
اهتزت الأسواق العالمية، وشهدت ارتباكًا واسعًا على خلفية قرارات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأخيرة، التي تضمنت تعليق المساعدات العسكرية لأوكرانيا وفرض تعريفات جمركية جديدة على كبار الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، ما دفع أوروبا إلى البحث عن بدائل لدعم كييف، فيما تستعد الصين وكندا والمكسيك للرد على القيود التجارية الجديدة.
فرض رسوم جمركية
نفذ الرئيس الأمريكي دونالد ترمب تهديده بفرض رسوم جمركية شاملة على المنتجات الواردة من كندا والمكسيك، كما ضاعف الرسوم المفروضة على الصين، ما أدى إلى ردود فعل انتقامية سريعة من شأنها أن تدفع الاقتصاد العالمي نحو حرب تجارية متفاقمة.
تؤثر الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، بواقع 25% على معظم الواردات من كندا والمكسيك ومضاعفة الرسوم على الصين إلى 20%، على منتجات واردة إلى الولايات المتحدة بقيمة تقارب 1.5 تريليون دولار سنوياً، وهي خطوة واسعة النطاق تعطي مؤشراً للأسواق بأن الرئيس الجمهوري ملتزم بفرض رسوم جمركية للحصول على عائدات جديدة وخلق وظائف في أنشطة التصنيع المحلية.
وفي المقابل اقترحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، اليوم الثلاثاء، حزمة قروض دفاعية بقيمة 150 مليار يورو لدعم حكومات الاتحاد الأوروبي.
وتهدف هذه الحزمة إلى تمويل قطاع الدفاع الأوروبي، بدلًا من تقديم مساعدات مباشرة لأوكرانيا، في ظل معارضة المجر لأي دعم عسكري إضافي لكييف، وفقًا لتقرير نشرته صحيفة "فاينانشال تايمز".
ارتباك الأسواق العالمية
لم تقتصر قرارات ترامب على تعليق الدعم العسكري لأوكرانيا، بل امتدت إلى فرض تعريفات جمركية جديدة أثارت قلق الأسواق العالمية، فقد قرر فرض رسوم إضافية بنسبة 10% على الواردات الصينية، ورفع الرسوم إلى 25% على الواردات القادمة من كندا والمكسيك.
مع اقتراب تنفيذ هذه التعريفات، شهدت الأسواق المالية العالمية اضطرابات كبيرة، حيث تراجعت أسهم شركات التكنولوجيا الآسيوية، وخاصة تلك المرتبطة بصناعة الرقائق.
وسجلت شركة "TSMC" التايوانية خسائر تجاوزت 2%، بينما هبطت أسهم "إنفيديا" بنحو 9% خلال التداولات الممتدة يوم الاثنين، وسط تزايد المخاوف بشأن التأثير المحتمل لقرارات ترامب على سلاسل التوريد العالمية.
تأثيرات متباينة
قرارات ترامب لم تؤثر فقط على أسواق الأسهم، بل امتدت إلى أسواق السلع أيضًا، حيث ارتفعت أسعار الذهب مع تزايد الطلب على الملاذات الآمنة، ليسجل المعدن الأصفر 2925 دولارًا للأوقية، بارتفاع 0.85%.
وفي المقابل، تراجعت أسعار النفط، حيث انخفض خام برنت بنسبة 1.45% إلى 70.6 دولار للبرميل، بينما هبط الخام الأمريكي إلى 67.55 دولارًا، بانخفاض 1.2%، وسط مخاوف من تباطؤ الطلب العالمي وعودة الركود التضخمي.
تحديات أوروبية جديدة
على الجانب الأوروبي، ورغم انتعاش أسهم شركات الدفاع مع خطط تعزيز الإنفاق العسكري، فإن الأسواق لم تسلم من التقلبات مع دخول تعريفات ترامب الجمركية حيز التنفيذ.
