقاطعة ؟ كما يكفي أن تستمع لهتافات المشجعين في مدرجات الرياضات المصرية وهي تنادي بدعم الشعب الفلسطيني وحقوقه ، وتحيي الشهداء وتهتف لهم .

الشاهد أن غزة وأحداثها نقطة فاصلة ، ومثلما صار السادس من أكتوبر 1973 تاريخا مجيدا في الصراع مع الكيان المحتل ، صار السابع من أكتوبر 2023 ، تاريخا جديدا يضاف لصفحات المقاومة ضد هذه الكيان ، وصار ما بعده انكشافا لعورات الاحتلال وداعميه ، وإحياء للقضية في الضمير الشعبي العربي والعالمي ، فبغض النظر عن موقف الحكومات في الغرب ، لا يمكن لنا أن نغفل عن المظاهرات  الشعبية التي اجتحت الشوارع في الغرب والشرق ، دعما للشعب الفلسطيني ، ورفضا للعدوان الصهيوني .

 

يمين الصفحة
شمال الصفحة