أرشيفية
-
الرياض تنهي اتفاقية البترودولار مع واشنطن بعد 50 عاما .. سيطرت فيها العملة الأمريكية علي الاقتصاد العالمي
-
محللون : عواقب ضخمة تتكبدها الولايات المتحدة.. وتغييرات كبري منتظرة في خريطة القوي الاقتصادية العالمية
السعودية توجه ضربة قاصمة للدولار.. تحول كبير علي ساحة الاقتصاد العالمي، بما يمثل ضربة قاصمة توجهها المملكة العربية السعودية بعدم تجديد اتفاقية النفط التي أبرمتها مع الولايات المتحدة منذ 50 عامًا، ووفقا لتقارير إخبارية، ينهي هذا القرار ترتيبًا ماليًا طويل الأمد تم إنشاؤه في عام 1974 بين السعودية وأمريكا.. والذي جعل الدولار الأمريكي العملة الأساسية لمعاملات النفط الدولية.
وكان قد تم التوقيع على اتفاقية البترودولار الأصلية في 8 يونيو 1974 من قبل وزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر والأمير فهد بن عبد العزيز من المملكة العربية السعودية ، وجاء هذا الاتفاق في أعقاب الحظر النفطي العربي والارتفاع الكبير في أسعار النفط ، فيما استهدفت الاتفاقية تحقيق الاستقرار في سوق النفط العالمية وضمان التدفق المستمر للنفط من المملكة العربية السعودية إلى الولايات المتحدة ، وفي المقابل، قدمت الولايات المتحدة الدعم العسكري والاقتصادي للمملكة العربية السعودية.
وبموجب هذا الاتفاق، وافقت المملكة العربية السعودية على تسعير صادراتها النفطية حصرياً بالدولار الأمريكي وإعادة استثمار فائض عائدات النفط في سندات الخزانة الأمريكية ، وقد حل هذا النظام محل الذهب كمعيار عالمي للقيمة، مما سمح للولايات المتحدة بالحفاظ على هيمنتها على التجارة الدولية والسيطرة على سوق الطاقة العالمية ، ونتيجة لذلك، استخدمت معظم دول أوبك أيضًا الدولار الأمريكي في معاملات النفط.
تأثيرات عالمية
أثر نظام البترودولار بشكل كبير على الديناميكيات الاقتصادية العالمية من خلال خلق طلب مستمر على الدولار الأمريكي ، و أدى هذا الطلب إلى زيادة قيمة الدولار وتعزيز مكانته باعتباره العملة الاحتياطية الرئيسية في العالم ، واستفادت الولايات المتحدة من قدرتها على إدارة عجز تجاري أكبر والحفاظ على أسعار فائدة منخفضة.
وفصل تقرير صدر عام 1979 عن مكتب محاسبة الحكومة (GAO) آليات الاتفاقية الأمريكية السعودية، والتي تضمنت لجنتين مشتركتين ركزتا على التعاون الاقتصادي والاحتياجات العسكرية. ربطت هذه اللجان الثروات الاقتصادية للدولتين معًا وعززت النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة في جميع أنحاء العالم.
تحول في سوق العملات العالمية
ومع اختيار المملكة العربية السعودية عدم تجديد اتفاقية البترودولار، تتمتع البلاد الآن بالمرونة اللازمة لإجراء مبيعات النفط بعملات متعددة، بما في ذلك الرنمينبي الصيني واليورو والين واليوان ، و تعد هذه الخطوة جزءًا من استراتيجية المملكة العربية السعودية الأوسع لتنويع تحالفاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الدولار الأمريكي.
ويقول محللون اقتصاديون عالميون إن هذا التحول يمكن أن يؤدي إلى طرق جديدة للمعاملات الاقتصادية العالمية. هناك أيضًا تكهنات حول الاستخدام المحتمل للعملات الرقمية مثل البيتكوين في تداولات النفط المستقبلية، مما قد يغير المشهد المالي العالمي.
وتعمل المملكة العربية السعودية بنشاط على استكشاف سبل العملات الرقمية، وانضمت مؤخرًا إلى مبادرة يقودها بنك التسويات الدولية ، وتهدف إلى تسهيل المدفوعات الفورية عبر الحدود ومعاملات الصرف الأجنبي من خلال منصة عملات رقمية متعددة البنوك المركزية ، فيما يؤكد التزام المملكة العربية السعودية بتحديث أنظمتها المالية وتبني التحول الرقمي.
بالإضافة إلى ذلك، وقعت المملكة العربية السعودية اتفاقية مبادلة العملة المحلية مع الصين، مما يشير إلى محور استراتيجي نحو علاقات مالية أقوى مع آسيا ، وتسمح هذه الاتفاقية بتدفقات تجارية واستثمارية ثنائية أكثر سلاسة دون الحاجة إلى الدولار الأمريكي.