وتشير التوقعات إلى أن القارة العجوز قد تكون الهدف القادم لرسوم جمركية إضافية، خاصة مع استمرار التوترات التجارية والسياسية بين الجانبين.
ردت كندا بفرض رسوم على سلع أميركية بقيمة 107 مليارات دولار، كما فرضت الصين رسوماً جمركية تصل إلى 15%، معظمها موجه إلى الشحنات الزراعية الأميركية. وقالت الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم، يوم الإثنين، إن حكومتها ستنتظر قرار ترمب قبل الرد بأي إجراءات انتقامية، ويُتوقع أن تتحدث إلى الصحفيين صباح اليوم الثلاثاء بالتوقيت المحلي.
تشكيل وضع أمريكا اقتصاديا وسياسيا
ترسم هذه التحركات مرحلة جديدة يقوم فيها ترمب بإعادة تشكيل وضع أمريكا اقتصادياً ودبلوماسياً على مستوى العالم. ويضع تنفيذ الرسوم حداً للشكوك حول مدى جدية الرئيس الأمريكي بتنفيذ تهديداته، التي كررها، والتي يهدف منها تبديل علاقات بلاده الاقتصادية مع العالم لمواجهة ما يصفها بالتجارة غير المتوازنة.
قالت أليشيا جارسيا هيريرو، كبيرة خبراء الاقتصاد في منطقة آسيا والمحيط الهادئ في "ناتيكسيس": "نحن في عصر جديد يسيطر فيه شعار حماية الأسواق، والولايات المتحدة تقود هذا التوجه". مضيفةً أن "الصين ردت باستهداف قطاع الزراعة الذي يمثل العاملون فيه أكثر الناخبين إخلاصاً لترمب. لكن هذا لن يوقف الرئيس الأميركي".
ووفقا لمختبر الميزانية في جامعة ييل (The Budget Lab at Yale)، فإن هذه الرسوم الجمركية سترفع التعريفات المفروضة على الواردات إلى الولايات المتحدة إلى أعلى مستوى لها منذ عام 1943. ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى تكاليف إضافية تصل إلى 2000 دولار ستتحملها الأسر الأميركية. كما يعني ذلك أيضاً تباطؤاً كبيراً في النمو الاقتصادي للولايات المتحدة، خاصة إذا ردت الدول الأخرى بإجراءات انتقامية، وفقا للتقرير الذي نُشر يوم الإثنين.
أشار ترمب إلى أن المزيد من التعريفات الجمركية في الطريق، بما في ذلك رسوم متبادلة، في أبريل، على جميع الشركاء التجاريين الذين يفرضون رسوماً أو يضعون حواجز على المنتجات الأميركية، فضلاً عن ضرائب على قطاعات معينة بنسبة 25% تشمل السيارات وأشباه الموصلات والأدوية.
ومن المقرر أيضاً أن تكون هذه التعريفات تراكمية، بالإضافة إلى أي رسوم على المنتجات العابرة للحدود على دولة معينة.
وذكر ترمب أيضاً أن تعريفة بنسبة 25% قيد الإعداد ضد الاتحاد الأوروبي، كما يدرس فرض رسوم على واردات النحاس والأخشاب. ومن المقرر أيضاً أن تدخل تعريفات الصلب والألمنيوم حيز التنفيذ في 12 مارس الجاري، ما سيؤثر بشكل أكبر على كندا والمكسيك.
استقبلت الأسواق المالية لحظة دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ بشكل هادئ، حتى أن الأسهم الصينية ارتفعت في التعاملات خلال اليوم. ومع ذلك، ففي الفترة التي سبقت الموعد النهائي، انخفضت الأسهم الأميركية إلى أدنى مستوى لها هذا العام، كما تراجعت عوائد سندات الخزانة في وقت سابق إلى أدنى مستوى في أربعة أشهر، وانخفض النفط إلى أدنى مستوياته في ثلاثة أشهر.