آثار متوقعة
وبحسب خبراء وتحليلات متعددة ، فإنه من المتوقع أن يكون لانتهاء اتفاقية البترودولار آثار واسعة النطاق على الاقتصاد العالمي ، حيث استفادت الولايات المتحدة لفترة طويلة من مكانة الدولار باعتباره العملة العالمية المهيمنة، الأمر الذي وفر لها مزايا اقتصادية كبيرة ، ومع ذلك، بينما تستكشف المملكة العربية السعودية ودول أخرى البدائل، فقد يتضاءل النفوذ الاقتصادي للولايات المتحدة.
وقد يؤدي هذا التحول إلى زيادة التقلبات في أسواق العملات ويستلزم إعادة تقييم الاستراتيجيات المالية من قبل البنوك المركزية والشركات المتعددة الجنسيات في جميع أنحاء العالم. تتزايد تجارة العملات المحلية على مستوى العالم ، فعلى سبيل المثال، قامت البنوك في 22 دولة، بما في ذلك روسيا والمملكة المتحدة وألمانيا وإسرائيل، بفتح حسابات فوسترو خاصة في البنوك الهندية للتداول بالروبية الهندية ، ويقول اقتصاديون إن ابتعاد المملكة العربية السعودية عن الدولار يمكن أن يشجع الدول الأخرى على أن تحذو حذوها.
توازن إقليمي
يلفت الخبراء إلي تزامن توقيت قرار المملكة العربية السعودية مع عمليات إعادة ترتيب جيوسياسية أوسع نطاقا ، حيث تسعى الدول إلى تحقيق التوازن بين التبعيات الاقتصادية وتعزيز الشراكات الإقليمية ، مشيرين إلي أن الابتعاد عن عملة أساسية واحدة للتجارة يمكن أن يقلل من نفوذ الولايات المتحدة ويؤدي إلى نظام عملة متعدد الأقطاب، مما يؤثر على الاستقرار المالي العالمي والاستراتيجيات الاقتصادية.
ورأت وسائل إعلام عالمية أن انتهاء هذه الاتفاقية يمثل تحولا كبيرا في الديناميكيات المالية العالمية، ما قد يؤثر على هيمنة الدولار الأمريكي على سوق النفط ، لافتة إلي أن تحرك المملكة العربية السعودية نحو التخلص من الدولار يتماشى بشكل وثيق مع علاقاتها المتنامية مع البريكس.
ومن خلال رفض تجديد اتفاقية البترودولار، تشير السعودية إلى عزمها تنويع شراكاتها الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
وتابعت أنه من الممكن أن يؤدي هذا القرار إلى عمليات إعادة تنظيم اقتصادية وسياسية على نطاق عالمي، ما يؤثر على التجارة الدولية والاستقرار المالي. كما أن نهاية اتفاقية البترودولار ستطرح تحديات وفرص جديدة لمختلف أصحاب المصلحة، من الحكومات إلى المؤسسات المالية.
وقد تخضع أسواق الطاقة والاستراتيجيات الجيوسياسية لتغيرات جوهرية مع تكيف العالم مع هذا الواقع الجديد.
في المقابل لفت محللون آخرون إلى أن الاتفاقية كانت منطقية في زمنها لكن السعودية الآن لاعب اقليمى كبير، وأمريكا تحولت من مستوردة للنفط إلى مصدرة أي لم تعد بنفس الحاجة إلى النفط السعودى.
وقد أصبحت الصين هي المستورد الاول لنفط المملكة، وفي حين أن السعودية حريصة على علاقة متوازنة مع الولايات المتحدة وحفظ الاستقرار، لكن المشكلة قد تأتى إذا قررت أمريكا في صراعها مع الصين أن تقطع طريق إمدادات النفط البحري من السعودية – ومن غيرها – إلى الصين مما يحول أمريكا من ضامن لأمن السعودية إلى مهدد له.
ويشير الخبراء إلي أن نظام البترودولار كان له تأثيرات واسعة النطاق على التجارة العالمية فمن خلال تسعير النفط بالدولار، خلق طلبًا ثابتًا على العملة الأمريكية في جميع أنحاء العالم ما أدى إلى وجود احتياطيات كبيرة من الدولارات تحتفظ بها البنوك المركزية على مستوى العالم. هذه الاحتياطيات غالبًا ما كان يتم إعادة تدويرها مرة أخرى إلى أصول أمريكية، عززت الاقتصاد الأمريكي.
كما أثر هذا النظام على الموازين التجارية، إذ غالبًا ما قامت الدول المصدرة للنفط إلى الولايات المتحدة بإعادة استثمار أرباحها في الشركات الأمريكية والسندات الحكومية، مما يؤدي إلى ربط الأسواق المالية العالمية وضمان تدفق رأس المال نحو الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، أدى نظام البترودولار إلى جعل الدولار عملة احتياطية أساسية.
تغييرات متوقعة
يقول الخبراء إنه بعد الخطوة السعودية ، قد يشهد سوق النفط العالمي تقلبات متزايدة ، وقد يشجع هذا التغيير الدول الأخرى المصدرة للنفط على أن تحذو حذوها، ما يقلل الطلب على الدولار في المعاملات النفطية ، و قد تصبح أسعار النفط أكثر عرضة للتقلبات بسبب اختلاف أسعار الصرف وعدم استقرار العملة.
وعلى المدى القصير، قد يؤدي هذا التحول إلى زيادة التضخم في البلدان التي تعتمد بشكل كبير على واردات النفط ، وقد تحتاج البنوك المركزية إلى تعديل سياساتها النقدية لتحقيق استقرار عملاتها ، وقد يشكل هذا السيناريو تحدياً للتعاون الاقتصادي الذي يمكن رؤيته في ظل نظام البترودولار الأكثر استقراراً.
كما أنه يمكن للمملكة إعادة توجيه الأموال إلى الأسواق المالية والاستثمارات العالمية الأخرى ، وقد يؤثر هذا التحول على البلدان التي استفادت تقليديا من الاستثمارات السعودية، مما قد يؤدي إلى تحولات في التعاون الاقتصادي الدولي ، وقد يدفع هذا التغيير واشنطن إلى إعادة تقييم سياستها الخارجية واستراتيجياتها الاقتصادية مع الرياض.
علاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي القرار إلى تسريع الجهود المبذولة في الشرق الأوسط لتنويع الاقتصادات بعيدًا عن الاعتماد على النفط ، وقد تدفع هذه التغييرات اللاعبين الإقليميين إلى تشكيل شراكات جديدة، وتغيير هياكل السلطة التقليدية، وربما زيادة التعاون مع القوى العالمية الناشئة.
عواقب اقتصادية
يرصد خبراء واقتصاديون عواقب للقرار السعودي علي الاقتصاد الأمريكي ، مشيرين إلي أنه من الممكن أن يؤدي انهيار نظام البترودولار إلى انخفاض الطلب على الدولار الأمريكي، مما يؤدي إلى انخفاض قيمته ، وقد يؤدي هذا إلى ارتفاع معدلات التضخم في الولايات المتحدة ، علاوة على ذلك، قد تشهد وزارة الخزانة الأمريكية انخفاضًا في شراء الدول الأجنبية لأوراقها المالية، مما قد يؤدي إلى زيادات محتملة في تكاليف الاقتراض.
ويشيرون إلي أن الاقتصاد الأميركي استفاد بشكل كبير من تصدير الدولارات وإصدار الديون على شكل سندات خزانة، ما أدى إلى خلق اقتصاد مستقر، وانخفاض أسعار الفائدة، وسيولة الأسواق المالية ، وهذا التحول السعودى قد يشير إلى نهاية الهيمنة المالية الأميركية على العالم ويثير المخاوف بشأن مستقبل الاقتصاد الأميركي.
ويمكن أن تؤدي أسعار الفائدة المرتفعة الناتجة عن هذا القرار إلى زيادة تكلفة الرهون العقارية والإيجارات وقروض السيارات وقروض الطلاب وبطاقات الائتمان ، كما يمكن أن يؤدي إلى إجهاد النظام المصرفي، والعجز الوطني، والميزانية الفيدرالية، ما قد يؤدي إلى ارتفاع الضرائب ، بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تتأثر قيمة الدولار نفسه، مما يجعل السفر وشراء البضائع من بلدان أخرى أكثر تكلفة.
تداعيات البريكس
انضمت السعودية أيضًا إلى البريكس، رغم أنها قالت بعد الإعلان الأول إنها لم تنته بعد من تأكيد مشاركتها ، ومع ذلك، فقد ورد أنها حضرت الاجتماعات.
و أحد أهداف البريكس الحالية هو استخدام المزيد من المعاملات بالعملة المحلية وتجنب الدولار ، ويقول محللون إنه يمكن النظر إلى عضوية البريكس المتقطعة على أنها ورقة مساومة سعودية أخرى في المفاوضات الأخيرة حول صفقة أمريكية سعودية جديدة مثيرة للجدل تشمل الأسلحة والدفاع.